«ستراتفور»: مسار السلام المتعرّج في ليبيا.. هل يمكن التوصل لاتفاق بين «حفتر» وقوات مصراتة؟

الثلاثاء 20 ديسمبر 2016 09:12 ص

توقّعات

(1) سوف تستمر الحكومة الليبية المعترف بها دوليًا في التراجع في حين تقترب من نهاية عامها الأول في السلطة.

(2) برغم قربه من غرب ليبيا ومنافسته المستمرة، قد يختار جيش ليبيا الوطني التابع للمشير «خليفة حفتر» ومعه الميليشيات من مدينة مصراتة التفاوض بدلًا من استمرار القتال.

(3) ستحتاج المفاوضات المستقبلية لتشكيل الحكومة استيعاب طموحات المصراتيين و«حفتر».

تحليل

تعاني ليبيا من الانقسام. وقبل عام مضى، وقّع ممثّلون عن الحكومتين المتنافستين، مجلس النواب المعترف به وطنيًا ومقرّه طبرق، والمؤتمر الوطني العام في طرابلس، اتفاقًا لتشكيل حكومة موحّدة. وعلى الرغم من أنّ هذا الاتفاق، المعروف باسم الاتفاق السياسي الليبي، قد انبثق عنه إدارة جديدة في طرابلس، تشهد البلاد فتنة اليوم أكثر من أي وقت مضى. وبدلًا من حكومتين متنافستين، لدى ليبيا الآن 3 حكومات، في حين أن القيادة المعترف بها دوليًا ممثلة في حكومة الوفاق الوطني، تخسر الأرض.

ولكن مع تعمّق الانقسامات في ليبيا سياسيًا، تحسّن الاقتصاد إلى حدٍّ ما. وإنتاج النفط الذي يعد الدعامة الأساسية لاقتصاد البلاد في أعلى مستوياته منذ عامين. كما تمكّنت الميليشيات المسلحة في مصراتة من طرد (داعش) من معقلها في سرت. ويرجع كل النجاح في البلاد إلى هذين التكتلين العسكريين القويين، في حين أنّهما عدوان لدودان. يدعم الجيش الوطني الليبي وقائده المشير «خليفة حفتر» مجلس النواب، بينما يدعم مقاتلو مصراتة المؤتمر الوطني العام. وتسبّبت جهودهما في دعم استقرار صناعة النفط وطرد (داعش) في وضعهما في على خطوط مواجهة قريبة من بعضهما البعض للمرّة الأولى منذ عامين. وأعلن «حفتر» مؤخرًا ضرورة تحرّك قوّاته من أجل حملة عسكرية للسيطرة على طرابلس، وهي الخطوة التي قد تدفع القوّات في العاصمة للتوحد ضده مرة أخرى. ويقع الآن مؤسسو المؤتمر الوطني العام والجيش الوطني الليبي ومقاتلو مصراتة على مسار تصادمي، والذي قد يدفعهم للجلوس على طاولة المفاوضات أو إلى صراعٍ مفتوح.

حكومة الشقاق الوطني

على النقيض من اسمها، لم تحقّق حكومة الوفاق الوطني الكثير من الوحدة في ليبيا. وقد حاولت حكومة الوفاق الوطني الحصول على الشرعية منذ وصولها طرابلس في مارس/ آذار. ولم يعترف مجلس النوّاب رسميًا أبدًا بحكومة الوفاق الوطني، على الرغم من أنّ الاتفاق السياسي قد أدرج موافقته شرطًا لحكم الحكومة. ولم تستطع حكومة الوفاق الوطني تحقيق الإدارة الكاملة على طرابلس، ناهيك عن باقي البلاد. نتيجةً لذلك، فقد فشلت في تقديم نفسها كحكومة ممثلة لكل ليبيا، والآن تخسر جاذبيتها حتّى بين مؤيديها. وكان وزير دفاع الحكومة، «مهدي البرغثي»، قد تحوّل ضد المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، بزعم المساعدة في تنظيم هجمات سابقة في ديسمبر/ كانون الأول على محطات النفط التي يسيطر عليها الجيش الوطني الليبي في الجفرة.

ولأنّ حكومة الوفاق الوطني كانت قد شكّلت في الأساس لتكون مؤقتة، فالمشاكل التي تواجه سلطتها تتزايد، وخاصةً مع اقتراب نهاية حكمها المنصوص عليه لمدّة عام. وبالفعل، صعّد المؤتمر الوطني العام من معارضته لحكومة الوفاق الوطني. وفي أكتوبر/ تشرين الأول، سيطرت ميليشيات مسلّحة تابعة للمؤتمر الوطني العام على مباني تخص حكومة الوفاق الوطني، بما في ذلك مجمع ريكسوس، والذي يستضيف برلمان حكومة الوفاق الوطني. وتصاعد القتال بين الميليشيات التابعة للحكومتين في ديسمبر/ كانون الأول، الأمر الذي أدّى إلى أكثر الاشتباكات دموية منذ عام 2014.

الغاية في النهاية

بالطبع لم تكن حكومة الوفاق الوطني لتتواجد إن لم تكون هناك خلافات بين مجلس النواب والمؤتمر الوطني العام. وفي عام 2015، تورطت الائتلافات المسلّحة الداعمة للأطراف المتنافسة في حرب وحشية في طرابلس وفي الهلال النفطي، الذي يتواجد به الجزء الأكبر من البنية التحتية لتصدير النفط في البلاد. ولم يملك أي جانب القوّة للتغلب على الآخر. وأخرج الإسلاميون ومقاتلو مصراتة الداعمون للمؤتمر الوطني العام مقاتلو مجلس النواب من طرابلس. وفي نفس الوقت، تمكّن «حفتر» والجيش الوطني الليبي من طرد قوات مصراتة وحلفائها من الهلال النفطي ومن مدينة سرت.

واستغلّت الدولة الإسلامية الفراغ الذي خلّفه القتال وقامت بإنشاء قاعدة حول سرت، ومن هناك، أطلقت هجماتها باتجاه الغرب على مصراتة. وبسبب تخوّفهم من تقدّم الجماعة المتطرفة، بدأ قادة الميليشيات المتنازعة في المدينة السعي إلى حل سياسي للنزاع بينهم لتركيز انتباههم على الدولة الإسلامية، وللحصول على دعم غربي من أجل القتال. وتسبّب وجود الدولة الإسلامية في ليبيا باندلاع الخلافات بين الفصائل المعتدلة في مصراتة وحلفائها من الإسلاميين المتشدّدين والسلفيين. ومع ذلك، وقّع المعتدلون اتفاقية سلام في مدينة زنتان وانضمّوا للمفاوضات، التي تقودها الأمم المتحدة، من أجل تشكيل حكومة موحدة.

لكنّ المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود فيما يخص وضع «حفتر» في الحكومة الجديدة. وعلى الرغم من أنّهم كانوا على استعداد للانضمام لعملية السلام، عارض غالبية المصراتيين إدراج اسم «حفتر» في الحكومة، لما يعرف عنه من معاداة للإسلاميين. وضمّت التشكيلة النهائية لحكومة الوفاق الوطني رئيس وزراء المؤتمر الوطني العام «أحمد معيتيق»، وهو رجل أعمال مصراتي بارز، نائبًا لرئيس الوزراء. ولم تشمل، مع ذلك، دورًا رسميًا لـ«حفتر». وللحفاظ على الدعم من المصراتيين وجماعات غرب ليبيا، عيّنت حكومة الوفاق الوطني «البرغثي»، منافس «حفتر» والذي يتمتّع بعلاقات جيّدة مع الإسلاميين، وزيرًا للدفاع.

مسيرة «حفتر»

ظلّ «حفتر» مع ذلك قوّةً بارزة في ليبيا كقائد للجيش الوطني الليبي. وحقّقت قوات «حفتر» مكاسب كبيرة على مدى عامين في بنغازي ضد الجماعات الإسلامية والجهادية مثل مجلس شورى ثوار بنغازي وأنصار الشريعة، ولم يتبقّ لهم سوى مناطق صغيرة. وقد سمح الدعم المستمر لـ«حفتر» من الداعمين الدوليين مثل الإمارات العربية المتحدة والسعودية ومصر أن يتقدّم أكثر حول بنغازي وباتجاه الغرب. وفي هذه العملية، بدأ «حفتر» مع رئيس مجلس النواب «عقيلة صالح عيسى» السيطرة على المنطقة، وتنصيب القادرة العسكريين الموالين لهم على رأس المجالس البلدية للمناطق. وقد استطاع الجيش أيضًا السيطرة على معظم البنية التحتية الحيوية للنفط والغاز منذ سبتمبر/ أيلول مع دعم متزايد من شركة النفط الوطنية، التي يقع مكتبها الرئيسي في طرابلس. وبعد صدّ هجوم الجفرة، تقدّم الجيش إلى مناطق أبعد باتجاه الغرب إلى سبها، وأعلن في 14 ديسمبر/ كانون الأول أنّه سيستأنف الإنتاج في الشرارة والفيل، حقول النفط الرئيسية في غرب ليبيا.

وفي نفس اليوم، أصدر «حفتر» بيانًا يوجه فيه قادة الجيش بالإعداد من أجل عمليات الاستيلاء على طرابلس. وتعدّ طرابلس ساحة قتال عنيفة بين عدّة مجموعات. وإذا أرسل «حفتر» القوات للانضمام إلى النزاع، فإنه سيخاطر بالتفريط في قوّاته وربّما يخسر بعض أراضي الجيش الوطني الليبي التي حصل عليها في أماكن أخرى من البلاد. وقد يشجّع هذا التحرك باتّجاه طرابلس الميليشيات الداعمة لحكومة الوفاق الوطني والداعمة للمؤتمر الوطني العام كي يتّحدوا من أجل مواجهة جيش «حفتر». علاوة على ذلك، فإنّ المقاتلين من زنتان، التي هي حاليًا واحدة من أقوى الميليشيات الداعمة للجيش الوطني الليبي في غرب ليبيا، سيكونون متردّدين في تعريض اتفاق السلام مع مصراتة للخطر بالتقدّم نحو العاصمة.

موقف متزعزع

إنّ حالة وقف إطلاق النار الدائمة بين المصراتيين وميليشيات زنتان، والتي قادت لمصالحة شاملة وقّعت يوم 8 ديسمبر/ كانون الأول، تعدّ واحدة من أهم المنجزات في الفترة الأخيرة، لكن سيكون من الصعب المبالغة بأهمية هذه الجماعات لليبيا بوجهٍ عام. ومصراتة مدينة ساحلية غنية لها تاريخ طويل من الحركات الثورية التي يرجع تاريخها إلى الفترة الاستعمارية تحت سيطرة الإمبراطورية الإيطالية. وانتشرت ميليشيات مصراتة بعد الإطاحة بالرئيس الليبي السابق «معمّر القذّافي» عام 2011. وكانت المدينة في وقتٍ ما موطنًا لأكثر من 230 مجموعة تضم 40 ألف مقاتل. واكتسبت مجموعة من تلك الميليشيات، البنيان المرصوص، شهرةً دولية لقيادتها القتال ضد «الدولة الإسلامية» بدعم من إيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.

لكنّ هذه المعركة قرّبت المصراتيين بشكل خطير من عدوّهم السابق. والآن وقد تمّ استعادة سرت، أصبحت الخطوط الأمامية للحرب الأهلية الليبية كما كانت عندما أدّى غزو «الدولة الإسلامية» لاتّحاد هش بين المتنازعين. والاختلاف اليوم، أنّ قوات الدولة الإسلامية لم تعد منطقة عازلة بين ميليشيات مصراتة و«جيش حفتر».

هدف مشترك

ولكن حتّى الآن، لم يقدم أي جانب أي إشارة على نيته مهاجمة الجانب الآخر. وامتنعت قوات مصراتة في سرت عن الاشتراك في الهجوم على محطات النفط في الجفرة. والأكثر من ذلك، تشير المصالحة الرسمية مع الزنتان حلفاء الجيش الوطني الليبي إلى أنّها منفتحة للتفاوض مع قوات حفتر. وفي نفس اليوم الذي وقّعت فيه الاتفاق مع زنتان، سلّمت ميليشيا القوة الثالثة بمصراتة سلميًا قاعدة براك الشاطئ الجوية إلى الجيش الليبي. وبعد أقل من أسبوع، سلّمت حقول النفط جنوب غرب ليبيا إلى حرس المنشآت النفطية، وهي مجموعة أخرى متحالفة مع حفتر. وأمر المجلس البلدي بمصراتة ميليشياته بالتوقف عن دعم الجماعات الإسلامية التي تقاتل «حفتر» في بنغازي. وبعد 8 أشهر دامية من القتال ضد الدولة الإسلامية، فإنّ رجال الأعمال الأثرياء في مصراتة يرغبون في أن تعود العمليات اليومية في المدينة إلى طبيعتها. لكنّ ميليشيات مصراتة ترغب في تأكيد السيطرة على سرت وما حولها لئلا تسمح للدولة الإسلامية بالعودة من جديد. ويريدون أيضًا استغلال انتصارهم على الجماعة الجهادية من أجل حجز دور على طاولة مفاوضات الحكومة الجديدة، في حين توشك حكومة الوفاق الوطني على الرحيل.

«حفتر»، في الوقت نفسه، قد وضع عينيه على طرابلس. ويتصور لنفسه أيضًا دورًا رئيسيًا في مستقبل ليبيا. وقد اعترف «مارتن كوبلر»، مبعوث الأمم المتحدة من أجل الاتفاق السياسي الليبي، بضرورة تواجد «حفتر» في الحكومة من أجل ضمان نجاحها. وسيستمر المشير الميداني في الضغط من أجل الحصول على منصب رسمي في الحكومة الليبية القادمة، على رأس الجهاز العسكري في البلاد، مستخدمًا دوره في زيادة إنتاج النفط كدليل على أحقّيته في القيادة. ولم يلجأ «حفتر» حتّى الآن إلى تعطيل إنتاج النفط للضغط على حكومة الوفاق الوطني، لكنّه قد يفعل ذلك إذا انهارت المفاوضات أو غيّرت شركة النفط الوطنية ولاءها. وعلى الرغم من أنّه سيحافظ على موقفه الحازم ضد الجماعات الإسلامية المتشدّدة، قد يقبل «حفتر» بالعمل مع الفصائل المعتدلة في مصراتة إذا قبلوا دوره في الجيش. وفي الوقت نفسه، سيستمر في محاولة تكوين جيش ليبي يعمل كقوّة متماسكة بدلًا من الميليشيات القبلية المتنافسة، وهي إرث تركه «القذّافي» كان يهدف به إضعاف الجيش خشية الانقلابات العسكرية.

التفاوض من أجل المستقبل

حتّى الآن، ليس من الواضح كيف ستستوعب الحكومة القادمة كلًا من طموحات «حفتر» والمصراتيين. يوجد حلّ واحد شعبي بإنشاء مؤسسة عسكرية على غرار المجلس العسكري في مصر، ويتم تقسيم الأدوار بين «حفتر »وممثّلين عن مصراتة وأفراد القوات البارزة الأخرى مثل ميليشيا زنتان. وبالفعل، يبدو أنّ الفصائل الليبية المتنافسة تمهّد لهذا الترتيب. وتعمل مصراتة فيما يبدو على تعزيز وجودها العسكري في سرت لمواجهة قوّات «حفتر» بإنشاء مجلس عسكري محلّي، باتبّاع نمط «حفتر» في شرق ليبيا. وفي الوقت نفسه، اقترح «معيتيق»، من المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، تقسيم شركة النفط الوطنية إلى كيانين، أحدهما في طرابلس والآخر في بنغازي، في محاولة لإغراء المطالبين بالفيدرالية في البلاد.

سيكون دور «حفتر»، وميله للمساواة بين الجهاديين وكل الإسلاميين، حجر عثرة في الجولة القادمة من المفاوضات حول من سيقود ليبيا. وعلى الرغم من رغبة العديد من الفصائل في مصراتة في العمل معه، لدى العديد من الفصائل الأخرى تحفّظات كبيرة. ولن تذعن بالطبع ميليشيات مصراتة المتشدّدة، التي تقاتل حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، لسلطة «حفتر» إذا تمّ إدراجه في الحكومة القادمة. وإذا مضى «حفتر» قدمًا في هجومٍ على طرابلس، ستقرر ميليشيات مصراتة إذا ما كانت سترد بالمثل.

ومع ذلك، قد يكون هناك مجال للتعاون، وإن كان هشًّا، بين «حفتر» والمصراتيين، وأثبتت مصراتة انفتاحها على هذا التعاون. وستلعب تلك العلاقة دورًا أساسيًا في تحديد مسار الصراع السياسي في عام 2017، للأفضل أو للأسوأ. ويمر طريق إعادة الوحدة السياسية لليبيا من خلال مصراتة والجيش الوطني الليبي. والسؤال هنا، هو إذا ما كانت الرحلة ستكون عنيفة.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

ليبيا حفتر برلمان طبرق المؤتمر الوطني العام حقول النفط