الفخ الذي وقعت فيه السلطة: بين التنسيق والمقاومة

الأربعاء 12 نوفمبر 2014 12:11 ص

أحداث الايام الاخيرة تمثل بالنسبة للفلسطينيين نقطة تحول. زمن التصريحات قد ولى، والآن من يفرض الشروط هو الميدان، في الوقت الذي لا يقود فيه محمود عباس وقيادته الشارع وإنما يُقاد من قبله. الغضب والاحباط اللذان تفجرا في عمليات القدس، تل ابيب والضفة الغربية، والمواجهات التي قتل فيها شاب فلسطيني بالقرب من الخليل أمس تلزم زعماء السلطة باعطاء أجوبة في أسرع وقت ممكن للجمهور الفلسطيني. الضغط الفلسطيني وجد تعبيره أمس على خلفية الذكرى السنوية العاشرة لموت ياسر عرفات. ففي الوقت الذي أكد فيه عباس على التوجه الى مجلس الامن في الامم المتحدة سمعت في الخلفية اصوات تنادي بالتحرك: وقف التنسيق الامني مع اسرائيل. والى جانب ذلك لوحظ التصالح الداخلي الفلسطيني مصدوعا أكثر من أي وقت آخر.

في مراسيم الذكرى لعرفات اتهم عباس بأن السياسة الاسرائيلية هي التي تقود المنطقة الى حرب دينية فتاكة، ولم يتطرق تقريبا للعملية السياسية. وقد أوضح أن القيادة الفلسطينية مصممة على التوجه بعد شهر الى مجلس الامن، واذا فشلت هذه الخطوة بسبب عدم وجود الاغلبية أو بسبب الفيتو الامريكي، فان السلطة ستتوجه الى منظمات دولية اخرى منها المحكمة في لاهاي. "سنتوجه الى المحكمة الدولية من اجل الدفاع عن شعبنا ولن ترهبنا الضغوط الكبيرة التي تُمارس علينا". وأضاف "المناطق الفلسطينية التي احتلت في 1967 لا خلاف أنها مناطق محتلة، واسرائيل تحاول فرض الحقائق من خلال المستوطنات. نحن نرى في كل المستوطنات عمل غير شرعي ومناقض للقانون الدولي وعلى اسرائيل ازالتها، لأننا نريد دولة فلسطينية بدون المستوطنات".

ومن تحدث بدون اعتبارات سياسية وبدون خوف وبشدة هو مروان البرغوثي، رئيس التنظيم سابقا، والمسجون في اسرائيل منذ أكثر من عشر سنوات لكنه ما زال يحافظ على مكانته كقائد فلسطيني شعبي. وقد نشر البرغوثي أول أمس رسالة قام بارسالها من السجن بمناسبة الذكرى السنوية لموت عرفات، وطالب فيها بقطع العلاقات مع اسرائيل وتعزيز المقاومة كسبيل وحيدة لانهاء الاحتلال وتحقيق الحرية وعودة اللاجئين. وأيد البرغوثي التوجه الى المنظمات الدولية وعلى رأسها المحكمة في لاهاي، ودعا القيادة الفلسطينية للعمل على دعم المقاطعة ضد اسرائيل بدلا من التمسك بالمفاوضات التي لم تثمر حتى الآن أي انجاز للفلسطينيين. وحسب اقواله فانه يجب اعادة النظر في دور السلطة الفلسطينية التي هي موجودة أولا وقبل كل شيء للمقاومة وليس للتعاون مع اسرائيل.

كلمات البرغوثي هذه لم تسقط على آذان صماء، والضغط على عباس لاتخاذ خطوات فعلية بالذات في موضوع التنسيق الامني ليس بجديد. مسؤول في فتح ومقرب من البرغوثي قال إن كلمات البرغوثي هدفها نقل رسالة واضحة للرئيس الفلسطيني واعضاء فتح، الذين لا يستطيع بعضهم الخروج بتصريحات كهذه.

يوجد في فتح من لا يترددون في قول أمور مشابهة رغم أنهم يتفقون مع موقف عباس حول ضرورة استنفاد التوجه الى الامم المتحدة قبل وقف التنسيق. توفيق الطيراوي، المسؤول في فتح، قال أمس لصحيفة "هآرتس": "اذا فشلت خطوة الامم المتحدة، فان العلاقات بين السلطة الفلسطينية واسرائيل ستتغير. سنوقف التنسيق الامني، نقطة، لأنه لن يكون لنا أي معنى بدون أفق سياسي".

وفي محيط عباس تطرقوا الى الامر بحذر وبلغة غير ملزمة: "لا شك أن هذا الامر سيطرح للنقاش بعد الخطوة في الامم المتحدة كي نعرف وجهتنا، ولكن لا يوجد قرار واضح بعد"، قال أمس لـ "هآرتس" عضو في اللجنة المركزية الطيراوي، المقرب من الرئيس. "أبو مازن قال بوضوح إننا سندرس من جديد العلاقات مع اسرائيل، وهذا يشمل التنسيق الامني".

وحسب قول المسؤول، فان كلمات "تنسيق امني" تحمل مغزى سلبي بالنسبة للجمهور الفلسطيني، رغم أن التنسيق يخدم مصلحتنا ايضا: "الناس ينظرون وكأن السلطة الفلسطينية واجهزة الامن هي أذرع تنفيذية لقوات الامن الاسرائيلية، ولكن يجب التذكر أن التنسيق الامني يتعلق بحياتنا اليومية". وأضاف: "في نهاية الامر فان السلطة كلها مبنية على التنسيق الامني. الغاءه أو وقفه يعني أن السلطة كذراع حاكم ستكف عن العمل وتعيد المفاتيح للحكومة الاسرائيلية، لذلك فان هذا القرار لا يعني فقط وقف اللقاءات بين مسؤولي الاستخبارات أو منسق الحكومة في المناطق".

حماس تستمر على وضع عباس في التحدي. اذا كان تم الحديث في الشهر الماضي عن حكومة توافق، فانه في هذا الاسبوع تغيرت الحال كليا. أمس اتهم عباس بشكل واضح قيادة حماس بوضع المتفجرات في منازل وسيارات مسؤولي فتح في غزة وافشال احتفال الذكرى لعرفات الذي كان مقررا في أول أمس. وحسب قوله فان سلوك حماس في غزة والضفة الغربية يضر بجهود اعادة اعمار القطاع ولا يشير الى استعداد المنظمة للمصالحة.

أحد المستشارين المقربين من عباس قال أمس لـ "هآرتس" إن الاتهامات التي وجهها عباس لحماس ليست تصريحات سياسية وانما هي تستند الى معلومات تؤكد أن حماس هي التي تقف خلف هذه الاعمال. وحسب قول المستشار فان المقصود هو أحد أذرع حماس في غزة الذي قد يتضرر من المصالحة. "لا شك أن حادثة كهذه تشوش وتؤخر تحقيق المصالحة وعمل الحكومة، وايضا اعادة اعمار القطاع الذي ينتظره السكان بفارغ الصبر".

في حماس لم يبقوا مكتوفي الايدي وادعوا أن سياسة عباس تقود الى طريق مسدود. حسين أبو كويك، أحد زعماء حماس في الضفة، قال إن "المعطيات على الارض تشير بشكل واضح أن المقاومة في الضفة تزداد، وذلك يعني انهيار التنسيق الامني المهين والذي يهدف الى الدفاع عن الاحتلال والمستوطنات. الجيل الفلسطيني الشاب مصمم على تبني المقاومة من اجل تحقيق حقوقه، وهذا هو الطريق الوحيد الذي يضمن ذلك".

ورغم أجواء الاحباط في رام الله والضغط من اجل القيام بخطوات عملية، فان القيادة الفلسطينية غير مستعدة لاتخاذ خطوات من شأنها اشعال المناطق طالما أن موضوع التوجه الى الامم المتحدة لم يُحسم. "نحن سنتوجه الى الامم المتحدة لطلب دولة. وفي المقابل لا يمكن أن تظهر الضفة وغزة مثل الصومال، مع مسلحين وملثمين في كل مكان، فعندها لن يستمع إلينا العالم"، قال مسؤول في مكتب عباس للصحيفة. "لذلك حذرنا من أن المجتمع الدولي يجب عليه كبح التطرف الاسرائيلي، وإلا فان الوضع سيزداد خطورة وسنفقد السيطرة".

المصدر | جاكي خوري، هآرتس

  كلمات مفتاحية

السلطة الفلسطينية مروان برغوثي مجلس الأمن حرب دينية