وثائق «المخابرات الأمريكية» تكشف محاولة واشنطن إبقاء تركيا خارج قبرص

الاثنين 30 يناير 2017 11:01 ص

أظهرت وثائق تعود لـ«وكالة المخابرات المركزية الأمريكية» (سي آي أيه) أن الولايات المتحدة عملت على إبقاء تركيا خارج قبرص غداة الانقلاب العسكري على رئيس الجزيرة، قبيل عملية السلام –التدخل العسكري– التي أطلقتها أنقرة عام 1974.

وكشفت الوثائق التي رفعت عنها السرية بموجب قانون حرية المعلومات، أولويات واشنطن خلال التطورات التي شهدتها الجزيرة، عقب الانقلاب العسكري، الذي نفذه زعيم منظمة «إيوكا»، «نيكوس سامبسون»، على الرئيس القبرصي «مكاريوس الثالث»، في 15 يوليو/ تموز 1974، بهدف إلحاق الجزيرة باليونان.

ووفقا لوكالة «الأناضول»، فإن من أبرز تلك الوثائق، البالغ عدد صفحاتها نحو 12 مليون صفحة، وثيقة تحمل ختم «سري للغاية» بتاريخ 16 يوليو/تموز 1974، جاء فيها أن مجموعة العمل الخاصة بواشنطن عقدت اجتماعا في اليوم التالي من انقلاب «سامبسون» في قبرص، بمشاركة مدير «سي آي أيه»، «وليام كولبي»، ومسؤولين بوزارة الدفاع الأمريكية ومؤسسات أخرى، برئاسة وزير الخارجية الأمريكي «هنري كيسنجر».

وأظهرت الوثائق الأمريكية، أن «كيسنجر» عمل على تحديد السياسات التي ستتبعها واشنطن فيما يخص قبرص، بعد الإطلاع على آراء المشاركين في الاجتماع.

وآنذاك، وبناء على سؤال طرحه «كيسنجر» بشأن ما تعنيه جلسة خاصة سيعقدها البرلمان التركي، في 18 يوليو/تموز 1974، أجاب مدير «سي آي أيه» بأن تركيا تنوي إرسال قواتها إلى قبرص، فرد «كيسنجر» قائلا: «لا يمكنني تصديق ذلك، لا يمكنني تصديق أنهم يرغبون برؤية مكاريوس في الحكم ثانية»، عندها طلب «جوزيف سيسكو»، مساعد «كسينجر»، الحديث فقال إن التدخل العسكري التركي سيحمل غايتين اثنتين، هما حماية المجتمع التركي في الجزيرة، ومنع السياسة الرامية إلى إلحاق الجزيرة باليونان.

وهنا قاطع «كيسنجر» مساعده بقوله: «لا يمكن لعقل أو منطق استيعاب أنهم (الأتراك) سيدعمون مكاريوس».

وفي ختام الاجتماع، قال وزير الخارجية الأمريكي آنذاك إن واشنطن لديها هدفين، هما الحيلولة دون تدويل الوضع في قبرص، والاستعداد ضد (احتمال) اكتساب الشيوعيين الشجاعة لاستغلال الوضع في حال نشوب حرب في الجزيرة.

ولتحقيق هذين الهدفين، وفق «كسينجر»: «فإن أول ما ينبغي علينا فعله هو فصل اليونان (عن قبرص).. ينبغي علينا القيام بذلك اليوم، بالإضافة إلى ذلك، يجب إبقاء الأتراك خارج هذا الأمر».

كما شدد على أن واشنطن لن تعترف بشرعية الانقلابي «سامبسون»، الذي وصفه بـ«الدمية»، قبل أن يسأل: «ما هو الوضع الميداني في الجزيرة، يجب أن نعرف ذلك على وجه الخصوص، ثم نقرر من ندعم».

بعدها، توجه إلى المجتمعين مطالبا بالتركيز على أنقرة وأثينا، ومشددا على ضرورة معرفة ما تريده تركيا.

أما آخر جملة قالها «كسينجر»، خلال الاجتماع، فكانت: «يجب أن نبقي الأتراك والسوفييت خارج الأمر، وعلينا أن نشاهد كيف تطور الوضع الداخلي لقبرص».

وفي ذات السياق، أظهرت وثائق أخرى للمخابرات الأمريكية، محاولة «كيسنجر» و«كولبي» منع أو تأخير التدخل العسكري التركي المحتمل في قبرص.

وخلال اجتماع آخر، استفسر «كيسنجر» عن المدة التي قد يستغرقها إرسال فوج الإنزال الجوي الأمريكي إن اقتضت الحاجة.

سياسة اليونان

وفي عام 1950 أعلنت اليونان عن حق الروم في تقرير مصير الجزيرة، تمهيدا لضمها إليها، ونقلت الملف القبرصي إلى «الأمم المتحدة»، لتبدأ بعدها أعمال عنف ضد القبارصة الأتراك من أبناء الجزيرة.

واتخذت أعمال العنف شكلا منظما بعد تأسيس الجنرال اليوناني «جورجيوس غريفاس»، منظمة إرهابية عام 1955، عرفت باسم «تنظيم النضال الوطني القبرصي» (إيوكا).

وفي منتصف يوليو/تموز 1974، نفذ «نيكولاس سامبسون» انقلابا عسكريا على الرئيس «مكاريوس الثالث»، بهدف ضم الجزيرة إلى اليونان.

وعقب الانقلاب العسكري، ارتفعت وتيرة أعمال العنف ضد أتراك قبرص، ما دفع تركيا إلى الطلب من بريطانيا –البلد المستعمر للجزيرة– التدخل لوقف العنف؛ استنادا إلى «اتفاقية غارانتي» (الضمان)؛ التي أبرمت بين تركيا وبريطانيا في مدينة زيورخ السويسرية عام 1959، لكن لندن تنصلت من الالتزام بواجباتها ومسؤولياتها تجاه قبرص.

وأعلنت تركيا في 20 يوليو/تموز 1974، شن عملية باسم «عملية السلام العسكرية»، لتأمين أرواح وممتلكات القبارصة الأتراك؛ التي باتت على المحك، وانتهت تلك العملية، بعد يومين، بإعلان وقف إطلاق النار.

لكن الجيش التركي أطلق عملية عسكرية ثانية في قبرص في 14 أغسطس/آب من العام نفسه، ونجحت في تحقيق أهدافها، حيث جرى إبرام اتفاقية لتبادل الأسرى بين الجانبين، وتأسيس «دولة قبرص التركية الاتحادية»، في الشطر الشمالي من الجزيرة، قبل أن يتحول اسمها في 1983 إلى «جمهورية شمال قبرص التركية».

وتعاني قبرص منذ عام 1974، من الانقسام بين شطرين، تركي في الشمال، ورومي في الجنوب، وفي استفتاء 2004، وافق القبارصة الأتراك على خطة لـ«الأمم المتحدة» لتوحيد الجزيرة، لكن القبارصة الروم رفضوها.

وعقب لقائه زعيم قبرص الرومية «نيكوس أناستاسياديس»، الخميس الماضي، أعلن رئيس جمهورية شمال قبرص التركية «مصطفى أقينجي»، أن مفاوضات السلام القبرصية أصبحت في مرحلة مصيرية وقريبة من الحل، مضيفا أنه سيلتقي «أناستاسياديس»، بداية فبراير/شباط المقبل، لرسم خريطة المرحلة المقبلة.

واختتمت في سويسرا في 19 يناير/كانون الثاني الجاري، أعمال المؤتمر الدولي الخامس، الخاص ببحث الأزمة القبرصية ومناقشة مسألتي الأمن والضمانات في الجزيرة، بمشاركة خبراء من جمهورية شمال قبرص التركية والشطر الرومي من الجزيرة، إضافة إلى خبراء من الدول الضامنة، وهي تركيا واليونان وبريطانيا.

المصدر | الخليج الجديد + الأناضول

  كلمات مفتاحية

تركيا اليونان أمريكا قبرص المخابرات المركزية الأمريكية