«ميدل إيست آي»: الطبقة المتوسطة في مصر تعاني بسبب ارتفاع الأسعار

الأحد 22 يناير 2017 09:01 ص

في غياب بريق الشمس المصرية، وانتشار الغيوم والأمطار في سماء مدينة الإسكندرية الساحلية شمال مصر. تحاول «هبة»، محاسبة تبلغ من العمر 39 عامًا، إخفاء هويتها. تلبس نظارة شمسية ضخمة، بينما تتسوق في سوق النجا للملابس المستعملة مع ابنها نور البالغ 5 أعوام.

وبينما تحاول إيجاد قبعة سوداء لنور، وصفت هبة كيف تغيّرت الأمور منذ الارتفاع الكبير في أسعار السلع الأساسية.

وقالت «هبة» لـ «ميدل إيست آي»: «لقد اعتدت شراء ملابسي وملابس ابني من مول سان ستيفانو ومحلات لافيش في وسط البلد. والآن لا أستطيع شراء ملابس جديدة. إمّا أن نأكل ونشرب أو نشتري ملابس جديدة، وليس الاثنين معًا».

ووصفت «هبة»، التي فضّلت أن تعطي اسمها الأول فقط، نفسها كشخص من «الطبقة فوق المتوسطة». وأضافت أنّه إذا لمحها أي من معارفها تشتري من مثل هذه المحلّات المخصصة للفقراء، فإنّ هذا سيدمر سمعتها.

وقالت الأم المطلّقة:«أحاول جاهدة ألّا يتعرف عليّ أحد»، قالت ذلك وهي تنظر حولها بارتياب للتأكّد من عدم وجود وجه مألوف في المناطق القريبة من السوق.

مضى عام الآن على قرار الأم لطفلين، والتي تعمل محاسبة في القطاع الخاص، بتغيير تسوّقها للملابس الجديدة من المولات إلى شراء ملابس مستعملة في محلات البالة (وصف لمحلات الملابس القديمة في مصر).

جنون الأسعار

صدم المصريين منذ نوفمبر/تشرين الثاني بارتفاعات أسعار جنونية بعدما أعلنت الحكومة تعويم الجنيه المصري وخفّضت دعم الوقود كجزء من حزمة الإصلاح المرتبطة بقرض صندوق النقد الدولي البالغ قيمته 12 مليار دولار.

وارتفع التضخم السنوي في مصر إلى 23.3 بالمائة في ديسمبر/كانون الأول عام 2016، الأمر الذي صاحب زيادة في أسعار الطعام والرعاية الصحية والتنقل، وفقًا للأرقام الرسمية التي كشف عنها في يناير/كانون الثاني.

وارتفعت أسعار الملابس والأحذية بنسبة 20.3 بالمائة، في حين ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 28.3 بالمائة، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المواصلات بنسبة 23.2 بالمائة.

وفي أسواق الملابس المستعملة، يجد المتسوقون المحظوظون المقاسات المناسبة، حيث يبحثون في أكوام من الملابس. وكان هدف «هبة» إيجاد بلوفر ثقيل لابنها بتكلفة 100 جنيه مصري (5 دولار)، وهي المهمّة التي أصبحت أكثر صعوبة خارج حدود سوق النجا.

وبينما كانت تتطلع في سترة حمراء قبل السؤال عن سعرها، أوضحت هبة كيف استطاعت التوفير باستراتيجيتها الجديدة في التسوّق.

وقالت بإحباط، في إشارة إلى أنّ هذه هي الزيارة الثالثة لها لهذا السوق هذا الشتاء: «اشتريت سترتين وقميصين لهما (تقصد ابنيها) وبلوفر لي مقابل 600 جنيه (32 دولار). والسترة الواحدة في المول قد تكلّفني نفس المبلغ».

كانت هبة محبطة بعدما وجدت أنّ سعر السترة الحمراء التي أعجبتها لا تناسب ميزانيتها الضيقة. لم تكن الميزانية تتحمّل سوى بلوفر رمادي آخر لأجل ابنها الأصغر، نور.

وسابقًا، كانت مثل تلك الأسواق للملابس المستعملة في القاهرة والإسكندرية معروفة ببيعها لكل أنواع الملابس بأسعار يتحمّلها الجميع. ولسنوات، اعتمدت الطبقات ذات الدخل المنخفض والطبقات العاملة المصرية على هذه الأسواق لتلبية احتياجاتهم من الملابس.

وازدهرت تجارة الملابس المستعملة في مدينة بورسعيد الواقعة على البحر المتوسط، والتي كانت لسنوات منطقة تجارة حرّة في مصر، قبل إلغائها عام 2002، بعد محاولة اغتيال مزعومة ضد الرئيس المصري المخلوع «حسني مبارك» عام 1999.

وقال «عصام إبراهيم»، صاحب المحل ذو الـ 55 عامًا، والذي تولّى تجارة العائلة، أنّه يشعر أنّ الملابس المستعملة لها قيمة كبيرة مقارنةً بسعرها.

ويشتري إبراهيم الملابس المستعملة بالكيلو، ثمّ يبيعها بالقطعة مقابل ربح كبير.

وقال بفخر: «دائمًا ما حقّقت لنا هذه التجارة الثراء»، لكنّه أضاف أنّ الأمور الآن قد تغيّرت، بعد أن ارتفعت أسعار الملابس المستعملة لدرجة لم يعد يتحمّلها كثير من الزبائن. وأضاف: «لا يمكننا رفع أسعارنا لأنّ الزبائن لديهم ميزانيات محدودة».

الزبائن الموسميون

في الوقت نفسه، كانت «أمل»، ممرضة تبلغ من العمر 44 عامًا، تساوم (تفاصل) أحد الباعة في الأكشاك لشراء بلوفر أبيض. وباستخدام كل قواها في الإقناع، تمكّنت من إقناع البائع ببيعها إيّاه بنصف الثمن.

وافق البائع «محمد عوني»، الذي يبلغ 55 عامًا، على مضض. فمع رغبته بالحصول على ربح أكبر، إلّا أنّه تفهّم أنّ زبونته لن تتحمّل دفع أكثر من ذلك.

وقال «عوني»: «هذه الملابس للفقراء، وأصبحوا لا يستطيعون دفع ثمنها. فالفقراء اليوم قد أصبحوا أشدّ فقرًا».

وبينما كان يستند «عوني» إلى كشك ملابس للنساء، مع وشاح رمادي ملفوف حول رقبته وسترة غامقة ثقيلة تبقيه دافئًا، قال: «نحن نشهد تحوّلًا الآن، فعائلات الطبقة المتوسطة يأتون في سياراتهم للشراء منّا. إنّني أشفق عليهم».

وعوني نفسه قد تضرّر من الصعوبات الاقتصادية، فبسبب عدم قدرته على تحمل الزواج، فقد بقي أعزبًا.

ورغم حصول «أمل» على السعر الذي طلبته للبلوفر مقابل 30 جنيه مصري (1.6 دولارا)، إلّا أنّها كانت لا تزال ساخطة، لأنّها لن تتمكّن من شراء كل ما تحتاجه. وكانت لتشتريه مقابل 300 جنيه، إذا اشترته جديدًا من المحلّات على الطريق.

وسذكّر «عوني» أحد زبائنه من الطبقة العاملة، والذي جاءه هذا الصباح مبكرًا، يبيعه 3 بلوفرات كان قد اشتراهم العام الماضي. ويقول عوني: «لقد باعهم مقابل 50 جنيها (2.6 دولار). لقد توسّل إليّ لأوافق على الشراء من أجل أن يطعم ابنه». قالها «عوني» وعينيه مغرورقة بالدموع.

وفي القاهرة كذلك، يغيّر العديد من المصريين سلوكياتهم في الشراء، ويتحوّلون إلى محلّات الملابس المستعملة.

وفي سوق وكالة البلح في وسط القاهرة، يدير «محمد عبد الرحمن» محل صغير لبيع الملابس المستعملة. وقال أنّه أصبح يستقبل «نوعية جديدة من الزبائن» في سوق وسط البلد الشهير بالقاهرة. وأوضح أنّ الزبائن الجدد يبدو أنّهم من الطبقة المتوسّطة، وملابسهم التي يرتدونها أفضل من التي يشترون.

وكان الإحباط واضحًا بين متسوّقين آخرين، بحثوا في الأكشاك وتركوها دون أن يجدوا ما يناسبهم للشراء.

وبعض المشترين حاول الفصال لشراء قطع محدّدة بأسعار أقل، قبل أن يغادروا بأيدٍ خالية.

وقال المحلّل الاقتصادي «محمود نجم» أنّه بعد ارتفاع أسعار السلع الأساسية، من المتوقّع اتّجاه الناس إلى شراء الملابس المستعملة، مشيرًا إلى ذروة الشراء من موقع أولكس، وهو سوق إلكتروني لبيع كل المنتجات المستعملة.

وقال أنّ بعض المصريين لم يقرر شراء ملابس مستعملة، بل ألغى فكرة الشراء تمامًا.

تحوّل المستهلك

بالطبع كان هناك تحوّل في تفكير المستهلك. وتروّج إعلانات الإنترنت الآن لفكرة التجارة في الملابس المستعملة، بجذب صغار المستثمرين مع أرباح كبيرة في سوق نامية.

وألهم السوق النامي لبيع المنتجات المستعملة، «نيلي زاهر»، والتي تعمل لحساب شركة محاسبة بارزة، أن تنشئ مجموعة على موقع فيسبوك تسمّى «نساء ضدّ ارتفاع الأسعار».

وقالت نيلي، أنّ فكرتها تهدف لتحدّي الأسعار التي ترتفع بسرعة الصاروخ للملابس الشتوية الجديدة. وبدأت المجموعة ببيع الملابس المستعملة فقط، لكنّهم يبحثون الآن بيع منتجات مستعملة أخرى مثل الكتب والأثاث، الذي يكون في حالة جيدة.

وجذبت المجموعة 924 عضوًا، يشترون ويبيعون المنتجات، التي تباع بـ 75 بالمائة من قيمتها على الأكثر. ويعدّ هذا حلًّا جيدًا للعديد من المصريين الذين لا يستطيعون مجدّدًا شراء ملابس جديدة.

وتقول «منى عبد الرحمن»، أم وموظفة حكومية: «راتبي يغطّي بالكاد الطعام والشراب وإيجار المنزل وفواتير الكهرباء. ولم تعد الملابس الجديدة خيارًا متاحًا»، وأضافت أنّ لديها بالفعل كومة من الفواتير غير المدفوعة.

المصدر | ميدل إيست آي

  كلمات مفتاحية

مصر الأزمة الاقتصادية الطبقة المتوسطة تعويم الجنيه

مصر.. سخرية واسعة من رجل أعمال يستهدف بيع فيلات بملايين الجنيهات للطبقة المتوسطة (فيديو)