«نيويورك تايمز»: الجميع يركز على سوريا.. المصالح التركية الروسية تتجاوز مقتل السفير

الثلاثاء 20 ديسمبر 2016 02:12 ص

بعدما ساعدت العلاقات المتباينة صعودًا وهبوطًا بين تركيا وروسيا في تشكيل الحرب السورية والأزمات التابعة لها، تشاركت الدولتان صدمة جديدة يوم الاثنين بعدما اغتال ضابط شرطة تركي مفصول من الخدمة السفير الروسي في تركيا.

وسبّب مقتل «أندريه كورلوف» قلقًا عالميًا وأثار التساؤلات حول عواقب أكبر.

وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، تحدّث الكثيرون حول أوجه الشبه مع حادث اغتيال الأرشيدوق النمساوي «فرانز فرديناند»، والذي ساعد على اندلاع الحرب العالمية الأولى، وهي المقارنة التي رفضها المحلّلون.

ولم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن الهجوم، الذي حدث في معرض فني في العاصمة التركية حيث كان السيد «كورلوف» يلقي حديثه. وصرخ المسلح، الذي نفّذ عملية القتل أمام أعين قوات الأمن، «الله أكبر» باللغة العربية، ثمّ قال بالتركية: «لا تنسوا حلب. لا تنسوا سوريا».

وقد يعطي هذا تلميحًا عن الدافع. وقد كانت القوات الجوية الروسية جزءًا أساسيًا من الهجوم الناجح للحكومة السورية على الأراضي التي يسيطر عليها الثوّار في حلب، والتي شملت هجمات واسعة النطاق على المدنيين.

ونقدم فيما يلي تفسيرًا لما تعنيه حلقة تركيا وروسيا وسوريا والولايات المتحدة.

هل يمكن أن يؤدّي ذلك إلى صراع بين تركيا وروسيا؟

يبدو ذلك مستبعدًا جدًا. وحتّى الآن، تعمل البلدان على احتواء الموقف وإرسال إشارات على التعاون. فقد بدت تفسيراتهما للحادث متوافقة، وأشار كل منهما بأصابع الاتهام إلى عدوّهما المشترك وليس إلى بعضهما البعض.

والسبب هو سوريا. في الأشهر القليلة الماضية، ابتلعت كلًا من تركيا وروسيا آلامهما من أجل اصطفاف الاستراتيجيات المتضاربة هناك.

وقالها «هارون شتاين» صراحة، وهو خبير تركي بالمجلس الأطلسي: «تحتاج تركيا إلى روسيا من أجل تعزيز مصالحها في الحرب. وتحتاج روسيا إلى تركيا من أجل الفوز».

وكان من الممكن أن يتسبّب مقتل السفير في التأثير على حصص البلدين في سوريا أو الأسوأ أن يعيد إحياء توتّرات العام الماضي، لذا فكلاهما يعمل على تخفيف حدّة هذا الأمر.

لماذا كانت هناك توتّرات بين تركيا وروسيا؟

في سوريا أيضًا، التي يظهر بها عدم استقرار الوضع، يدل تناول الحدث أيضًا على أنّ كلًا من تركيا وروسيا تصبّان كامل تركيزهما على حماية أجنداتهما في سوريا، حتّى إنّ القوميين وقادة المعارضة قد تعاملوا مع الأمر بهدوء.

وكانت البلدان، ولا تزالان كذلك إلى حدٍّ ما، على طرفي النقيض بالنسبة للأزمة السورية. فتركيا تعارض الرئيس «بشار الأسد» وتدعم جماعات الثوّار. وروسيا تدعم «الأسد» وتدخّلت في الصراع لصالحه منذ خريف عام 2015.

وبعد فترة وجيزة من تدخّل روسيا قامت بقصف قوّات الثوّار المدعومة من قبل تركيا وحلّقت عبر الحدود التركية الروسية، بحسب ما ادّعت تركيا. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2015، أسقطت تركيا مقاتلة روسية، الأمر الذي أشعل أزمةً كبيرة وأثار مخاوف اندلاع حرب. وكان ذلك ليورّط الولايات المتّحدة أيضًا الملتزمة بالدفاع عن تركيا، كعضو في حلف الناتو، والتي أرادت تجنّب التصعيد في سوريا.

وفي ظل هذه الظروف، يمكن لاغتيال السفير أن يثير نزاعًا أكبر من ذلك. لكن خلال العام الماضي، تغيّرت العلاقات بين البلدين بصورة كبيرة.

كيف تحولا من عدوين إلى شريكين؟

بعد سنوات من السعي للإطاحة بالرئيس «الأسد»، تحوّلت تركيا هذا الصيف إلى استراتيجية أكثر تواضعًا، وهي تهدف إلى منع المجموعات الكردية السورية من الاستحواذ على مزيد من الأراضي بطول الحدود. وهذا التغيير وائم إلى حد كبير موقف البلاد مع روسيا.

وتخشى تركيا من أنّ سيطرة الأكراد على الحدود من شأنها أن تعزّز النزعة الانفصالية لأكراد تركيا، حيث تقاتل الحكومة الجماعات الكردية، وقد نفّذ البعض منها هجمات إرهابية في الداخل التركي.

كما أنّ دخول روسيا قد غيّر حسابات تركيا، بعد أن أصبحت الحملة ضد «الأسد» أكثر تكلفة بشكلٍ مفاجئ، وأقل احتمالًا للنجاح.

روسيا من جانبها كافحت في البداية لكسب الأرض على حساب ثوار سوريا، وبعضهم كان يتلقّى دعمًا تركيًا. ويبدو أنّ روسيا قد توصّلت إلى أنّه من الأفضل أن تتخذ تركيا شريكًا بدلًا من عدو.

وبدت الدولتان وكأنّهما قد وقّعتا على اتفاق تسوية غير رسمي، حيث تتخلّى تركيا عن دعمها لفصائل محددة من الثوّار الذين هدّدوا مصالح روسيا في سوريا، وتتخلّى روسيا عن دعمها للجماعات الكردية. وسمحت روسيا أيضًا للقوات التركية والميليشيات المتحالفة معها باحتلال المناطق على الحدود السورية والتي كانت في السابق يسيطر عليها الأكراد والدولة الإسلامية.

ووصف السيد «شتاين» من المجلس الأطلسي هذا الترتيب بـ «حلب مقابل الباب»، حيث تحصل روسيا و«الأسد» على حلب، وتحصل تركيا في المقابل على مدينة الباب الاستراتيجية.ولأن المدينتين متقاربتين تقريبًا، سيستفيد الأتراك والروس من بعضهما البعض. وفي الوقت نفسه، مع قوب قوّاتهما على الأرض من بعضها البعض، فإنّ انهيارًا كبيرًا في العلاقات بسبب السيد «كورلوف» كان ليكون له آثارًا بالغة.

هل سيغيّر الاغتيال شيئًا؟

لا يوجد مؤشر على أنّ تركيا أو روسيا سيغيّر أي منهما سياساته في سوريا. وإذا كان سيغيّر أي شيء، فهو سيرسّخ علاقاتهما بشكل أكبر.

وتنبأ السيد «شتاين» أنّ الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» سيسعى لصرف الانتباه عن السياسات غير الشعبية لحكومته في سوريا بتحميل مسؤولية الهجوم لـ«فتح الله كولن» الذي يقطن بالولايات المتّحدة، والذي يحمّله «أردوغان» أيضًا مسؤولية محاولة الانقلاب الأخيرة في تركيا هذا الصيف.

وكان السيد «كولن» قد أنكر هذه الاتهامات، ورفضت واشنطن تسليمه، بسبب الافتقار للأدلّة الكافية. وقد سبّب هذه حدوث توتّرات بين الولايات المتّحدة وتركيا، على الرغم من أنّ تلك التوتّرات قد خدمت «أردوغان» بمساعدته على حشد الدعم في الداخل، حيث لا تحظى أمريكا بشعبية داخل تركيا.

وقال السيد «شتاين»: «الخاسر الأكبر من كل هذا سيكون واشنطن».

المصدر | نيويورك تايمز

  كلمات مفتاحية

تركيا روسيا مقتل السفير سوريا العلاقات التركية الروسية