تحليل نشرته «كارنيغي»: صفقات السلاح المصرية لمواجهة انتفاضة شبيهة بسوريا

الخميس 26 يناير 2017 12:01 م

خلص تحليل نشرته «مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي» إن الإنفاق العسكري الهائل، الذي أقدمت عليه مصر منذ تولى «عبدالفتاح السيسي» الحكم، ونوعية المشتريات العسكرية، «ربما يهدف إلى قمع انتفاضة متوقّعة في المدن شبيهة بالأزمة السورية».

واعتبر التحليل، الذي أعده المحلل السياسي «ماجد مندور»، أن نوعية الأسلحة، التي حصلت عليها مصر في السنوات الأخيرة، «لا تبدو مناسبة للتحديات الأمنية الداخلية أو الخارجية التي تواجهها البلاد، كما أنها لا تتلاءم مع أهدافها في السياسة الخارجية».

وقال «مندور»: «منذ أصبح عبد الفتاح السيسي رئيساً للبلاد في يونيو/حزيران 2014، انطلق الجيش المصري في فورة إنفاق هائلة؛ إذ بلغت قيمة اتفاقات نقل الأسلحة التي وقّعتها مصر في العام 2015، 11.9 مليار دولار أمريكي، لتحتل بذلك المرتبة الثانية بين البلدان النامية».

ويشمل هذا المبلغ 5.9 مليارات دولار من فرنسا في إطار صفقة لتزويد مصر بـ24 مقاتلة «رافال»، و1.1 مليار دولار لتزويدها بحاملتَي طائرات من طراز «ميسترال»، ووجهة استعمالها الأساسية هي الإنزال البرمائي والعمليات الهجومية.

في العام 2016، وقّعت مصر وفرنسا اتفاقاً إضافياً بقيمة 1.1 مليار دولار لتزويد مصر بالطائرات والسفن وبمنظومة للتواصل عبر الأقمار الصناعية العسكرية.

وفي يناير/ كانون الثاني 2016، أبرمت مصر اتفاقاً للحصول على 46 مروحية هجومية من روسيا استكمالاً لحاملتَي ميسترال.

ووفق المحلل السياسي، فإن «التهديدات التي تواجهها مصر على مستوى الأمن الداخلي والخارجي لا تقدّم أسباباً واضحة تبرّر هذه الأنواع من المشتريات».

وأوضح أنه على الحدود الشرقية «بلغت مصر مستوى تاريخياً من التعاون الديبلوماسي والأمني مع إسرائيل».

ففي 22 ديسمبر/كانون الأول الماضي مثلاً، أرجأت مصر تصويتاً على قرار اقترحته في مجلس الأمن الدولي كان من شأنه أن يطالب «إسرائيل» بوقف بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة، وقد عمدت مصر إلى إرجائه عندما بات واضحاً أن الولايات  المتحدة لن تستخدم حق النقض (الفيتو) لإسقاط مشروع القرار.

وفي مايو/أيار 2016، عيّنت مصر «أحمد أبو الغيط»، المعروف في المنطقة بـ«صديق إسرائيل»، أميناً عاماً لجامعة الدول العربية.

وعلى الجبهة الأمنية، وإلى جانب التعاون المصري «الإسرائيلي» في فرض حصار على قطاع غزة، فقد سمحت «إسرائيل» لمصر باستخدام الهجمات الجوية والأسلحة الثقيلة لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» في سيناء، ما يشكّل تقنياً انتهاكاً لاتفاقات كامب ديفيد.

وعلى الحدود الغربية، أتاح الفراغ في السلطة في ليبيا لعدد من المجموعات المسلّحة، بما فيها «الدولة الإسلامية»، بالانتشار، ما قد يُهدّد في نهاية المطاف الأمن المصري.

لكن «ما عدا السماح للمقاتلات الإماراتية باستخدام القواعد الجوية المصرية لشنّ غارات جوية في ليبيا – ومبادرة مصر إلى شنّ هجمات جوية بنفسها رداً على إعدام عدد من المصريين الأقباط – حافظت مصر على مسافة من الصراع في ليبيا»، حسب «ماجد مندور».

وعلى النقيض من سيناء، لم يظهر تمرد متطور في القسم الغربي من البلاد؛ إذ لم يتمدد النزاع الليبي عبر الحدود، وليست هناك أي مؤشرات بأنه سيتمدد.

غير أن التهديد الأمني الأساسي الذي تمثّله ليبيا مصدره تهريب الأسلحة إلى سيناء.

لكن بدلاً من الاستثمار في معدات ضبط الحدود، مثل أجهزة الاستشعار، والطائرات من دون طيار، وزيادة الدوريات الميدانية، اشترت مصر معدات لإظهار قوتها غير مناسبة لجهود مكافحة التهريب، وفق «مندور».

التمرد في سيناء

وعلى الصعيد الداخلي، ربما كان ظهور تمرد متطور تقوده «الدولة الإسلامية» في سيناء يستدعي إنفاق هذه المبالغ الطائلة، غير أن أنواع الأسلحة التي تم شراؤها لا تتناسب مع هذه المهمة.

وعلى سبيل المثال، لا فائدة من مقاتلات «رافال» التي ابتيعت من فرنسا، نظراً إلى أن الجيش المصري يملك في الأصل 230 مقاتلة «إف-16» تتمتع بإمكانات مماثلة – وهذا الرقم يفوق العدد الحالي للطيارين المدرَّبين في مصر.

كما أن مروحيات «أباتشي» التي سلّمتها الولايات المتحدة إلى مصر في ديسمبر/كانون الأول 2014 أكثر فعالية إلى حد كبير في مواجهة هذا النوع من التمرد.

وعلاوةً على ذلك، لن تعود حاملتا الطائرات من طراز «ميسترال» بفائدة كبيرة في سيناء؛ حيث لا حاجة إلى تنفيذ عمليات إنزال برمائي.

وبناءً على ما سبق، يصعب، وفق «مندور»، إقامة رابط بين القتال في سيناء وواردات الأسلحة الأخيرة.

وذكر المحلل السياسي أن بعض المحللين اعتبروا أن الهدف من هذه الواردات هو تنويع الجهات المزوِّدة للجيش المصري الذي يعتمد بشدة على الولايات المتحدة.

لكن على الرغم من أن هذه الأخيرة عمدت مؤقتاً إلى تعليق شحنات الأسلحة إبان الانقلاب في العام 2013، إلا أنها لا تزال تقدّم لمصر، بموجب اتفاقات كامب ديفيد، مساعدات عسكرية قدرها 1.3 مليار دولار في السنة؛ ما يجعل مصر ثاني أكبر متلقّي للتمويل العسكري الأمريكي في العالم.

وقال «مندور»: «ربما كانت الرغبة في تنويع مصادر التزويد بالأسلحة من العوامل التي تؤدّي دوراً في هذا السياق، غير أنها لا تقدّم صورة وافية وشاملة».

الجيش يستعدّ لنزاع داخلي

وخلص المحلل السياسي إلى أنه «بما أن التهديدات الأمنية الخارجية والداخلية على السواء لا تبرّر المشتريات، فمن الممكن أن الجيش يستعدّ لخوض نزاع داخلي».

وقدم دلائل على هذه الرؤية موضحاً أنه «في العام 2011، انهار الجهاز الداخلي القمعي الذي كان تابعاً لحسني مبارك وكان يتألف من 1.5 مليون شرطي ومجنّد، في غضون 24 ساعة، ما استدعى تدخّل الجيش – الذي كان يحظى في ذلك الوقت بدعم شعبي كبير – للحفاظ على الأمن من دون إيقاع عدد كبير من الضحايا؛ إذاً، في حال اندلاع انتفاضة كبرى، ليست الشرطة والقوى الأمنية التابعة للدولة كافية».

وأضاف: «على ضوء هذه المعطيات، قد يكون الهدف من شراء أسلحة هجومية إظهار القوة في الداخل».

على سبيل المثال، يمكن استخدام حاملتَي الطائرات «ميسترال» للسيطرة على مدن حيوية مثل بور سعيد والإسكندرية والسويس – التي كانت المدينة الأولى التي خرجت تماماً عن سيطرة النظام في العام 2011 – على طول الساحل الشمالي والقناة.

وأشار «مندور» إلى أن «السيسي» ألمح إلى استخدام الجيش أداةً للقمع في الداخل في خطاب ألقاه في 26 أيلول/سبتمبر 2016، عندما أعلن أنه لدى الجيش خطط طوارئ للانتشار في مختلف أرجاء البلاد في غضون ست ساعات في حال اندلاع اضطرابات في الداخل.

بالمثل، قد يكون احتمال اندلاع نزاع داخلي الدافع وراء الاستثمار في سلاح الجو الذي يؤدّي عادةً دوراً فعالاً في القضاء على المقاومة في المدن.

إذ اضطلع سلاح الجو السوري، بدعمٍ من سلاح الجو الروسي أحياناً، بدور حاسم في ضمان بقاء النظام، وجعل ميزان الحرب الأهلية يميل في نهاية المطاف لمصلحة هذا الأخير.

وفي التجربة المصرية، كان السبب الأساسي وراء انهيار الأجهزة الأمنية في العام 2011 الهجمات التي شُنَّت على مراكز الشرطة في مناطق ذات كثافة سكّانية عالية. ونظراً إلى طوبوغرافيا الشوارع الضيّقة والشبيهة بالمتاهات في هذه المناطق، فإن العمليات البرية مكلفة ومحفوفة بالمخاطر.

وقال «مندور»: «إذا كان النظام المصري يتوقّع أن تتكرّر هذه الهجمات – السيسي نفسه جاء مرات عدة على ذكر احتمال اندلاع حرب أهلية خلال زيارته إلى لشبونة في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 – تصبح زيادة الاستثمارات في سلاح الجو خطوة منطقية».

واختتم التحليل قائلا: «نظراً إلى غياب التهديدات التقليدية الحقيقية، وعدم ملاءمة الأسلحة للعمليات الراهنة الخاصة بمكافحة التمرد، وطبيعة السياسة الخارجية المصرية التي تتجنّب المجازفة، غالب الظن أن الهدف من هذه الأسلحة هو قمع انتفاضة حاشدة في المدن، من دون الاكتراث كثيراً للضحايا المدنيين الذين يمكن أن يسقطوا بسبب استخدام المقاتلات والمروحيات الهجومية».

المصدر | الخليج الجديد + موقع «مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي»

  كلمات مفتاحية

مصر سوريا السيسي مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي السلاح