استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

تعريب الشعبوية

الخميس 2 فبراير 2017 11:02 ص

يميل العرب إلى اللحاق، أو إلحاق أنفسهم قسرا، بالمزاج الأمريكي، وهذا مختلف كلية عن التفكير الضروري في الآثار العملية للسياسات الأمريكية على العرب والعلاقات مع الولايات المتحدة. ترى أثر اللحاق بالمزاج الأمريكي في تبني مواقف الإعلام الأمريكي وقضاياه وجدالاته ومنطقه. من هذا القبيل، تزايد أخيرا الاستخدام العربي لمفهوم "الشعبوية"، بالتزامن مع صعود دونالد ترامب وانتخابه في الولايات المتحدة واستفتاء بريكست في بريطانيا.

هناك محاولة لتعريب الشعبوية، استيراد المفهوم وأزماته معه، وتوظيفه داخل الحقل السياسي، أو الثقافي العربي، ضد الخصوم، رغم أنف اختلاف البنية والقواعد.

في مقالته الرائعة "عن معاني الشعبوية واستخداماتها"، يوضح إثيكييل آدموفسكي أن "معاداة النخب" توجد بالفعل في القلب من مفهوم الشعبوية، ومنذ ظهوره في قاموس المفردات السياسية. لكن، عند استخدام المفهوم داخل الديمقراطية الليبرالية تحديدا (كما هو الحال في الولايات المتحدة وضد ترامب)، فإن الشعبوية تعني اختيار المواطنين طوعا أن يستبدلوا بالسبيل الديموقراطي العقلاني، وأدواته القانونية والدستورية، حالة من الهياج الجماهيري العاطفي المعادي للنخب السائدة.

ويضرب آدموفسكي مثلا للشعبوية في هذا السياق بـ"المكارثيين الأمريكيين" الذين حاصروا النخب الثقافية الأمريكية بتهمة الشيوعية. فإذا ما انتقلنا إلى توظيف الشعبوية عربيا، فإن أول مشكلة تواجهنا هي كيف يمكننا تحديد الخطابات الشعبوية، حيث ينعدم ضدها، وهو الخطابات والسبل الديمقراطية؟ 

من ناحية، يسهل في البيئة السياسية العربية أن تمارس النخبة، لا سيما النخبة السياسية، وصم كل خطاب جماهيري، خارج عن إرادتها وصناعتها، بالشعبوية في مضمونه وأدواته، لأن الناس لا يملكون إلا السبل الشعبوية للتعبير في ظل انعدام أي سبيل قانوني أو دستوري، في الوقت نفسه الذي لا يبقى فيه معنى لهذه التهمة، عندما لا يملك الناس خيارا آخر.

ثاني مشكلة في محاولة استخدام "الشعبوية"عربيا لا تكمن في الشعبوية، بل في طبيعة تشكل النخب العربية وطريقته. فأن تنتقد حالة العداء تجاه النخب، وخصوصا النخب السياسية وتصفها بالشعبوية، هو، من جهة أخرى، ينطوي على إقرار بشرعية هذه النخب، وشرعية طـرق وصولها إلى السلطة وكفاءتها وعقلانيتها في مواجهة النقيض: "الشعب والشعبوية"؛ وهذا غير صحيح بالكامل.

فالنخب السياسية العربية، وتلحق بها جزئيا باقي النخب الاجتماعية، تعيش أزمة شرعية حادة، دفعت بعض السياسيين إلى تعويض الشرعية المفقودة بقوة السلاح في وجه المواطنين، ودفعت باقي النخب، إسلامية وعلمانية، إلى إقرار هذا الخيار، أو المشاركة فيه عمليا. 

إذا كانت الشعبوية في الولايات المتحدة تتمثل في المكارثية، فإن الذهنية المكارثية، وبث هوس المؤامرات، وكراهية الأقليات في الدول العربية، هي، على الأغلب، ذهنية المؤسسة الحاكمة وأدواتها للحكم، هذه ذهنية النـخبة السياسية. وعندما تقود دعاية المؤسسة السياسية ترويج نظرية المؤامرة، وتصبح المكارثية في مقعد رئاسة المؤسسة، فمن الصعب منطقيا خص الشارع والجمهور بوصمة الشعبوية، على غرار النموذج الأمريكي.

خلال صعود ترامب، انطلقت النخب العربية إلى منح صراعاتها القديمة أردية جديدة، والتراشق بوصمة الشعبوية في سياق لا يضيف فيه المصطلح الجديد أي معنى جديد، ولا يبدو إلا كتحديث شكلي لتراث "الرويبضة" و"الدهماء" و"العوام".

لكن آدموفسكي في مقالته ذاتها يؤكد أن الغرب (أوروبا وأمريكا) أفرط، خلال الأعوام الماضية، في استخدام الشعبوية، لوصف مختلف أحزاب اليمين واليسار، وحتى وصف آراء محددة في مسائل محددة، وفقد مصطلح "الشعبوية" دلالته، حتى أصبح حديث السياسيين حول عدالة توزيع الدخل، أو فرض ضرائب على أصحاب رؤوس الأموال الكبرى، أو تحسين وضع الطبقة الوسطى، قابلا للوصم بالشعبوية، لمجرد أنه يمس مصالح النخبة الاقتصادية من أصحاب رؤوس الأموال. 

تمكن هنا رؤية أهم سبب من أسباب جاذبية وصمة "الشعبوية" عربيا، وهي قدرتها على إسقاط أي نقد موجه إلى النخبة، محقا كان أو غير محق، وتخويف النخبة الثقافية والسياسية من إنتاج أي خطاب ذي جماهيرية، سواء كانت جماهيريته بسبب تفاهته وسطحيته، أو بسبب جودته وأهميته، وتكريس هذه الحالة من عزلة السياسيين والمثقفين وانفصالهم عن محيطهم الاجتماعي، بوصفها ميزة ثمينة، لا دلالة على خلل كبير. 

في مقال مختلف، يقدر فريد زكريا أن بواعث الشعبوية الترامبية تكمن في الثقافة، لا في الاقتصاد، وأن القلب النابض للترامبية يوجد في النزعة الانعزالية وكراهية المهاجرين التي تصاعدت، بتأثير من تزايد أعداد المهاجرين واللاجئين، مع فشل حكومات كثيرة في إدارة الهجرة وإدماج المهاجرين.

المقابل لهذا الخطاب الترامبي عربيا هو النزعات التي تأخذ في دول الخليج موقفا من "الوافدين"، في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية، وتصريف القهر المتراكم، نتيجة سوء التخطيط الديموغرافي، وسوء الإدارة الاقتصادية، وتراكم أزمات البطالة والضغط على البنية التحتية. تصريف هذا كله على هيئة كراهية محضة للطرف الأضعف في هذه السلسلة (الوافدين)، بما أن تصريفها في اتجاه أصحاب القرار والسلطة من السياسيين وأصحاب رؤوس الأموال، مستحيل. ويقابلها أيضا، في دول عربية أخرى، تلك النزعات الشوفينية المريضة، باحتقار باقي الجيران العرب.

والمهم في هذه النزعات أنه، وعلى الرغم من شعبويتها الفاقعة، وتقاربها الشديد مع الترامبية، إلا أنه من الأندر أن توصم بالشعبوية، وأن ينظر إليها بازدراء واحتقار، ومن الأغلب الأعم أن توصف هذه الخطابات، وهي تأتي من نواب برلمانيين، ومن مذيعي البرامج الحوارية، ومن كتاب أعمدة، ومن مغردين، بأنها خطابات في "قمة الوطنية" و"ذروة الصدق والشجاعة"، و"أخلص تعبير عن الولاء والانتماء للبلد وأهله".

على مقربة من هذا الطوفان من المشاعر "الوطنية"، قد يوجد شعور بالكراهية تجاه الترامبية واحتقار لنزعتها الانعزالية، وإعجاب شديد بالمواطن الأمريكي الذي بات ليلته في المطارات، لأنه يرفض منع المسلمين من دخول البلاد، بلاده. 

أحيانا، لا يؤدي منح الأشياء والتوجهات أسماء محددة، إلا إلى مزيد من الاختلاط والفوضى، وادعاء تشابه الأضداد، وتمايز المتشابهات. وهذا ما تمارسه عملية تعريب الشعبوية. 

* إيمان القويفلي - كاتبة سعودية وباحثة في الاجتماع

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

العرب أمريكا الشعبوية ترامب الديمقراطية الليبرالية