لماذا لن يجلب اتفاق «أوبك» الاستقرار لسوق الطاقة؟

الاثنين 5 ديسمبر 2016 06:12 ص

تقول منظمة الدول المصدرة للبترول، أوبك، أنّ أعضاءها قد وافقوا على خطة لتقليص إنتاج النفط بنحو 1.2 مليون برميل يوميًا، أو ما يقارب من 1.5% من الإنتاج العالمي للنفط الخام اليوم. وبحسب الأمانة العامة لـمنظمة أوبك، وافقت دول خارج أوبك على تقليص الإنتاج بنحو 600 ألف برميل يوميًا، وقال وزير الطاقة الروسي في تصريح موجز أنّ روسيا ستتحمل نصف تلك الكمية، وهو ما ستقوم به في النصف الأول من عام 2017، «وفق ما تسمح به القدرات الفنية».

وقفزت أسعار النفط بنحو 8.5% نتيجة للاتفاق. ويوم الثلاثاء، أظهرت السعودية أنّه لا نية لها للتخلي عن استراتيجيتها التي اتبعتها منذ عام 2014، إلا بوجود موافقة من إيران والعراق على تقليص الإنتاج. وقال وزير النفط الإيراني أنّه لا نية لبلاده بتقليص الإنتاج. نتيجةً لذلك، انخفضت أسعار النفط بنسبة 5%. ولكن تلك المؤشرات السلبية قبل الاتفاق كانت أوراق ضغط تفاوضية، وبهذا يمكن القول أنّ الأسعار قد زادت فقط 3% بعد الاتفاق منذ يوم الثلاثاء. ويدل هذا الاتفاق على مدى ضعف أوبك والدول المعتمدة على تصدير النفط بشكل عام.

وشهدت أوبك فترة متميزة كانت تمارس فيها قوة كبيرة. ففي عام 1973، حين أعلنت أوبك عن حظر تصدير النفط بعد مساعدة الولايات المتحدة لـ (إسرائيل) في حرب (الغفران)، كانت أوبك تنتج 55% من نفط العالم، وكانت الدول العضوة في أوبك تتمتع بثراء البترودولار. ما زالت أوبك لاعبًا هامًا في سوق النفط، لكنّها لم تعد تتمتع بسيطرتها التي تمتّعت بها يومًا. فإنتاج أوبك اليوم يمثل 40% فقط من الإنتاج العالمي للنفط. والدول الثلاثة الأكبر إنتاجًا للنفط في العالم، روسيا والسعودية والولايات المتحدة، تنتج اليوم مجتمعة أكثر مما ينتجه جميع الأعضاء الـ 12 في أوبك مجتمعين.

ومن مصلحة الدول الأعضاء في أوبك أن تتعاون من أجل رفع الأسعار التي لا تكفي مستوياتها الحالية غالبية الأعضاء. ووفقًا لصندوق النقد الدولي، فإنّ السعر الذي يوازن الأمور لدى دول مثل الجزائر والسعودية هو 100 دولار للبرميل. وهذا يشكّل أهمية للدول غير الأعضاء في أوبك من مصدري النفط أيضًا، مثل روسيا التي قال وزير ها للنفط بأنّها تحتاج إلى وصول السعر إلى 82 دولارا للبرميل. والمشكلة تكمن هنا في أنّ عددًا قليلًا من منتجي النفط قد شارك في تخفيض الإنتاج، وهو ما يعطي الفرصة لباقي المنتجين للتنافس في زيادة الإنتاج من أجل الحصول على هذه الحصة من السوق، لتدور الأسعار في دورة انخفاض جديدة.

ومشكلة أوبك، مثل مشكلة أي منظمة دولية أخرى، هو فقدانها للآلية الرقابية التي تضمن التزام الدول الأعضاء بما تقرر في الاتفاق. وليس هناك وسيلة لضمان التزام الأعضاء بالاتفاق حتّى النهاية، سوى انتظار أن تتعامل كل دولة بشرف، وتقل القدرة على ضمان تنفيذ الاتفاق من قبل الدول خارج عضوية أوبك مثل روسيا. وليس هناك قوة عالمية تشرف على النفط لتعاقب الدول التي تنتهك القواعد المتفق عليها. كما أنّ كل هذه الدول تواجه مشاكل اجتماعية وسياسية داخلية مع شعوبها، وهذا سبب أدعى لعدم الثقة.

والعامل الآخر هو أنّ أوبك وروسيا لا تريدان للسعر بالضرورة أن يرتفع إلى مستويات عالية جدًا. وكان تركيز السعودية هو حماية حصتها في السوق. ينظر البعض لذلك بأنّه جشع، لكنّ في الحقيقة، هي ضرورة. فصناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة تتطور يومًا بعد يوم، ورغم أنّ أوبك لازالت تملك من الاحتياطيات أكثير بكثير من غيرها، إلّا أنّ بعض آبار النفط الصخري قد تستطيع المنافسة بقوة إذا ما ارتفعت الأسعار لمستويات ملائمة، وبشكل مستدام.

وتجد السعودية نفسها وباقي كبار منتجي النفط، بين المطرقة والسندان. فمن ناحية، فهي تحتاج إلى ارتفاع سعر النفط لجلب الاستقرار إلى اقتصادها. ومن ناحية أخرى، كلما ارتفع السعر، كلما استهدفت الاستثمارات تطوير مصادر جديدة للنفط الخام في الدول خارج أوبك. وتكلفة تطوير تلك المصادر لم يعد مرتفعًا كما كان من قبل. فبعد أن كانت تكلفة البرميل من النفط الصخري في الشركات الأمريكية تتطلب سعرًا يتراوح بين 60 إلى 80 دولار للبرميل لتستطيع البقاء، هبط هذا السعر المطلوب الآن ليتراوح بين 40 و60 دولارًا. وانخفض إنتاج النفط الخام الأمريكي بمقدار 600 ألف برميل يوميًا العام الماضي. لكنّ المثير في الأمر، أنّ هذا الرقم ليس بكبير في ظل الهبوط الحاد لأسعار النفط الفترة الماضية.

وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، بدأت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية بتوفير تقديرات مفصّلة عن عدد آبار النفط الصخري، والتي وصلت حاليًا إلى 5000 موقعًا، بحسب الإدارة. ومن بينها 2500 إلى 3000 تقع في أماكن مرتفعة الإنتاجية. ومع إدخال 150 من هذه الآبار للعمل كل شهر، فمن المحتمل زيادة الإنتاج بواقع 200 ألف برميل يوميًا. وحاليًا تتوقع الإدارة انخفاض إنتاج مشاريع النفط في الولايات المتحدة بواقع 110 ألف برميل يوميًا في عام 2017. لكن إذا ارتفعت الأسعار لمستويات مناسبة، فقد نرى زيادة في إنتاج النفط. والبرازيل والنرويج من الدول الأخرى التي شهدت زيادة في إنتاج النفط هذا العام، ومن المحتمل، بشكل محدود، أن تزيد من إنتاجها عام 2017.

تخلص هذه القضية إلى 3 حقائق أساسية: الحقيقة الأولى، ليس هناك ما يضمن التزام الدول الأعضاء في أوبك أو خارجها بما جاء في الاتفاق، لا سيما مع استثناءات خاصة لبعض الأطراف، مثل السماح لإيران بزيادة إنتاجها 2.2% ومطالبات أخرى بالاستثناء لازالت تظهر. والحقيقة الثانية، هي أنّ أوبك لم تعد قادرة على تشكيل السوق كما كانت من قبل، وأصبحت زيادة أسعار النفط سلاحًا ذو حدّين، بارتفاع عائدات النفط من جهة، والفرص المتاحة للدول خارج أوبك من جهة أخرى. والحقيقة الثالثة، أنّ قدرة غالبية هذه البلدان على الاستغناء عن العائدات الحالية من أجل العائدات المستقبلية محدودة، نظرًا للمشاكل الداخلية السياسية والاقتصادية والاجتماعية بهذه البلدان. وإذا أتى ردّ فعل السوق «فاترًا» على اتفاق الأربعاء «غير المسبوق»، فهو مؤشر على المعنويات اتجاه مستقبل هذا الاتفاق، وأنّه ربما يكون قد فشل قبل أن يبدأ.

المصدر | جيوبوليتيكال فيوتشرز

  كلمات مفتاحية

أوبك اتفاق أوبك خفض إنتاج النفط