«نيويورك تايمز»: الجامعات الأمريكية في الخليج «شريك» في قمع حرية التعبير

السبت 17 ديسمبر 2016 02:12 ص

ربما أصبح التجسس الإلكتروني أمرًا عاديًا هذه الأيام، لكنك لم تكن تعتقد أنّ طالبًا أمريكيًا بالدراسات العليا سيكون هدفًا لبرامج التجسس الحكومية والرقابية. ولا حتّى أنا اعتقدت ذلك.

في 19 مايو/ أيار، استيقظت على بريد إلكتروني من مرسل غير مألوف، بعنوان «زيارة مزمعة إلى قطر». وحّذّرني البريد من أنّ «السلطات الإماراتية قد أعلمت نظيرتها في قطر فيما يتعلق بزيارتك المزمعة» واتهمني بإجراء «مهمة قذرة» لجمع «بعض المعلومات السرية».

في كليتي بجامعة نيويورك، عام 2013، قضيت فصلًا دراسيًا في الدراسة بالخارج في دولة الإمارات، وأنا الآن مرشح لدرجة الماجستير في كلية الخدمة الخارجية بجامعة جورجتاون، وفي الوقت الذي تسلمت فيه البريد الإلكتروني، كنت على بعد أسبوع من السفر إلى قطر. وكانت «مهمتي القذرة» هي بحثي الافتراضي، و«المعلومات السرية» التي سعيت إليها حول ظروف عمل العمال المهاجرين بالعاصمة القطرية، الدوحة.

وباللجوء إلى خبير أمني مختص في أمن الإنترنت، علمت أنّ بريدي الإلكتروني الشخصي قد تمّ اختراقه مرتين في أبريل/ نيسان. وفي وقت سابق للاختراق، أرسل لي المهاجم الطعم في صورة رسالة تنبيه مزيفة من أخبار بي بي سي عن انتهاكات للعمالة المهاجرة في قطر. وبمجرد حصول المخترق على الوصول، قام بمزامنة بريدي الشخصي مع حساب خارجي. وهذا ضمن له الوصول لكل رسالة أرسلتها أو تسلمتها منذ إنشاء حسابي قبل 4 سنوات.

وعندما هبطت في قطر في يونيو/ حزيران، أصبح التهديد الذي وصلني عبر البريد الإلكتروني واضحًا. فقد تمّ منعي من الدخول وتمّ احتجازي بمطار الدوحة. وأبلغني ضباط الهجرة القطرية أنّ اسمي ظهر في «القائمة السوداء» الخاصة بالدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي لأنّني قد قمت بمشاكل في دولة الإمارات. ولاحقًا، أخبر المسؤولون بالإمارات وزارة الخارجية أنّهم قد وضعوا اسمي بالقائمة السوداء لأسباب غير محددة «تتعلق بالأمن».

في هذا الوقت، تأكدت أنّ الإمارات، حليفة الحكومة الأمريكية، هي التي اخترقت بريدي الإلكتروني وشاركت معلوماتها الاستخباراتية حول خططي البحثية مع السلطات القطرية. وفي عام 2013، بينما كنت أدرس بجامعة نيويورك أبوظبي، قمت بإدانة معاملة العمال المهاجرين الذين كانوا يقومون على بناء حرم جامعتي الجديد في جزيرة السعديات، المشروع الذي قدّرت تكلفته بـ 1 مليار دولار. وفي عام 2014، وثّقت «نيويورك تايمز» المعاملة التي يرثى لها لهؤلاء العمال، بما في ذلك الترحيل التعسفي لمئات العمال المضربين الذين كانوا يعملون على مشروع حرم الجامعة.

سمح لي بدخول قطر في نهاية المطاف بتأشيرة سائح، ولكن ظللت تحت المراقبة، متبوعة في بعض الأحيان بضباط قيل لي أنهم من أمن الدولة. وفي أغسطس/ آب، رفضت الحكومة القطرية طلبي للحصول على تأشيرة طالب للدراسة بجامعة جورجتاون هذا الخريف.

وكان ردّ الجامعة على حظري مثيرًا للقلق، حيث أكّد الرد أنّ «الحصول على تأشيرات للدراسة والإقامة تختلف بين الأفراد ومع اختلاف الوقت» وأكّدت الإدارة على أنّهم يأخذون الحرية الأكاديمية على محمل الجد، حتّى مع توسّع الجامعة «للعمل في أماكن صعبة على نحوٍ متزايد».

وكانت جامعة نيويورك أبوظبي، التي درست بها من قبل، قد أصدرت بيانات مماثلة عندما رفضت السلطات الإماراتية دخول أحد أساتذتها، «أندرو روس»، في مارس/ آذار عام 2015. وكان مسافرًا أيضًا للإمارات لإجراء بحث في الانتهاكات ضد العمالة المهاجرة. وقالت الجامعة حينها أنّها دعمت «حرية الحركة والأفكار للأشخاص»، لكنّ «الحكومة هي التي تتحكم في سياسة التأشيرات والهجرة، وليست الجامعة». وقدمت الإدارة أيضًا بعض الحجج للدفاع عن الجامعة وأنّ «وجودها في هذه الدول والمجتمعات يساعد في مزيد من حرية الأفكار، وليس العكس».

وتبدو هذه الردود عن غير علم أو مخادعة. فكلًا من قطر والإمارات تستخدمان أدوات هجوم متطورة لتنفيذ ما أسمته هيومان رايتس ووتش مؤخرًا بـ «هجوم منظم جيد التمويل على حرية التعبير لمنع آثار التحول المحتملة الناتجة عن الاحتكاك بوسائل التواصل الاجتماعي وتكنولوجيا الإنترنت». وبصفة عامة، يواجه مواطنو هذه الدول الخليجية الجانب الأسوأ من هذا القمع، وليس الزوار الأجانب.

وكان أستاذًا جامعيًا إماراتيًا قد تم احتجازه لـ 9 أشهر دون السماح بزيارة الأهل أو الوصول إلى محام، وأوضح في المحكمة أنّه قد تعرّض للتعذيب بسبب انتقاده للحكومة على تويتر. وقد وجّهت إليه التهم بموجب قانون الجرائم الإلكترونية لعام 2012، والذي ينص على عقوبة تصل إلى السجن لمدة 15 عامًا لمن ينشر محتوىً قد «يضر بسمعة» القيادة الإماراتية.

وفي مايو/ أيار، كشفت «سيتيزن لاب»، مجموعة منظمة ومقرّها جامعة تورونتو، حملة لـ 5 سنوات من هجمات برامج التجسس ضد صحفيين ونشطاء ومعارضين إماراتيين، بما في ذلك الناشط الحقوقي «أحمد منصور»، الذي استهدف بشكل متكرر من المخترقين منذ دعوته للإصلاح عام 2011. وفي أغسطس/ آب، اشتهر «أحمد منصور» بأنه «المعارض الذي يساوي مليون دولار» بعد أن فشلت جهود مكلفة للحكومة الإماراتية في اختراق هاتفه من النوع أيفون.

من الواضح أن جامعتي نيويورك أبوظبي وجوجتاون لا تريدان عض اليد التي تطعمهما، لكنّ القصة ربما لا تنتهي عند هذا الحد.

وفقًا للتقارير، بدأت شركة تسمّى سايبربوينت الدولية، ومقرّها ميريلاند، في توفير الاستشارة في مجال الأمن الإلكتروني لحكومة الإمارات عام 2012. وورد أنّ عقد سايبربوينت قد انتهى العام الماضي، لكنّ الرئيس التنفيذي السابق لاستراتيجيات الشركة، «بول كورتز»، والذي عمل في إدارتي «بيل كلينتون» و«جورج دابليو بوش»، لا يزال رئيسًا للمجلس الاستشاري لمركز الأمن الإلكتروني لجامعة نيويورك أبوظبي. والمركز شريك أيضًا مع «وكالات حكومية» في جهودها «لتحسين الأمن الإلكتروني في الإمارات، وفي منطقة مجلس التعاون الخليجي بشكلٍ عام».

لا يوجد دليل على تورّط سايبربوينت في التجسس، لكن ما يثير القلق هو أنّ جامعة نيويورك أبو ظبي مشاركة في هذا المجال مع الإمارات، وقد استخدمت الحكومة قدراتها الإلكترونية ضد مواطنيها، وربما ضد الباحثين الأجانب أيضًا.

وتعدّ دول الخليج من كبار المستثمرين. وبإعلان تدشين جامعة نيويورك أبوظبي عام 2007، أعلن رئيس الجامعة السابق، «جون سكستون»، موضحًا: «تكاليف التخطيط والتصميم والإنشاءات وكل المصاريف المتعلقة بتشغيل جامعة نيويورك أبوظبي، ستقوم حكومة أبوظبي بتحمّلها كاملة».

ويبيّن فشل جوجتاون ونيويورك أبوظبي، في مواجهة القمع ضد التعبير النقدي، ما يمكن أن تشتريه الأموال الخليجية. وأصبحت المعاملات القائمة على العلاقات في هاتين الجامعتين تقوّض وتمنع الحرية الأكاديمية التي من المفترض أنّها قد أسّست للترويج لها.

  كلمات مفتاحية

الإمارات قطر حرية التعبير الجامعات الأمريكية في الخليج

«الغارديان»: الجامعات الأمريكية الراقية تبيع نفسها لـ«بن سلمان»