عندما نتخيل أجدادنا في العصر الحجري الحديث، فإن الصورة التي تخطر في بالك هي لأناس يلتفون في حلقة حول النار، ويتناولون كتلاً ضخمة من اللحم بأسنانهم، لكن الشئ الذي سيفاجئك هو أن هذه الصورة ليست صحيحة، فالحقيقة أن الكثير من البشر الذين عاشوا قبل 10 آلاف سنة كانوا يأكلون خضرا وحبوبا أكثر من اللحم.

كيف وجدنا هذه الحقيقة المثيرة للدهشة؟

الباحثون اكتشفوا هذا بعد تحليل كيميائي واسع النطاق على شظايا فخار لـ110 وعاءا تم إيجادها في الصحراء الكبرى الليبية، في منطقة رطبة مليئة بالبحيرات كان فيها حشائش سافانا، وقطعان من الحيوانات، وحياة نباتية مورقة.

الأواني الفخارية تم استخراجها من اثنين من المواقع الأثرية، هما كهف «يوان أفودا» والملجأ الصخري المسمى «تاكاركوري». حل البشر ورحلوا من هذه الأماكن لعدة آلاف من السنين، فبين الأعوام 8200-6400 قبل الميلاد، سكن البشر هذين المكانين بعد اختراع أوعية الطبخ المقاومة للحرارة في أفريقيا منذ 10 آلاف سنة، وقد أثبتت الآثار المكتشفة أنهم طبخوا وجهزوا الخضار في الأواني الفخارية.

وكتب العلماء في ورقة بحثية نشرت في دورية «Nature Plants» أن 54% من الآثار الكلية كانت تحتوي على علامات وجود طعام مطهي من الخضار في الغالب، أما البقية فقد احتوت دهوناً حيوانية أو خليطا من المنتجات النباتية والحيوانية، كما أضافوا أن هذا الطهي ذا المعدل العالي للخضار كان حصرا على الأوعية الفخارية العائدة إلى عصور ما قبل التاريخ.

ما الأسرار الأخرى التي كشفتها الأوعية الفخارية القديمة؟

بعض الأوعية كانت تستخدم للحبوب والفواكه، أما الأخرى فقد احتوت بقايا من أوراق الشجر والسيقان، معظم النباتات بدت من النوع المائي الذي يجمع من البحيرات وحواف الأنهار، بالإضافة إلى بعض الأعشاب القادمة من اليابسة، ولم تستخدم لهدف الطهي فقط، بل كانت تستخدم للتخزين أيضاً أو هرس الحبوب وطحنها.

وعلى الرغم من هذا التقدم، فإن الطهي لم يكن مهمة سهلة أبداً في العصر الحجري الحديث، فقد قالت عالمة الآثار «رنا أوزبال»، والتي لم تشارك في هذه الدراسة، أن عملية الطهي آنذاك كانت تستلزم من البشر إلقاء صخور ساخنة في الأوعية الفخارية لتسخين طعامهم، ولولا القدور المقاومة للحرارة لما كان طهي الطعام ممكنا، وهو الشئ الذي وسع دائرة الأطعمة المطهوة لتشمل الخضار الذي يستحيل أكله نيئا.

كيف غيّر طبخ الخضار حياة أجدادنا بشكل جذري؟

هذا ليس كشفاً صغيراً أبدا، فقد أدى إلى تحول ثقافي ومجتمعي كبير، فبمجرد أن يتمكن البشر من أكل الكثير من النباتات، فإنهم يميلون للاستقرار في مكان واحد وزراعته وتربية حيوانات المزرعة فيه، بسبب اعتمادهم على المزرعة وحيواناتها في البقاء أحياء دون الحاجة للترحال خلف صيد الحيوانات.

هذا يعني أيضا قدرتهم على فطام الأطفال في وقت أبكر، بسبب قدرتهم على إطعامهم طعاما لينا ومطبوخا، ما يؤدي إلى إنجاب النساء لأطفال أكثر، يبقون لأعمار أطول.

نفهم أن وسائل الطبخ الجديدة، كانت منعطفاً في حياة البشر في العصر الحجري، وأنها أثرت على أكثر من معداتهم الممتلئة، لقد غيرت حياتهم كلها، يمكنك أن تقول هذا لطفلك الذي لا يحب الخضار المطبوخة، من يدري؟ ربما يغير هذا الدرس في التاريخ وجهة نظره.