«نيويورك تايمز»: كيف يصنع «السيسي» ديمقراطيته الخاصة في مصر؟

الخميس 22 ديسمبر 2016 11:12 ص

في أكتوبر/ تشرين الأول، أصبح «علاء عابد»، محقق الشرطة السابق، رئيسًا للجنة حقوق الإنسان في البرلمان المصري. وضمنت له كتلة الأغلبية الداعمة للرئيس «عبد الفتاح السيسي»، والتي ينتمي لها السيد «عابد» الفوز عبر إغراق اللجنة بالأعضاء الموالين، في استعراض للقوة أدّى إلى خروج منافسيه.

لقد انتصر، فنيًا، طبقًا لقواعد البرلمان، التي تعبر عن في ظاهرها عن «الديمقراطية الموجهة» في مصر، وهو مصطلح يستخدمه الخبراء غالبًا في وصفهم لروسيا تحت حكم الرئيس «فلاديمير بوتين» والدول الأخرى التي تحكم بحكم الفرد المطلق. وهي نظم تستخدم المظاهر الشكلية للديمقراطية والانتخابات، لكن يتم تفريغها من معناها، حيث في الواقع، تتركز السلطة غالبًا في أيدي الأجهزة الأمنية.

وفي مصر، تبدو الديمقراطية الموجهة كحل تستخدمه إدارة «السيسي» لمشكلة حساسة. فكيف، بعد إزالة سلفه بانقلاب عسكري، كيف يدعو «السيسي» لمراقبة بلاده بالديمقراطية بدون تعريض حكومته لأي معارضة حقيقية؟

ويمثّل التاريخ الشخصي للسيد «عابد» صورة من ثقافة انتهاكات الشرطة والفساد السياسي الذي ارتفع ليشكّل تعريفًا للحياة العامة في مصر ما قبل ثورة عام 2011، الأمر الذي عاد الآن تحت حكم «السيسي».

وفي عام 2005، زعم محتجز يسمى «فخري عازر» أنّ ضابط شرطة برتبة نقيب، بصحبة السيد «عابد»، قد قيّدا يديه وراء ظهره، وعلّقا يديه بقدميه، ثمّ انهالا عليه ضربًا بهراوة، وطال الضرب وجهه، وحاولا إدخال حذاء في فمه، وفقًا لتقرير كانت قد أعدته المنظمة المصرية لحقوق الإنسان ذلك العام. وكانت تلك الانتهاكات شيئًا معتادًا يبلغ عنه المحتجزون المصريون ذلك الوقت، وكانت عائلة السيد «عازر» قد تقدمت بشكوى لدى النيابة العام وطالبوا بعرضه على الطب الشرعي.

وأكّد الأطباء، وفق التقرير، أنّ إصابات السيد «عازر» قد تسبب بها جسم صلب، لكن كعادة آلاف من الادعاءات المماثلة ضد الشرطة في مصر على مدى عقود، لم تحال القضية إلى المحكمة.

لم يدن السيد «عابد» بأي جريمة ونفى تورّطه في عملية التعذيب. وعلنًا، وصف الادّعاءات ضدّه بـ «التعصب» و«الحرب الباردة» من قبل هؤلاء الذين لا يريدون لضابط شرطة سابق أن يتولى رئاسة لجنة حقوق الإنسان. (لم يرد على العديد من المكالمات الهاتفية من أجل التعليق لهذا المقال).

ومثل العديد من ضباط الشرطة في عهد الرئيس السابق «حسني مبارك»، دخل السيد «عابد» المجال السياسي بعد تقاعده من الخدمة وانضم إلى الحزب الوطني الديمقراطي التابع للرئيس «مبارك». وفي ديسمبر/ كانون الأول عام 2010، فاز بمقعد العمال عن دائرة جنوب القاهرة.

وساعد العنف وعملية التزوير الفجة التي أمّنت لحزب مبارك 83% من مقاعد البرلمان في اشتعال انتفاضة يناير، وبعد سقوط «مبارك»، أصدر المجلس العسكري الذي حلّ مكانه قرارًا بحل المجلس التشريعي.

وفي مقابلة أجراها مؤخرًا السيد «عابد» مع صحيفة مصرية، قال إنّ التصويت لم يمثّل «إرادة الشعب المصري»، وأنّ العديد من المرشحين قد «فازوا بطريقة نعرفها جميعًا». وادّعى أنّه كان سعيدًا بحلّ البرلمان. وقبل الثورة، كانت توجد «درجة من القمع» و «تجاوزات أمن الدولة»، وهي الأخطاء التي وقع فيها مسؤولون عديمي الخبرة حوّلوا مصر إلى «دولةٍ بوليسية».

لكن بعد الثورة، فشل الثوّار في تغيير مؤسسات نظام «مبارك».

وفي عام 2015، عاد السيد «عابد» للبرلمان بد انتخابات مثّلت المحطة الأخيرة في «خارطة الطريق» التي وعد بها الرئيس «السيسي» قبل عامين.

وبعد تولّي «السيسي» السيطرة على البلاد، تردّد الغرب في البداية في تبنيه بشكل كامل. لكنّ خارطة الطريق التي قدّمها وعدت بدستور جديد وقادة سياسيين وبرلمان. ورضيت الولايات المتّحدة بتجاهل الانتهاكات مثل التعذيب والإخفاء القسري وحرصت على تأييد الانتخابات بكونها شرطًا لا غنى عنه للديمقراطية، وبدت مستعدّة للتعاون مع «السيسي».

واحتاجت إدارة «السيسي» إلى إشباع رغبة الغرب في انتخابات ديمقراطية دون إعطاء المسؤولين المنتخبين السلطة الكافية لمنافسة سلطة الرئيس. ولم يكن الرئيس أو أمن الدولة في مزاج يسمح بتقبل المعارضة. تمّ حظر المظاهرات وخضعت جماعات حقوق الإنسان للتحقيق. واعتقلت الشرطة السرية عشرات الآلاف من المعارضين وسحقت جماعة الإخوان المسلمين، أكبر الكيانات المعارضة للسيسي.

ووفقًا لتقرير كتبه «حسام بهجت»، أحد أبرز الصحفيين الاستقصائيين في مصر، فإنّ وكالات الاستخبارات القوية في مصر، بما في ذلك المخابرات العسكرية التي كان يقودها الرئيس «السيسي» من قبل، قد شكّلت البرلمان الجديد استنادًا إلى الترشيح الفردي.

وكانت مهمتهم الأساسية هي ضمان كتلة من الموالين لتأمين التصديق على أي قرار يتطلب الأغلبية بنسبة الثلثين، مثل تمديد قانون الطوارئ، أو إدخال تعديل دستوري. وفي جوهر الأمر، إعادة برلمان 2010 في حلة جديدة.

وفي هذا المجلس التشريعي الجديد، لا مكان لأصحاب الانتقادات مثل «محمد عصمت السادات».

ويقول «السادات»: «لا يخفى على أحد أنّ حالة حقوق الإنسان في مصر تتطلب إعادة تقييم واسعة». و«السادات» هو عضو في البرلمان وابن أخ للرئيس السابق «أنور السادات»، والذي تمّ اغتياله عام 1981.

وأصبح «عصمت السادات» أول رئيس للجنة حقوق الإنسان في البرلمان الجديد، لكنّه سرعان ما اختلف مع كتلة الأغلبية الموالية للحكومة. وعندما قاد وفدًا لحضور مؤتمر لحقوق الإنسان في جنيف أغسطس/ آب الماضي، تلقّى موجة من الشكاوى من زملائه في البرلمان باعتباره خائنًا، وواجه احتمال خضوعه لتحقيق برلماني. وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، قدّم استقالته من رئاسة اللجنة.

واستغلّت كتلة الأغلبية استقالة «السادات»، وقاموا باستغلال لوائح البرلمان وأغرقوا لجنة حقوق الإنسان لتزيد من 38 عضوا إلى 64 عضوا، لضمان إنجاح السيد «عابد» بعد ترشّحه للمنصب. وكانت هذه الحركة مستوحاة من كتاب ألعاب الحزب الحاكم القديم. حيث سمح الرئيس «مبارك» عام 2000 لجماعة الإخوان المسلمين بالصراخ بصوت عالٍ داخل البرلمان، لكنّه لم يسمح لها برئاسة أي من اللجان.

ولا يزال «السادات» عضوًا باللجنة إلى اليوم، لكنّ التجربة أقنعته أنّ الدفاع عن حقوق الإنسان داخل البرلمان المصري تفكير ساذج. وجهاز الأمن الآن أقوى من أي وقتٍ مضى، وهذا ما قاله «السادات» لي مصرّحًا: «لقد أرادوا التأكد من ألّا تتاح الفرصة لشخصٍ آخر».

عصر السيد «عابد» قد عاد من جديد.

المصدر | نيويورك تايمز

  كلمات مفتاحية

السيسي الديمقراطية المصرية حقوق الإنسان