الشرق الأوسط ما بعد تنظيم الدولة .. ضعف سلطة الدولة ودور القوى العالمية الكبيرة

الأحد 22 يناير 2017 08:01 ص

ينبغي أن تتحول الهزيمة الوشيكة لتنظيم الدولة في الموصل للحظة تفكّر في الانعكاسات التي أدّت إلى نشوء ذلك التنظيم في الأساس، وبحث كيفية منع نهوض مثل تلك الظاهرة الوحشية في المستقبل.

وقد كتبنا حول هذا الموضوع على نطاق واسع خلال الأعوام القليلة الماضية. لكن الجديد الآن أنّنا لدينا إدارة جديدة في واشنطن. وشهدنا أيضًا خلال العام الماضي سياسة روسية إقليمية جديدة تتشكّل سريعًا.

وحين نحاول تحليل الأسباب التي أدّت إلى بزوغ مثل تلك الجماعات في الشرق الأوسط، نكتشف أنّنا أمام صورة معقّدة للغاية. لكن هذه المساحة غير ملائمة للتعامل مع هذه الصورة بعمق. لكن بإيجاز، فإنّنا أمام مجموعتين من العوامل، بعضها يجب التعامل معه في المدى القريب، وهو ما نركّز عليه الآن، والبعض الآخر سيستغرق وقتًا.

في حين ألقت مشكلة الإرهاب في الشرق الأوسط بظلالها السّامة على الأمن الإقليمي والعالمي، كما تهدّد بتشويه النمو الطبيعي لدول المنطقة والثقافات السياسية في العديد من القوى العالمية، ينبغي أن يكون التركيز على خطواتٍ مباشرة لازمة لاحتواء التطرّف والعنف والإرهاب في الشرق الأوسط.

تآكل سلطة الدولة

وواحدة من أكثر القضايا إلحاحًا في هذا السياق، البيئة الأمنية في المنطقة. وتتاح الفرصة لنشوء التنظيمات الإرهابية، في أغلب الحالات، في البيئة التي تتآكل فيها سلطة الدولة تدريجيًا، وترتخي قبضة الدول على أراضيها، وبالتالي يصعد التطرّف ليملأ الفراغ الذي خلّفته السلطة. أي ببساطة، توفّر الدول الضعيفة البيئة الملائمة لنمو الإرهاب.

ويسير الإرهابيون على قدمين، الأولى هي تحدّيهم لهياكل الحكم القائمة، والأخرى تنشأ عن الثقافة الشائعة، والتعاليم الدينية المحافظة على وجه الخصوص.

ولا ينبغي التريث في مواجهة الإرهاب. فهزيمة تنظيم الدولة هي خطوة صغيرة فيما ينبغي أن يكون حربًا حقيقية وشاملة على الإرهاب، يخطّط لها وتنفّذ بشكلٍ أكثر حنكة. وينتشر الإرهابيون بالفعل من الصحراء في الجزائر والمغرب وحتّى محافظة الأنبار في العراق. وإذا مضى العالم إلى عمله المعتاد بعد هزيمة التنظيم، سيعود هؤلاء الرجال إلى أعمالهم المعتادة كذلك.

والأفضل لهؤلاء الذين يظنون أنّ الدولة الإسلامية ستختفي بعد هزيمتها، أن يتذكروا القاعدة، والتي أعلنت ضدّها في الأساس الحرب الحالية على الإرهاب. تمّ غزو بلدين، وفقد مئات الآلاف، أغلبهم من الأبرياء، حيواتهم، في أكبر مطاردة لرجل في التاريخ وسقط الزعماء واحدًا بعد الآخر.

حسنًا، لا تزال القاعدة موجودة. وهي لعبة قط وفأر مرّة أخرى. لكنّ ضعف بعض الدول الإقليمية، ونتحدّث عن ضعف عام وليس عسكريًا فقط، هو واحد من العوامل المهمة المباشرة في انتشار التشدّد والإرهاب وتوسّعه، في المناطق غير المحكومة. ولهذا يجب أن يتم التركيز على تعزيز القدرات الأمنية في هذه المناطق كنقطة بداية. ولا يمكن تحقيق ذلك بالقدرات الموجودة لأي دولة في المنطقة وحدها. والسبيل الوحيد لذلك هو جمع كل الدول الإقليمية ذات المصلحة المشتركة مع تعزيزات من القوى العالمية في ائتلاف للحرب ضد الإرهاب بذكاء.

وينبغي أن يكون أمن أي دولة من دول الشرق الأوسط مسؤولية مشتركة، مع كامل الاحترام لسيادة وكرامة واستقلال هذه الدولة. ومع وجود مشكلة الإرهاب كمشكلة عالمية، فمعالجتها لابد أن تكون عالمية أيضًا.

لكن ما نراه الآن هو نمط عفوي للتعاون بين دولتين أو أكثر في المنطقة، مبني على أهداف عامة أو خاصة. لكن يجب إنهاء ذلك. يجب ترقية التعاون العفوي إلى هيكل أمني تنظيمي متعدّد الأطراف.

إطار استراتيجي

وعلى الولايات المتّحدة وروسيا والاتّحاد الأوروبي أخذ زمام القيادة كطرف عالمي في المعادلة. وعلى المستوى الإقليمي، يأخذ مجلس التعاون الخليجي وتركيا ومصر وإيران زمام القيادة.

ومع ذلك، فمن المستحيل افتراضيًا السعي نحو مثل هذا التعاون الأمني متعدّد الأطراف دون وضعه في إطار استراتيجي يسمح باختلاف وجهات النظر حول الأهداف، وينظم قواعد المنافسة بين البلدان إقليميًا وعالميًا، ويضع خطّة عامة قادرة على وضع سقف لصراعات الدول.

وفي حين ينبغي على العرب إعادة تقييم السياسات التي تبنّوها خلال الـ 5 أعوام الماضية، يجب على الإيرانيين الابتعاد عن توسّعاتهم الإقليمية، والنظر إلى الضرر الذي جلبته لهم تلك الطموحات، مقارنةً بالمكاسب التي سيحصلون عليها من خلال الأمن والاستقرار المشترك.

وقد تتطلب الخطوة الأولى أن يضغط العالم على طهران بكثافة لتقصير الفترة اللازمة لاقتناع قادتها بضرورة تغيير المسار. لكن بشرط ألّا يؤدّي هذا الضغط بالإخلال بالاتّفاق النووي أو تغيير النظام في طهران. المطلوب فقط هو دفع الإيرانيين للعب دور بنّاء في تحسين الاستقرار والأمن في المنطقة.

ولا ينبغي أن تنتظر عملية بناء تحالف أمني جديد في الشرق الأوسط، لكن مع دفع إيران للاختيار السليم بين الاستقرار والأمن، أو الطائفية والإرهاب والحروب.

بعبارةٍ أخرى، إذا كانت الولايات المتّحدة وروسيا والاتّحاد الأوروبي سيصلون إلى إطار استراتيجي جامع لتخفيف التوتّرات بينهم، ينبغي أن تكون أولويتهم الوصول إلى إطار مماثل في الشرق الأوسط لإعادة الاستقرار إلى هذه المنطقة المضطربة.

ونقترح أن تبدأ استعدادات قمّة الدول العشرين القادمة من هاتين النقطتين المحدّدتين، الوصول إلى صيغة استراتيجية بين الولايات المتّحدة وروسيا والاتّحاد الأوروبي، تتعلّق بالأمن الأوروبي، والتحرك في مسارين متوازيين في الشرق الأوسط، إنشاء إطار استراتيجي لتخفيف التوتّرات، وفي نفس الوقت بناء تحالف إقليمي دولي للمساعدة في تقوية الحكومات الإقليمية لتكون قادرة على بسط سلطتها على أراضيها غير المحكومة.

وسيسهّل العمل على إطار أمني بين الناتو وروسيا في أوروبا بشكلٍ كبير خلق إجماع دولي حول الأمن في الشرق الأوسط. لكنّ الخطوات للوصول إلى مثل هذا الإطار، من المحتمل أن تنبني على أساس إعلان روما عام 2002 أو أي مفهوم مماثل، والانتقال إلى حلّ القضايا الأمنية الملحّة في أوروبا يجب أن تكون على رأس قائمة واشنطن ترامب وعواصم الاتّحاد الأوروبي.

وقد نجحت روسيا في إيجاد مكانٍ لها في الشرق الأوسط. وإذا أرادت موسكو اللعب وفقًا للقواعد، وهو ما لا نعرفه حتّى الآن، فإنّ الأمر يستحقّ بعض الوقت لاختبار ذلك عمليًا. وإذا لم ترغب، يمكن النظر حينها في مجموعة أخرى من البدائل.

وسيسهم تحقيق ذلك في إبطاء نمو الإرهاب بشكلٍ كبير. وفقط عند حدوث ذلك، يمكننا حقًا الاحتفال بهزيمة تنظيم الدولة، الأمر الذي سيعني بداية النهاية لهذه الموجة من الإرهاب.

المصدر | سمير التقي وعصام عزيز - ميدل إيست بريفينغ

  كلمات مفتاحية

الدولة الإسلامية تنظيم القاعدة الدول الفاشلة النظام الدولي