«فاينانشيال تايمز»: «السيسي» و«ترامب» يتشابهان في أشياء كثيرة منها «النزعة الشعبوية»

الثلاثاء 20 ديسمبر 2016 05:12 ص

بعكس العديد من قادة الدول، الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» سعيد بانتخاب «دونالد ترامب».

بينما أخذت حكومات قليلة تهديدات «دونالد ترامب»، الذي كان يعمل في مجال العقارات، على محمل الجد أثناء حملته الانتخابية، طلب «السيسي»، الجنرال الذي صار رئيساً، مقابلته في سبتمبر/أيلول أثناء انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. كما كان «السيسي» أول قائد يهنئ «ترامب» على فوزه.

أبدت وسائل الإعلام المصرية إعجابها بوجود «كيمياء» بين الرجلين اللذين يشتركان في النزعة الشعبوية، ورؤية للعالم تُعَدّ فيها روسيا قوة جيوسياسية غير ضارة، وجديرة بالشراكة.

وفوق كل شيء، يجد «السيسي» في نظيره روحاً مشابهة تعُدُّ الإسلام السياسي خطراً يوازي خطر الحركات الجهادية.

في حديث صحفي في القصر الرئاسي بالقاهرة، الذي كان في السابق فندقاً مُشيداً على طراز الزخرفة العربية (الأرابيسك) به ردهات رخامية أنيقة، أخبر رجل مصر القوي، الذي يبلغ من العمر 62 عاماً، مراسل صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية بأنه «متفائل للغاية» بانتخاب «ترامب».

وقال «السيسي»: «يتعامل ترامب، الرئيس المنتخب، مع الإرهاب بجدية وحسم أكثر، وهذا بالضبط المطلوب الآن».

وأضاف أن التعاون بين واشنطن وموسكو من شأنه تعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط الذي تسيطر عليه الصراعات.

يرى «السيسي» أن الإرهاب يتجاوز مسلحي تنظيم «الدولة» الذين يقودون تمرداً في سيناء قد وصل إلى قلب العاصمة، القاهرة، حيث فُجِّرَت كنيسة قبطية الأسبوع الماضي، وهو تفجير راح ضحيته 25 مُصلياً. بشكل حاسم، يشمل تعريفه للإرهاب جماعة «الإخوان المسلمين»، الحركة السياسية التي جردها من الحكم وهو فريق في الجيش عام 2013، واستمر في سحقها بقسوةٍ منذ ذلك الحين.

ما تأمُله الحكومة هو أنَّ «ترامب» سوف يمنح الشرعية للحملة الأمنية، ويدعم نظام «السيسي» أثناء مروره بضغط اقتصادي متزايد، وذلك بدلاً من إدارة «باراك أوباما» التي اتهمها أنصار«السيسي» بالتعاطف مع «جماعة الإخوان».

لم يُعرف بعد حجم المساعدة التي سيُقدمها «ترامب»، إن قرَّر المساعدة. لكن بعد مرور قرابة الستة أعوام على الثورة التي أسرت خيال العالم، وخلقت آمالاً في حدوث تحول ديمقراطي في الشرق الأوسط، عادت الأمة ذات العدد الأكبر من السكان في الوطن العربي لتقع في قبضة دولة سلطوية.

وصارت مشكلات مصر الاقتصادية والسياسية والاجتماعية اليوم أعمق من المشكلات التي أطلقت ثورة 2011 ضد «حسني مبارك» الرئيس الأسبق.

في ميدان التحرير بالقاهرة، حيث خَيَّم الشباب المصري لأسابيع عام 2011، أُزيلت كل علامات الاحتجاج الشعبي، واستُبدِلت بها سارية طويلة تحمل علم مصر، والذي يراه المواطنون رمزاً لعودة النظام الذي تفرضه الدولة.

وأُزيل كل الباعة الذين شغلوا الشوارع الجانبية حين اكتسحت العاصمة موجةٌ من الحرية الفوضوية. حتى رسوم الغرافيتي أُزيلت هي الأخرى.

ركب السيسي، الذي انتُخب عام 2014، موجة من خيبة الأمل ضد حكم الإسلاميين الذي استمر عاماً واحداً.

عَلَّق المصريون، الذين طفح كيلهم من الفوضى، آمالهم على الفريق الذي قَدَّم نفسه كأبٍ للأمة.

ظل المصريون على إيمانهم حتى حين تولت زمامَ الأمور الوكالاتُ الأمنية القمعية، التي كانوا قد ثاروا عليها من قبل، وفرضت نفسها مبدأً أساسياً لإدارة الدولة.

مشكلات مصر تتراكم

ومع ذلك، تراكمت مشكلات مصر. فقد أُغلقت المساحة السياسية، التي سمحت ببعض من حرية التعبير حتى في عهد «مبارك»، إغلاقاً حازماً، وتعُج السجون بالمعتقلين.

بتعداد سكاني ينمو بمعدل 2,5%، يعيش 27% من المصريين، الذين يزيد عددهم على 90 مليوناً، تحت خط الفقر، وكانت النسبة 25% قبل الربيع العربي.

وتضخَّمت نسبة البطالة بين الشباب، وضَمَّ القطاع العام، المكتظ بستة ملايين عامل، مليون عامل إضافي، وارتفع الدَّين المحلي بنسبة تفوق الـ100% من إجمالي الناتج المحلي.

وتلقت السياحة ضربة قاصمة بعد تدهور الأمن.

وبدأ الخليجيون الداعمون لـ«السيسي»، والذين ساعدوا في ترسيخ دعائم نظامه، بدأوا يملون من التبرع بسخاء. وتوترت على وجه الخصوص العلاقات مع السعودية.

خفت بريق «السيسي»، حين اضطر النظام للجوء لصندوق النقد الدولي، وتنفيذ تعديلات رُفضت طويلاً.

وانكمشت حالة التهليل التي كانت تروج لها وسائل الإعلام المتملقة، وانتشر النقد لقيادته على الشبكات الاجتماعية. ومع أنَّ عدد المصريين، الذين لم يزل لديهم ميل للثورة، قليل للغاية، يقال إنَّ الأجهزة الأمنية، التي مُنحت صلاحيات واسعة مؤخراً، في حالة ترقُّب دائمة استعداداً للمزيد من الاضطراب.

ومع كل هذا، يظل «السيسي» واثقاً في قدرته على إنقاذ مصر من الكارثة، وذلك بعد أن هزم «جماعة الإخوان». إنه يؤمن أنَّ «الأمة المصرية العظيمة» لديها قابلية لا حدود لها «للتفهم والتضحية».

ويقول «السيسي»: «لثلاثين شهراً، حدثت محاولات لإسقاط هذه الدولة، لكن ما فاجأ الكثيرين أنَّ المصريين يزدادون مرونةً ووعياً ودعماً لبلدهم».

مع ذلك، سوف تختبر هذه المرونة قدرة النظام على إصلاح الاقتصاد المتداعي. ويبدو تحقيق النجاح في هذه الجبهة صعباً للغاية.

منذ أكتوبر/تشرين الأول، حين اشتدت أزمة العملة الأجنبية، وتضاعف سعر الدولار في السوق السوداء، فرضت الدولة إجراءات صارمة كانت قد أجلتها الإدارات السابقة المتعاقبة. فقد فرضت ضريبة القيمة المضافة، ووضعت حداً لزيادات رواتب القطاع العام، وخفَّضت الدعم على الوقود، وسمحت بتعويم الجنيه المصري، وهو الإجراء الأكثر مفاجأة، والذي هبط بقيمة الجنيه أمام الدولار إلى النصف.

أقنعت هذه التعديلات، وهي الأجرأ منذ ثمانينيات القرن الماضي، صندوق النقد الدولي بالموافقة على برنامج قرض، قد تأخر كثيراً، على مدار ثلاث سنوات، وتصل قيمته إلى 12 مليار دولار، هدفه استعادة الموارد المالية العامة إلى مستوى متوازن، وإعادة جذب المستثمرين الأجانب.

لكن الأثر المباشر لهذه الإجراءات هو الزيادة المرتفعة في معدل التضخم السنوي، والتي وصلت لقرابة الـ20% في نوفمبر/تشرين الثاني، والتي من المتوقع أن تظل قابعة في عدد يتكون من رقمين حتى العام المُقبل.

في شوارع القاهرة، يشتكي المتسوقون من الأسعار المتزايدة ومن اضطرارهم لعدم الشراء. تقول «رنا أحمد»، وهي مطلقة وأم لابنين، إنها تضطر للعمل ساعات إضافية لتزيد من راتبها الهزيل الذي تحصل عليه من عملها سكرتيرةً، والذي قدره 115 دولاراً في الشهر، وتُعبر أيضاً عن حزنها الشديد من ارتفاع أسعار المواصلات بعد تخفيض الدعم عن الوقود، وتقول «رنا»: «أنفق الآن ربع راتبي على المواصلات».

ويقول «إبراهيم محمد»، وهو نجار، إنه اعتاد هو وعائلته أن يأكلوا لحماً أو دجاجاً كل يوم، أما الآن فمرَّتين في الأسبوع فقط. ويضيف: «لم أشترِ أية فاكهة منذ شهر».

تساعد الدولة دوائر المجتمع الأكثر فقراً بتقديم إعانات مالية وبرنامج دعم للطعام.

يقول «السيسي»: «كانت الدولة تدعم الجنيه، وكانت السلع الترفيهية، التي قيمتها مليارات الدولارات، تُستَورَد فقط. أما الآن فهناك دعم مُرشَّد، ونفذت الحكومة إجراءات وقائية لتضمن وصول الدعم لمن يستحقونه فعلاً».

ومع ذلك، إذ تستورد مصر نصف حاجتها من الطعام، بما في ذلك نصف حاجتها من القمح، سوف يشعر كل المصريين، وخصوصاً الطبقة المتوسطة، بالمزيد من الفقر خلال السنوات المُقبلة.

وفضلاً عن الاستقرار المالي، يظل السؤال الأكبر هو ما إذا كان النظام سيُجري إصلاحات بنيوية يمكنها أن تنعش الاستثمار الراكد وأن تُحفز النمو. لكنَّ هذه الإصلاحات تتعارض مع العقلية العسكرية المُرتابة ارتياباً عميقاً من مجتمع رجال الأعمال، إذ تربطه بالفساد والمحسوبية في عهد «مبارك»، واللذين ألهبا حالة الاستياء الشعبي.

يقول رجال الأعمال في القاهرة إن الجيش يحتاج أن يصل فوراً «لتصالح» مع القطاع الخاص. وصرَّح أحد رجال الأعمال قائلاً: «لا يمكن دفع الاقتصاد للأمام دون القطاع الخاص، يجب أن يعترف المرء بذلك، لكنهم (النظام) لم يفعلوا».

وأضاف أن جزءاً كبيراً من القطاع الخاص سيظل مُعلَّقاً حتى ذلك الحين.

تغلل الجيش في الاقتصاد

اعتمد السيسي على الجيش في إدارة المشروعات القومية التي يراها كفيلة برفع الروح المعنوية، مثل تمديد قناة السويس وبناء عاصمة جديدة، وهما مشروعان لا يرى مجتمع رجال الأعمال أنَّ أيّاً منهما كان ضرورياً.

ويوسع الجيش، الذي لطالما امتلك مشروعات تجارية، يوسع مجاله بقانون جديد يسمح له بأن يكون شريكاً في شركات محلية وأجنبية.

وانتشرت مصانع جديدة يملكها الجيش في السنتين الماضيتين، بما في ذلك قطاعَي الأسمنت والصلب.

يقول من يعرفون أفعال النظام جيداً أنَّ هناك إدارة «شكلية» مُكونة من وكالات أمنية تعمل في الواقع جنباً إلى جنب مع الحكومة المدنية، وتُقيِّم القرارات الاقتصادية وفقاً لمخاطر حدوث اضطراب شعبي.

في اللقاء الصحفي، غضب «السيسي» من التلميح لأن الجيش قد يكون ساعياً للتربُّح من المشروعات التجارية، وقال: «لا يبخل الجيش المصري بأي مجهود لمساعدة الوطن. من الخطير للغاية اتهامه بأشياء كهذه».

وزعم أن اقتصاد الجيش يُشكل من 1.5% إلى 2% من إجمالي الناتج المحلي.

وقال إنَّ مشروعات الجيش التجارية مصممة لضمان الاكتفاء الذاتي للعاملين به، ولتخفيف الحمل عن السوق، لا لتتنافس مع القطاع الخاص.

الدور الآخر الذي يلعبه هو «الإدارة والمراقبة» لضمان «الكفاءة والمطاوعة ودقة المواعيد وعدم التسامح مع أي ذرة فساد» في العقود التي تنفذها شركات القطاعين العام والخاص.

يقول مسؤولون إنَّ «السيسي» ليس لديه خيار سوى أن يعتمد على الجيش ليُلبي توقعات الناس ويتعامل مع انهيار الاستثمار الذي حدث بعد الثورة.

لكن الخوف من التنافس مع مؤسسة بهذه القوة، فضلاً عن كونها غير معرضة للمحاسبة، يُبعد القطاع الخاص عن الاشتراك.

ويقول أحد رجال الأعمال: «المشكلة هي إدراك أنهم (الجيش) يمكن أن يدخلوا أي قطاع غداً».

تُعد تدخلات الجيش الاقتصادية واحدة من مظاهر عودة الدولة الأمنية التي ظن الكثير من المصريين أنها انتهت بعد ثورة 2011.

السلطوية تترسخ

وترسخت السلطوية بشكل كبير في عهد «السيسي».

إذ تلقت جماعة الإخوان المسلمين «ضربة قاصمة» وفق تعبير «السيسي».

لكن المسؤولين الغربيين وبعض السياسيين المصريين يحذرون من أن محاولات إبادتها قد أدت إلى جعل أفرادها الشباب أكثر راديكالية، وخلقت مجندين جدداً للجماعات الإرهابية.

لم تقتصر حملة القمع الأمنية على الإسلاميين. فقد شاهد العديد من الليبراليين الذين هتفوا لـ«السيسي» وهم مرعوبون النشطاء العلمانيين الشباب، الذين قادوا الثورة، وهم يُلقَون في السجون، ومنظمات حقوق الإنسان وهي ترضخ للضغوط، وقادة المجتمع المدني وهم يُمنعون من السفر. وصدَّق البرلمان مؤخراً على قانون لتشديد التحكم في المجتمع المدني، وكان نص القانون أقسى من الذي اقترحته الحكومة.

وقد صرَّح مسؤول سابق قائلاً: «أغلق النظام كل منافذ التعبير؛ لأنهم مهووسون باحتمال حدوث ثورة أخرى. المصريون متعبون تعباً لا يمكنهم معه أن يثوروا، لكن ما يمكن أن نلاحظه هو اضطراب مشتت ومتقطع».

وأضاف أنَّ المشكلة هي أنَّ النظام يقيس نجاح سياساته بما إذا كان الناس يخرجون للشوارع أم لا.

وقال أيضاً: «لكنَّ مقياس النجاح أيضاً هو عدد الناس الذين يسقطون في دوامة الفقر، وما يحدث للثقة في المشاريع التجارية، وما إذا كان الاقتصاد ينمو أم لا».

ولا تزال أصوات قليلة تجرؤ على المطالبة بمصالحة سياسية مع أجزاء من «جماعة الإخوان»، وبفتح مساحة أكبر في المجال السياسي.

يقول عضو في البرلمان: «كانت لدينا سياسة أمنية لأربعين عاماً وقد فشلت، يجب أن توجد مساحة للإسلاميين الذين يلتزمون بحكم القانون، إنهم جزء من المجتمع».

في الوقت الراهن على الأقل، فرصة حدوث هذا ضئيلة للغاية. إذ وصف «السيسي» زعم منظمات حقوق الإنسان بوجود عشرات الآلاف من المسجونين السياسيين بكونها «سخيفة»، مشيراً لأن الرقم لا يتجاوز بضع مئات من الحالات، وأنَّ 80 معتقلاً شاباً قد أُطلق سراحهم مؤخراً.

ويقول «السيسي»: «في موقف صعب كموقفنا، من الوارد حدوث بعض الأخطاء. لكننا نُصَحِّحُها في أسرع وقت».

يعترف السيسي بأنَّ شعبيته بدأت تتقلص، لكنه قال إنه ليس مشتركاً في «منافسة شعبية». ورفض الرأي الآخذ في الانتشار بأنَّ حكمه أسوأ من حكم «مبارك»، قائلاً إنه «يبني الحب بين المصريين، وموجة احترام للآخر سوف تبدأ في القاهرة وتنتشر في المنطقة».

وأضاف أن رئاسة مصر حمل ثقيل، لكنه حمل يتوقع منه الكثيرون أن يحمله على عاتقه حتى تنتهي مدته الرئاسية عام 2018.

رفض «السيسي» الإعلان عما إذا كان سيترشح لفترة ثانية. مع ذلك، لا شك أن قراره سيعتمد اعتماداً كبيراً عما إذا كان المصريون مستعدين لتحمل الصعاب والتضحية كما يؤمن.

المصدر | الخليج الجديد + فاينانشال تايمز

  كلمات مفتاحية

مصر السيسي ترامب