«ميدل إيست آي»: المهاجرون غير الشرعيين يواجهون الموت في مصر

الثلاثاء 3 يناير 2017 03:01 ص

نزح «محمد حسن» قبل ربع قرن من دياره في الصومال في عام 1992، وانتقل اللاجئ البالغ من العمر 30 عاما من مخيم إلى مخيم في الصومال قبل الهجرة إلى اليمن. وقد فقد والده على درب الهجرة ، وهو مسؤول أمني سابق في الصومال، وفي وقت لاحق نشر كتابا حول الفصائل الإسلامية في الوطن.

ولم يكن «حسن» قادرا على العودة لرؤية والدته وابنه، كان «حسن» يريد فقط الوصول إلى أوروبا لإحضار أسرته بعد ذلك وكان «حسن» رابط الجأش، حتى عندما توفيت زوجته في المياه بين إيطاليا وليبيا بينما كانت تحاول عبور البحر المتوسط في وقت سابق من هذا العام. وبدلا من الاتجاه إلى أوروبا فقد اتجه إلى مصر.

في سبع مناسبات سابقة حاول «حسن» عبور البحر الأبيض المتوسط، ولكن في كل مرة كان يتم إيقافه سواء من الجهات الرسمية أو بسبب سوء الأحوال الجوية. وقد غرق قارب كان يستقله قبالة سواحل رشيد في شمال مصر في سبتمبر/أيلول.

وقال «حسن»: «كنت آخر شخص على القارب، مع رجل آخر»، ثم شرح كيف نقلهم المهربون إلى سفينة أصغر. انه أسلوب شائع يستخدمه المهربون المصريون لتجنب الكشف على طول يمتد نحو 200 كيلومتر من ساحل البحر المتوسط بين الإسكندرية ودمياط.

ولكن في أحد المرات على متن السفينة الكبيرة، أدرك «حسن» على الفور أنه يحاط بالمياه. «وقال القبطان على الفور إن القارب سوف يغرق».

حاول الركاب تحقيق التوازن على جانبي القارب، وسقط المئات في الماء. «صوت الخوف كان قريب جدا، جدا. والناس كانوا يصرخون، أتذكر تلك اللحظات الأولى في الماء في منتصف الليل الحالك. كانوا يمسكون ببعضهم البعض، وبدأوا يموتون معا».

انتقد «حسن» قوات خفر السواحل والقوات المسلحة المصرية لعدم الاستجابة لهم بسرعة كافية، على الرغم من حقيقة أن أحد المهاجرين اتصل هاتفيا بأقاربه مرة أخرى على الشاطئ لتحذيرهم مما حدث.

وقد أبلغ هؤلاء الأقارب السلطات، ولكن لم يكن هناك استجابة سريعة. كما دعا الصياد طواقم الإنقاذ. ورفضت وزارة الداخلية المصرية للرد على طلبات للحصول على تعليق.

وقال «حسن»: «رأيت رجلا مصريا رأى ابنه الميت في الماء. شاهدته يودع ابنه ويضعه مرة أخرى في الماء، قائلا: وداعا يا بني». وذكر كيف أن الناس كانوا يموتون كل 20 دقيقة أو نحو ذلك. «وكان هناك اثنان من الصبية الذين تعبوا من السباحة وقد بدأ أحد الفتيان بالصلاة، ثم مات. ثم تبعه صديقه واختفي تحت الماء بعد خمس دقائق».

السفينة المنسية

وكان «حسن» واحدا من المحظوظين. حيث قضى في مأساة رشيد أكثر من 200 شخص، بينهم العديد من المهاجرين المصريين، رجالا ونساء وقصر لا يرافقهم أحد، حتى أن عائلات بأكملها غرقت في طريقها بحثا عن حياة جديدة في أوروبا.

وتكررت مثل هذه الحوادث عبر مياه البحر الأبيض المتوسط في عام 2016. وقد أحصت المنظمة الدولية للهجرة 4742 حالة وفاة في المياه هذا العام.

وكانت أكبر الخسائر في الأرواح في عام 2016، حين قتل 500 شخصا على الأقل ونجا فقط 37 بعد أن فقد قارب لمدة أسبوع تقريبا. ورسميا، فإن القارب لم يكن له وجود قبل أن تعترف قوات خفر السواحل والمسؤولين بحجم المأساة. لقد كان العديد من القتلى من المراهقين الصوماليين الذين كانوا يحلمون بمستقبل أفضل في أوروبا.

أصبحت هذه الواقعة تعرف باسم «السفينة المنسية» حتى أن هذا ذكر في تحقيق مشترك من قبل بي بي سي ورويترز. وكان أصل القارب من مصر ، وليس من ليبيا، كما أفادت التقارير على نطاق واسع لافتا إلى الدور المتنامي لمصر في أزمة الهجرة في البحر الأبيض المتوسط.

«فردوس محمد»، وهي أم لطفلين وهي في الأصل من الصومال، وقد حضرت دروس اللغة الإنجليزية في مركز للجالية الصومالية في مدينة نصر، في القاهرة، ولم يمض على هذا وقت طويل حتى غادرت مع السفينة ثم اختفت.

ويتذكر «إبراهيم عمر»، الذي يدير الرابطة الصومالية لرعاية النساء والأطفال، العديد من الصوماليين مثل فردوس قائلا إنهم جميعا كانوا يعيشون في القاهرة لبعض الوقت، لكنها تحولوا للهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط، بسبب الإحباط من الانتظار لفترات طويلة لإعادة التوطين من المفوضية العليا للاجئين.

وقال «عمر»: «كان الجميع يشعر بالصدمة. الناس يتركون منازلهم بسبب انعدام الأمن. لقد كان لديهم طموح كبير للوصول إلى مكان سلمي مستقر حيث يمكن أن يعيشوا حياة جديدة. ولكن بدلا من ذلك، للأسف، غرقوا في البحر».

كالمستجير من الرمضاء بالنار

وقد بدأ المسؤولون المصريون بشكل ملحوظ مؤخرا مناقشة الهجرة على هامش اجتماعات ثنائية أو دولية هذا العام، مشددين على التزام القاهرة بمعالجة أزمة الهجرة.

وقد أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي تحدث في القمة الدولية الأولى للأمم المتحدة بشأن الهجرة واللاجئين في سبتمبر /أيلول «التزام مصر بدعم الجهود في التعامل مع قضية الهجرة». ويقول مسؤولون أن الدليل الرئيسي لذلك يأتي مع مشروع قانون الهجرة التاريخي، الذي وافق عليه البرلمان المصري في منتصف أكتوبر/تشرين الأول للمرة الأولى، والذي من شأنه حظر تهريب البشر. وقد أكد الرئيس المصري «التزام مصر بدعم الجهود في التعامل مع قضية الهجرة خاصة عام 2017 عندما يصبح مشروع قانون مكافحة التهريب قانونا، وسيكون هناك استعداد وقدرات لقوات الأمن المصرية لمواجهة شبكات التهريب على الساحل الشمالي».

وقالت «ماري مارتن»، موظفة تعمل في مجال سياسة اللجوء في الشبكة الأورو-متوسطية لحقوق الإنسان (يوروميد): «نحن لا نعرف كيف ستنفذ مكافحة التهريب وكيف سيكون القانون». ومن المحتمل أن يكون هذا القانون على الورق ويصبح الأمر مختلفا تماما عندما يتعلق بتنفيذه.

بعد مأساة رشيد، اعتقلت السلطات المصرية ما لا يقل عن أربعة مهربين لديهم اتصال بالحادث ومؤخرا تم إحالة اثنين من المسؤولين البحريين إلى المحكمة لسماحهم للسفينة المعنية أن تعمل من دون ترخيص.

ومع ذلك، وذكرت الصحف المصرية في أكتوبر أيضا أنه تم اعتقال ثمانية من عصابة تهريب تعمل انطلاقا من مطعم أسماك في شرق الإسكندرية. وتبين لاحقا أن خمسة من المشتبه بهم هم من السودانيين من أقارب المفقودين من رشيد. وتم ترحيل أربعة منهم في وقت لاحق إلى السودان.

تعزيز التعاون بين مصر والاتحاد الأوروبي

وعلى الرغم من هذه الشكوك، فإن الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء يحاولون العمل بشكل وثيق مع مصر بشأن الهجرة. وقالت ألمانيا أيضا أن التعامل مع القاهرة تحديدا للحد من تدفقات الهجرة يتجاوز العديد من التعاقدات الثنائية والهجرة متعددة الأطراف. ولكن هناك مخاوف داخل بروكسل حول التعاون في المستقبل.

في 7 ديسمبر/كانون الأول، قدم 23 من أعضاء البرلمان الأوروبي رسالة إلى كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك رئيسة الشؤون الخارجية «فيديريكا موغيريني»، شملت «إنذارا كبيرا بسبب تزايد القمع في مصر وإسكات منظمات المجتمع المدني، بما في ذلك الناشطين البارزين في مجال حقوق الإنسان». وحثت الرسالة المسؤولين لرفع هذا الأمر «إلى أعلى المستويات في الحوار مع مصر».

في حين تقول «مارتن» المهتمة بالمجتمع المدني و التعاون المستقبلي بين مصر والاتحاد الأوروبي أن الأمر «أوسع بكثير من مجرد الهجرة»، هناك تساؤلات حول ما إذا كان سيتم حماية حقوق اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين كجزء من أي تعاون في المستقبل. وتشير «مارتن» بقلق لموضوع المهاجرين واللاجئين الذين يجدون أنفسهم محتجزين أو يتم ترحيلهم.

أما الصومالي «حسن» فهو ليس متأكدا مما يجب عليه القيام به. وقد قال إنه لا يريد البقاء في مصر، لكنه يرفض محاولة عبور البحر الأبيض المتوسط مرة أخرى.

لكن ما هي البدائل؟ إن انتظار إعادة التوطين رحلة طويلة، والمساعدة من المفوضية ناقصة وغير مكتملة ولا يعرف إذا كان هناك فرصة لـ«محمد حسن» لرؤية ابنه مرة أخرى. يقول:«ليس لدي سوى طريقة واحدة وهي العودة الى الصومال وأنا أعلم أنها ليست آمنة».

ويؤكد: «أنا لن أعود إلى البحر، لأنني رأيت المأساة وعشت تجربة الموت. إنه ليس شيئا يمكن أن أحاول تكراره مرة أخرى بسبب ما رأيته».

المصدر | توم رولينز - ميدل إيست آي

  كلمات مفتاحية

مصر الهجرة غير الشرعية الاتجار بالبشر الاتحاد الأوروبي