«سور الأزبكية» في مصر.. حرارة الأزمة الاقتصادية تفسد بهجة الكتب

الاثنين 16 يناير 2017 09:01 ص

وسط زحام أحد أكبر ميادين، وسط القاهرة، يتجمع العشرات حول عدة أكشاك متراصة بجوار بعضها تحوي آلاف المجلدات يقلبون في ما تحويه، بعضهم يشتري وغالبية أجبرتها الظروف الاقتصادية على المطالعة فقط.

زوار «سور الأزبكية» في ميدان العتبة، أحد أشهر الأماكن لبيع الكتب القديمة والحديثة أيضًا، من كل المراحل العمرية يلجأ إليه الباحثون عن أمهات الكتب، والراغبون في اقتناء الكتب النادرة، حيث ظل قبلة لكل من يريد كتاباً ثميناً بسعر زهيد، بحسب «الأناضول».

يضم «سور الأزبكية» بين جنباته روايات ومجلات قديمة وبعض الإصدارات الحديثة، بالإضافة إلى كتب مترجمة وغيرها باللغات الأجنبية، ربما لا يكون من السهل العثور عليها في المكتبات الكبرى، فضلاً عن انخفاض أسعارها، والتي يبدأ سعر بعضها من جنيه واحد. (الدولار الأمريكي يساوي نحو 18 جنيهاً).

تعود بدايات المكان إلى أوائل القرن العشرين، عندما كان الباعة الجائلون يمرون على المقاهي لبيع الكتب لروادها، ثم يستريحون في فترة القيلولة، عند سور حديقة الأزبكية في العتبة، وأثناء راحتهم كان المارة يتصفحون الكتب عند السور ويقوم بعضهم بشرائها، حتى نصب الباعة الكتب أمام سور الحديقة وازدحم بالزبائن. 

و، على «سور الأزبكية»، فبدأت بعض مكتباته تغيّر نوعية الكتب، استجابة لحركة البيع، كما فعل «أحمد الكومي»، الشاب العشريني، الذي يقول إن بيع الكتب الثقافية تراجع، واضطر إلى بيع جميع الكتب المدرسية القديمة الخاصة بطلبة المدارس ليطرحها بأقل من أسعار الكتب الجديدة، وهي «الأكثر رواجاً».

فيما قام آخر باستبدال كتبه القديمة بلعب الأطفال، وكتب التلوين وكتب الحكايات الملونة، وآخر فضل تجارة الملابس النسائية مرجعًا ذلك إلى أن «الناس تريد ملبس ومأكل ولا تملك نقودًا للقراءة».

ورغم كل تلك التغيرات، لكن لا تزال مكتبات السور تعج بآلاف الكتب القيمة القديمة والحديثة والمراجع العلمية، بل إن بعضها يتخصص في مجالات بعينها، منها ما يهتم بالشأن القانوني الذي برر مالك إحداها بعشقه للقانون وعلاقاته الوثيقة بعدد كبير من المحامين والقضاة والمستشارين وطلبة كليات الحقوق الذين يترددون عليه لشراء الكتب لرخص أسعارها مقارنة بغيرها. 

وهناك مكتبات متخصصة في الأدب والثقافة وأخرى للكتب الدينية، وبعضها في الروايات الأجنبية، وهذا النوع من الكتب يُقبل عليه الدارسون في الكليات العلمية أو طلاب أقسام اللغات.

أما عن مصادر الكتب في «سور الأزبكية»، فيقول مالك مكتبة «الحسن»، «حسن طه»، وهو يُعرف بلقب «كبير السور» أو «كبير الورًاقين» بين الباعة،، إن هناك مزادات للكتب وهي المصدر الأهم لنا.

ويضيف: كان آخرها مزاد «دار الهلال»، وهي أحد أكبر دور النشر الحكومية ولها العديد من الإصدارات وأنتجت مئات من الكتب على مدار عقود كثيرة، وكان هذا المزاد الذي تم أواخر العام الماضي، من أهم أكبر المزادات التي غذت «سور الأزبكية». 

ومن المصادر الأخرى للكتب، يضيف البائع الستيني العمر،: «المطابع التي يملكها أصحاب المكتبات أنفسهم، وتلك المطابع تقوم بعملية غير شرعية، حيث تشتري نسخة أصلية من أحد الكتب الحديثة أو القديمة وتقوم بطبع مئات النسخ المزورة وغير الأصلية، وتقوم ببيعها في السور، بنصف ثمنها أو أقل» .

ويُقر «طه» بأن «هذا بالطبع غير قانوني ويكبد الكاتب ودار النشر الأصلية خسائر كبيرة» .

ويشير كبير الباعة في «سور الأزبكية» إلى أن الكثير من تلك الدور والكُتّاب حاولوا العمل على وقف تلك العملية وتحركت أجهزة الأمن عدة مرات وداهمت المكتبات، وضبطت النسخ وألقت القبض على أصحابها وحررت محاضر، ولكن القوانين دائماً في تلك الأمور «مطاطة وتعجز عن السيطرة على تلك القضية» .

مصدر آخر للكتب، والكلام لايزال على لسان «طه»، هو مكتبات المشاهير، الذين رحلوا عن الدنيا وتركوا مكتبات كبيرة وقيّمة فيما يكون ورثتهم لا يهتمون بالثقافة مثل آبائهم، أو لديهم مصادر أخرى لثقافتهم وأصبحت تلك المكتبات الكبيرة عبئًا عليهم.

ويوضح أن بعض الورثة يتبرع بها لإحدى الجهات الحكومية، والبعض الآخر يقرر أن يستفيد منها ماديًا ويعرضها على تجار السور، وتعتبر تلك الصفقات الأكثر ربحاً لتجار الكتب.

وتابع: «أيضًا المكتبات الكبيرة، ذات الأسعار المرتفعة، التي يكون لديها كتب بها عيوب في الطباعة أو التجليد أو بعض الأوراق الممزقة، تمنح تجار السور تلك الكتب ويقومون بإصلاحها أو بيعها على حالتها بأسعار أقل».

ويلفت مالك مكتبة «الحسن» إلى أن غالبية «الورًاقين» في سور الأزبكية حاصلون على مؤهلات عليا ويعملون في المهنة حبًا وعرض عليهم الكثير من الوظائف، ولكن عشقهم للكتب والحياة وسطها غلبهم في النهاية وأخذوها مهنة لهم. 

وحول أهم مطالبهم، يقول «هناك فوضى في المكان، وهذا لا يليق بأقدم سور ثقافي في مصر»، في إشارة إلى الباعة الجائلين والزحام.

وطالب بهيئة التنسيق الحضاري بوضع تخطيط حضاري وتصميم معماري يناسب المكانة الثقافية للسور ويضيف قيمة جمالية له بخلاف الوضع الحالي. 

وناشد الرجل الستيني هيئة الكتاب (حكومية) بتخفيض إيجار الأماكن المخصصة لهم، في معرض الكتاب (السنوي) والمعارض الأخرى والتي تتعدى قيمة الإيجار فيها الـ5 آلاف جنيه نحو (277.7 دولارات)، وهو ما يفوق قدرة بعضهم، بالإضافة إلى زيادة أيام معرض الكتاب وزيادة الفعاليات الثقافية. 

ويقول: «زين عبد الهادي»، الرئيس الأسبق لدار الكتب والوثائق المصرية (حكومي) إنه لابد من نقل «سور الأزبكية» من المكان الحالي بالعتبة لأنه جمهوره من الفقراء الذين يذهبون إلى ميدان العتبة الذي يشتهر بالمنتجات ذات الأسعار المتدنية.

ويشير إلى أن المكان الأفضل للسور، نقله إلى جوار المتحف المصري قرب ميدان التحرير (وسط العاصمة) فهو «مكان مناسب وسيجعل السور يعود إلى سابق عهده».

ويقول «هيثم الحاج»، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب (حكومي)، إن «كل ما تملكه الهيئة هو توفير مساحة كبيرة لمكتبات سور الأزبكية في معرض الكتاب السنوي، المقام بأرض المعارض (شرقي القاهرة)، بالإضافة إلى توفير أماكن للسور في كل المعارض التي تقام علي مدار العام في باقي المحافظات».

ويلفت إلى أن الهيئة تتعاون مع كل أصحاب المكتبات الموجودة في «سور الأزبكية»، ولكن هذا التعاون مشروط بعدم بيع هذه المكتبات نسخًا مزورة للكتب. 

ويوضح أن قلة مبيعات الكتب هي أزمة عامة في مصر نتيجة الأوضاع الاقتصادية وليست خاصة بالكتب فقط بل إن «سور الأزبكية» لم يتأثر بارتفاع أسعار الورق أو ارتفاع تكلفة الطباعة كما هو حال كافة المكتبات؛ لأنهم يتعاملون ويبيعون الكتب القديمة والمستعملة. 

وتشهد مصر أزمة اقتصادية، بجانب ملامسة سعر الدولار الأمريكي إلى نحو 18 جنيهاً في السوق الرسمية بعد قرار تحرير سعر صرف الجنيه في 3 نوفمبر/تشرين الثاني، وسط ارتفاع في أسعار السلع خاصة بعد رفع أسعار الوقود في اليوم ذاته.

  كلمات مفتاحية

سور الأزبكية أزمة اقتصادية بهجة