استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

«هـدم الدولة» كلمة عام 2016 في مصر

الثلاثاء 27 ديسمبر 2016 12:12 م

الأساطير الرائجة في فضائنا عديدة، لكنني أرشح منها مصطلح «هدم الدولة» ليكون كلمة عام ٢٠١٦ في مصر.

(١)

يوم الإثنين ١٩ ديسمبر جرت مناقشة في مجلس النواب حول انتقاد الأستاذ إبراهيم عيسى في برنامجه التلفزيوني لأدائه. وخلال المناقشة قال الدكتور علي عبد العال رئيس المجلس إن الإعلام يحاول إضعاف مؤسسات النظام وهدم الدولة المصرية. لم أستغرب التعليق لأنني لاحظت أن مصطلح هدم الدولة تردد في تفسير الهجوم الإرهابي الذي استهدف الكنيسة البطرسية قبل أيام. كما أن بعض الإعلاميين ذوى الصلة بالمؤسسة الأمنية دأبوا على الدفاع عن مشروع قانون الجمعيات المريب الذي أقره البرلمان بدعوى أنه قانون «مفصلي» يقطع الطريق على محاولات «هدم الدولة». 

كذلك فأن المصطلح ذاته استخدم في إدانة واستهجان الفرقعة التي ترددت في الفضاء المصري داعية إلى مظاهرات ١١/١١، حيث اعتبرت آنذاك ضمن المساعي الخبيثة لهدم الدولة. ولست أنسى أن أحد الإعلاميين التلفزيونيين استضاف ذات مرة بعض المتحدثين في حلقة حول العنف، وقدم أحد المشاركين باعتباره العقيد فلان الفلاني الباحث في مخطط هدم الدولة المصرية.

معلوم أن الرئيس عبد الفتاح السيسي هو من أطلق المصطلح وردده أكثر من مرة في خطبه وأحاديثه خلال السنوات الثلاث الأخيرة، كان آخرها حديثه في لقائه مع الشباب في العاشر من شهر ديسمبر الحالي. وبمضي الوقت شاع استعماله بحيث أصبح يطلق على كل ما لا يعجب السلطة من قول (كما حدث مع برنامج إبراهيم عيسى) أو فعل (كما حدث في حالة تفجير الكنيسة).

حين انتبهت إلى تواتر استخدام المصطلح على الصعيدين السياسي والإعلامي قررت أن أجرى بحثا حوله على محرك «جوجل». وحين فعلتها أثارت دهشتي كثافة استخدامه وتنوع المجالات والمواقف التي يجري تنزيله عليها. وهو ما شجعني على ترشيحه ليكون كلمة عام ٢٠١٦ في مصر. ذلك أن التقليد الذي ابتدع الفكرة في المجتمعات الغربية يتخير كلمة العام من بين مفردات أو مصطلحات عدة تختزل ظاهرة أو تعبر عن حالة في المجتمع لها حظ من الشيوع، ودرجة مميزة من الحضور والتأثير. 

وهو ما حدث مع قاموس أوكسفورد في شهر نوفمبر الماضي حين تخيرت اللجنة المشرفة عليه عبارة «ما بعد الحقيقة» لتكون كلمة عام ٢٠١٦، وهي تعبر عن النزوع إلى تصديق الأضاليل والأكاذيب دون الحقائق الموضوعية. الأمر الذي تحلى في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حين تم انتخاب رئيس من خارج السياسة، برعت حملته في التضليل والترويج للأكاذيب. كما ظهر في حملات اليمين الأوروبي.

(٢)

أدرى أن كلمة العام في المجتمعات الغربية تتولاها لجنة من الخبراء والمتخصصين، لذلك اعتبرت أن ترشيحي لمقولة «هدم الدولة» لتكون كلمة العام في مصر هو مجازفة تعبر عن انطباع شخصي يمكن أن يكذبه البحث الموضوعي لكن خبرتي المتواضعة أقنعتني بأن أجواءنا لا توفر فرصة كافية للبحث الموضوعي. 

فمن تقاليدنا أن يكون كلام الرئيس هو خير الكلام ثم إنه لابد أن يكون شخصية العام. كما أن أفكاره هي حكمة العام ومشروعاته على رأس إنجازات العام. أما رحلاته إلى الخارج فهي فتوحات العام.. إلخ. هذه الخلفية شجعتني على المغامرة بالإقدام على عملية الترشيح. فإن أصبت فربما حققت مرادي في التنبيه، وإن أخطأت فربما سترني مصطلح النقاد الرياضيين الذين يبررون ضياع الأهداف في مباريات كرة القدم حين ينوهون إلى الاكتفاء بـ«شرف المحاولة».

لكي أتشجع فيما اعتزمته، فإنني لجأت إلى صحفي نابه تخصص في تكنولوجيا المعلومات وصار من خبرائها، هو زميلي السابق في مؤسسة الأهرام الأستاذ جمال غيطاس الذي أسس مجلة «لغة العصر». إذ طلبت منه أن يساعدني في تقييم وضع مصطلح «هدم الدولة»، وما إذا كان جديرا بأن يصبح كلمة العام أم لا. 

غاب جمال غيطاس يوما ثم زودني بما طلبت. اعتبرت أن ما فعله نوعا من السحر الذي يحفظ أسراره، إلا أنه أجابني حين سألته بأنه استخدم ما أسماه «البحث المتقدم لجوجل». ولجأ إلى تحليل المادة التي بثها ١٣١ موقعا للتواصل الاجتماعي في الفترة من أول يناير عام ٢٠١٦ وحتى مساء يوم ٢٢ ديسمبر. وحين تتبع ما ذكرته تلك المواقع بخصوص هدم الدولة أو ١١ مصطلحا آخر يدل عليه (مثل إسقاط الدولة أو إضعافها) فإنه توصل إلى النتائج التالية:

◄ في الفترة الزمنية التي سبقت الإشارة إليها استخدم المصطلح بمختلف مترادفاته في تلك المواقع ٥٩٣ مرة.

◄ ظل الاستخدام عاديا ولا يثير الانتباه طوال العام، لكنه أصبح كثيفا وملحوظا خلال الأشهر الأخيرة من العام (أكتوبر ونوفمبر وديسمبر)، فخلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام كان معدل ظهور المصطلح يتراوح بين ١٤ و٢٢ و٣٦ مرة، لكن المؤشر ارتفع كثيرا في الأشهر الثلاثة الأخيرة، حين ظهر «هدم الدولة»، ٦٨ مرة في شهر أكتوبر و١٠٤ مرات في شهر نوفمبر و١٧٩ مرة حتى مساء ٢٢ ديسمبر.

◄ معدل ظهور المصطلح في مواقع الصحف اليومية خلال الفترة ذاتها كان كالتالي: المصري اليوم ٨١ مرة ــ الوطن ٤٩ مرة ــ اليوم السابع ٤٩ مرة ــ البوابة ٣٤ مرة ــ الأهرام ٢٥ مرة.

(٣)

أنبه إلى أن تلك النتائج أولية وتقريبية، ومع ذلك نستطيع أن نستخلص منها إذا تأكدت عدة ملاحظات هي:

◄ إن مصطلح هدم الدولة أخذ مكانه في لغة الخطاب الإعلامي بحيث أصبح يستخدم في سياق التنديد والاتهام تارة أو التنبيه والتخويف تارة أخرى. وفي الحالتين فإنه يراد به تعبئة الرأي العام واستنفاره لكي يحتش7د حول الدولة ويهب دفاعا عنها.

◄ إن كثافة استخدام المصطلح كانت محدودة في بدايات العام، ولكنها تضاعفت في الأشهر الأخيرة من العام. وهذا التفاوت في مؤشرات الاستخدام راجع إلى ارتفاع نبرة التململ والغضب في الأشهر الأخيرة لأسباب عديدة منها التوسع في انتهاكات حقوق الإنسان وتعدد حالات القتل خارج القانون إضافة إلى الحرب التي أعلنت على منظمات المجتمع المدني، وكذلك التململ والضيق الذي عبر عنه الرأي العام بسبب صدمة التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير. أما العنصر الأكثر أهمية في إشاعة الغضب فقد تمثل في الغلاء الذي عانى منه الجميع وتعويم الجنيه الذي زاد الطين بلة. وتلك عوامل أضعفت كثيرا من موقف السلطة التي حملت بالمسؤولية عن كل ذلك. 

لذلك فإن القائمين على الأمر حاولوا امتصاص ذلك الغضب من خلال التلويح بأن خطر هدم الدولة يلوح في الأفق، الأمر الذي يستدعى التفافا حولها وليس انتقادها أو الغضب منها. آية ذلك أن البحث الذي أجرى بيَّن أن معدل النشر اليومي لمصطلح هدم الدولة ظل يتزايد طرديا مع تنامي مؤشرات الغلاء وتدهور قيمة الجنيه المصري عقب تعويمه، ففي حين أن المعدل في بداية العام وحتى منتصفه تراوح بين ٠.٥ و١.٢٪ فإنه في الأشهر الثلاثة الأخيرة بدأ بـ٢.٣٪ مع رفع الدعم عن السلع في شهر أكتوبر، ثم ارتفع إلى ٣.٥٪ في شهر نوفمبر الذي تم فيه تعويم الجنيه ووصل في شهر ديسمبر إلى ٦٪ بعدما اقترب سعر الدولار من ٢٠ جنيها، بما يعنى أنه كلما استحكمت الأزمة، تعالت الأصوات المحذرة من خطر هدم الدولة.

◄ إضافة إلى رسائل التحذير من الخطر المفترض التي توجهنا أجهزة التوجيه المعنوي عبر قنوات التلفزيون فإن الصحف الخاصة تؤدي دورا موازيا في ذات الاتجاه. وهي في ذلك تتقدم على الصحف القومية التي تراجعت مصداقيتها لارتباطها المباشر بالسلطة، فضلا عن تراجع توزيعها، لذلك فإن التحذير من هدم الدولة كان أشد وضوحا في جريدة «المصري اليوم» وبعدها صحيفتا «الوطن» و«اليوم السابع» ثم البوابة تليها الترتيب جريدة «الأهرام»، وقد لاحظت أن صحيفة «الشروق» لم تذكر في تلك القائمة.

(٤)

المفارقة التي ينبغي أن تستوقفتا في الموضوع أننا نتعامل مع مصطلح لا أصل له في العلوم السياسية، وإنما هو بمثابة قنبلة صوتية ليس أكثر. أعنى أن له دويّه حقا، لكنه بلا مضمون حقيقي. ذلك أن الدولة في بديهيات العلوم السياسية لها مقومات ثلاثة هي الإقليم والشعب والنظام السياسي الذي يقوم عليه. و6

هدم الدولة إذا أخذ على محمل الجد لا يتحقق إلا باختفاء العوامل الثلاثة، وهو أمر مستحيل من الناحية العملية. وجيلنا عايش تغير خمسة أنظمة تتابعت على مصر ولم يقل أحد أن الدولة هدمت. أتحدث عن النظام الملكي ثم الجمهوري الذي بدأ بالمرحلة الناصرية ثم الساداتية والمباركية، وفي أعقاب ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ شهدنا حكم الإخوان الذي جرى إسقاطه في ٣٠ يونيو ٢٠١٣. وخلال تلك الرحلة ألغى النظام الملكي وهزم الجيش في عام ٦٧ وقتل السادات وخلع مبارك وأقصى الإخوان عن السلطة، وظلت الدولة كما هي.

مشكلة المصطلح تكمن في أنه ثمرة تغليط خلط بين الدولة والنظام، في حين أن الأولى كل والنظام جزء. وذلك تغليط شائع في الدول غير الديمقراطية، حيث تختزل الدولة في النظام الذي يديرها، وأحيانا في شخص القائد الذي يحكمها. وهو اختزال غير بريء يعمد إلى تحصين النظام أو الزعيم ضد أي نقد. إذ يصبح النقد أو المعارضة في هذه الحالة جريمة ضد الدولة تستحق العقاب المشدد. وبسبب ذلك الخلط فإن دور أمن الدولة أصبح محصورا في أمن النظام والقائمين عليه.

بسبب ذلك الاختزال فإن مصطلح هدم الدولة صار تعبيرا مراوغا وفضفاضا يفتح الباب لملاحقة كل من لا يرضى عنه النظام ويصورهم بحسبانهم متآمرين على الدولة. كما أنه يوهم الرأي العام بأن الوطن كله في خطر، الأمر الذي يستنفر الناس ويدفعهم إلى الاصطفاف وراء الحكومة وتأييد قمع «المتآمرين».

ليس مصطلح هدم الدولة الأسطورة الوحيدة التي تلوح في الفضاء المصري، لأن لدينا أساطير عدة أطلقتها أجهزة التوجيه المعنوي في ظروف سابقة وكان لها دورها في تشكيل الإدراك وتشويهه. وحكاية الحرب الأهلية الموشكة في مصر، وحروب الجيل الرابع التي تتعرض لها البلاد وتآمر أجهزة مخابرات الدول الكبرى عليها، من نماذج تلك الأساطير.

سأكون مسرورا لو ثبت خطأ ما ذكرت، لكن أرجو ألا تحرمني من قبول «شرف المحاولة».

* فهمي هويدي مفكر مصري وكاتب صحفي مخضرم. 

المصدر | الشروق المصرية

  كلمات مفتاحية

مصر هدم الدولة عام 2016 مجلس النواب إبراهيم عيسى الكنيسة البطرسية السيسي