ما الذي تخبرنا به معارك تدمر الأخيرة حول تنظيم الدولة وروسيا والنظام السوري؟

السبت 17 ديسمبر 2016 02:12 ص

تغيرت الأيادي المسيطرة على تدمر، المدينة الصغيرة المعروفة بآثارها القديمة، للمرة الثالثة خلال عام ونصف. وكانت «الدولة الإسلامية» قد شنّت هجومًا منسقًا على المنطقة يوم 8 من ديسمبر/ كانون الأول، وبحلول يوم 11 من ديسمبر/ كانون الأول كانت المدينة قد سقطت. وتهدد قوات «الدولة الإسلامية» الآن قاعدة تياس الجوية السورية، التي تبعد ما يقارب الـ 30 ميلًا غرب تدمر، والقتال مستمر حتّى لحظة كتابة هذه الكلمات، على الرغم من استمرار السيطرة السورية على أرض الواقع حتّى الآن.

وكانت المرّة الأخيرة التي تغيّر فيها وضع تدمر في مارس/ أذار الماضي، عندما استطاع خليط من 5000 من قوات الجيش السوري وميليشيات متنوعة مدعومة بغطاء جوّي روسي في أخذ السيطرة من بين يدي «الدولة الإسلامية».وكان هذا النصر أجوفا إلى حد كبير، حيث تمّ الاحتفال بالانتصار من قبل إعلام سوريا وروسيا بفرحةٍ طاغية، قبل أن تستعيدها مؤخرًا «الدولة الإسلامية» من جديد. وفي 28 مارس/ آذار، كتبنا أنّ استسلام «الدولة الإسلامية» في تدمر لن يكون دائمًا. فقد استولى التنظيم على تدمر حين سنحت لها الفرصة، وهو ينتظر فرصًا جديدة في المستقبل ليعيد الكرّة.

وقد حلَّ هذا المستقبل الآن، ولذلك تأثير على كل الأطراف الفاعلة الرئيسية، «الدولة الإسلامية» وروسيا وسوريا. وبالنسبة لتنظيم الدولة فتدمر هي هدف الفرصة. ولم تكن قوات «بشار الأسد» التي استعادت تدمر في مارس/ آذار قوةً موحّدة، وتضاءلت قوّتهم في الأشهر الأخيرة بتراجع بعضهم لمساعدة الميليشيات الشيعية في معركة الموصل، وتوجه بعضهم للمساعدة في معارك حلب. ورغم ما يشاع عن تضاؤل كبير في قوة «الدولة الإسلامية» وتأثيرها، إلّا أنّ عملية تدمر تظهر أنّها لا تزال قوّة ذات قدرات قتالية معتبرة.

الدولة الإسلامية

لم تتخلّ «الدولة الإسلامية» أبدًا عن تدمر حتّى عندما خرجت منها مارس/ آذار الماضي. وفي مايو/ أيارعلى سبيل المثال، أطلقت «الدولة الإسلامية» عملية لتأمين حقل غاز الشاعر شمال تدمر، وقامت في هذه العملية بقصف قاعدة تياس الجوية. وسبّب ذلك دمارًا كبيرًا للقاعدة وأضرارًا لحقت بمروحيات روسية كانت متمركزة هناك. وتركّز «الدولة الإسلامية» على تدمر لمصلحتها الاستراتيجية هناك، حيث تلتقي 3 طرق سريعة تربط حمص ودمشق ودير الزور. وعندما تراجعت «الدولة الإسلامية» عن تدمر في الماضي، استمرت في إحكام سيطرتها على الجزء المؤدي لدير الزور، وهي المدينة المفضلة الثانية لتنظيم الدولة.

وإلى جانب أهميتها الاستراتيجية، استولت «الدولة الإسلامية» على تدمر لسببين. الأول، أنّها فقدت الكثير من الأسلحة والذخائر التي كانت تمتلكها، وقد أظهرت وكالة أعماق، الذراع الإعلامي للتنظيم، مقاطع لجنود الدولة يغنمون كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والدبابات التي خلفتها قوات الأسد «المنسحبة». ويكشف هذا نقطة ضعف كبيرة عند «الدولة الإسلامية»، وهي عدم قدرتها على إنتاج الأسلحة والذخائر الخاصة بها. بالإضافة إلى الضغط الشديد على قوات التنظيم من قبل الجيش الحر المدعوم من تركيا في مدينة الباب، وتعرض أراضيها في العراق لضغط كبير، لاسيما في الموصل.

والسبب الثاني، هو ما يظهر من استحواذ «نظام بشار» على حلب أخيرًا، مع إعلان الإعلام التابع للدولة السورية أنّ حلب قد «تحررت» عن طريق «قوات الأسد» يوم 12 ديسمبر/ كانون الأول. لكنّ الجيش السوري لازال بعيد كل البعد عن هدفه، ولا تزال جيوب كبيرة للمتمردين موجودة، لاسيما في إدلب. لذا فقد يحتاج «الأسد» من أجل تعزيز مكاسبه إلى بدء التركيز على مواقع «الدولة الإسلامية».

وموقف «الدولة الإسلامية» مقارنةً بقوات «الأسد» أفضل فعليًا مما يبدو عليه. ففي حين تظهر قوات المتمردين في حلب قريبة من الهزيمة، فإنّ المناطق المتبقية تحت سيطرة المتمردين تقع مباشرةً بين المعقل الرئيسي للأسد في الساحل وطرق الإمداد الخاصة بحلب. وستكون هذه الطرق عرضةً دائمًا لهجمات «الدولة الإسلامية»، وقد استمرت «الدولة» في الهجوم على القرى والمناطق حول حمص في الأشهر الأخيرة. وتحتاج «الدولة الإسلامية» أن تبقى قوات المتمردين شوكة في جانب «الأسد» لكيلا يستطيع تعبئة كامل قوته. ويمكن للتنظيم مساعدة المتمردين باستهداف طرق الإمداد الروسية وإجبار «الأسد» على تحريك قواته بعيدًا عن مسرح المواجهة الرئيسي مع المتمردين. ولا يبدو أنّ «الدولة الإسلامية» تركز على حمص حاليًا، ولا تمثّل لها أهمية استراتيجية. لكن إذا كانت دفاعات حمص تشبه دفاعات تدمر، فلن تتردد «الدولة» في الانقضاض عليها.

روسيا

ولكلٍ من روسيا وسوريا، ففقدان تدمر، ولو كان مؤقتًا، أمرٌ محرج للغاية. ولا تزال الأرقام حول المقاتلين المشاركين في هذه العملية مشوشة، لكن ذكرت تقارير روسية وسورية أنّ قوة كبيرة لتنظيم «الدولة الإسلامية» مكون من 4 آلاف إلى 5 آلاف مقاتل دعمتها دبابات ومدرعات من عدة اتجاهات. وقد استطاعت هذه القوات دحر دفاعات المدينة على الرغم من ادّعاء مقتل أكثر من 300 من مقاتلي «الدولة الإسلامية» عن طريق الغارات الجوية الروسية. ويشكك المحللون في هذه الأرقام، حيث من الممكن أن تكون التقارير قد بالغت في العدد لإخفاء العيوب الروسية والسورية، وأن يكون العدد الحقيقي أصغر بكثير.

وبالنسبة لروسيا، يعدّ فقدان تدمر من جديد ضربة لصورتها. وفي الحرب لا تهم الصورة كثيرًا مقارنةً بالحقيقة، لكن هذه ليست حرب روسيا. فواحد من أسباب روسيا الرئيسية للتواجد في سوريا هو اكتساب الهيبة وإخفاء نقاط الضعف لديها مع عرض محدود للقوة في سوريا.

وممّا زاد الطين بلّة، إعلان روسيا إنجاز مهمتها في مارس/ آذار الماضي حين أعلنت سحب العديد من قواتها من سوريا. لكن الحقيقة أثبتت أنّ روسيا لم يكن يمكنها التراجع. وحتّى مع المساعدة الجوية الروسية المستمرة، استغرق الأمر أكثر من عام من «قوات الأسد» للسيطرة على حلب، ولا تزال المعركة لم تنتهي، على عكس ما يروّج له التلفزيون الرسمي للنظام.

 ويظهر فقدان تدمر محدودية قدرة القوة الجوية في حسم صراعات مثل هذه، وكيف كان التدخل الروسي محدودًا في الصراع السوري فعليًا. فلم تنجح الغارات الجوية الروسية في حماية تدمر من مقاتلي «الدولة الإسلامية»، الذين يفتقرون للقدرات الجوية، ويهاجم مقاتلو «الدولة الإسلامية» الآن قاعدة جوية، تضم في العادة سربي هجوم ثابتين من القوات الجوية السورية، سو24 وسو22.

النظام السوري

وبالنسبة لنظام «الأسد»، تشوّه أخبار تدمر المكاسب الأخيرة التي حقّقها في حلب، وتظهر الوضع الصعب الذي لا يزال يعاني منه النظام. لقد قاتلت قوّات «الأسد» في حرب وحشية طوال ما يقرب من الـ 5 سنوات، وقد أرهقتهم كثيرًا العملية الأخيرة من أجل تأمين حلب، في حين أنّ العديد من معاقل المتمرّدين لا تزال في حاجة للتعامل معها. ولا يجب أن تخفي فرحة «الأسد» بما أنجزه في حلب، حقيقة أنّه لا يمتلك من القوات ما يكفي لهزيمة جميع أعدائه، حتّى مع الدعم الجوّي الروسي.

ولا تغيّر استعادة «الدولة الإسلامية» لتدمر من توازن القوة على الأرض. فـ«الدولة الإسلامية»، على الرغم من التحدّيات التي لا تعدّ ولا تحصى، ما تزال قوّة عسكرية قادرة على استغلال الفرص والحفاظ على ما لديها من معاقلها الاستراتيجية بالرقة ودير الزور، استعدادًا لمعارك المستقبل. ويبقى التدخل الروسي في سوريا محدودًا في النطاق والفعالية. ويعمل «نظام الأسد» على الحصول على الدعم الجوّي والدّعم الروسي المحدود، لكنّه يفتقر إلى القوة اللازمة لتهدئة الأوضاع في البلاد، على الرغم من النجاحات التي حقّقها مؤخرًا في حلب. ولا تزال الحرب مستمرة.

  كلمات مفتاحية

سوريا روسيا الدولة الإسلامية نظام الأسد تدمر القوة الجوية

«تنظيم الدولة» يجلب إلى العراق أسلحة وآليات تخص الجيش السوري