حيثيات الحكم النهائي للقضاء المصري بسيادة الدولة على تيران وصنافير

الاثنين 16 يناير 2017 10:01 ص

أصدرت المحكمة الإدارية العليا في مصر، ليوم الاثنين، حكما نهائيا ببطلان توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية تضمنت نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير بالبحر الأحمر إلى المملكة.

وفي جلسة بثها التلفزيون المصري على الهواء مباشرة، رفضت المحكمة -وهي أعلى جهة للطعون الإدارية وأحكامها نهائية- الطعن الذي قدمته هيئة قضايا الدولة (ممثلة الحكومة) على حكم أصدرته محكمة القضاء الإداري في يونيو/حزيران الماضي، ببطلان الاتفاقية التي تم توقيعها في أبريل/نيسان الماضي.

وقال رئيس المحكمة القاضي «أحمد الشاذلي» بمنطوق حكمه إن «سيادة مصر على جزيرتي تيران وصنافير مقطوع بها، موضحا أن هيئة المحكمة أجمعت على هذا الحكم».

نص الحكم

وقالت المحكمة في حيثيات حكمها، إنه بعد الإطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، والإطلاع على تقرير هيئة مفوضي الدولة والمذكرات والمستندات المقدمة من أطراف الخصومة، وبعد إتمام المداولة قانونا، فإن المحكمة قد خلصت إلى رفض الدفع بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعويين وباختصاصها بنظرهما، إلى جانب قبول الدعويين شكلا وببطلان توقيع ممثل الحكومة المصرية على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية الموقعة في أبريل/نيسان سنة  2016 المتضمنة التنازل عن جزيرتى تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية، مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها استمرار هاتين الجزيرتين ضمن الإقليم البرى المصري وضمن حدود الدولة المصرية واستمرار السيادة المصرية عليهم، أو حظر تغيير وصفهما بأي شكل لصالح أية دولة أخرى وذلك على النحو المبين بالأسباب وألزمت جهة الإدارة المصاريف .

وأشارت المحكمة إلى أن الجزيرتين ضمن الإقليم المصري، خاضعتان للسيادة المصرية الكاملة ، ووفقا لنص المادة (151) من دستور جمهورية مصر العربية الصادر في 18 يناير/كانون الثاني 2014 ، يحظر إبرام أي اتفاق يتضمن التنازل عن أي جزء من الإقليم المصري .

وجاء في حيثيات الحكم.. وقد سطر الطاعنون أسباب الطعن بتقرير الطعن ومذكرات الدفاع المشار إليها، ومجمل الأسباب المشار إليها تنصرف إلى أن الحكم المطعون فيه قد صدر مشوبا بالخطأ في تطبيق القانون فيما يتعلق بنفي صفة الخصومة عن الطاعن الثالث -بصفته- (رئيس مجلس النواب)، ومخالفة الحكم للقانون  فيما قضي به من رفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة -والقضاء عموما- ولائيا بنظر الدعويين على سند حاصلة أن المشرع أخرج الأعمال التي تتصل بسيادة الدولة سواء الداخلية أو الخارجية من ولاية المحاكم عموما ، وأن قضاء المحكمة –المطعون فيه– قد خالف المستقر عليه من قضاء المحكمة الدستورية العليا  والمحكمة ذاتها في منازعات مماثلة  خاصة وأن طلبات المدعين في الدعوى تتمخض عن استدعاء ولاية القضاء واستنهاض رقابته بشأن أمر يتعلق باختصاص أصيل محجوز دستوريا لمجلس النواب ويمثل تدخلا وإهدارا لمبدأ الفصل بين السلطات، بحسبان المجلس هو الجهة الوحيدة القائمة على شئون التشريع وسن وإصدار القوانين، والمنوط به الموافقة على ما يبرمه رئيس الجمهورية من معاهدات مع  الدول الأخرى، وإن ما قامت به الحكومة فى النزاع المطروح باشرته بوصفها سلطة حكم بخصوص ترسيم الحدود بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية، وإنه أصبح محلا للدراسة من قبل لجان مجلس النواب المختصة (وفقا لكتاب هيئة قضايا الدولة الذي ورد بعد حجز الطعن للحكم والمتضمن إحالتها إلى مجلس النواب).

وعقبت المحكمة بأنها سترجئ ما أشير إليه بتقرير الطعن بشأن اختصام رئيس مجلس النواب إلى موضع آخر في أسباب الحكم.

وحيث إن الحكم المطعون فيه، استند إلى أحكام المواد 97، 151، 190 من الدستور الحالي وفيما تضمنته من حظر إبرام أية معاهدة أو اتفاقية يتوقف عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة، وأن مصطلح الإبرام أعم وأشمل من مصطلح إقرار المعاهدات، وأن هذا الحظر يمتد إلى السلطة التنفيذية ويحظر عليها اتخاذ أي عمل من أعمال الإبرام بما فيها التوقيع إذا كانت المعاهدة تخالف الدستور أو يترتب عليها التنازل عن أى جزء من الإقليم وهو حظر وقائى ومطلق، وأن لإقليم الدولة قداسة بالمعنى الوطني وحرمة بالمعنى القانوني، وأنه يشكل وحدة واحدة لا سبيل إلى التنازل عن أي جزء منه، وأسس الدستور فكرة الاختصاص الممنوع أو المحظور على السلطة التنفيذية في مجال إبرام المعاهدات الدولية، وخلصت المحكمة إلى أن توقيع الحكومة على الاتفاقية بما ينطوي عليه من التنازل عن الجزيرتين (تيران وصنافير)  هو عمل إداري يخضع لولاية محاكم مجلس الدولة طبقا لأحكام المادة (190) من الدستور باعتباره من المنازعات الإدارية، وقضت برفض الدفع المبدى من المدعى عليهم بصفتهم بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعويين  .

ومن حيث إن تقرير الطعن ومذكرات هيئة قضايا الدولة والمذكرات المقدمة من  المطعون ضدهم والخصوم المتدخلين في الدعوى قد أشارت -في غير موضع- إلى سيادة الدولة، والفصل بين السلطات والتوازن بينها، وتلازم المسئولية مع السلطة، ونظرية أعمال السيادة، ولأهمية النزاع المعروض فإن هذه المحكمة تبسط قضاءها على عمد من التأصيل الواجب قبل أن تقطع بقضاء بات في سلامة الحكم المطعون فيه وصحة السبب أو الأسباب التي قام عليها تقرير الطعن، وتؤكد المحكمة علي أن للسيادة  معنى سلبي وآخر ايجابي، والمعنى السلبي يقطع الاستقراء التاريخي له بأنها قد بدأت كفكرة سياسية ثم تحولت إلى فكرة قانونية، وينصرف إلى عدم خضوع الدولة لسلطة دولة أخرى ، وعدم وجود سلطة أخرى مساوية لسلطة الدولة في داخل حدود البلاد.

وبحسب حيثيات الحكم، فإن مصر في هذا العقد من الزمان – بعد ثورة الشعب (25يناير/30 يونيو)- وهى ثورة وصفتها ديباجة الدستور بأنها فريدة بين الثورات الكبرى في تاريخ الإنسانية، بكثافة المشاركة الشعبية التي قدرت بعشرات الملايين، وبدور بارز لشباب متطلع لمستقبل مشرق، وبتجاوز الجماهير للطبقات والأيدولوجيات نحو آفاق وطنية وإنسانية أكثر رحابة وبحماية جيش الشعب للإرادة الشعبية، وهذا الدستور استولد عنه نظام قانوني جديد ألبس الفصل بين السلطات ثوبا جديدا، وتحددت فيه حدود سلطات الدولة دون تغول من سلطة على سلطة أخرى، وأعلى من شأن حق الإنسان المصري في المشاركة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لبناء دولته الجديدة مصطحبا تاريخ مصر الخالد وحضارتها العظيمة وموقعها الجغرافي المتميز، وقدم وعراقة شعبها وأصالته، وطبيعته وطبيعة تكوينه الفريد والمتنوع  والذي يمثل سمتا من سماته ويستعذب أصالته كل من سرى في شرايينه مياه النيل مسرى الدم، ومن أجل ذلك  -وهو بعض من كل– وجب على الفكر القانوني أن يتماشى مع التعديلات التي استحدثها الدستور على  النظام القانوني المصري، ومن عموم القول السابق إلى خصوصية النزاع المعروض والمتعلق بحقوق السيادة على الأراضي المصرية، وحدود سلطات الدولة بشأنها وفقا للدساتير المصرية المتعاقبة بدءا من الأمر الملكي رقم 42 لسنة 1923 بوضع نظام دستوري للدولة المصرية وانتهاء بالوثيقة الدستورية الجديدة عام 2014، فقد نصت المادة (1) من دستور 1923 على أن مصر دولة ذات سيادة ، وهى حرة مستقلة، ملكها لا يتجزأ، ولا ينزل عن شيء  منه.

كما يتضح الأمر بجلاء لا لبس فيه ولا غموض عند مناقشة وإعداد المادة (145) والتى أصبحت في الدستور الحالي تحت رقم  المادة (151)، وعند عرض الجزء الأول من النص الدستوري رجح في اللجنة أنها لا تتعلق بمعاهدات الصلح ولا التحالف أو ما يتعلق بحقوق السيادة (فهذه يفصل فيها ويراقبها البرلمان)، أما المعاهدات الخاصة بالصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة وجميع المعاهدات التي يترتب عليها تعديل في أراضى الدولة، فذهب رأى إلى وجوب موافقة الشعب أسوة بالمادة 53 فقرة أخيرة من الدستور الفرنسي (الاجتماع الثامن للجنة المشار إليها في 3/8/2013 ص 68،69 وبدءا من ص 73 من الاجتماع المشار إليه) وتبلور الأمر برأي ذهب إلى أن أي شيء يتعلق بحقوق السيادة  لن يكون محلا للمعاهدات ثم تبلور الرأي إلى أن المعاهدات التي تتعلق بحقوق السيادة لا يكون لها قوة القانون إلا بعد الاستفتاء عليها وموافقة الشعب، وقبل الاتفاق على النص الدستوري ذكر أحد الأعضاء (المستشار...... ص 73 ، الجزء الأول من نص المادة 145 ليس فيه أي مشكلة، الجزء الثاني تجب موافقة مجلس الشعب (النواب) بأغلبية ثلثي أعضائه على معاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التي تتعلق بحقوق السيادة يتعين الاستفتاء وموافقة الشعب عليها لكي يستريح ضمير الجميع وأنا مع.... ولا يجوز إقرار أي معاهدة تخالف أحكام الدستور أو الانتقاص من أراضي الدولة، لماذا؟؟ لأن الحكم هنا سيكون مختلفا عندما نقول مظهر من مظاهر السيادة مثل قاعدة عسكرية هذا نريد فيه استفتاء أما هنا فى مسألة الانتقاص من أراضي الدولة لم تعرض على الاستفتاء  محرم عرضها على المجلس أو الاستفتاء كقاعدة عامة وهذه هي قيمة الإضافة وأنا أوافق على الإضافة،  ثم قرأت المادة بالصوغ الآتي: يمثل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات ويصدق عليها بعد موافقة مجلس الشعب، وتكون لها قوة القانون بعد التصديق عليها ونشرها، وفقا لأحكام الدستور وتجب موافقة المجلس بأغلبية ثلثي أعضائه جميعا على معاهدات الصلح والتحالف، وبالنسبة للمعاهدات التي تتعلق بحقوق السيادة فلا يكون لها قوة القانون إلا بعد الاستفتاء عليها وموافقة الشعب على ذلك .

وإذا كان النص الدستوري للمادة (151) الذي وافق عليه الشعب قد نقل حرفيا ما انتهت إليه لجنة الخبراء بخصوص الفقرة الأولى منه وبتصرف لا يغير المعنى في الفقرة الأخيرة، فإن الفقرة الثانية والثالثة من الصياغة النهائية للدستور المستفتى عليها  قدمت وأوجبت دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف، وما يتعلق بحقوق السيادة ومنعت التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بموافقة الشعب، وينعطف من هذه المغايرة معان قانونية ومفاهيم كثيرة يجب أن تسجل وتذكر :-

أولا: أن الدستور المصري رسخ مبدأ سيادة الشعب في أعلى صورة فحظر أي التزام دولي على الدولة فيما يتعلق بهذه الأنواع من المعاهدات إلا بعد أخذ موافقة الشعب صاحب السيادة ومصدرها، فالتصديق وهو من سلطة رئيس الجمهورية مشروط بموافقة الشعب عبر استفتاء واجب، وفيه يحل الشعب محل السلطة التي تقوم مقامه بالتشريع والرقابة، وعلى رئيس الجمهورية أن يخاطب الشعب مباشرة طالبا رأيه الفاصل والملزم في أية معاهدة محلها الصلح أو التحالف أو تتعلق بحقوق السيادة، والترتيب المنطقي للأمور أن يتوجه رئيس الجمهورية  إلى الشعب طالبا رأيه، فإن أجاب طلبه بالموافقة استكملت إجراءات الاتفاق الدولي، وإن كان له رأى آخر زال أي اتفاق أو إجراء سابق تم اتخاذه .

ثانيا: أن التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة أو إبرام معاهدة تخالف أحكام الدستور المصري- فرادى أو مجتمعة- تعد من الأمور المحظور إبرام أي اتفاق دولي بشأنها ولا تعرض على الشعب الذي أعلن إرادته عبر دستوره وحاصله أنه لا يقبل التنازل عن أي جزء من الأرض أو مخالفة أي حكم من أحكام الدستور الذي يمثل الوعاء الأصيل للنظام القانوني الحاكم من ناحية والضمان الوحيد لاستقرار نظام الحكم من ناحية أخرى .

وقد جرى نص المادة (197) من القانون رقم 1 لسنة 2016 بشأن اللائحة الداخلية لمجلس النواب المنشور في الجريدة الرسمية في العدد (14) مكرر ب بتاريخ 2016/4/13 ليعمل به اعتبارا من اليوم التالي لنشره الموافق 2016/4/14 وفقا للمادة الثانية من مواد إصداره على أن يبلغ رئيس الجمهورية المعاهدات التي يبرمها إلى رئيس المجلس، ويحيلها الرئيس إلى لجنة الشئون الدستورية والتشريعية  لإعداد تقرير في شأن طريقة إقرارها وفقا لحكم المادة (151) من الدستور، وذلك خلال سبعة أيام على الأكثر من تاريخ إحالتها إليها، ويعرض رئيس المجلس المعاهدات وتقارير لجنة الشئون الدستورية والتشريعية في شأنها في أول جلسة تالية، ليقرر إحالتها إلى اللجنة المختصة أو طلب دعوة الناخبين للاستفتاء عليها  بحسب الأحوال، وفى غير الأحوال المنصوص عليها في الفقرتين الأخيرتين من المادة (151) من الدستور، يكون للمجلس أن يوافق على المعاهدات أو يرفضها أو يؤجل نظرها لمدة لا تجاوز ستين يوما، ولا يجوز للأعضاء التقدم بأي اقتراح بتعديل نصوص هذه المعاهدات ويتخذ قرار المجلس في ذلك بالأغلبية المطلقة للحاضرين، ولرئيس المجلس أن يخطر رئيس الجمهورية ببيان يشمل النصوص والأحكام التي تتضمنها المعاهدة  والتي أدت إلى الرفض أو التأجيل، وإذا أسفر الرأي النهائي عن موافقة المجلس على المعاهدة، أرسلت لرئيس الجمهورية ليصدق عليها، ولا تكون نافذة إلا بعد نشرها في الجريدة الرسمية، ولا يتم التصديق على المعاهدات المشار إليها في الفقرة الثانية من المادة (151) من الدستور، إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء عليها بالموافقة.

وبناء على ما تقدم، فإن ما استندت إليه محكمة القضاء الإداري في أسباب حكمها الطعين وما أوردته هذه المحكمة من أسباب وفى أطار التوازن الدستوري بين نص المادة (97) والمادة (190) من الدستور الحالي والتي حظرت أولها، تحصين أي عمل أو قرار إداري عن رقابة القضاء وأحكام الدستور في عديد من المواد التي انصرفت إلى تعديل في حدود السلطات الممنوحة لسلطات الدولة وبمقتضاها غدت جل السلطات محددة النطاق  ومشروطة الممارسة، فإن الحكم المطعون فيه فيما قضي به من رفض الدفع المبدى من المدعى عليهم بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى –بصفتهم– في الدعوى يكون قائما على عمد من الواقع والقانون، وصادرا في إطار أحكام القانون والدستور، ولا يسوغ –والحال كذلك- للسلطة التنفيذية إجراء عمل أو تصرف ما محظور دستوريا ويكون لكل ذي صفة أو مصلحة اللوذ إلى القضاء لإبطال هذا العمل، ولا يكون لها التذرع بأن عملها مندرج ضمن أعمال السيادة، إذ لا يسوغ لها أن تتدثر بهذا الدفع لتخفى اعتداء وقع منها على أحكام الدستور وعلى وجه  يمثل إهدارا لإرادة الشعب مصدر السلطات، وإلا غدت أعمال السيادة بابا واسعا للنيل من فكرة سيادة الشعب وثوابته الدستورية وسبيلا منحرفا للخروج عليها وهو أمر غير سائغ البته، وترى المحكمة إظهارا لوجه الحق والقانون –وقبل التعرض للأسباب التي قام عليها تقرير الطعن الماثل- الإشارة إلى قرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 535 لسنة 1981 بشأن الموافقة على معاهدة فيينا لقانون المعاهدات الموقعة في فيينا عام 1969، حيث نصت المادة الأولى - مادة وحيدة- من القرار المشار إليه –وكما ورد في ديباجته– بعد الاطلاع على الفقرة الثانية من المادة (151) من الدستور على الموافقة على معاهدة فيينا لقانون المعاهدات الموقعة في فيينا بتاريخ 23/5/1969 مع التحفظ بشرط التصديق ، ومع إبداء التحفظ التالي على وثيقة الانضمام "أن جمهورية مصر العربية لا تعتبر منها طرفا في إطار الباب الخامس من المعاهدة في مواجهة الدول التي تبدى تحفظات على وسائل التقاضي والتحكيم الإلزامية الواردة في المادة (66) وفى ملحق المعاهدة، كما إنها ترفض التحفظات التي ترد على الباب الخامس من المعاهدة".

وأضافت الحيثيات: كما أن الدستور المصري الساري قد حدد اختصاص مجلس النواب بشأن المعاهدات باعتبار أن موافقته واجبة على كل ما تبرمه الدولة من معاهدات حددتها الفقرة الأولي من المادة (151) من الدستور، وإن الفقرة الثانية قصرت دور مجلس النواب على المصادقة على ما ينتهي إليه الشعب باعتباره الوكيل عن صاحب السيادة الذي آثر الدستور أن يتولاه بنفسه دون وكيل باعتبار أن موافقته الشرط الوحيد اللازم للمصادقة على الاتفاقية بعد دعوته الواجبة كما سلف البيان، فسلطة مجلس النواب في مسائل السيادة سلطة تقرير لإرادة الشعب ويكون رأيه متمما لتلك الإرادة يلتحم فيها الوكيل بالموكل، ويكون دور الوكيل محصورا في صوغ  التعبير عن هذه الإرادة رفضا أو قبولا،  فإذا ما باشرت السلطة التنفيذية اختصاصا متصلا بهذا النوع من المعاهدات أو تلك التي نظمتها الفقرة الأخيرة من المادة 151 من الدستور تمحور النزاع حول عمل إداري لا يسوغ أن تتدخل فيه السلطة التشريعية طرفا فيه كمشرع، وإذ أخرج القضاء المطعون فيه الطاعن الثالث  بصفته الممثل القانوني لمجلس النواب يكون قد التمس وجه الحق وأنزل صحيح حكم القانون والدستور، وتطرح المحكمة -من ثم-  ما ورد بتقرير الطعن من أن الرقابة على الاتفاقية المشار إليها محجوزة فقط للبرلمان بحسبان الفصل في النزاع معقود للقضاء الإداري، واستقر في يقين المحكمة –كما سلف البيان– أن النزاع الماثل لم يرق إلى كونه التزاما دوليا، كما أنه يخرج عن نطاق تطبيق أحكام الفقرة الأولى من المادة (151) من الدستور والتي وسدت لمجلس النواب دورا واجبا في الموافقة على المعاهدات في غير الحالتين التي أشارت إليهما الفقرتين الثانية والثالثة منها .

وأشارت المحكمة إلى أنه بالرجوع إلى أعمال لجنة الخبراء العشرة والخاصة بإعداد الدستور، فإنه قد أشار أحد أعضائها ص 73  بأن "أي شيء يتعلق بحقوق السيادة لن يكون محل معاهدات"، ومن نافلة القول الإشارة إلى أن المحكمة تقصر قضائها في خصوص هذه المسألة على دور مجلس النواب كسلطة تشريعية تمارس دورا في إطار الدستور ودون تخط لآلياته الأخرى بشأن الرقابة على أعمال الحكومة ، ولا يسوغ أن يكون مجلس النواب طرفا فى الخصومة الماثلة –ومحلها- إجراء أو عمل إداري صدر عن رئيس الوزراء على الوجه سالف بيانه ويكون إخراج الحكم المطعون فيه الطاعن الثالث بصفته (رئيس مجلس النواب) من الخصومة قاضيا بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفه بالنسبة له، ملتمسا وجه الحق ومنزلا صحيح حكم القانون والدستور، فإذا ما زج به كجهة فصل في خصومة فالبرلمان ينشئ ويقرر في إطار دوره الدستوري، أما الفصل في الخصومة اختصاص معقود للقضاء .

ووفقا لم ما أبدته الجهة الطاعنة من أسباب للطعن على الحكم المطعون فيه فإن مقولة أن حق الدولة على إقليمها هو حق ملكية يمثل خلطا بين السيادة الإقليمية وبين الملكية مرجعه أن بعض الفقه والقضاء الدولي في إطار الفقه التقليدي يذهب إلى استعارة بعض قواعد القانون الدولي من قواعد القانون الداخلي وخصوصا ما كان ينحدر من قواعد القانون الروماني الذي كان سبب ذلك الخلط في التشبيه بين الموضوعين، ويبنى هؤلاء الفقهاء اعتقادهم على ما يلاحظونه من تشابه بين سيادة الدولة على إقليمها وبين الملكية، فالحق في السيادة والحق في الملكية كلاهما مقصور على صاحبه يخوله الحق سلطة التصرف في المال أو الشيء موضوعه، وذلك على الرغم من أنه وفقا للمفاهيم الحديثة لأحكام القانون الدولي المعاصر ليس هناك ما يبرر وجود هذا الخلط فالسيادة في ضوء قواعد هذا القانون لها مدلول قانوني مجرد يقوم على اعتبار الدولة أعلى سلطة في داخل إقليمها، وهذا الإقليم هو الإطار الذي تباشر الدولة سلطتها فيه، ومن ثم يتعذر تشبيه سلطات الدولة واختصاص هيئاتها بالملكية الخاصة للأفراد ، ذلك أن  حق الدولة على إقليمها ليس حق ملكية وإنما هو حق سياسي يشتمل على مجموعة من الحقوق التشريعية والتنفيذية والقضائية التي تسرى على إقليم الدولة كما سلف البيان، ومؤدى ذلك  أن الإقليم هو الذي تمارس فيه الدولة سلطتها السياسية، وهو الموضوع المباشر لسيادة الدولة التي تفترق عن حق الملكية العينية وعن سيادة الأشخاص على ممتلكاتهم الخاصة، وهذا النظر يجب أخذه بمزيد من الحذر في مجال القانون العام، ذلك أن السيادة هي التي تنشأ في مختلف الزمان مبتدئة ولم تشتق يوما من سيادة دولة أخرى سواء بمفهومها السياسي أو القانوني، ومصر –وعلى سوف ما يأتي بيانه- تمتعت عبر تاريخها وعلى اختلاف أنظمتها بأهلية قانونية دولية كاملة تجاه جزيرتي تيران وصنافير أي بالسيادة القانونية الكاملة عليهما كشخص من أشخاص القانون الدولي، ولم يعتريها يوما ما مانعا يمنع من مباشرتها، وسيادتها في هذا الشأن وصفا في الدولة يعبر عما لها من أهلية لم تتجزأ، فلا يوجد دولتان تقتسمان أهلية واحدة وباتت السيادة الإقليمية المصرية هي العنصر الرئيسي في تصرفات الدولة المصرية عليهما، والتي ظهرت بها وفقا لقواعد القانون الدولي، وأن التطور الذي لحق به لم يغير من واقع  أن السيادة الإقليمية التي لازالت هي النواة التي يدور حولها توزيع الحقوق بين الدول وهذه الحقوق القانونية للدول حسبما يعرفها القانون الدولي ترتبط ارتباطا جوهريا بمظاهر السيادة على الإقليم في مقوماته الثلاثة اليابسة والبحر والجو، وهو الأمر الذي لم ينفرط عقده لمصر على تلك الجزيرتين على الدوام والثبات، وفى عموم القول أنه قد ترسخ في الوجدان الدولي أن التنازل عن جزء من إقليم الدولة يجب أن تتوافر فيه الشروط الشكلية والقانونية المطلوبة لصحته من منظور القانون الدولي والقانون الداخلي  .

ومن حيث إنه عن الأدلة والبراهين والشواهد التي تنطق بها أوراق الطعن بشأن الدولة التي تدخل أرض جزيرتي تيران وصنافير ضمن حدودها، فإنه يبين من اتفاقية تعيين الحدود الشرقية المبرمة بين الدولة العثمانية ومصر بشأن تعيين خط فاصل إداري بين ولاية الحجاز ومتصرفية القدس وبين شبه جزيرة طور سيناء الواردة ضمن اتفاقية رفح 1906 لترسيم حدود سيناء الشرقية المنشورة في جريدة الوقائع المصرية 10 نوفمبر/تشرين الثاني 1906 السنة السادسة والسبعون نمرة الجريدة 127، أنها جاءت خالية مما يفيد أن جزيرتي تيران وصنافير تدخلان في ولاية الحجاز بينما تدخلهما خطوط الحدود في الولاية المصرية وفقا لخريطة العقبة المطبوعة في مصلحة المساحة المصرية سنة 1913 مؤشرا عليها من المندوبين المختصين وتدخل فيهما الجزيرتين السالفتين وبها علامات الحدود المصرية عليهما طبقا للخطوط المرسومة وفقا لمعاهدة 1906 المشار إليها مع قيد حفظ حقوق العربان، بينما حد الحجاز يبدأ من العقبة وذلك على الرغم من أن تلك الاتفاقية خاصة بالحدود البرية بين الدولتين .

وأضافت المحكمة: كما تمت مراجعة  الصورة الرسمية لاتفاقية عام 1906 من الوقائع المصرية والخريطة المرفقة بالاتفاق أول أكتوبر/تشرين الأول عام 1906 من رفح شمالا حتى خليج العقبة جنوبا المقدمة ضمن حوافظ مستندات المطعون ضدهم بجلسة 2016/10/22 –مؤلف محيط الشرائع والمعاهدات الدولية المرتبطة بها مصر، انطون بك صفير المطبعة الأميرية عام 1953 ص 1617، أطلس ابتدائي للدنيا لاستعماله في المدارس المصرية عمل وطبع بمصلحة المساحة والمناجم على نفقة وزارة المعارف العمومية عام 1922 وأعيد طبعه عام 1937 موضحا بالخريطة ص2 منه إن الجزيرتين ضمن الإقليم المصري لورودهما بالكتابة ضمن الجزر المصرية المقدم ضمن حوافظ مستندات المطعون ضدهم– (مؤلف التطور التاريخي لجزيرتي تيران وصنافير 1906- 1950 للدكتور صبري العدل)، ومن حيث إنه وفى ضوء فهم المحكمة  للاتفاقية المبرمة 1906 وخريطة العقبة المطبوعة في مصلحة المساحة عام 1913، تأكد مصرية جزيرتي تيران وصنافير، وأنه لا وجود لسيادة أخرى تزاحم مصر في هذا التواجد، بل أنه لم تكن هناك دولة غير مصر تمارس أي نشاط عسكري أو أي نشاط من أي نوع على الجزيرتين، باعتبارهما جزءا من أراضيها، كما أن الملف رقم 219-1/4 المؤرخ فبراير/شباط 1950 الموجه لوزارة الخارجية أكد على مصرية هاتين الجزيرتين متضمنا أنه: "بالإشارة إلى كتاب الوزارة رقم 853 المؤرخ 3 ديسمبر/كانون الأول سنة 1949 بشأن قيام وزارة الخارجية بالاشتراك مع وزارة الحربية والبحرية بتحديد مدى المياه الإقليمية المصرية وطلب الوقوف على معلومات هذه الوزارة بشأن جزيرة تيران الصخرية الواقعة عند مدخل خليج العقبة فقد ثبت من مصلحة المساحة إنه بالاطلاع على اللوحة رقم 6 جنوب سيناء من مجموعة خرائط القطر المصري بمقياس 500000/1 الطبعة الأولى لسنة 1937، أنها قد بينت على جزيرتي تيران وصنافير الواقعتين عند مدخل خليج العقبة تفاصيل الارتفاعات بكل منهما ولونت الارتفاعات بالجزيرتين بنفس الألوان التى بينت بها المرتفعات بالأراضي المصرية بتلك المجموعة بينما تركت المساحات المبينة بتلك اللوحة من الأراضي الأجنبية بيضاء دون أن تبين لها أية تفاصيل"، ويتضح أن جزيرة تيران تدخل ضمن تحديد الأراضي المصرية مما يقطع بمصريتهما .

وقد تأكد ذلك بما ورد بكتاب وزارة الخارجية السري ( رقم الملف 81/21/37-26) المؤرخ 25 فبراير/شباط 1950 الموجه لوكيل وزارة الحربية والبحرية من: "أنه بالإشارة إلى كتاب الوزارة رقم 3 سرى المؤرخ 16 يناير/كانون الثاني 1950 بشأن ملكية جزيرة تيران الواقعة عند مدخل جزيرة العقبة أرفقت كتاب وزارة المالية رقم ف 219-1/4 الذي يتبين منه أن هذه الجزيرة تدخل ضمن تحديد الأراضي المصرية"، وهو ما تأكد كذلك من كتاب قائد عام بحرية جلالة الملك المؤرخ 22 فبراير/شباط 1950 بقصر رأس التين بالأسكندرية الموجه لوزارة الحربية والبحرية عن تموين قوات سلاح الحدود الملكي المصري الموجودة بطابا وجزر فرعون وتيران وصنافير أرفق به كتابا سريا لرياسة الجيش مما يدل على ممارسة مظاهر السيادة المصرية على تلك الجزيرتين، ومن ثم فليس في مكنة وزارة الخارجية بخطاب من وزيرها من بعد أن تعدل عن مصرية هاتين الجزيرتين لأي سبب من الأسباب وأيا كانت الدوافع الرامية إليه، وقد أفصحت المحكمة عن عقيدتها الجازمة في هذا الصدد حال تعرضها لمفهوم الالتزام الدولي في أسباب هذا الحكم.

ويدعم ما سبق بشأن اعتبار أرض الجزيرتين ضمن الأراضي المصرية ما ورد على لسان المندوب المصري أمام مجلس الأمن في جلسته رقم 659 بتاريخ  15 فبراير/شباط 1954 أن سيادة مصر على الجزيرتين المذكورتين باعتبارهما ضمن

الإقليم المصري، وأن مصر تفرض سيادتها على جزيرتي تيران وصنافير منذ عام 1906 حيث استخدمتهما في الحرب العالمية الثانية كجزء من نظام مصر الدفاعي وأن التحصينات في هاتين الجزيرتين قد استخدمت لحماية سفن الحلفاء من هجمات الغواصات المعادية، وأكد كذلك مندوب مصر أن الجزيرتين جزء من إقليم مصر وهو ما يعنى أن مصر مارست سيادتها المشروعة عليهما لمدة مائة وعشر سنوات لم يشاركها أحد فيها، وبات  جليا  حق مصر التاريخي على الجزيرتين وهو الذي ينشئ الحق  ابتداء،  وفى هذا الشأن أكد مندوب لبنان أمام ذات المجلس  –على نحو ما قدمه المطعون ضدهم في حافظة مستنداتهم بجلسة 2016/10/22- وأكدته المستندات المقدمة من الحكومة بجلسة 2016/11/7 أن ما ذكره مندوب إسرائيل بشأن الجزر الواقعة في مدخل خليج العقبة- جزيرتى تيران وصنافير- من إدعائه أنهما وقعتا تحت الاستحواذ المفاجئ لمصر وتلا تصريحا صدر عن الحكومة المصرية في رسالة وجهتها إلى سفارة الولايات المتحدة في القاهرة مضمونها أن مصر لم تستحوذ على هذه الجزر فجأة بل كان ذلك الاستحواذ في العام 1906 حيث لزم في حينها ترسيم الحدود بين مصر والدولة العثمانية، وشرعت مصر على ضوء هذا الترسيم في الاستحواذ على الجزيرتين لأسباب فنية وكان ذلك الاستحواذ موضوع مناقشات وتبادل في الآراء وكذلك خطابات بين الإمبراطورية العثمانية وحكومة الخديوي في مصر وبالتالي لم يكن مفاجأة حيث تم الاستحواذ في الحقيقة على الجزيرتين منذ عام 1906 وهذه حقيقة مؤكدة بأنهما ومنذ ذلك الوقت خاضعتان للسلطة المصرية  وأنهما يشكلان جزءا لا يتجزأ من الأراضي المصرية .

وحيث إنه وبعد الاستعراض السابق بيانه، تبين بجلاء ووضوح لا لبس فيه أو غموض أنها مظاهر للسيادة المشروعة لا تتمتع بها سوى دولة ذات سيادة على الجزيرتين، وهكذا بقيت المراسيم والقوانين واللوائح المصرية شاخصة شاهدة ناطقة على ممارسة مظاهر كامل السيادة المصرية على الجزيرتين في ظل الأحكام المنظمة للقانون الدولي وتبعا لذلك بقيت القواعد التي تنتظمها في السيادة المصرية على الجزيرتين سارية المفعول على جميع السفن الأجنبية باعتراف دولي  التي تمر في مضيق تيران للخضوع للرقابة وأنشأت محطة بحرية للقيام بهذا الغرض، بل كانت تلك اللوائح تقضى بإلزام السفن الأجنبية بإخطار السلطات المصرية قبل 72 ساعة على الأقل من المرور في مضيق تيران والإبلاغ عن وجهتها وركابها وحمولتها باعتبار أن مياه مضيق تيران مياها إقليمية مصرية خالصة، وهذا الإخطار السابق يماثل تماما ذات الإخطار السابق الذي اشترطته السلطات المصرية من قبل السفن الأجنبية التي تمر بقناة السويس وكلاهما حق من حقوق مصر تستمده مباشرة من حقها في السيادة عليهما، باعتبارهما من الإقليم المصري وإن كانت الأخيرة استمدت كذلك من معاهدة القسطنطينية سنة 1888 الخاصة بقناة السويس، إلا أن الثانية استمدت السيادة من واقع سيطرة مصر على المضيق والجزيرتين فعليا كما أعلنت أن منطقة شرم الشيخ ومضيق تيران وصنافير محظور فيهما الطيران إلا بإذن من مصر .

وأضافت الحيثيات: وحيث إنه لا ينال من ثبوت سيادة مصر ما قد يستند إليه من تعطل ممارسة السلطات المصرية  على مضيق تيران  الفترة منذ العدوان الثلاثي سنة 1956 حتى سنة 1967 التي لم تمارس فيها السلطات المصرية حق الإشراف والرقابة على الملاحة في ذلك المضيق، ذلك أن هذا التعطيل يعد مؤقتا بطبيعته لأنه كان أثرا من آثار العدوان الثلاثي وهو أمر فرضته الظروف اللاحقة على العدوان حيث رابطت قوات الطوارئ الدولية في منطقة شرم الشيخ المصرية وهو الأمر الذي استعادته السلطات المصرية منذ 23 مايو/أيار سنة 1967 بعد انسحاب قوات الطوارئ الدولية بناء على طلب مصر، بل إن اتفاق لجنة الهدنة المصرية الإسرائيلية المشتركة سنة 1953 كان على منع السفن التابعة لكل من الطرفين من الدخول في المياه الإقليمية للطرف الآخر إلا في حالات الضرورة القاهرة، وأنه لا يجوز للسفن التابعة لإسرائيل الدخول في المياه الإقليمية المصرية، ومؤدى ذلك ولازمه أنه ليس من حق السفن الإسرائيلية المرور في مضيق تيران، وقد تضمن نص الفقرة الثانية من المادة الثالثة من اتفاقية الهدنة المصرية الإسرائيلية ذلك، ولا يمكن وضع ذلك الاتفاق إلا لدولة تملك سيادتها على إقليمها، وآية ذلك أن السكرتير العام للأمم المتحدة "يوثانت" قدم تقريرا إلى مجلس الأمن في 26 مايو/أيار سنة 1967 تناول فيه في صراحة ووضوح أن موقف مصر هو أن المضيق يشكل مياها إقليمية لها حق مراقبة الملاحة فيها وأن إسرائيل  تعتبر إغلاق مضيق تيران في وجه السفن التي تحمل العلم الإسرائيلي وفرض قيود على شحنات السفن التي تحمل أعلاما أخرى سببا للحرب وإن هدف مصر العودة إلى الأحوال التي كانت سائدة قبل سنة 1956 وإلى المراعاة العامة من الطرفين لأحكام اتفاقية الهدنة بين مصر وإسرائيل وقد قرر مندوب مصر في الجمعية العامة للأمم المتحدة آنذاك  في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 1956 بسيادة مصر على المضيق بعد انتهاء مهمة قوة الطوارئ الدولية  بقوله " ليكن واضحا تماما أن هذه القوات إنما هي ذاهبة إلى مصر لمعاونتها برضاها وليس هناك أحد يمكن أن يقول أن رجل الإطفاء بعد أن يخمد النيران يمكن أن يدعى حقوقا أو حججا للبقاء في المنزل وعدم تركه "إشارة منه بتمسك مصر بمصرية كامل إقليمها، كما أن السكرتير العام للأمم المتحدة آنذاك "داج همر شولد" أوضح في تقريره المؤرخ 4 فبراير/شباط 1957 أنه يتعين رضاء مصر الكامل على دخول هذه القوات لإقليمها في مضيق تيران مما لا يدع مجالا لأي شك في سيادة مصر على الجزيرتين حتى في أحلك الظروف كما أورد في تقريره المؤرخ 26 فبراير/شباط سنة 1957 أن وجود قوة الطوارئ لا يجوز أن يتخذ ذريعة لفرض حل لأية مشكلة سياسية أو قانونية لأن وظيفة القوة هي منع وقوع الأعمال العدوانية، ثم عندما دخلت قوات الطوارئ الدولية إلى شرم الشيخ في 8 مارس/آذار 1957 أعلن السكرتير العام للأمم المتحدة في ذات اليوم انسحاب القوات الإسرائيلية من هذا الموقع ومن جزيرتي تيران وصنافير وهو ما يؤكد -كما انتهى إلى ذلك مندوب مصر بالأمم المتحدة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أول مارس/آذار 1957 عقب انسحاب إسرائيل- أن تصريحات الأخيرة لن يمس حقوق مصر على الجزيرتين، وقد أيد مندوب الهند عام 1957 موقف مصر منتهيا إلى أن مدخل خليج العقبة يقع في المياه الإقليمية لمصر ودعا إلى عدم محاولة أي دولة أو مجموعة من الدول معارضة سيادة مصر على مضيق تيران عن طريق استعمال القوة ، وأعلن الوفد السوفيتي في الأمم المتحدة بنيويورك عام 1957 أن: "الاتحاد السوفييتي يرى أن خليج العقبة من المياه العربية الداخلية، وأن حل مشكلة الملاحة في المياه الداخلية حق من حقوق السيادة للدولة صاحبة الشأن، أي من حق مصر"، كما أكد مندوب مصر في جلسة مجلس الأمن التي عقدت في 29/5/1967 أن اتفاقية الهدنة لا تبطل حقوق مصر في تقييد الملاحة في المضيق المذكور، كما أن عدوان سنة 1956 لم يغير المركز القانوني لحق مصر في السيادة الكاملة على مضيق تيران باعتباره ضمن الإقليم المصري وأنه ليس مضيقا مستخدما للملاحة الدولية في مفهوم حكم محكمة العدل الدولية في قضية مضيق كورفو  CORFU الصادر في 9 أبريل/نيسان 1949 وإنما هو مضيق وطني مصري يضم مياها وطنية مصرية داخلية وهو ما حظي بموافقة مندوبي عدة دول لسيادة مصر المشروعة على مضيق تيران منها الهند وبلغاريا وسوريا والعراق والأردن والمغرب والسعودية ذاتها (يراجع في ذلك: موافقات مندوبي تلك الدول محاضر جلسات مجلس الأمن المنعقدة في 29 مايو/أيار 1967)، ومن المعلوم أن المضيق الدولي كما جرى عليه العرف الدولي وما قررته محكمة العدل الدولية في حكمها المذكور يشترط فيه توافر ركنين أساسيين هما (1) أن يكون المضيق موصلا بين بحرين عاليين -أي جزء من أعالي البحار– (2) أن يكون المضيق مما جرى العرف الدولي على استعماله عادة كطريق من طرق الملاحة البحرية، والحق انه لم يثبت قط أن مضيق تيران اتخذ لمثل هذا الوصف لعدم استعماله كطريق للملاحة البحرية ولعدم كونه موصلا بين بحرين وإنما هو يصل المياه الإقليمية المصرية بالمياه الداخلية للدول العربية، ومن ثم فإن سيادة مصر المشروعة على تلك الجزيرتين كاملة غير منقوصة ولم تفرط في شبر منهما على امتداد تاريخها وراح ضحيتهما وبسببهما دماء ذكية حفاظا على إقليمها إذ قرر المندوب الأمريكي في الاجتماع رقم 1377 أمام مجلس الأمن أن إغلاق مضايق تيران كانت السبب الجوهري لحرب 1967 وأن العودة للسلام يتطلب ضمانا لحرية الملاحة في مضيق تيران .

وفضلا عما تقدم، فإن مصر كانت طوال هذه الفترة في حالة حرب مع العدو الإسرائيلي لاسترداد حقها في المضيق وبسط سيطرتها إلى أن تم التحرير في حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973 المجيدة، وهو ما أكده قرار مجلس الأمن بتشكيل قوة الطوارئ الدولية في 25 أكتوبر/تشرين الأول 1973 وأن وقف إطلاق النار المتقطع بسبب انتهاكات إسرائيل المستمرة له لا يؤثر على بقاء حالة الحرب L'État de guerre رغم وقف إطلاق النار، لأن وقف القتال Suspension d'armes  لا ينهى حالة الحرب، كما أن الهدنة L'armistice لا تنهى تلك الحالة لأن الحرب لا تنتهي إلا بالتوصل إلى اتفاق سلام أو معاهدة صلح traité de paix ومن ثم فلا حق لإسرائيل خلال تلك الفترة في مرور سفنها في مضيق تيران، ثم جاءت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية واستخدمت المادة الخامسة في فقرتها  الثانية من تلك المعاهدة تعبير طرق الملاحة الدولية International waterways ولم تستخدم تعبير المرور العابر Transit passage وفقا لما أتت به اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار ولا مرية أن النظرة الفاحصة في تلك المعاهدة وملاحقها تكشف النقاب عن أن أطراف المعاهدة ينظرون إلى مياه مضيق تيران بحسبانها جزءا لا يتجزأ من المياه الإقليمية المصرية، ووفقا للمادة الثالثة من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار فإن النظام المقرر للمرور في المضايق لا يؤثر على الطبيعة القانونية للمياه التي تتشكل منها تلك المضايق، وهو ما يتوافق مع مبدأ المرور العابر كما سطرته المادة 38 في فقرتيها الأولى والثانية من اتفاقية الأمم المتحدة المشار إليها، أخذا في الاعتبار ما أكدته مصر  في تصديقها على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار بتاريخ 11 يوليو/تموز 1983 بقولها: "أن جمهورية مصر العربية إذ تصدق على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار والمعبر عنها فيما بعد بالاتفاقية وإعمالا لحكم الماد(310) منها تعلن أن ما ورد في معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية المبرمة عام 1979 من نص خاص بالمرور في مضيق تيران وخليج العقبة يسير في إطار التنظيم العام للمضايق كما ورد بالجزء الثالث من الاتفاقية بما يتضمنه هذا التنظيم من عدم المساس بالنظام القانوني لمياه المضيق  ومن واجبات تكفل السلامة وحسن نظام دولة المضيق، وإذا كانت المادة الخامسة من معاهدة السلام قد تضمنت اعتبار الطرفين مضيق تيران من الممرات الدولية المفتوحة دون عائق أو إيقاف لحرية الملاحة أو العبور الجوى فإن ذلك لا يعنى اتفاقا بين الطرفين على تغيير النظام القانوني للمرور أو للملاحة في المضيق يخرجه عن نطاق تطبيق أحكام المضايق وفق الاتفاقية العامة لقانون البحار في المادة 35/4 وبهذه المثابة فإن صفة الدولية التي أضافتها الفقرة الثانية من المادة الخامسة على تيران إنما بغية إرساء مبدأ حرية الملاحة لا يغير من المركز القانوني للمياه التي يشملها هذا المضيق بحسبانها مياها إقليمية مصرية تمارس عليها مصر كامل سيادتها عليها ،  واية ذلك ما تضمنته الفقرة الثانية من المادة الأولى من تلك المعاهدة التي نصت على أن مصر سوف تستأنف ممارسة سيادتها الكاملة على سيناء بعد إتمام الانسحاب الإسرائيلي إلى ما وراء الحدود الدولية، وغنى عن البيان إن سيادة مصر على سيناء تكون لأرضها وجوها ومياهها الإقليمية، وبصفة عامة يمكن القول أن اتفاقية معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في مجملها وما تحتويه من تنظيم المرور بمضيق تيران بما يضمن كفالة السلامة وحسن نظام دولة المضيق تعنى التسليم لمصر بكامل سلطانها  في السيادة عليه كجزء من إقليمها ولا يمكن لدولة أن تسعى لتنظيم مرور ملاحي في نطاق معاهدة لمضيق ليس خاضعا خضوعا كاملا لها وليس من إقليمها الخالص، ومؤدى ما تقدم جميعه ولازمه أن كل تعرض أو تدخل لهاتين الجزيرتين سلما أو حربا لم يكن طرفا فيه سوى دولة وحيدة هي مصر لا غيرها، الأمر الذي يستلزم مع تضافر وتكامل الأسباب الأخرى استدعاء أن السيادة عليهما ليست  إلا لمصر ولمصر وحدها، وبناء على الاتفاقية المشار إليها أدرجت الجزيرتان ضمن المنطقة (ج) والتي تخضع وفقا لأحكام الاتفاقية ضمن السيادة المصرية، ولم تتدخل المملكة العربية السعودية في هذه المباحثات –تصريحا أو تلميحا– بما يقطع بأن الجزيرتين أرض مصرية  وليس لدولة أخرى ثمة حقوق عليهما، وكانت مصر ولا زالت هي الطرف المدافع عن هاتين الجزيرتين حربا وسلما لا باعتبارها وكيلة أو تديرها لصالح دولة أخرى .

ومن حيث إنه تأسيسا على ما تقدم ، ومتى كانت أوراق الطعن قد خلت من ثمة وثيقة أو معاهدة تشير إلى أن دولة أخري غير جمهورية مصر العربية، قد مارست سيادتها المشروعة على جزيرتي تيران وصنافير في أي وقت من الأوقات بحسبانهما ضمن الإقليم المصري المحظور التنازل عن أي جزء منه، كما لم يثبت على الإطلاق ممارسة المملكة العربية السعودية لأدنى مظهر من مظاهر السيادة علي الجزيرتين سواء قبل إعلان المملكة عام 1932 أو بعدها، كما خلت الأوراق من ثمة نص في معاهدة أو اتفاق مكتوب بين مصر والسعودية يفيد في أي حقبة من حقب الزمان أن الأخيرة تنازلت أو سمحت لمصر بالوجود العسكري عليهما، خاصة  إبان استيلاء  إسرائيل على ميناء أم الرشراش -إيلات حاليا- عام 1949، وقواعد القانون الدولي لا تعتد إلا بالاتفاقيات المكتوبة والموقعة من الطرفين في مثل هذه الحالات الهامة ، وبهذه المثابة يكون الإجراء الإداري الذي سمته الحكومة المصرية في تقرير طعنها اتفاقا مبدئيا بترسيم الحدود وما نتج عنه من تنازل عن الجزيرتين –أيا كانت المبررات الدافعة إليه– حال كونهما ضمن الإقليم المصري مخالفا للدستور والقانون لوروده على حظر دستوري مخاطبا به السلطات الثلاث، والشعب ذاته، ولانطوائه على خطأ تاريخي جسيم -غير مسبوق– يمس كيان تراب الوطن المملوك للشعب المصري في أجياله السابقة وجيله الحالي والأجيال القادمة وليس ملكا لسلطة من سلطات الدولة، ولذا فإن الحفاظ عليه والدفاع عنه فريضة محكمة وسنة واجبة، فهذا التراب ارتوى على مر الزمان بدماء الشهداء التي تعين وترسم حدوده، باق وثابت بحدوده شمالا وجنوبا، شرقا وغربا، وسلطات الدولة متغيرة، خاصة وأن التنازل عنه -على النحو المتقدم– سيفقد مصر حقوقها التقليدية على مياهها الإقليمية  التي مارستها عبر قرون، فضلا عما يشكله من تهديد دائم للأمن القومي المصري، وإضرار بمصالحها الاقتصادية في مياهها الداخلية الإقليمية .

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر السعودية تيران وصنافير العلاقات السعودية المصرية