مصر تدخل حزام «التفجيرات الانتحارية».. الأسباب والتداعيات

الأربعاء 14 ديسمبر 2016 05:12 ص

لم يدر بخلد الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي» حين أعلن أن تفجير الكنيسة البطرسية، وسط القاهرة، الأحد الماضي، قام به انتحارى فجر نفسه موقعا 25 قتيلا ونحو 50 جريحا، أنه يدشن بذلك مرحلة جديدة من عدم الاستقرار السياسي والأمني في البلاد خلال ولايته الرئاسية الأولى.

رواية «الانتحاري» التي أكدها لاحقا «تنظيم الدولة» الذي أعلن تبنيه تنفيذ عملية «الكاتدرائية»، تعني بما لا يدع مجالا للشك دخول مصر إلى حزام العمليات الانتحارية، وانتهاج جماعات مسلحة تنشط في البلاد أسلوبا دمويا مختلفا عن استهداف الكمائن الأمنية، وزرع العبوات الناسفة، وقنص الضباط والجنود، واستخدام السيارات الملغومة.

وربما تغري حالة الترهل الأمني الذي بدا جليا في حادث الكنيسة البطرسية، بتكرار مثل هذه الهجمات، والتغلغل من خلال ثغرات المنظومة الأمنية في مصر إلى مواقع أكثر حيوية، وتكبيد النظام المصري خسائر فادحة على كافة المستويات سياسيا واقتصاديا وأمنيا وبشريا.

أضف إلى ذلك حالة القمع الأمني المتزايد، وانتهاج وزارة الداخلية المصرية أسلوب التصفية خارج إطار القانون، وتعرض المعتقلين للتعذيب والصعق بالكهرباء والاعتداء الجنسي، بحسب روايات وثقتها منظمات حقوقية، ما يعزز في المجمل تنامي الإحباط في الشارع السياسي، ويزيد معدلات الالتحاق بتنظيمات العنف، والتحول إلى استراتيجية «الذئاب المنفردة» أو «القنابل البشرية المتحركة».

الاعتداء الجنسي

«هتكوا عرضه».. ربما تكون كلمة السر في التحول اللافت بأساليب التنظيمات المسلحة نحو العمليات الانتحارية، في ضوء تعرض معتقلين داخل السجون المصرية، أفرج عنهم لاحقا، لاعتداء جنسي على يد قوات الأمن، ما يخلق بيئة خصبة لتبني وانتهاج مثل هذا الأسلوب.

والدة «محمود شفيق» المتهم بتفجير الكنيسة البطرسية، أماطت اللثام عن أسباب التحول النوعي في مسارات العنف على الساحة المصرية، حينما كشفت عن «تعرض ابنها لانتهاك جنسي أثناء احتجاز الشرطة المصرية له عام 2014».

ولا تعتقد السيدة التي يلقبونها «أم بلال» أن ابنها أصبح متطرفا، لكنها قالت إنه «عاد مكسورا معنويا من قسم الشرطة وأفصح لأخيه أنه تعرض لانتهاك جنسي»، بحسب وكالة «رويترز».

وأضافت «ظل يبكي طوال الليل. لم يكن يبكى بسبب الضرب ولا التعذيب اللي كان باين على وجهه وجسده.. ولكنه كان يبكى لسبب آخر حدث له داخل قسم الشرطة من سنتين».

وتابعت «أعتقد أنهم كسروه فى القسم.. هتكوا عرضه»، لكنها ووفق روايتها نفت قيام «محمود» بتنفيذ عملية «البطرسية»، مؤكدة هروبه إلى السودان، قائلة «إن ابنها يتصل بها دائما من الخارج»، ونقلت عنه قوله «إنه لن يعود لأنه إذا عاد فسيلقي الأمن القبض عليه».

وأضافت أن الأمن يحتجز شقيقيه أيضا وأحدهما ألقي القبض عليه بعد تفجير الكنيسة.

الانتحاريون على أبواب مصر؟

تحت هذا العنوان كتب المفكر المصري المخضرم «فهمي هويدي»، في صحيفة «الشروق» المصرية، قائلا إن «ثبوت قيام انتحارى بعملية التفجير يعنى أن ثمة تطورا مثيرا آخر بات يطرق أبواب مصر، حيث يضيفها إلى قائمة الدول التى تستهدفها تلك العمليات».

وكان المستقر والمتواتر قبل ذلك، أنه منذ ثمانينيات القرن الماضى وحتى عام ٢٠١٥ فإن العمليات الانتحارية وقعت فى ٤٠ دولة لم تكن مصر من بينها.

ووفق «هويدي» فإن «التفجير يمثل تطورا نوعيا فى خضم الصراع الحاصل، إذ أنها المرة الأولى التى يستهدف الإرهاب فيها تجمعا مدنيا خارج محيط السلطة ورموزها، الأمر الذى يعنى توسيع دائرة الاشتباك والتهديد بحيث تشمل ساحة المجتمع بطوله وعرضه»، بحسب صحيفة «الشروق».

أثار انتباهى، والكلام لـ«هويدي» «فى سيرة الشاب محمود المعلومات التى أوردها موقع (مدى مصر) على لسان المحامية ياسمين حسام الدين التى وكلت للدفاع عنه حين ألقى القبض عليه فى عام ٢٠١٤. إذ ذكرت أنه تعرض للتعذيب الشديد أثناء التحقيق معه حتى كسرت أنفه، وأنه ما إن أطلق سراحه حتى اختفى ولم يعثر له على أثر، حتى ألقى القبض على شقيقه لإرغامه على تسليم نفسه، لكنه لم يفعل».

«استوقفتنى اللقطة الأخيرة، لأنها تسلط ضوءا يؤيد الفكرة التى تقول بأن التعذيب الذى يتعرض له الشبان فى السجون يدفع بعضهم إلى مزيد من التطرف، ويشكل تربة خصبة لتجنيدهم والتحاقهم بتنظيم داعش»، بحسب «هويدي».

نفس الاتجاه ذهبت إليه صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، بالقول «إن التعذيب في السجون هو السبب الرئيس في تزايد التطرف والعمليات الإرهابية في مصر».

واستطردت «تفجير الكنيسة هو أكثر الهجمات الإرهابية تعقيدا في تاريخ مصر الحديث، فيما تتجاهل السلطات أن تعذيب عشرات المعارضين في السجون هو السبب الحقيقي في لجوء بعض الشباب المصري للتطرف والانضمام للجماعات الإرهابية».

لائحة أهداف جديدة

صار الهاجس الأمني في الشارع المصري مشغولا بما يسمى «لائحة الأهداف»، التي تغري التنظيمات المسلحة بالهجوم عليها، أو استهدافها بشكل أو بآخر، لاسيما ما تنامي قدرات «ولاية سيناء» التابع لـ«تنظيم الدولة»، وتنفيذه عمليات نوعية على غرار إسقاط الطائرة الروسية في أكتوبر/ تشرين أول قبل الماضي، وصولا إلى تفجير «الكاتدرائية».

وكانت وكالة أعماق الموالية للتنظيم، أعلنت في بيان، أمس الثلاثاء، إن «استشهاديا من الدولة الإسلامية نفذ الهجوم مستخدما حزاما ناسفا»، وعرفته باسم «أبو عبد الله المصري».

وذكر البيان «ليعلم كل كافر ومرتد في مصر وفي كل مكان أن حربنا على الشرك مستمرة»، ما يعني أن التنظيم ربما يخطط لاصطياد أهداف أخرى، بعيدا عن الدائرة الأمنية، ما يجعل الدولة المصرية في حالة استنفار أمني دائم، وينقل المعركة إلى ضواحي القاهرة الكبرى، باستهداف المدنيين، خاصة الأقباط.

ويبلغ عدد الكنائس في مصر 2626 كنيسة على مستوى الجمهورية، واقتراب أعياد الميلاد يزيد من تفاقم الأزمة، لاسيما وأن السهولة النسبية التي تمت بها عملية تفجير الكنيسة البطرسية ربما تفتح الباب أمام استهداف كنائس أخرى، أو ربما سفارات أجنبية، ومؤسسات حكومية، بما يبعث رسالة للخارج مفادها أن «مصر غير آمنة تماما».

يؤخذ في الاعتبار دخول حركات جديدة خارطة العنف في البلاد، منذ الانقلاب العسكري في يوليو/ تموز 2013، وما تلاه من إجراءات قمعية متزايدة بحق أنصار الرئيس «محمد مرسي» أول رئيس مدني منتخب في مصر، مثل «حسم»، و«لواء الثورة»، و«أجناد مصر»، و«المقاومة الشعبية»، و«العقاب الثوري»، و«كتائب حلوان»، و«ولع».

الانتشار الجغرافي لتلك الحركات في مناطق ما يعرف بحزام الإرهاب في المحافظات القريبة من العاصمة، مثل الفيوم (وسط)، وأرياف محافظات الجيزة والقليوبية والشرقية (شمال)، والتمدد العملياتي في مناطق حيوية داخل الجيزة (هجوم الهرم)، والقاهرة (تفجير البطرسية)، يؤكد أن مصر دخلت بالفعل حزام العمليات الانتحارية والهجمات النوعية المؤثرة.   

صناعة العدو

يحارب «السيسي» على عدة جبهات، فقد أغضبت الإصلاحات الاقتصادية التي قامت بها حكومته الفقراء. وسجن آلاف الأشخاص في إطار حملة أمنية صارمة شنتها حكومته على جماعة الإخوان ومؤيديها. وكثف متشددون ينشطون في شمال شبه جزيرة سيناء وموالون لـ«تنظيم الدولة» هجماتهم على قوات الشرطة والجيش.

ونتيجة الإحباط من تعثر التجربة الديمقراطية في البلاد، والزج بآلاف الشباب خلف القضبان، وارتكاب السلطة مذابح دموية في صفوف معارضيها، باتت البيئة خصبة ومهيئة للانضمام إلى جماعة «ولاية سيناء» التي قتلت مئات من رجال الجيش والشرطة في شبه جزيرة سيناء منذ عام 2013. ويرد الجيش على هذه الهجمات بغارات جوية ودك مناطق بأكملها، وفق «رويترز».

يبدو إذن في ضوء قراءة أوراق تفجير الكنيسة البطرسية، وملف كمائن الموت في سيناء، وهجوم «الهرم» الذي أوقع ستة قتلى في صفوف الشرطة المصرية الجمعة الماضي، واغتيال النائب العام السابق «هشام بركات»، وتصفية العميد «عادل رجائي» قائد الفرقة التاسعة مدرعات بالجيش المصري، ومحاولة اغتيال آخرين، أن خارطة العنف في مصر تتسع، وأن تنظيما مسلحا مثل «ولاية سيناء» مدعوما بتنظيمات صغيرة، قرر نقل المعركة مع نظام «السيسي» إلى العاصمة المصرية القاهرة، مستفيدا من أجواء الاحتقان القائمة، وفشل السلطة في ملفات عدة أبرزها غلاء المعيشة وتدهور الأوضاع الاقتصادية وانهيار قيمة الجنيه المصري، بالإضافة إلى غلق سبل المصالحة الوطنية وتراجع التأييد الشعبي لقوى الجيش والشرطة، وتزايد ضحايا انتهاكات وزارة الداخلية المصرية.

من مدن «العريش» و«رفح» و«الشيخ زويد» شمال سيناء، إلى «الجيزة» و«القاهرة» و«القليوبية» وهو ما يعرف بحزام «القاهرة الكبرى» باتت العاصمة حاضرة بقوة على مسرح العمليات الإرهابية، والتفجيرات الانتحارية، الأمر الذي يعني أن الخصم أيا كانت هويته، وحجم تسليحه، ومصادر تمويله، قرر تغيير قواعد المعركة، ونقل المواجهة خارج سيناء إلى وسط العاصمة.

استمرار سياسات «صناعة العدو» التي ينتهجها نظام «السيسي»، وفق مراقبين، تدفع في المجمل إلى القول بإمكانية تطور العمليات المسلحة داخل الأراضي المصرية إلى حرب عصابات، ومعركة استنزاف، ويمكن حال استمرار الثغرات الأمنية وارتكاب نفس الأخطاء الفادحة سياسيا وأمنيا، تحول العاصمة إلى بؤرة ساخنة ومركز جذب لـ«انتحاريين جدد»، ما يلمح إلى سيناريو جديد وخطير قد يستنسخ استراتيجية «كمائن الموت» في سيناء، بشكل أكثر دموية ينقل مصر إلى كابوس «كنائس الموت» وخلايا «الأحزمة الناسفة».

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تفجير الكاتدرائية الكنيسة البطرسية محمود شفيق الداخلية المصرية كمائن الموت العمليات الانتحارية