استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

التنكيل والإعدام يكرس الأزمات ولا يحمي الأنظمة

الثلاثاء 24 يناير 2017 07:01 ص

بعيدا عن السجال حول عقوبة الاعدام وما إذا كانت ناجعة لتقليص معدل الجريمة، فان تنفيذها يبعث في النفس قشعريرة وشعورا بالالم. ومع ان الوفاة ظاهرة لا تتوقف لحظة، إلا ان الشعور بان حياة انسان قد ألغيت من الوجود امر لا يستسيغه الكثيرون. ومن المؤكد ان خبر سقوط متظاهر او محتج مضرجا بدمائه في الميدان يثير الغضب وقد يدفع اقرانه لتصعيد احتجاجهم، ولكن وقعه أخف من خبر الاعدام.

الفرق ان القتل الاول اصبح جانبا من حياة البشر خصوصا في المجتمعات التي تعاني من استبداد الانظمة الشمولية، وقد يقال انه «ضرورة للحفاظ على الامن» مثلا. وحين يطلب من الجيش او قوات الامن المدججة بالسلاح النزول إلى الشوارع، فمن الارجح ان تضغط اصابع بعض هؤلاء على الزناد ليردي واحدا او اكثر من المتظاهرين صرعى. 

لكن للاعدام وقعا آخر على النفوس. فهو تعبير عن «قتل عمد» اتخذ قرار تنفيذه من اعلى هيئات القضاء وتمت المصادقة عليه من اكبر سلطة في الدولة. هنا يكون الموت قرارا رسميا، صدر بوعي لاسباب مختلفة. فهي تارة تعبير عن «تطبيق القانون» واخرى تعبير عن انتقام وثالثة من اجل تصفية حسابات سياسية. ولذلك اعتبر اي قتل غير مبرر «خارج القانون». فما تمارسه سلطات الاحتلال الاسرائيلية منذ شهور يعتبر في اغلبه «قتلا خارج القانون».

وكثيرا ما أطلق عليه الحقوقيون مصطلح «الاعدام» الميداني، الذي يعبر عن استغلال سلطة الدولة بشكل قبيح ضد الافراد الذين لا يملكون سوى احتجاجهم وقبضات ايديهم التي تهتز في الهواء تعبيرا عن التحدي ورفض سياسات الاحتلال في الحالة الفلسطينية او ممارسة الاستبداد في البلدان المحكومة بانظمة شمولية. ونادرا ما تعترف الحكومات بانها تمارس القتل خارج القانون، الذي يعتبر احدى الجرائم ضد الإنسانية.

بل ان أشد الانظمة استبدادا يصر في إعلامه وتصريحات مسؤوليه ان اعدام المناوئين تم «ضمن القانون». وهنا يتوسع السجال كذلك حول مفهوم «القانون» لأن انظمة الاستبداد لديها هي الاخرى قوانينها التي وضعها الحاكم او موظفوه. فالقانون ليس مقدسا بذاته بل إن صواب أي قانون لا يتحقق إلا إذا كان مرتبطا بـ«الحق» و«العدل» و«القبول» من قبل المواطنين او من يمثلهم.

لذلك تعتبر البرلمانات المنتخبة بارادة شعبية حرة مصدرا مقبولا لاصدار القوانين المدنية. وفي الحالة الإسلامية لا يكون القانون مشروعا إلا إذا كان منسجما مع الشرع الإسلامي، او غير متعارض معه على الاقل.

ويمكن القول ان اغلب القوانين التي يستند اليها الحكم الديكتاتوري لا تتوفر لها هذه الشروط، بل انها تفرض على الشعب من قبل الحاكم الذي يمارس سلطات التشريع بالاضافة لسلطاته التنفيذية. وحين تغيب الممارسة الديمقراطية، لا يتاح للمواطنين المشاركة في وضع التشريعات، بل يصبحون مستهدفين بها خصوصا إذا أصروا على نيل حقوقهم المشروعة ومنها حق الشراكة السياسية والرقابية.

في منتصف هذا الشهر استيقظ المواطنون في البحرين على نبأ حزين بان ثلاثة من المواطنين قد تم اعدامهم «وفقا للقانون» حسب الرواية الرسمية. جاء الاعدام بعد ان اصدرت المحاكم التابعة للنظام قرارها باعدامهم بزعم مسؤوليتهم عن قتل شرطي اماراتي في العام 2014. هذا الشرطي كان متواجدا بمنطقة الديه للمشاركة مع آخرين في قمع مسيرة خرجت لتأبين ضحية اخرى (هو جعفر الدرازي) الذي قتل في تلك الايام تحت التعذيب في السجن.

المتهمون الثلاثة (سامي مشيمع وعباس السميع وعلي السنكيس) أصروا على براءتهم من تلك التهمة، واثبتوا للمحكمة انهم لم يكونوا متواجدين في ساحة الحدث آنذاك. بل ان اثنين منهم كانا يمارسان مهنتهما بشهادة مسؤوليهم. وتقدمت منظمات دولية عديدة من بينها منظمة «ريبريف» المعنية بالدفاع عن المحكومين بالاعدام، بالتماسات عديدة لعدم تنفيذ عملية الاعدام، لأنها ستزيد الوضع تأججا وانها غير مؤسسة على حقائق مبرمة.

ووفقا للقوانين الجنائية الحديثة فان اثبات ضلوع انسان في جريمة ما يجب ان يكون «ثابتا بمستوى لا يرقى اليه الشك». ووجهت المنظمات الحقوقية الدولية انتقادات عديدة لقرار اعدام الشبان البحرانيين الثلاثة، مؤكدة ان هناك شكوكا كثيرة حول حصولهم على محاكمة عادلة. برغم ذلك أقرت محكمة التمييز قبل اسبوعين حكم الاعدام.

وفي غضون فترة قصيرة وقع الملك ذلك القرار، فنفذ صباح الاحد 15 يناير/كانون الثاني وسط لغط وتوتر كبيرين دفعا الحراك الشعبي المتواصل منذ ستة اعوام للتصاعد. ادى ذلك لمزيد من الاعتقالات واستخدام وسائل القمع لتتعمق حالة الاستقطاب في المنطقة.

ردور الفعل كانت بشكل عام ضد الاعدام. فقد انتقدت الولايات المتحدة الثلاثاء ذلك الاجراء. وأعرب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية جون كيربي عن «القلق لحصول هذه الإعدامات في وقت كانت فيه التوترات قد هدأت في البحرين». 

ان استقرار اوضاع الأمم مرتبط بمتانة العلاقة بين الحكام والمحكومين، وهذه المتانة لا تتحقق إلا في اجواء الحرية والعدالة. وحين انطلقت ثورات الربيع العربي في مثل هذه الايام قبل ستة اعوام كانت الشعوب العربية تتطلع لمستقبل مختلف يتأسس على هاتين الدعامتين. ولكن تلك الثورات قمعت باساليب شتى، وعاد الوضع كأن شيئا لم يكن. هذا يعني ان اسباب التوتر التي دفعت بالجماهير للنزول إلى الشوارع ما تزال قائمة.

فلا الحرية المنشودة تحققت، ولا الشراكة السياسية تبلورت ولم تقم العدالة في توزيع الثروة. وبدلا من ذلك تم اشغال هذه الشعوب بهموم مختلقة وتوجهات متطرفة وظواهر هدامة كالتطرف والعنف والإرهاب. ومن سعى للتمرد على هذه الظواهر تعرض للقمع والتنكيل. وفي هذه الاجواء تراجعت حالة الوعي لدى قطاعات الامة ازاء القضايا الاساس للامة.

ويمكن القول ان الكيان الاسرائيلي شعر للمرة الاولى بالامن والاستقرار، برغم تطرف حكومته التي يرأسها بنيامين نتنياهو. فتوسع في بناء المستوطنات، ومارس ابشع اساليب القمع مع الفلسطينيين، وانتهج سياسة الاعدام الفوري لعشرات الفلسطينيين بدم بارد. كما استمر في تهويد مدينة القدس في غياب الاهتمام العربي والإسلامي بالقضية كلها.

الآن بعد ان تم تنصيب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، حقق الاسرائيليون اختراقا دبلوماسيا كبيرا، لأن الرئيس الأمريكي الجديد تعهد بنقل سفارة واشنطن من تل أبيب إلى القدس. وكأنه اراد ان يضع خطا تحت الحلم الفلسطيني باقامة دولة مستقلة تمثل القدس عاصمتها.

الشعوب غائبة تماما عن القضية المحورية فيما تعيش اوضاعا امنية استثنائية، تتميز بغياب الامن والامل والعجز عن تحقيق مكاسب سياسية بعد المخاضات العسيرة لثورات الربيع العربي، وحالة الاجهاض التي منيت بها تلك الثورات. واعدامات البحرين لا تنفك عما يحدث في الدول العربية الاخرى التي استعادت قوى الثورة المضادة نفوذها فيها ومنعت بالقوة حدوث اي تغيير سياسي ملموس.

هل العودة إلى المربع الاول خيار عملي؟ هذا ما يراهن عليه اعداء الثورات والتغيير، وهذا ما ترفضه القوى الشعبية المتطلعة للحرية والعدالة.

٭ د. سعيد الشهابي كاتب بحريني

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

البحرين القمع تكريس الأزمات الاعدام استبداد الانظمة القانون