قـرار مجـلس الامـن 2334.. تحـليـل ومعـانٍ

الخميس 5 يناير 2017 11:01 ص

 في يوم 23 كانون الاول 2016  تبنى مجلس الامن في الامم المتحدة القرار رقم 2334 في موضوع المستوطنات بعد أن امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت وكل باقي الدول الـ 14 الاعضاء في المجلس صوتت الى جانبه. ويدور الحديث عن القرار الاول لمجلس الامن الذي يتضمن تنديدا بهذا القطع لسياسة الاستيطان لحكومة اسرائيل منذ قرار 465 من العام 1980.

 لازمة مركزية في القرار، كما شدد في المادة 4، هي واجب وقف كل نشاط يتعلق بالمستوطنات للحفاظ على امكانية الوصول الى حل الدولتين. في مقدمة القرار ورد تنديد باجراءات تنطوي على تغيير الطابع والمكانة “للمناطق الفلسطينية المحتلة” والاعراب عن التخوف من ان سياسة الاستيطان تهدد حل الدولتين استنادا الى خطوط 1967.

كما تقرر بانه ينبغي اتخاذ اجراءات لتغيير الميول السلبية على الارض والتي تمس بامكانية تحقيق هذا الحل. هذه الاقوال، وكذا ايضا معاينة الشروحات التي عرضتها محافل الادارة الامريكية لامتناع الولايات المتحدة عن التصويت، تفيد بانها تتركز على محاولة منع خطوات اسرائيلية تعتبر من شأنها ان تحبط تطبيق حل الدولتين.

المقصود هو أيضا الخطوات المتعلقة بالبناء في المناطق التي توجد خارج الكتل الاستيطانية ومبادرات التشريع الاسرائيلية التي تعتبر تستهدف تغيير المكانة القانونية للمنطقة. وذلك، الى جانب اقوال محافل رفيعة المستوى في حكومة اسرائيل عن نهاية عصر الدولتين.

ومع ان القرار يعبر عن قدر ما من الاخلاق المزدوجة لدول العالم تجاه اسرائيل، يمكن الاعتقاد بان هذه الخطوات لحكومة اسرائيل هي التي أدت الى اتخاذ هذا القرار، وذلك اضافة الى العلاقات المهزوزة بين حكومة اسرائيل والادارة الامريكية.

 في القرار توجد تعليمات سبق أن ظهرت في قرارات سابقة لمجلس الامن – قرارات 446، 452 و 465 من الاعوام 1979 – 1980. بل انه يذكر بالنص مشروع قرار من العام 2011 بادر اليه الفلسطينيون في موضع المستوطنات، واستخدمت الولايات المتحدة الفيتو ضده. ولاحقا سنطرح تحليلا قانونيا قصيرا لعدد من الجوانب المركزية في القرار ومعانيه من الزاوية القانونية:

يقول القرار ان ليس للمستوطنات في المناطق الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك شرقي القدس، اساس قانوني، وانها تشكل انتهاكا فظا للقانون الدولي وعائقا خطيرا لتحقيق حل الدولتين وتسوية النزاع (المادة 1). كما تقرر في مقدمة القرار بان اسرائيل ملزمة كقوة احتلال باحترام تعليمات ميثاق جنيف الرابع. واضافة الى ذلك، يذكر القرار الفتوى الاستشارية للمحكمة الدولي في لاهاي في قضية جدار الفصل.

ان القول ان المستوطنات تشكل انتهاكا فظا لميثاق جنيف، ظهر من قبل في قرار 465 من العام 1980. وتضمن هذا القرار هو ايضا مطالبة بوقف النشاط الاستيطاني بل وتفكيك المستوطنات التي اقيمت. وبالمقابل، فان هذه هي المرة الاولى التي يتوجه فيها مجلس الامن الى الفتوى الاستشارية، التي وجهت انتقادا شديدا لاسرائيل وقالت ان سياستها الاستيطانية تشكل انتهاكا للقانون الدولي الذي ينطبق عليها.

ان القول القانوني في القرار بشأن عدم قانونية المستوطنات لا يعني القضاء على كل حجة مضادة من جانب اسرائيل في هذا الشأن، وذلك لان قرارات مجلس الامن ليست في مكانة قانون دولي. ومع ذلك، فان مثل هذا القرار هو احد المصادر التي تدرس عند تحديد القانون الدولي، وعليه فان لهذا القول في القرار كفيل بان يكون وزن في اطار كل بحث قانوني في قضية قانونية المستوطنات.

هذا البحث ذو صلة بشكل خاص بالنسبة للفحص الاولي الذي تجريه المدعية العامة في محكمة الجنايات الدولية بهدف التحديد اذا كانت ستفتح تحقيقا ضد اسرائيل على جرائم حرب ارتكبت في “فلسطين” ابتداء من حزيران 2014. وذلك، استمرارا لانضمام “فلسطين” الى المحكمة في بداية العام 2015.

ويتناول الفحص ضمن امور اخرى سياسة الاستيطان التي من شأنها ان تعتبر كجريمة حرب تتمثل بنقل سكان دولة الاحتلال الى الارض المحتلة، حسب مادة في ميثاق روما على اساسها اقيمت المحكمة. ومن شأن قرار مجلس الامن ان يشكل اعتبارا آخر لفتح تحقيق ضد الجهات المسؤولة عن سياسة الاستيطان بل والتأثير لاحقا على القرار لرفع لوائح اتهام ضدهم. ومع ذلك، كما أسلفنا، ليس معنى الامر انه لن يكون ممكنا عرض حجج قانونية في أن هذه ليست جريمة حرب.

اضافة الى ذلك، من شأن القرار أن يشكل ايضا أساسا لمحاولة تحريك اجراءات جنائية في دول مختلفة تحت مبدأ “الصلاحيات الكونية”، الذي يسمح برفع لوائح اتهام على جرائم حرب حتى في ظل غياب صلة للدولة حيث يتم الاجراء. ومع ذلك، فان تجربة الماضي تفيد بان هذه المبادرات لا تؤدي بشكل عام الى اجراءات عملية تديرها سلطات الادعاء الرسمية في الدول الاجنبية ضد محافل اسرائيلية.

يقول القرار ان على اسرائيل أن توقف فورا وبشكل كامل كل نشاط استيطاني في المناطق في ظل احترام القانون (المادة 2). ولا يجري القرار تمييزا بين مستوطنات منعزلة في عمق الارض وبين كتل المستوطنات وشرقي القدس، ولا حتى بين البناء على اراضي دولة والبناء على ارض خاصة.

رغم ذلك، فان حقيقة أن القرار يشدد بشكل واضح على ان سياسة الاستيطان تحبط امكانية تحقيق فكرة حل الدولتين تفيد بانه سيكون عمليا فرق في الرد المحتمل على انتهاك القرار كنتيجة لنشاط بناء في الكتل الاستيطانية مقابل البناء في عمق الارض او الاستيلاء على اراض خاصة لغرض اقامة مستوطنات. اقوال بموجبها تعتبر اسرائيل على أي حال كمنتهكة للقانون الدولي وبالتالي لا معنى لمثل هذه التمييزات هي أقوال مضللة.

ومثلما في كل جهاز قضاء، يوجد فرق بين درجات مختلفة من الشدة للافعال من ناحية الرد الذي تستدعيه. وبالتالي، يمكن التقدير بانه اذا كانت سياسة الاستيطان الاسرائيلية منضبطة اكثر، بشكل يزيل الخوف الدولي على احباط حل الدولتين، سيتقلص جدا الخطر في أن يؤدي القرار الى اجراءات عملية تضر بدولة اسرائيل.

يشدد القرار على ان مجلس الامن لن يعترف باي تغيير في خطوط 4 حزيران 1967، بما في ذلك القدس، الا بموافقة الاطراف من خلال المفاوضات (المادة 3). هذه المادة لم تندرج في قرارات ومشاريع قرارات سابقة. هذه الصيغة اخطر من الصيغة التي توجد في قرار مجلس الامن 242 من العام 1967، والذي يشكل الاساس المتفق عليه للتسوية الدائمة، والذي تحدث عن “حدود آمنة ومعترف بها”.

فضلا عن ذلك، ففي مسودات سابقة لمشاريع قرارات حاولت تحديد مباديء لانهاء النزاع (مثل المشروع الاردني في العام 2014 والمشروع الفرنسي في العام 2015) جرى الحديث عن خطوط 67 كخطوط مرجعية لترسيم الحدود، “مع تبادل الاراضي”. حسب قرار 2334، فان نقطة المنطلق هي خطوط 67 ليس الا. كل مطالبة بتحديد خط حدود آخر، بما في ذلك من خلال تبادل الاراضي ستطرح كمطالبة اسرائيلية تخرج عما ورد في القرار.

ناهيك عن أن القرار يعترف بامكانية الاتفاق بالمفاوضات على خطوط اخرى، ينبغي الافتراض بان هذه المادة ستشكل ورقة لدى الطرف الفلسطيني في المفاوضات. اضافة الى ذلك، فان صيغة المادة التي تشدد على الاتفاق من خلال المفاوضات، كفيلة بان تفسر كمانعة للاعتراف بالحدود التي تقررت بخطوات احادية الجانب، حتى في وضع تكون فيه اسرائيل مستعدة لان تنسحب من اجزاء واسعة من الارض الى الكتل الاستيطانية، وحتى اذا كان انعدام الامكانية لبلورة الاتفاق عبر المفاوضات يكمن في الرفض الفلسطيني.

يدعو القرار كل الدول الى التمييز في سلوكها بين اراضي دولة اسرائيل وبين المناطق التي احتلت منذ 1967 (المادة 5). هذه التعليمات، التي لم تظهر في صيغ سابقة، من شأنها ان تؤدي الى تعاظم الاجراءات القائمة منذ اليوم، لمقاطعة منتجات المستوطنات وطرح مطالب على الاعمال التجارية للامتناع عن النشاط في المناطق (بما في ذلك شرقي القدس) كشرط للتعاقدات معها. ومن شأن هذه التعليمات ان تشكل ايضا اساسا لمحاولات ادارة اجراءات مدنية في المحاكم في الدول المختلفة ضد جهات لا تحترم المطلب المذكور. من جهة اخرى يوجد في هذه التعليمات ايضا قول ان لا مكان لمقاطعة دولة اسرائيل كلها، بل المستوطنات فقط.

يقول القرار انه ستدرس سبل عملية لضمان تطبيق القرار (المادة 11). هذه المادة تفتح ثغرة لقرارات اخرى واجراءات تتخذ من جانب جهات مختلفة في الامم المتحدة وخارجها، بهدف ضمان تطبيق اسرائيل للقرار. ولما كان القرار يقول ان الامين العام للامم المتحدة سيرفع تقريرا للمجلس كل ثلاثة اشهر على تطبيق القرار (المادة 12) ستنشأ آلية رقابة متواصلة، على اساسها قد تطرح ادعاءات ومطالبات لاتخاذ اجراءات لوقف الانتهاكات للقرار.

 ان قرار 2334 هو قرار ضمن الفصل السادس لميثاق الامم المتحدة ولا يشمل عقوبات تفرض على اسرائيل على تطبيقه، ولكن انتهاكه يمكن أن يشكل اساسا لقرار آخر، يتخذ ضمن الفصل السابع لميثاق الامم المتحدة، والذي يشمل عقوبات كهذه.

هذه الامكانية تبدو بعيدة في هذه المرحلة. ومع ذلك لا يجب الاستخفاف بالاضرار التي قد يلحقها القرار باسرائيل على المستوى الدولي وعلاقاتها مع الدول والهيئات، بما في ذلك في الساحة القانونية والاقتصادية.

المصدر | نظرة عليا - ترجمة المصدر السياسي

  كلمات مفتاحية

إسرائيل مجلس الأمن الدولي قرار2334 المستوطنات الإسرائيلية الولايات المتحدة الأضرار الاقتصادية والسياسية حل الدولتين