«فورين بوليسي»: نقل السفارة الأمريكية إلى القدس يهدد بإشعال انتفاضة ثالثة

الاثنين 26 ديسمبر 2016 07:12 ص

من بين كثير من الطرق المثيرة للقلق التي ينقلب فيها الرئيس المنتخب «دونالد ترامب» على السياسة الخارجية الأمريكية التقليدية، واحدة من أكثر الأمور التي أثارت المشاكل على الفور، حين تعهّد بنقل السفارة الأمريكية في (إسرائيل) إلى القدس. وكان رؤساء ناجحون سابقون قد تعهّدوا بنفس الوعد أثناء حملاتهم الانتخابية، مثل «بيل كلينتون» و«جورج دابليو بوش»، فقط لمحاكاة جميع من سبقوهم، مع التذرع بقرار الكونغرس عام 1995 بتقويض أمر مماثل بنقل السفارة.

ومع ذلك، يبدو «ترامب» أقل من كليهما ميلًا للتراجع عن الفكرة. وبهذا فإنّنا ننتظر أحد الأخطاء الفادحة المحتملة، لا يضر فقط الفلسطينيين، لكن يضر أيضًا بسمعة ومكانة الدبلوماسية الأمريكية وبالأمن القومي الإسرائيلي.

ويبدو تظاهر «ترامب» بإعطاء الانطباع عن نيته حقًا في نقل السفارة فور دخوله إلى البيت الأبيض، جزءًا من تحوّل أوسع تجهّز له إدارته تجاه حقوق (إسرائيل) المتطرفة. ويملك مرشحه كسفير، المحامي «ديفيد فريدمان»، والذي قدّم النصح لـ«ترامب» في إجراءات الإفلاس في الماضي، تاريخًا طويلًا من البيانات المتطرفة عن الصراع ووجهات الخارجة تمامًا عن الأعراف والقوانين الدولية والأمريكية على حد سواء. ويساند «فريدمان» النشاط الاستيطاني العدواني بقوة ويرفض رفضًا قاطعًا حل الدولتين، كما أنّ وجهات نظره تعبّر عن القومية اليهودية المتطرفة، مستخدمًا بشكل دائم كلمة «نحن» عند الحديث عن اليهود الإسرائيليين.

ويثير هذا التعيين المشاكل بما فيه الكفاية، على افتراض أنّ مجلس الشيوخ سيعتمد «فريدمان». وربما يحاول «ترامب» مكافأة المخلصين له وداعميه، ويبقى أن نقول أنّ هذا الخطر يبقى متحكمًا فيه، لأنّ السفير في نهاية المطاف لا يقرّ السياسة.

ولا يمكن قول المثل عن فكرة نقل السفارة إلى القدس. ومنذ أنّ أوقف الكونغرس النقل عام 1995، فإنّ كل رئيس، بما في ذلك الذين تعهّدوا بنقل السفارة، قد برّروا تراجعهم بأنّ النقل لا يأتي في صالح الأمن القومي الأمريكي في هذا الوقت. ومنذ عام 1974، يعتبر المجتمع الدولي، بالإجماع تقريبًا، القدس منطقة مستقلة عن أراضي الإسرائيليين والفلسطينيين لا تحدّد إدارته إلا من خلال المفاوضات بين الجانب الإسرائيلي والعرب، وخاصةً الفلسطينيين.

وبسبب هذا الإجماع الدولي، لا توجد أي سفارة في القدس، وتتواجد جميعها تقريبًا في تل أبيب، وقد نصت العهود والمواثيق على عدم جواز الاستيلاء على القدس بالحرب، وإذا قامت الولايات المتّحدة بنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، فسيعدّ ذلك نقضًا للإجماع الدولي الذي استمر لـ 70 عامًا.

ولن تنقض واشنطن بذلك الإجماع فقط، لكنّها ستنقض الفكرة التي أكّدت عليها مواثيق الأمم المتّحدة بعدم جواز احتلال الأرض عن طريق الحروب، وستقطع الطريق أمام أي مفاوضات سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وبجانب تعيين فريدمان، سيعطي ذلك رسالة للفلسطينيين بأنّ واشنطن لم تعد مهتمة بحل الدولتين، وهو الحل الذي كان حجر الأساس في السياسة الأمريكية لعقود.

ومن الصعب التنبؤ برد فعل الفلسطينيين على أرض الواقع حينها. لكنّ احتمال اندلاع أعمال عنف وغضب كبير جدًا. فالقدس تمثّل القضية الأكثر حساسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما بيّنت الانتفاضة الثانية والكثير من الأحداث الأخرى. وتجمع القدس حساسيات دينية وقومية ورمزية وعرقية في مزيج متفرّد. وإذا شعر الفلسطينيون أنّ ما يعتبرونها عاصمتهم المستقبلية تسلب منهم بهذه السياسة الأمريكية، فإنّ احتمالات الغضب والعنف في رد فعل عفوي أو حتّى في صورة انتفاضة منظمة، غير بعيدة.

وبالنسبة لـ (إسرائيل) فإنّ الفوائد التي ستعود عليها من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس رمزية تمامًا. في حين أنّ التكاليف التي ستدفعها قد تكون باهظة. ليس فقط في الاضطرابات العنيفة التي ستواجهها نتيجة تلك الخطوة، لكن قد تقود الخطوة لخسارة (إسرائيل) المكاسب السياسية والدبلوماسية التي اكتسبتها لعقود مع الدول العربية. وستنتهك هذه الخطوة معاهدات السلام التي وقعتها (إسرائيل) وواشنطن مع مصر والأردن، وسيكون رد فعل هذه الدول خطيرًا وغير متوقع.

وينطبق هذا بدرجة أكبر على دول الخليج العربي، مثل السعودية والإمارات وقطر، والتي دخلت في مرحلة حذرة وحساسية ولكن إيجابية من إعادة تقييم للعلاقة مع (إسرائيل) في ضوء التصور المشترك حول إيران باعتبارها تهديدًا إقليميًا شاملًا. وفي حين هلّل «نتنياهو» لهذه التطورات في العلاقات مع الدول العربية، قد تكون خطوة نقل السفارة نهاية كاملة لهذه التطورات.

وبجانب باقي الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، يكاد يكون من المؤكّد أنّ الدول الخليجية الرائدة في المنظمة ستحتاج إلى إثبات جدّيتها في الاعتراض على نقل السفارة، والتأكيد على فلسطينيتها أو حتّى كونها ملك للمسلمين والمسيحيين كذلك على نطاق أوسع، ومن المرجّح اتّخاذ خطوات مضادة مثل تقليص التعاون الأمني مع (إسرائيل) بشأن المسائل المتعلقّة بالأنشطة الإيرانية الخطيرة في الشرق الأوسط. وإضافة مثل هذه الطبقة الإضافية من التوتر بين (إسرائيل) والعرب ستكون هدية على طبق من ذهب لإيران وحلفائها في المنطقة.

علاوة على ذلك، بالنسبة للدبلوماسية الفلسطينية، سيكون الدرس واضحًا تمامًا، لم يعد هناك جدوى للاجتماعات الرمزية التي لا طائل منها. ولم يعد من الممكن لـ (إسرائيل) أو أمريكا إلقاء محاضرة بنجاح على منظمة التحرير الفلسطينية حول مدى حماقة التحركات الرمزية التي لا طائل منها هنا أو هناك، بل ستؤكد كلًا من واشنطن وتل أبيب أنّ كليهما قد قاما بحركة رمزية لا طائل منها وبتكلفة عالية، حين لاءمتهم تلك التكلفة.

ومن شبه المؤكد أنّ إدارة الأمن القومي الإسرائيلي تفهم هذه الأخطار، ومن الواضح أنّ الجزء الأكبر من الإدارة سيقدم المشورة بهدوء ضد أي تحرك درامي لنقل السفارة الأمريكية. ومن الممكن مسك العصا من المنتصف، ببناء أساسات بناء للسفارة في القدس دون النقل الفعلي للدبلوماسيين. وهناك إجراءات أخرى ممكنة لتجنّب هذا الفعل الكارثي، مثل تكرار ما فعله الرؤساء في الماضي، بالتخلّي عن وعد الحملة الانتخابية لأنّه سيضر بالسياسة الأمريكية، وبسبب خطورته على الأمن القومي الإسرائيلي، ولأضراره على عملية السلام، ولأنّه يعد هدية لإيران وباقي الجهات الفاعلة المعيبة.

قد يكون «ترامب» ملتزمًا بنقل السفارة الأمريكية في (إسرائيل)، لكن نظرًا لمدى المرونة التي أظهرها في كثير من القضايا التي أثارت الجدل خلال حملته وقبل تنصيبه، فلا ينبغي أن يكون التراجع هذه المرّة صعبًا للغاية. يتطلب الأمر فقط أن يخبره أحدهم بما يشكلّه نقل السفارة من أخطار وتكاليف حقيقية على (إسرائيل). ومع الأسف، مع وجود مرشّحه للسفارة في (إسرائيل)، يعني أنّ الأشخاص القادرين على فعل هذا قد نقصوا واحدًا.

المصدر | حسين عبيش - فورين بوليسي

  كلمات مفتاحية

السفارة الأمريكية (إسرائيل) القدس فلسطين انتفاضة ثالثة