«ذا ديلي بيست»: القصة الكاملة للألغام المخفية في صحراء مصر

السبت 7 يناير 2017 10:01 ص

عندما غادرت القوات الأجنبية الصحراء بعد الحرب العالمية الثانية، تركت وراءها متاهة معبأة بالألغام الأرضية. كانت الحرب العالمية الثانية قاسية بشكل رهيب على مصر التي لم تكن أبدا حريصة على المشاركة في الأعمال العدائية، ولكنها وجدت نفسها بين خضم معارك القوى الأوروبية عبر مساحات شاسعة من الرمال القاحلة.

وفي حين أن معظم القوات الأجنبية قد غادرت، فقد بقي ما يصل إلى 15 مليون لغم أرضي، كثير منها لا يزال متناثرا في الصحراء حتى يومنا هذا.

ومن أجل القضاء عليها عمل خبراء مكافحة المتفجرات المصريين، وهذا النوع من الجنود والفنيين يعملون على حافة الموت كل يوم، ولكنهم في كثير من الأحيان كانوا يخمنون ما هو المكان والسبيل الأفضل للتعامل معها وقليل منهم من أنفق الكثير من الوقت في المكتبات وفي البحث في الخرائط.

لكن الجيش الإيطالي كان له اهتمام خاص بهذا التاريخ. حيث شارك جنوده إلى جانب ألمانيا، في الحرب التي أودت بحياة الآلاف. وقد وضعت قواتهم أيضا العديد من الألغام. لذلك، فقد قضى مجموعة من الضباط الإيطاليين سنوات في البحث في المحفوظات العسكرية القديمة في محاولة للعثور على خرائط الألغام.

قبل نحو عشر سنوات، اكتشف ضابط في سلاح الجو الإيطالي في غرفة خلفية في روما العشرات من المخططات والصور التي تعود إلى زمن الحرب و التي يجري الآن معالجتها للتعرف على أكبر مجموعات من الألغام في مصر.

في السنوات الأخيرة،وبمساعدة هذه الخرائط، وبعض كراسات الرسم الشخصية للجنود من جميع الجهات، يقول الباحثون إنهم قد توصلوا إلى أفضل تصور حتى الآن لأماكن الألغام.

ويقول «ألدينو بونديسان»، وهو أستاذ في جامعة بادوفا ورئيس الجمعية الإيطالية للجيولوجيا والجغرافيا العسكرية، والذي يوثق بدأب بقايا حملة إيطاليا في مصر: «أخذنا بعض قدامى المحاربين معنا في إحدى رحلاتنا وحددت بعض الخنادق بشكل دقيق».

عند إلقاء نظرة على المساحات الهادئة من شمال غرب مصر الآن، فإنه من الصعب أن نتصور أن هذه الأماكن كانت حقولا للقتال في القرن الـ20. كانت العديد من المناطق على ساحل البحر المتوسط غير متأثرة بالمعارك وخاصة أماكن ومصايف النخبة المصرية في الإسكندرية. ولكن كانت هناك منطقة فقط قبالة الطريق الرئيسي السريع بين الشرق والغرب هي منطقة الضبعة، والتي كانت مسرحا لبعض من أشرس المعارك حيث تعمل السلطات المصرية حاليا على بناء أول محطة للطاقة النووية في البلاد، والتي سيتم تمويلها من قبل روسيا.

ولكن في عام 1941 وفي ذروة الحرب العالمية الثانية، عندما اخترق الإيطاليون والألمان بقيادة ثعلب الصحراء «روميل» الخط البريطاني في ليبيا، ارتفعت المخاوف من السيطرة على قناة السويس وقطع وصول لندن لحقول النفط المهمة في الخليج، وتحولت المنطقة إلى منطقة صراع طوال 18 شهرا طويلة من الدم، والقنابل.

وقد حدث تصاعد عنيف إلى الغرب من الإسكندرية، حيث استقرت شعبة المدرعات البريطانية والمعروفة باسم جرذان الصحراء، أسفل مجموعة التحصينات الدفاعية الضخمة. حول منطقة العلمين، أضيق نقطة بين البحر والرمال في منخفض القطارة. وقد تواجهت الجيوش المتناحرة بشكل جماعي ووضعت المزيد من الألغام التي لم يكن العالم قد شهد مثيلها من قبل.

وقال «جيمس موران» رئيس وفد الاتحاد الأوروبي في مصر: «في عام 1942، بدا الأمر كما لو أنهم لم يفعلوا شيئا ولكنهم تركوا لغما في كل مكان وهذا تسبب بتكاليف باهظة لعملية التنظيف».

لعدة عقود على الأقل بعد انتهاء الحرب، ظلت الصحراء كما هي. وقد قامت جيوش الحلفاء بهزيمة دول المحور في مصر في نوفمبر /تشرين الثاني عام 1942. وكان حجم الذخائر غير المنفجرة والمهجورة أكبر من حجم أربعة مستودعات ضخمة للأسلحة العسكرية في جميع أنحاء مدينة العلمين التي كانت كافية لاحتواء كل ما تم حفره حتى الآن.

ويقول «بونديسان»: «كانت صناعة الصلب المصرية قادرة على الحفاظ على نفسها لعقود من خلال آلاف من الأطنان من المعدات العسكرية المهجورة بين الرمال».

ولكن مع بدايات الثمانينيات تغير الوضع عندما تم اكتشاف احتياطيات نفطية كبيرة في المناطق المنكوبة. وبدأت مصر بتطوير الصحراء. ومع تنفيذ اتفاق السلام المصري الإسرائيلي، في واحد من أكثر النزاعات المستعصية في المنطقة، احتكر الجيش المصري، عملية إزالة الألغام.

«بعد معاهدة عام 1979، كان الجيش قادرا على النظر إلى الداخل في الحقول»، وفق «فتحي الشاذلي»، السفير المصري السابق في المملكة العربية السعودية الذي كان قد خدم كرئيس لوحدة الأرض إزالة الألغام في مصر. «لقد أدركنا بعد ذلك مدى ضخامة المشكلة التي واجهناها».

لحسن الحظ بالنسبة للسلطات المصرية، كانت «ألدينو بونديسان» وزملائه قد عملوا بجهد لعدة عقود حتى الآن وقاموا برسم الخرائط بشكل كبير بناء على أبحاث قام بها الرائد «باولو كاتشيا دومنيني» الذي عاد إلى ساحة المعركة بين 1950 و 1960 لاسترداد ما يصل إلى 7000 جثة، وقام بتحديد أماكن زرعه الإيطاليون والألمان على مستوى الفصائل العسكرية.

ومن خلال مقارنة صور الأقمار الصناعية مع العلامات على الخرائط الإفريقية التي هي أكثر سلامة من السجلات الإيطالية تم تحديد ما يصل إلى 30000 موقع دفاعي. وتقول السفارة البريطانية في القاهرة أيضا أنها سلمت سلسلة من خرائط الحرب العالمية الثانية للحكومة المصرية في عام 2000.

في معظم بيئات حقول الألغام قد يكون هذا البحث مثيرا لاهتمام للأكاديميين، أما في الاستخدام العملي فإن ذلك يكون محدودا. و في ساحة معركة كبيرة مثل شمال غرب مصر، حيث القوات غالبا ما كانت محتشدة ضد بعضها البعض على جبهة بطول 100 ميل، فقد لعبت الألغام دورا مركزيا في المواجهات.عليك العثور على ساحة المعركة، و عندها سوف تجد معظم الألغام.

في أواخر 2015 قال «الشاذلي» الذي تنتشر على جدران عرفته خرائط عمليات النازيين «هذا هو السبب كان علينا أن نجمع جميع الخرائط، والتي تبين المعارك من الألمان والبريطانيين والإيطاليين».

كان النصر في العلمين دفعة هائلة للحلفاء، ونقطة تحول في الحرب التي شهدت في السابق اكتساحا لجيوش «أدولف هتلر». وقد قال «ونستون تشرشل»: «قبل معركة العلمين لم يكن لدينا نصر و بعد العلمين لم تحصل لنا هزيمة».

وبالنظر إلى المهمة الهائلة التي لا تزال تنتظرهم في تطهير الصحراء، يأمل المصريون في أن توفر هذه الخرائط فارقا في مسار جهودهم.

  كلمات مفتاحية

مصر بريطانيا ألمانيا إيطاليا معركة العلمين