توازن الضعف في الحرب السورية.. لماذا لن تكون حلب هي النهاية؟

الاثنين 19 ديسمبر 2016 10:12 ص

تعدّ استعادة حلب إنجازًا كبيرًا للنظام السوري، ويمكن لهذا الانتصار مساعدته على تعزيز مكانه في النصف الغربي من البلاد في المستقبل. وفي الوقت الحاضر، لا يزال النظام ضعيف للغاية لاستعادة السيطرة على الأجزاء الشرقية. علاوة على ذلك، يظهر عجز قوات الثوار (قوى منفصلة غير موحدة) بوضوح بخسارة حلب. وبعد النظام السوري، فـإن «الدولة الإسلامية» والأكراد هما القوى الكبيرة الوحيدة التي تسيطر على مساحات كبيرة من الأراضي في سوريا. ويمكن لتركيا تغيير هذا التوازن، ولكن سيتعين عليها زيادة تدخّلها في البلاد وإصلاح مشهد الثوار من أجل ذلك.

تمثّل استعادة حلب عودة هامّة، لكن على الرغم من ذلك، لا يزال نظام الرئيس «بشار الأسد» ضعيفًا.

أظهرت خسارة حلب أنّ قوّة الثوار مبالغ فيها وأنّهم غير متماسكين، في حين ستبقى «الدولة الإسلامية» هي معركة البلاد الرئيسية.

مقدمة

استعاد نظام الرئيس «بشار الأسد» أكبر مدينة سورية وذكر أنّه قد حقّق سيطرةً كاملةً على حلب. وقام بالعملية الجيش السوري في قوّة مكونة من 10 آلاف مقاتل بدعم من روسيا وإيران. ووفقًا لجريدة «وول ستريت جورنال»، تكوّنت نصف هذه القوّة من قوات شبه عسكرية وميليشيات محلية وأجنبية. ونجح النظام في طرد الثوار من الجانب الشرقي للمدينة، وخرجوا في حالةٍ من الفوضى. ويحظى النظام الآن بفرصة كبيرة لتعزيز موقفه في حلب، حيث أنّ الأمر سيستغرق بعض الوقت قبل أن يستطيع الثوار تنظيم صفوفهم من جديد ليشكّلوا تهديدًا.

الشكل الحالي لساحة المعركة

لا يزال الثوّار يملكون السيطرة على غالبية أحياء محافظة إدلب بالإضافة إلى جيوب قرب دمشق ومناطق أخرى في الجنوب بطول الحدود مع الأردن و(إسرائيل). وحتّى مع ذلك،سيستفيد النظام من ظاهرة تشرذم الثوار المتزايدة. ورغم ذلك لن تستطيع دمشق إدراك حقيقة أنّ «الدولة الإسلامية» تمثّل خصمًا خطيرًا والذي يأتي ثانيًا في السيطرة على جزء كبير من شرق سوريا. وفي حين يحتفل النظام بالإنجاز الكبير، فإنّه يواجه حرجًا في نفس الوقت مع استيلاء قوّات «الدولة الإسلامية» على مدينة تدمر التاريخية من جديد.

وتظهر خسارة تدمر أنّ النظام وإن كان قد حقّق نصرًا حاسمًا في حلب، فإن هناك حدودا لاستعراضه للقوة خارج الأراضي التي يسيطر عليها حاليًا. وبحسب آخر التقارير، تحركت «الدولة الإسلامية» لما هو أبعد من تدمر وحاصرت قاعدة تياس الجوية على الرغم من الضغط الشديد الذي مارسه التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على النظام الجهادي والضربات الجوية القوية في سوريا والهجوم البري في الموصل. ويبرز استيلاء تنظيم الدولة على تدمر صعوبة اقتلاعها من معاقلها الرئيسية.

وعلى الرغم أنّ «الدولة الإسلامية» هي التحدّي الرئيسي للنظام، إلّا أنّ الحركة الجهادية ليست هي المشكلة الوحيدة التي تواجهها دمشق. فالجماعة الكردية السورية الرئيسية، حزب الاتحاد الديمقراطي، بجانب ذراعه المسلح، وحدات حماية الشعب يمثّلون قوة كبيرة أيضًا. وبعد قمعهم من قبل «نظام الأسد» لعقود، ثار الأكراد الآن وتولوْا السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي في الشمال، بموازاة حدود تركيا. وخلال سنوات اندلعت المواجهات بين النظام وقوات الأكراد، لكنّ التعاون بينهما في ساحة المعركة قد ذكر أيضًا في التقارير. وعمومًا، كان الأكراد كيانًا مفيدًا للنظام حيث أبقوْا «الدولة الإسلامية» منشغلة، في حين تولّى النظام أمر الثوار. كما واجه الأكراد أيضًا جهود تركيا للإطاحة بـ«نظام الأسد».

ومنذ أغسطس/ آب، سعت تركيا للعب دور أكبر في سوريا مما كان عليه الأمر حين اندلعت الحرب الأهلية في الجارة الجنوبية منذ 5 سنوات مضت. وفيما أطلقت عليها أنقرة «درع الفرات»، تدعم تركيا الآن فصائل معينة من الثوار بهدف خلق ممر يمنع الأكراد من ربط أراضيهم الرئيسية في الجنوب بالأراضي الأصغر في الشمال، ويكون كمنصّة لشن هجوم كبير على «الدولة الإسلامية». وفي حين لا يبدو ذلك جليًا في هذه المرحلة، يبدو أنّ هذا الممر الذي تخطّط له تركيا سيتوسع ليسمح لأنقرة بدور أكبر في الحرب ضد «الدولة الإسلامية». والأمر الملح للنظام هنا هو التأكد من ألّا يعكس الأتراك وحلفاؤهم المكاسب التي حقّقتها دمشق ضد الثوار.

وفي مقال تحقيق واقعي نشر فبراير/ شباط الماضي، أظهرت جيوبوليتيكال فيوتشرز أنّ الدولة السورية قد تغيرت إلى درجة أصبح من الصعب التعرف عليها ولن تعود إلى ما كانت عليه. ويوجد على أرضها توازن مائع في القوة بين 3 أطراف فاعلين رئيسيين: «نظام الأسد» والدولة الإسلامية والأكراد. وقوات الثوار العرب السنّة المدعومين من تركيا هم قوّة رابعة. ومع ذلك، فهذه القوّة الرابعة أصغر من باقي القوى، ليس فقط بسبب المشاكل الداخلية التي تقيّد أنقرة، ولكن أيضًا للانقسام الكبير بين فصائل الثوّار.

والعالم مستمر في معاملة سوريا كدولة ذات سيادة. وفي الحقيقة، تحتوي الأراضي السورية على الأقل 3 أنظمة سياسية مختلفة. وفي حين أنّ هذا التقسيم المعقّد لسوريا يمثّل معركة مائعة، فهناك حدود لما يمكن أن تتحول له البلاد في المستقبل القريب. ولفهم كيف يمكن أن تتغير تلك الخريطة، يجب علينا النظر في متطلبات وقدرات والقيود المفروضة على كل جهة فاعلة من الجهات الأربعة، بدءًا بالنظام.

النظام السوري: ماذا بعد حلب؟

على العكس من الحكمة التقليدية، لم ينجُ النظام فقط، بلّ إنّه يعدّ نفسه للعودة. ومن بين 3 دول عربية خاضت نفس تجربة القتال الداخلي المسلح، سوريا وحدها استعادت الأراضي. وقد ساهمت الكثير من العوامل في ذلك.

أولًا وقبل كل شيء، لم ينكسر جيش النظام رغم الانشقاقات الكبيرة، بسبب بقاء هيكل الضباط والقادة سليمًا إلى حدٍّ ما. ثانيًا، عوّضَ النظام ضعف القوات النظامية بتعبئة قوّات الدفاع الوطني، وهي منظمة شبه عسكرية استطاعت تحمّل مسؤولية المهام الثقيلة في الحرب الأهلية. وتمّ تكوين هذه الجبهة على أساس محلّي، لذا كانت أكثر دافعًا للقتال ضدّ الثوّار. وثالثًا، تلقّى النظام الدعم والمساعدة من الميليشيات الأجنبية، والجزء الأكبر منها المقاتلين الشيعة من إيران والعراق ولبنان وأفغانستان وباكستان، وتمّ تعبئة تلك الميليشيات بإشراف من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.

وفي حين ساعدت هذه القوى الثلاث بشكل كبير في تقويض التمرّد، فهي تشكّل نقطة ضعف واضحة. فهي بالرغم من مساعدته في طرد الثوّار من الكثير من الأراضي، إلّا أنّها لا يمكنها المساعدة في إدارتها، لأنّ تلك الميليشيات غير مدرّبة على إدارة الأرض وخاصةً الكبيرة منها مثل حلب. ولا يمكن للجيش النظامي الاعتماد دائمًا وأبدًا على الميليشيات الأجنبية، وهنا يظهر ضعفه. وعلى الجانب الآخر، فإن قوّات الثوّار قوّات ثابتة، يمكنها إعادة تنظيم نفسها في ريف حلب مثلًا وإعادة تهديد النظام من جديد. ولا تزال إدلب تحت سيطرة جبهة فتح الشام، الوجه الجديد للقاعدة في سوريا، وهو ما يمثّل خطرًا شديدًا على استمرار الأراضي في يد النظام.

المعارضة السنّية العربية

كان فقدان حلب ضربةً كبيرة للثوار السوريين. لكنّ النتيجة غير مفاجئة. فقد طغى على مشهد المعارضة السنّية العربية الانقسام والظهور الهش منذ البداية.

مهّدت المشاكل الداخلية بين فصائل الثوّار والدعم السخي الذي تلقاه النظام السوري من إيران وروسيا لمشهد الهزيمة الذي رأيناه للثوّار في حلب. ولم تتلقّ المعارضة الدعم المماثل من الولايات المتّحدة وحلفائها في أوروبا، لكنّها تلقّت دعمًا معقولًا من اللاعبين الإقليميين، السعودية وتركيا وقطر والإمارات والأردن. لكن في حين استطاع النظام وحلفاؤه تشكيل قوّة متماسكة، لم ينجح أي من الأطراف الإقليمية في نفس الأمر داخل المعارضة، ورغم وحدة الهدف بالإطاحة بـ«نظام الأسد»، كانت الاختلافات كبيرة حول ما بعد «الأسد».

وتحوّل الوضع الداخلي للثوّار من سيء إلى أسوأ في الأيام الأخيرة. حتّى أنّ بعض التقارير تتحدّث عن مشاكل داخل جبهة فتح الشام نفسها، والمكونة من 20 ألف مقاتل، في حين أنّ الجيش السوري الحرّ المكون من 40 ألف مقاتل، لا يمثّل القوّة ولا الأهمية الكافية، حيث يمثّل مظلة للعديد من الفصائل المستقلّة.

وفي حين تحوّلت الحرب في سوريا إلى حربٍ إقليمية بين القوى السنّية والكتلة الشيعية بقيادة إيران، فإنّ النظام السوري العلوي الذي كان يحكم بلدًا يحوي 65% أغلبية سنّية، استطاع كسب العديد من السنّة في صفّه والذين يرون أنّ الحرب خطرة، ويرون النظام ضامنًا للاستقرار.

وعلى الرغم من صعوبة تكوين كتلة واحدة متماسكة من فصائل الثوّار نظرًا لكثرة الاختلافات الداخلية، تشترك تركيا والولايات المتّحدة في حتمية الوصول إلى ذلك. وتسعى تركيا لتكون الراعي الرئيسي للثوّار، في نفس الوقت الذي تواجه فيها الحركات ذات النزعة الانفصالية مثل الأكراد و(داعش). وتدرك الولايات المتّحدة، التي تتخذ من القوات الديمقراطية الكردية السورية حليفًا ضد «الدولة الإسلامية»، حاجتها إلى حليف سنّي عربي لإنجاح جهودها في استعادة الرقة من بين يدي التنظيم.

الأكراد

إذا كان هناك فريق اقترب من تحقيق أهدافه في سوريا، فهم الأكراد. فهم يسيطرون حاليًا على كثير من كردستان السورية، ويمارسون حكمًا ذاتيًا. يتمتّعون ببعض الدعم من الولايات المتّحدة، كونهم يقاتلون ضد «الدولة الإسلامية». ويسعى الأكراد لاستغلال المعركة ضد تنظيم الدولة لتعزيز منطقة حكمهم الذاتي بغض النظر عن الوضع القادم لسوريا.

ولكن تركيا تقف أمام هذه الطموحات، حيث ترغب تركيا في وضع قيود على هذا الحكم الذاتي، والحدّ من الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد، خشية العلاقات القوية بين أكراد سوريا، والعدو الرئيسي الداخلي لتركيا، حزب العمّال الكردستاني. ولكي تنجح تركيا في هدفها، عليها التورّط بشكل أكبر، وأخذ زمام المعركة ضد «الدولة الإسلامية».

وترغب تركيا في نفس الوقت الحدّ من تعريض جيشها للأزمة في سوريا، وهذا لن يتأتّى إلّا مع تكوين كتلة قتالية سنّية هائلة. وحاليًا، تعمل تركيا مع فصائل الجيش الحر وإسلاميين آخرين للاستيلاء على بلدة الباب شمال سوريا من يد «الدولة الإسلامية». وهدف تركيا هنا هو الحدّ من الطموحات الكردية بتكوين ممر في المنطقة المعزولة بين عزاز والباب ومنبج وجرابلس والراعي.

إضافةً إلى ذلك، فإنّ النجاح في الاستيلاء على هذه المنطقة يخلق منصّة تصلح لإطلاق الهجمات التي تشنّها تركيا على معقل «الدولة الإسلامية» في الرقة. وفي حين يرغب الأتراك في نهاية المطاف الإطاحة بـ«الأسد»، فهم يعلمون أنّ ذلك بعيد المنال هذا الوقت مع خروج الثوّار من حلب. وبذلك، في حين يعيد الثوّار ترتيب أنفسهم لإنشاء ضغط جديد حول حلب، تحتاج أنقرة إلى توجيه بعض الثوّار باتجاه «الدولة الإسلامية» ودحر الأكراد. وحتّى حدوث ذلك، لن يكون هناك تغيير كبير على مستوى الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد.

«الدولة الإسلامية» ليست بهذا الضعف

في حين تواجه «الدولة الإسلامية» ضغطًا شديدًا في العراق، وتفقد الآن الموصل تدريجيًا، يبدو وضعها في سوريا آمنًا. ولا توجد قوّة يمكنها تهديد عاصمتها الرقّة. ويساعد في ذلك الاختلاف بين خصومها، وهو ما يجعل خيار توجيه ضربة مشتركة لها مستبعدًا. كما أنّها قد أثبتت قدرتها على القيام بعمليات هجومية مؤخرًا، باستعادتها لتدمر ومحاولتها السيطرة على قاعدة تي فور الجوية.

وما بين فقدان تدمر والوضع المائع في حلب، فإنّ النظام ليس في وضعٍ يسمح له بتهديد «الدولة الإسلامية». والأكراد غير مهتمّون بإنفاق الكثير على قتال هامشي لا يخدم أهدافهم كثيرًا، ويفضّلون التركيز على مواجهة التهديد التركي. ويترك هذا تركيا وحلفاءها كتهديد وحيد يواجه «الدولة الإسلامية»، لكنّا قد أظهرنا بالفعل أنّهم يحتاجون لوقت طويل قبل أن يكونوا في وضعٍ يسمح لهم بالاستيلاء على معقل التنظيم. وخلاصة القول هنا، في حين تضعف «الدولة الإسلامية» في العراق، فهي لا تواجه أي تهديد خطير على معقلها في سوريا.

خاتمة

هناك ثلاث جهات فاعلة تتحكم بالأراضي في سوريا: نظام «الأسد» والأكراد والدولة الإسلامية. وعلى الرغم من أنّ كلًا منهم يخسر أو يكسب أراضي بمساحات صغيرة، يبقى الثلاثة في وضع ضعيف. ومن غير المرجّح أن يحدث أي تغيير في جغرافيا الأراضي التي يسيطرون عليها في المستقبل القريب.

المصدر | جيوبوليتيكال فيوتشرز

  كلمات مفتاحية

سوريا روسيا إيران الأكراد المعارضة السورية بشار الأسد