من السعودية إلى مصر: كيف يوظف استهداف الأقليات من أجل تقويض الأنظمة الحاكمة؟

الثلاثاء 13 ديسمبر 2016 02:12 ص

تسبّب تفجير في كنيسة مسيحية رئيسية في القاهرة، يوم 11 ديسمبر/ كانون الأول، في مقتل 25 شخصًا وجرح 50 آخرين. ووقع التفجير في كنيسة مجاورة للكاتدرائية المرقسية، مقر الكنيسة المسيحية الأرثوذكسية في مصر، ومقر زعيمها الروحي، البابا تواضروس الثاني.

ويأتي هذا التفجير بعد يومين فقط من مقتل 6 من رجال الشرطة في تفجير آخر بالقاهرة، والتي أعلنت حركة غير معروفة تسمّى حسم مسؤوليتها عنه، والتي يقول المسؤولون بمصر أنّها تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، التي تمّ حظرها في أغسطس/ آب عام 2014. ومع ذلك، بعد تفجير الكنيسة، أصدرت حسم بيانًا قالت فيه أنّها لم تتورط في الهجوم، وأنّ مبادئها لا تسمح بقتل النساء والأطفال والمسنين والمصلّين.

ويشير هدف الهجوم إلى احتمالية أنّ تشكيلًا إسلاميًا من نوع ما قد قام بهذا الهجوم الأخير. وتمتلك «الدولة الإسلامية» القدرة على القيام بهجمات في مصر، ولديها سوابق في استهداف الأقليات، بدافع ديني على الأغلب. وبغض النظر عن المتورط الحقيقي في التفجير الأخير، لدينا ظاهرة أوسع من استهداف الجهاديين للأقليات في الدول ذات الأغلبية المسلمة. وتشمل هذه الأقليات غير المسلمين (مسيحيين غالبًا)، وطوائف مسلمة (الشيعة والصوفية إلى آخر ذلك). وحتّى إن كانت أكثر عددًا فقد أصابها غضب الجهاديين.

والسؤال هنا، لماذا تركّز «الدولة الإسلامية» والجماعات الجهادية الأخرى على هذه الأقليات؟ والإجابة السهلة هي الكراهية الدينية. وهذا ما يدفع الانتحاريين لاستهداف تجمّعات من تلك الأقليات. ويكونون على استعداد لتقديم أرواحهم من أجل قتل المدنيين، بعد أن يتشرّبوا فكرة تورّط هؤلاء المدنيين في دعم الكفّار حلفاء الغرب في قتالهم ضد الإسلام والمسلمين.

وبالطبع، ليس لهؤلاء الذين يرسلون الانتحاريين لحتفهم وحتف الآخرين أي مصلحة في أن يعرف هؤلاء الانتحاريون لماذا هم ذاهبون لارتكاب القتل. ولكن في الجماعات الجهادية الأكثر تنظيمًا مثل «الدولة الإسلامية»، ومثل أي مؤسسة عسكرية واستخباراتية، يتم تطبيق بروتوكول «الحاجة إلى المعرفة».

وكلمّا كان الشخص أعلى في تسلسل القيادة الهرمي، كلّما توفّرت له معلومات أكثر حول الأنشطة وكيفية تأهيل باقي أعضاء الجماعة بالشكل الذي يخدم الأهداف النهائية، مثل إقامة حكم إسلامي على سبيل المثال. وبغض النظر عن حجم الجماعة، لا يمكن لقيادة هذه الجماعة أن تقدّم معلوماتية شحيحة عن أسباب الهجوم على جماعات معينة أنه يأتي قبل التعصّب الديني فقط. بل لابد من ربط كل عمل بما يقرّب من الأهداف النهائية.

تقويض النظم الحاكمة

ومن الأهمية بمكان فهم الاستراتيجية خلف هذه الهجمات التي تستهدف الأقليات. فالجهاديون يدركون جيدًا أنّهم لا يمكنهم محاربة الأنظمة بشكل مباشر في العالم الإسلامي. هم يأملون الإطاحة بهم، ولكنهم لا يملكون تلك القدرة. لذا فإنّهم يعملون على تهيئة الظروف التي تقود لسحق هذه الأنظمة. وهذا ما فعلته القاعدة مع الولايات المتحدة في هجمات 11 سبتمبر/أيلول، على أمل أن تتسبب تلك الهجمات في إشعال الصراع بين الولايات المتحدة والدول الإسلامية، الأمر الذي يؤدّي إلى زيادة الأعداد المطالبة بالجهاد داخل تلك الدول حتّى تطغى على الأنظمة.

لم ينجح ذلك الأمر. على الأقل بالطريقة التي أرادتها القاعدة. ومع ذلك، فإنّ القرار الأمريكي بالهجوم على العراق قد وفّر فرصةً عظيمة للجهاديين للنهوض بأنفسهم، فضلًا عن أنّها كانت الخطوة الأولى التي هيأت للانقسام الطائفي في الشرق الأوسط، بعد أن جلبت الإطاحة بـ«صدام حسين» الشيعة والأكراد على حساب السنّة.

وتمّ شنّ العديد من الهجمات على أهداف شيعية بهدف خلق حالة من الفوضى في الدولة العراقية التي يهيمن عليها الشيعة وتقويض القيادة السنية. وبالفعل، كلّما هوجم الشيعة، ردّوا بهجمات على أهداف سنّية بالمثل، وهو ما أثار حالة الاستقطاب الطائفي في البلاد، وهذا ما يفسّر سقوط الموصل عام 2014 وإعلان الخلافة.

وينتشر التعصّب ضد الأقليات بين السكان الذين يؤيدون تفسيرات متشدّدة من الإسلام. وهذا ما يلعب عليه الجهاديون. وكلّما كثرت هجماتهم، كلّما سبّبوا مزيدًا من الأزمات للحكومات. وفي باكستان على الرغم من ذلك، كانت الحكومة قادرة على إحراز تقدّم كبير ضد هجمات المتمرّدين وتحويل الدفّة ضدهم، لكنّها لم تتخلّص من الخطر بعد، حيث إنّ الهجمات ضد الأقليات لا تزال مستمرة.

ورأينا كذلك «الدولة الإسلامية» تهاجم الشيعة في السعودية، البلد التي تقمع حكومتها طائفة الأقلية. وقد ربّت العقيدة السلفية الأجيال على كراهية الشيعة. وهذا على الأقل منذ صعود إيران والشيعة في السنوات التي أعقبت تغيير النظام في العراق. وتدرك «الدولة الإسلامية» أنّها حين تهاجم الشيعة، تضع الحكومة في حرج شديد.  نظرا لأن النظام، الذي كان يقمع الشيعة، أصبح مضطرًا الآن لحماية الأقليات. ولكي يضمن ذلك، فإنه يلاحق العناصر التي تتماشى أفكارها مع «الدولة الإسلامية» في قاعدة دعم السلفية. وهذا يخلق احتكاكًا بين الحكومة والقاعدة السلفية. وبهذه الطريقة، تستخدم «الدولة الإسلامية» هجماتها ضد الشيعة لإحداث خلافات بين السعودية وحلفائها التاريخيين وكذلك تأمل في إضعاف النظام.

ولقد شاهدنا تفجيرات انتحارية مماثلة ضد الأكراد في تركيا وآخرها الهجوم التفجيري على استاد يوم 10 ديسمبر/ كانون الأول. وهنا تستهدف «الدولة الإسلامية» من جديد استغلال النزعة الانفصالية للأكراد الذين تحاول الحكومة احتواءهم في الأساس، وهو ما يخلق وضعًا معقدًا للحكومة.

هجوم الكاتدرائية

وبالمثل، يوجد في مصر توترات تاريخية تخص الأقباط. ويهدف الهجوم على الكاتدرائية إلى زيادة تلك التوترات الدينية، حيث أنّ تصاعد السلفية في البلاد قد أدّى إلى مزيد من التعصّب تجاه المجتمع المسيحي. والأهم من ذلك، من المرجّح أنّ الهجوم قد استهدف الأزمة السياسية الأوسع مع جماعة الإخوان المسلمين.

وقد اصطف الأقباط إلى جانب الجيش عندما أطاح بحكومة الإخوان المسلمين عام 2013، وهذا سيضع الجماعة في قائمة المشتبه بهم. ولا شك أنّ الحكومة ستتّخذ مزيدًا من الإجراءات للتضييق على جماعة الإخوان، وكذلك على باقي الجماعات الإسلامية. وسيستفيد مرتكبو الهجوم من هذه الحملة، والتي ستحدث في وقت تعاني منه البلاد من ظروف اقتصادية كئيبة. وبهذه الطريقة، يستفيد الجهاديون من إضافة مزيد من المخاوف من النظام.

وهكذا، استخدم الجهاديون الأقليات كأداة تضخيم للمشاكل القائمة. وهم لا يهاجمون تلك المجموعات لأنهم ببساطة يكرهونهم. ولكن لأنّ هناك عدد كبير من الناس في هذه البلاد معادين لهم. ويستفيد الجهاديون من هذا العداء لصالح تقويض الحكومات. ووراء وحشية هذه الهجمات، تقبع استراتيجية ماكرة.

المصدر | جيوبوليتيكال فيوتشرز

  كلمات مفتاحية

السعودية مصر الدولة الإسلامية التنظيمات الجهادية الشيعة الأقباط