«فورين بوليسي»: حرب العملات التي يشنها ترامب على ألمانيا قد تدمّر الاتّحاد الأوروبي

الاثنين 6 فبراير 2017 06:02 ص

بعد أسبوعٍ واحد فقط من تنصيب «ترامب»، أشارت إدارته بالفعل أنّها تستعد لحربٍ اقتصادية. ولا تقتصر حرب العملات التي ينويها البيت الأبيض على الصين فقط، المشكوك دائمًا في خداعها للسوق من أجل كسب لعبة العولمة، لكن تشمل ألمانيا أيضًا. وفي يوم الثلاثاء، ادّعى «بيتر نافارو»، الذي ترأس حديثًا مجلس التجارة الوطني، أنّ ألمانيا تستخدم العملة في «استغلال» كل من جيرانها والولايات المتّحدة. ويعتقد البيت الأبيض بوضوح أنّ الاتّحاد الأوروبي والاتحاد النقدي يثبّتان اليورو، كآلية لحماية المصالح الألمانية وتوسيع قوّتها، كأداة من ألمانيا، كما أشار إلى ذلك «ترامب» نفسه.

هذا الخوف من ألمانيا هو تعبير غريب عن جنون العظمة وفكرة التاريخ الطويل الممتاز بين بعض الاقتصاديين التأسيسيين وصنّاع القرار. ولا يشك أحد في أنّ البيت الأبيض يملك أدوات القوّة لإجبار ألمانيا على تغيير سياستها الاقتصادية، بما في ذلك التزامها تجاه اليورو، وهو ما يربط حاليًا دول الاتّحاد الأوروبي معًا. وفي الواقع، يبدو أنّ إدارة «ترامب» تفعل ذلك بالفعل.

وبدأت هذه النسخة من مثل تلك الانتقادات لألمانيا في أواخر السبعينات وتركّزت على النظام النقدي الأوروبي الذي سبق وجود اليورو. وكان نظام النقد الأوروبي عبارة عن نظام سعر صرف ثابت (ولكن قابل للتعديل) والذي أعاد إنتاج معظم خصائص نظام «بريتون وودز» العالمي الذي تأسس عام 1944، وكان ردًّا فوريًا من الأوروبيين على سوء إدارة الدولار في عهد الرئيس «جيمي كارتر». وأدّى ضعف الدولار إلى تدفّقات من رأس المال إلى ألمانيا، الأمر الذي رفع المارك الألماني مقابل الفرنك الفرنسي، وعقّد إلى حدٍّ كبير العلاقات التجارية داخل الاتحاد الجمركي الأوروبي.

لكن كانت توجد شكوك دائمًا أنّ ألمانيا كانت تحاول الحصول على مزايا تجارية طويلة الأجل بربط العملات. وفي أوائل الثمانينات، أقنع «دينيس هيلي» نفسه، وكان سياسيًا سابقًا بحزب العمال البريطاني، أنّ النظام النقدي الأوروبي كان لعبة من ألمانيا، بعدما صرّح له وزير المالية الألماني آنذاك «مانفريد لانشتاين» أنّه يتوقّع أن تحصل ألمانيا على ميزة تنافسية عن طريق الحدّ من العملات الأخرى بالانخفاض. ومع وجود معدلات أقل لتضخّم الأجور في ألمانيا عن فرنسا ومعدّلات أقل بكثير من دول البحر المتوسّط، فإنّ إغلاق العملة سيضمن لها تصدير الفائض بسعر جيّد في مناطق أخرى. وكانت الخطّة بأنّ النظام النقدي الأوروبي، ومن بعد ذلك اليورو، سيسمحان بسيادة ألمانيا علىالاقتصاد الأوروبي لتنجح في نهاية القرن العشرين فيما فشلت فيه عسكريًا قبل قرنٍ من الزمان.

والشيء الغريب في هذه النظرية أنّها كانت حديثة أكثر في بريطانيا والولايات المتّحدة عن أوروبا القارية. وإذا كانت الاستيلاء على السلطة هو ما يهدف إليه الألمان، ألن تكون الدول الأخرى قادرة على الحصول على نفحة ما من المؤامرة الشريرة؟ والأهم من ذلك، إذا كانت هذه هي استراتيجية بالفعل، ستكون قصيرة النظر للغاية.

هدف ألمانيا

ومن منظور ألمانيا، فإنّ الهدف من العملة الموحّدة ليس فقط تسهيل تحويل العملات، ولكن إزالة الشك في المزايا التجارية عندما تتحرّك العملات غير الثابتة ضدّ بعضها البعض. وفي عام 1992-1993 على سبيل المثال، عندما غادرت أسبانيا وإيطاليا النظام النقدي الأوروبي، بدأ المزارعون الفرنسيون على الفور المطالبة بالحماية من النبيذ رخيص الثمن القادم من الجنوب.

ودائمًا ما كانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة، ومن بينهم إدارة أوباما، قلقة حول حجم الفائض في الحساب الجاري لدى ألمانيا. إذا ما كان فائض الاستثمار من قبل الألمان في الخارج متوافق مع حجم الاستهلاك في السلع والخدمات. لكنّ كانت هناك اختلافات في القراءة، ليس بقدر ما هو دليل على التلاعب في التجارة، لكنّه نهج خاطئ للسياسة الاقتصادية التي وضعت مكابح للاقتصاد العالمي ككل.

حاولت واشنطن مواجهة هذا. وفي قمّة دول العشرين في سيول عام 2010، كانت هناك محاولة متواضعة من قبل الولايات المتّحدة لتحديد حجم الفائض الحالي في الحساب الجاري إلى 4 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. والفائض في ألمانيا حاليًا على وشك أن يتفوق على فائض الصين في المطلق، وكنسبة من الناتج المحلي الإجمالي هو أعلى من ذلك بكثير. ويقدّر صندوق النقد الدولي فائض ألمانيا للعام 2017 بـ 8.1 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي بينما يقدّر فائض الصين بـ 1.6 بالمائة فقط.

وينتقد نافارو «اليورو الأقل من قيمته» قائلًا أنّ توحيد العملة ما هو إلا وسيلة دائمة لبقاء المارك الألماني أقل من قيمته الحقيقية. وكبديل لذلك، من المنطقي أن ننظر إلى سويسرا، والتي يحركها اقتصاد التصدير مع أوجه تشابه مع ألمانيا ولديها هي الأخرى فائض حساب جاري كبير. ومنذ الأزمة المالية، أصبح للفرنك السويسري موضع احترامٍ كبير أمام اليورو والدولار. وفي بعض الأحيان، حاول البنك الوطني السويسري التدخّل لتخفيض قيمة الفرنك، مثل ربطه باليورو مقابل قيمة منخفضة، لكنّه عاد وفك الربط في يناير/كانون الثاني عام 2015 (وإن كان لا يزال يتدخّل لإيقاف التزايد المتسارع في قيمة العملة). ومع ذلك، لا يزال فائض الحساب الجاري لدى سويسرا هائلًا، وأكبر من حيث النسبة من الناتج المحلي الإجمالي من نسبة ألمانيا بـ 8.95 بالمائة لعام 2017.

باختصار، يعكس ميزان الحساب الجاري في سويسرا الاختلالات العميقة بين معدّلات الادّخار المرتفعة والاستثمار الداخلي المنخفض، وليس تلاعب تجاري ببساطة. ولا يمكن معالجة ذلك ببساطة، حتّى بارتفاع قيمة العملة إلى القيمة التي تعهّدت بها سويسرا، والتي جلبت أوجاعًا حادّة لبعض من القطاعات الرئيسية لاقتصادها، بما في ذلك السياحة، والآن أيضًا صناعة الساعات.

يكمن الخطر في حالة ألمانيا في السياسات الداخلية. ولإيقاف الفرنك عن الارتفاع، تدخّل البنك المركزي السويسري للاستحواذ على أصول أجنبية، معظمها سندات حكومية من منطقة اليورو، وليس مثل الصين التي تشتري سندات الخزانة الأمريكية. وتتعامل ألمانيا بالمثل في منطقة اليورو، فالبنك المركزي الألماني يقوم بمطالبات كبيرة ضد جنوب أوروبا من خلال نظام المدفوعات الأوروبي «تارجت 2». وفي نهاية عام 2016، حصلوا على 754 مليار يورو، أعلى من ذروة المدفوعات خلال أزمة اليورو والتي وصلت إلى 751 مليار يورو في أغسطس/آب عام 2012. والهدف هنا ليس الإبقاء على معدّل صرف منخفض في ألمانيا (والذي لا يمكن أن يحدث مع وجود عملة موحدة) لكن لإيقاف اليورو من الانطلاق لأعلى.

ولا تعدّ أرصدة «تارجت 2» سياسة مقصودة من برلين، لكنّها نتيجة لتسرّب الأموال من جنوب أوروبا بعد محاولة البنك المركزي الأوروبي تحفيز النمو هناك بشراء الأصول (التيسير الكمي). ونشأ هذا التيسير الكمّي نتيجة الضغط القادم من جنوب أوروبا، ولكن أيضًا من الولايات المتّحدة، لفعل شيء من أجل إنقاذ اليورو. وبهذا فإنّ المطالبات الألمانية تنشأ نتيجة المنطق الكامن للنظام وليس لأنّ الحكومة الألمانية أو البنك المركزي الألماني يحاولون التلاعب بشيءٍ ما.

وتكمن فعالية طلب «نافارو» و«ترامب» في إشارته للضعف السياسي في الموقف الألماني. فتراكم مطالبات نظام «تارجت 2» الألماني على جنوب أوروبا فيه لبس أكبر ولا يحظى بالشعبية في ألمانيا كما تحظى الأصول الدولارية في الصين أو الاحتياطيات السويسرية في تلك البلدان. ويتملّك الألمان القلق الآن حول كونهم ناجحين جدًا كمصدّرين، لكنّهم يشعرون بقلقٍ عميق تجاه جودة نوعية الأصول التي تمّ شراؤها بفائض الحساب الجاري، مثل أوراق الرهن العقاري الأمريكية قبل عام 2008، والدين الأوروبي بعد الأزمة المالية. ويواجه دافعي الضرائب الألمان فاتورة كبيرة محتملة، ولن يكون ذلك إلّا بانهيار اليورو.

ماذا تريد أمريكا؟

وفي الحقيقة، تستهدف الهجمة الأمريكية السياسات الألمانية الداخلية، وتوجيه الانتقادات لـ«أنجيلا ميركل»، ويمهّد الطريق لحملة انتخابية ستقاتل حول سياستين، اليورو واللاجئين، حيث ستلعب الحكومة الأمريكية دورًا معارضًا. وقد قال السفير الأمريكي الجديد (المرجّح) للاتّحاد الأوروبي، «تيد مالوك»، أنّه سيراهن على انهيار اليورو وأنّه يرغب في أن «يتعطل اليورو».

لكن ما هي العواقب المنتظرة من تفكّك اليورو؟ بالطبع سيضعف أوروبا كمنافس، لكنّه سيجعلها غير مستقرّة مع عودة المنافسات القومية القديمة. وفي الماضي، رأى الأمريكيون أوروبا كقطب للاستقرار في عالمٍ متقلّب. لكنّ الرؤية الجديدة ترغب في زعزعة استقرار أوروبا، سياسيًا واقتصاديًا. وستكون النتيجة النهائية أوروبا منقسمة، وفي الواقع، ستكون أمريكا «ترامب» منقسمة أكثر.

المصدر | فورين بوليسي

  كلمات مفتاحية

ترامب ميركل ألمانيا الولايات المتحدة حرب العملات