«ستراتفور»: سياسات السلام المستحيلة في سوريا

الجمعة 27 يناير 2017 10:01 ص

نظرا لتعقيد الصراع السوري، لم يكن هناك فرصة تشير إلى أن محادثات السلام في كازاخستان سوف تنجح.

لقد حدث انقسام في مواقف الجماعات الثورية أكثر من السابق هذا العام، مما يجعل من الصعب إيجاد موقف موحد في ساحة المعركة وعلى طاولة المفاوضات، وما زالت الحكومة السورية محافظة على انتهاج الحل العسكري للصراع. وفي الوقت نفسه، فإن «الدولة الإسلامية»، على الرغم من ضعفها، ستبقى تهديدا قويا، ولاسيما في وسط وشرق سوريا.

تحليل

تم استئناف محادثات السلام السورية في 23 يناير/كانون الثاني في أستانا، في كازاخستان، وكان المفاوضون الروس والأتراك هم أكثر حرصا على التوصل إلى تسوية من السوريين الذين يرون تقريبا أن المحادثات لن تنجح، ولديهم انقسام بشكل متزايد ، وليس لعدد الفصائل المهمة تمثيل في أستانا. وفي الوقت نفسه، تركز الحكومة السورية اهتمامها بجرأة على إنهاء الصراع عسكريا، وهو الموقف الذي تدعمه إيران. ويزيد من تعقيد الأمور، أن «الدولة الإسلامية» لا تزال قوة كبيرة في المواجهة على الأرض، على الرغم من أنها ليست عاملا مباشرا في محادثات السلام.

خلافات الثوار

لقد كان عام 2016 عاما سيئا بالنسبة لقضية الثورة في سوريا. لم يتوقف الأمر عند سقوط حلب، لكن الثوار خسروا أيضا عددا من المجالات الهامة في جميع أنحاء العاصمة دمشق، بما في ذلك داريا. والآن يواجهون أزمة انخفاض الدعم الخارجي في وقت حاسم، مع ارتفاع وتصاعد الاقتتال الداخلي إلى مستويات حرجة.

ومما زاد الطين بلة، أن التصاعد المتوقع في دعم الولايات المتحدة، والمعروف باسم الخطة البديلة، لم يتحقق. وعلاوة على ذلك، فإن الإدارة الأمريكية الجديدة تدعو إلى مزيد من التعاون مع روسيا بشأن سوريا. وهذا يعني أن برنامج دعم وكالة المخابرات المركزية الحالية يمكن أن يتم تخفيضه أو وقفه تماما. حتى تركيا، التي هي مؤيد قوي لقضية الثوار، تحولت أهدافها مع عملية درع الفرات. وعلى الرغم من أن أنقرة تواصل تزويد الثوار بالأسلحة والمعدات، إلا أنها ضغطت على العديد من الجماعات لتبتعد عن قتال النظام في سوريا ووجهتهم نحو الهدف الرئيسي لاحتواء التوسع الكردي عن طريق الاستيلاء على مواقع الدولة الإسلامية في شمال حلب في تركيا.

وبدلا من توحد القوى الثورية وراء قضية مشتركة، تظهر الهزيمة في حلب أن الاقتتال الداخلي هو الذي سوف يتصاعد. ثلاثة متغيرات هي التي تقود هذا الاتجاه: الخلافات الشخصية، النزاعات حول الرعاية الأجنبية وتسارع الضربات الجوية الأمريكية ضد جبهة فتح الشام. وقد بدأ المتغير الأول في محافظة إدلب، حيث أصبحت معقلا مكتظا بالمتمردين ،وهذه الخلافات أصبحت بادية على نحو متزايد خاصة في مسائل الحكم والسيطرة. كما اندلعت الخلافات حول مسألة الرعاية الأجنبية فبعض الجماعات، ولاسيما التي لها علاقات أقرب مع تركيا، قد تعرضت لانتقادات متزايدة من جماعات أخرى، أكثر تطرفا مثل جبهة فتح الشام بسبب التزامات الأولى بعملية درع الفرات.

على سبيل المثال، فإن جبهة فتح الشام وغيرها من الجماعات ذات التفكير المماثل تدعي أن مساهمات المتمردين بعمليات تركيا في شمال محافظة حلب قوضت المعركة في مدينة حلب. وأخيرا، فإن تسارع وتيرة الضربات الأمريكية ضد جبهة فتح الشام وقتل مئات من المقاتلين خلال الأشهر القليلة الماضية، أثار غضب هذه المجموعات وحلفاءها. فقد خفضت الضربات مستوى التسامح لدى المجموعة تجاه أي جماعات متمردة لها علاقات مع الولايات المتحدة، وقد أطلقت جبهة فتح الشام عددا من المداهمات والاعتقالات ضد الجماعات المدعومة من الولايات المتحدة.

ولكن الشق الأهم على ساحة التمرد هو العلاقة بين جبهة فتح الشام وأحرار الشام، وهما من الجماعات المتمردة الأكثر نفوذا في سوريا. في الأسبوع الماضي، تحول الصراع بينهما إلى معركة صريحة، مما دفع لانشقاقات في كلا الحركتين للانضمام للأخرى. هذه الانقسامات كانت أكبر عائق أمام النجاح في أستانا. وقد وافقت الجماعات المتمردة الأقل قوة على حضور هذه المحادثات ولكن هذه المجموعات المشاركة هي أقل قدرة على اتخاذ موقف موحد. (الخريطة: من يسيطر على الأرض في سوريا)

الموالون

بناء على نجاح النظام والموالين له في عام 2016، فهؤلاء حريصون على الاستمرار في متابعة الحملة العسكرية لانتزاع الأراضي مرة أخرى من المتمردين ومن الدولة الإسلامية. هذا الإجراء، ومع ذلك، ليس واضحا تماما. على سبيل المثال، يعزى نجاح الموالين في ساحة المعركة على استمرار الدعم الخارجي، ولاسيما من إيران وروسيا. على الرغم من أن إيران لا تزال حليفا للحكومة السورية، جنبا إلى جنب مع حزب الله اللبناني، فإن استمرار دعم روسيا يبدو أقل وضوحا. على عكس طهران، فإن موسكو أقل حماسا حول متابعة الدعم على المدى الطويل وذلك لأن الجهد العسكري مكلف مع هدف استعادة السيطرة على كل سوريا وتبحث روسيا على نحو متزايد عن نهاية تفاوضية للصراع مفيدة لمصالحها.

وقد وافقت الحكومة السورية على المشاركة في محادثات أستانا رغبة في الحفاظ على الدعم من روسيا. ومن الواضح، مع ذلك، أن دمشق ليس لديها نية للتخلي عن الأهداف العسكرية الطموحة في سوريا. وقد تم تصوير المحادثات كوسيلة يمكن من خلالها نزع سلاح المتمردين. في غضون ذلك، واصل النظام شن هجمات في مناطق المتمردين التي يدعي أنها مستثناة من وقف إطلاق النار بسبب وجود جبهة فتح الشام هناك.

في الواقع، على المدى القصير، يمكن أن تستفيد دمشق من وقف إطلاق النار والمفاوضات في أستانا. ليس فقط بسبب أن المحادثات تشجع على زيادة عدم الثقة والاقتتال الداخلي بين الفصائل ، بل ولكن ذلك يمكن أيضا أن يوفر فرصة للموالين لتحويل انتباههم نحو التهديد المتزايد من الدولة الإسلامية في الشرق، حيث ركزت الجماعة المتطرفة على نحو متزايد جهودها في حمص و محافظات دير الزور. وعلى المدى الطويل، فإن الحكومة السورية ليس لديها نية لتقديم تنازلات كبيرة للمتمردين وتنوي بناء على ميزاتها من المعركة الحالية إدامة الدعم الخارجي لها، ولاسيما الإيراني.

الدولة الإسلامية

وجدت الدولة الإسلامية نفسها تحت ضغط هائل في كل من سوريا والعراق. على الرغم من أن المجموعة ألحقت خسائر فادحة في القوات العراقية التي تشارك في معركة استعادة السيطرة على الموصل، وقد حققت بغداد مع ذلك تقدما مطردا، في تأمين الضفة الشرقية من المدينة أخيرا. وسوف تستمر جيوب مقاومة الدولة الإسلامية في الموصل، ولكن بات من شبه المؤكد أن المدينة سوف تقع تحت سيطرة الحكومة العراقية هذا العام.

في شمال سوريا، تواجه الدولة الإسلامية هجمات على جانبي نهر الفرات. وقد طردت قوات المتمردين المدعومة من تركيا مقاتلو الدولة الإسلامية من أكثر من مكان في محافظة حلب شمال البلاد على مدار الأشهر القليلة الماضية، ويحاولون الآن للاستيلاء على مدينة الباب، على الرغم من الدفاع الشرس من الدولة الإسلامية. وعلى الضفة الشرقية من النهر، فإن قوات سوريا الديمقراطية تتقدم بثبات في الرقة ووصلت بالفعل إلى سد طبقة غرب المدينة. كما أن دفاعات الدولة الإسلامية في الباب وحول الرقة، قوضت إلى حد كبير من قبل التحالف و الغارات الجوية التركية المستمرة التي تستخدم الذخائر القاتلة الموجهة بدقة.

وعلى الرغم من الهجمات المتعددة ضدها، فإن الدولة الإسلامية غير مستعدة للحفاظ على موقف دفاعي بحت. حيث أن المعارك الدفاعية لا يمكن أن توفر لمجموعة متطرفة انتصارات دعائية مذهلة لأنها تعتمد على لتعزيز صورتها، لتعزيز التجنيد، والاستيلاء على أسلحة ثقيلة (فالجماعة ليس لديها مصدر للإمداد إلا المضبوطات من ساحة المعركة). وتحقيقا لهذه الغاية، فإن الدولة الإسلامية سوف تستمر في تحويل تركيز عملياتها الهجومية نحو مناطق النظام في سوريا، وهي واحدة من المناطق التي يمكن ضمان نجاح العملية فيها.

في السابق كانت «الدولة الإسلامية» تحصل على فرصة أفضل بكثير من السائد ضد القوات الموالية وتمكنت أيضا من التقاط كميات كبيرة من الأسلحة من وحدات الجيش السوري المجهزة تجهيزا جيدا. وفد بدأت الدولة الإسلامية هجوما كبيرا في 14 يناير/كانون الثاني يهدف إلى الاستيلاء على ما تبقى من مواقع النظام حول مدينة دير الزور في شرق سوريا. وحقق الهجوم بالفعل تقدما كبيرا. من خلال الاستيلاء على طريق الإمداد الرئيسي وعزل مواقع النظام، وكانت الدولة الإسلامية قادرة على عزل القاعدة الجوية الرئيسية في المنطقة عن بقية جيوب الجيش السوري. كما أن تقدم الدولة الإسلامية يجعل جهود الإمداد المحدودة أصلا أكثر صعوبة. وعن طريق الاستيلاء بنجاح على عدد من المواقع المرتفعة التي تطل على مواقع النظام المتبقية، فإن انهيار جيب الموالين للنظام سيكون ضربة كبيرة للحكومة السورية، والتعامل مع ضربة سيئة موجهة بشكل خاص إلى استراتيجية الجيش ستعمل على تقويض طموح الرئيس السوري «بشار الأسد» في استرجاع كل سوريا.

هذه العوامل كلها تلقي بقدر كبير من الشكوك على إمكانية الحفاظ على المخرجات الباهتة لمحادثات أستانة، فلدينا انقسام المتمردين أكثر من أي وقت مضى، والنظام حريص على مواصلة حملته العسكرية، والدولة الإسلامية ملتزمة بتعزيز عملياتها الهجومية في وسط وشرق سوريا. ونظرا لعزم روسيا للخروج من الصراع، فإن موقف تركيا يتكيف بشكل متزايد مع بقاء «الأسد». نعم إن بعض الاتفاقيات البسيطة في متناول اليد، ولكن ذلك لن ينهي الصراع السوري في عام 2017.

  كلمات مفتاحية

سوريا محادثات أستانة السلام في سوريا الدولة الإسلامية جبهة النصرة جبهة فتح الشام