«الحبس» و«السرطان» يطاردان معتقلي الانقلاب العسكري في مصر

الأحد 4 ديسمبر 2016 09:12 ص

في غرفة سجنه المظلمة، يحاول كتم تأوهاته، يصارع المرض وحيدا، فيفقد الوعي تارة ليستفيق على ألم يمزق أعضاءه، يأتي موعد الزيارة فيخرج محمولا يلملم بقايا ما كان يوما جسده.

مشاهد معاناة رسمتها بالكلمات أسرتا سجينين مصريين مصابين بالسرطان، تضاف إليها قصص أخرى تناولتها وسائل إعلام محلية، قوبلت جميعها بنفي من الجهات الرسمية التي تدافع بالقول إنها تتبع كافة المعايير الحقوقية في التعامل مع السجناء.

«هالة عوض»، زوجة السجين نادي فتحي جاهين (50 عاما) تقول إن «المرض ألم في حد ذاته، وابتلاء لا يصبر عليه الكثيرون، وزوجي جمع بين ألمي السجن والسرطان»، بحسب وكالة أنباء «الأناضول».

سرطان و15 عاما

و«جاهين» مصاب بسرطان في فتحة الشرج والرئة، قبض عليه في 14 أغسطس/ آب 2013 وصدر ضده حكم عسكري بالسجن 15 عاما في أغسطس 2015، في قضية متهم فيها بحرق مقر حكومي، إبان الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها البلاد عقب فض قوات من الجيش والشرطة اعتصامين لأنصار «محمد مرسي» أول رئيس مدني منتخب في ميداني «رابعة العدوية» و«نهضة مصر» بالقاهرة الكبرى، احتجاجا على الانقلاب العسكري الذي نفذه وزير الدفاع آنذاك «عبدالفتاح السيسي».

وتضيف «هالة»: «بدأ المرض يظهر على زوجي بعد عام ونصف العام من القبض عليه في 14 أغسطس/آب 2013، وبدأنا في اكتشافه عندما ظهرت أعراض معينة منها نزيف حاد، وإغماءات، وضعف البنية».

وتتابع: «فبدأنا نطالب بضرورة الكشف عليه وكان حينها بسجن الأبعادية (شمال) قبل إصدار حكم المحكمة عليه بـ 15 عاماً، وانتقل بعدها إلى سجن برج العرب (شمال) وهناك تدهورت حالته الصحية، فأمروا بالكشف عليه لمعرفة نوع المرض الذي أدى إلى تلك الحالة».

وتحكي «هالة» عن رحلة مرضه، قائلة: «بعد الفحص بالأشعة، اكتشفوا أنه مصاب بسرطان فتحة الشرج، ونقله القائمون على السجن للمستشفى الميري بالإسكندرية (حكومي)، حيث بدأت الجلسات اليومية للعلاج الكيماوي، وبعدها طمأننا الطبيب أن المرض تمت السيطرة على جزء كبير منه، إلا أنه بعدما توقف عن جلسات العلاج عاد المرض مرة أخرى بل وانتشر فى أنحاء أخرى من جسده مثل الرئة».

بعد ذلك «قرر الطبيب إجراء عملية لاستئصال المرض، وقبل البدء فى العملية بدأنا نطالب بعفو صحي عنه، وبالفعل قدمنا طلبا لمصلحة السجون في 14 فبراير/ شباط الماضي، وأرسلت إدارة السجن إشارة مكتوبة بالحالة الصحية له إلى مصلحة السجون في القاهرة (المركز الرئيسي)، ثم للنائب العام (نبيل صادق)، الذي انتدب فعلا لجنة طبية، كتبت تقريرها عن الحالة، ولكن توقف الأمر عند هذا الحد فلم نجد أي رد حتى الآن».

هذه المشاهد المؤلمة من وجهة نظر «هالة»، تزداد عندما يخرج زوجها في زياراتها القصيرة «جالسا على كرسي متحرك، يغشي عليه تارة، وحرارته مرتفعه تارة أخرى، وتراه تقع أسنانه واحدة تلو الأخرى إثر جلسات الكيماوي».

المعاناة مضاعفة

واقعة ثانية في سجن المنصورة بدلتا النيل، شمال البلاد، ترويها «زهراء شميس» ابنة محمد طلعت شميس (64 عاما) المحكوم عليها بالسجن 15 عاما لاتهامه بالتحريض على العنف في مظاهرات خرجت في 2013 عقب فض اعتصامي «رابعة العدوية» و«نهضة مصر».

وكثيرا ما قصت «زهراء» حكاية أبيها لمنظمات حقوقية غير حكومية، وعادت لتكررها قائلة: «بدأت أزمة والدي مع ظهور مرض جلدي، وضعف في جسده وقلة النوم، وبعد تجربة أكثر من علاج لم يستجب جسده لأي دواء، وبتحليل عينة من الدم أسفل الجلد فوجئنا بإصابة أبي بسرطان في الجلد».

«لم يشفع له مرضه في تخفيف عقوبته أو رعايته رعاية صحية جيدة»، تستكمل زهراء حديثها عن والدها الذي كان يعمل بوزارة التربية والتعليم بدرجة موجه «مفتش» ويقبع بسجن المنصورة منذ 7 فبراير/ شباط 2014، عقب الحكم عليه بـ 15 عاما فى تهم التحريض علي العنف في مظاهرات أعقبت فض الاعتصامين.

المعاناة مضاعفة عند «زهراء» وأسرتها في ظل تقدم سن الوالد، وجسده الهزيل الذي يظهر به في الزيارات.

مهند وحسني وشلتوت

لا تقف المأساة عند «جاهين» و«شميس» بل تتعداهما لكثيرين تناولت وسائل إعلام محلية حالاتهم.

ففي 4 أكتوبر/ تشرين أول الماضي، توفي الشاب المصري «مهند إيهاب»، الذي تجاوز حينها العشرين بأشهر قليلة، بعد معاناة مع مرض السرطان، الذي فؤجيء به في محبسه بالإسكندرية، قبل أشهر من إطلاق سراحه وسفره للولايات المتحدة لتلقي العلاج هناك. وأثار مرضه ووفاته بعدها الرأي العام آنذاك.

وكذلك في 8 من الشهر نفسه، اهتمت وسائل الإعلام بخبر إطلاق القاضي حسن فريد الشهير بمواقف إنسانية، سراح الشاب «حسني الماسخ»، المتهم في قضية فض اعتصام رابعة، والمصاب بالسرطان، بعد تردي حالته الصحية، وذلك على ذمة القضية.

وكرر القاضي الموقف ذاته، في جلسة 19 نوفمبر/ تشرين ثان الماضي، في القضية ذاتها بإخلاء سبيل المتهم «عاطف صلاح» المريض بسرطان الكبد، وفق مصدر قضائي تحدث وقتها لوسائل الإعلام.

وفي 21 يناير/ كانون ثان الماضي، توفي السجين، أشرف «حسن شلتوت»، إثر إصابته بسرطان الرئة في محبسه بسجن بور سعيد (شمال شرق)، حسبما ذكرت أسرته آنذاك في تصريحات صحفية.

و«هناك 150 من المحتجزين بالسجون المصرية مصابون بمرض سرطان الرئة، و50 بسرطان القولون، و90 بسرطان البروستاتا، و200 باللوكيميا (سرطان الدم)، فيما يعاني 200 مسجون من سرطان الغدد الليمفاوية، و100 من سرطان البنكرياس»، وفقاً لإحصائية ذكرها «المرصد المصري للحقوق والحريات» (غير حكومي) لم يتسن التأكد منها من مصدر حكومي أو مستقل على الفور.

وأضاف المرصد، في تقريره الصادر في 16 أكتوبر/تشرين ثان الماضي، أن «نصف عدد مرضى السرطان داخل السجون المصرية، اكتشفوا إصابتهم بالمرض خلال فترة احتجازهم، بعد ظهور أعراض المرض عليهم، بينما النصف الآخر جرى حبسه وهو مريض».

انتهاكات حقوقية

«عبدالله النجار»، مدير مركز العربي الأفريقي للحقوق والحريات (مصري غير حكومي)، قال إنه «منذ عام 2013 وحتى الآن توفي 32 سجينا داخل السجون بسبب مرض السرطان، من بين 491 متوفى بسبب الإهمال الطبي داخل السجون المصرية».

وتحدث «النجار» عن «وجود مشاكل في الرعاية الصحية داخل السجون، ورفض السلطات فحصهم طبيا خارج السجن، ما أدى إلى مضاعفات صحية زادت من وطأة المرض».

وأضاف «النجار» أن «الانتهاكات التي ترتكبها السلطات المصرية بحق السجناء، تنتهك المواثيق الدولية التي تنص على وجوب فحص الطبيب لكل سجين بعد دخوله السجن، ثم فحصه بصفة دورية كلما اقتضت الضرورة، خاصة بعد اكتشاف أي مرض جسدي أو عقلي واتخاذ جميع التدابير الضرورية لعلاجه».

ولم يتسن الحصول على تعليق فوري من السلطات المصرية حول تلك الاتهامات، غير أن اللواء «حسن السوهاجي»، رئيس قطاع مصلحة السجون المصرية، أكد في تصريحات صحفية، أن «جميع التهم الموجهة لمصلحة السجون من الأهالي والمنظمات الحقوقية بإهمال المرضي ليس لها أساس من الصحة وما هي إلا محض كذب وافتراء».

وأشار «السوهاجي» إلى أن مرضي السرطان داخل السجون «يلقون معاملة جيدة، ورعاية طبية على أكمل وجه، ويتم توفير علاجهم واستكماله، وتقديم رعاية طبية متطورة لكافة النزلاء علي اختلاف انتماءاتهم».

ولفت إلى أن «حالات الوفاة داخل السجون ليس لها صلة بالإهمال الطبي، أو تقاعس عن توفير العلاج، وأنها تكون حالات وفاة طبيعية».

وعادة ما ترفض الأجهزة الأمنية بمصر، اتهامات معارضين لها، بالإهمال الطبي بحق المسجونين أو ارتكاب انتهاكات بحقهم، وتقول إنها توفر كامل الرعاية للسجناء داخل أقسام الشرطة والسجون، وأن التعامل مع جميع المحبوسين يتم وفقا لقوانين حقوق الإنسان.

المصدر | الخليج الجديد + الأناضول

  كلمات مفتاحية

السجون المصرية سجن العقرب مرض السرطان وزارة الداخلية المصرية الإهمال الطبي