أين تتلاقى طرق العمل الخيري وطرق الجهاد عند بعض المسلمين الشبان ببريطانيا؟

الاثنين 24 نوفمبر 2014 02:11 ص

بالنسبة لبعض المسلمين البريطانيين تتقاطع طرق الجهاد مع طرق العمل الخيري السلمي.

في أحد المكاتب بمدينة برمنجهام ثاني أكبر مدن بريطانيا يخطط وسيم إقبال وصديق له رحلة إلى الشرق الاوسط. وسيتولى الاثنان في الأردن جلب مساعدات غذائية للاجئين السوريين.

فقد اختار إقبال (27 سنة) العمل الخيري بدلا من العنف.

وقال "كيف تنقذ الابرياء في سوريا؟ بالدخول في منطقة حرب والتعرض للقتل؟ أم ... بجلب مضخات مياه ومدارس ومواد غذائية؟ هذا هو ما ينقذ الأبرياء."

ويعرف إقبال آخرين اختاروا طريقا مختلفا. فقد ألقي القبض على اثنين من معارفه من الشبان البريطانيين ووجهت لهما اتهامات بموجب قوانين مكافحة الارهاب البريطانية. ويقول إقبال إنهما ينتميان إلى عالمين مختلفين لكن جمعهما شيء واحد هو الغضب.

وبالنسبة للسلطات التي تكافح لمنع الشبان المسلمين من المشاركة في الحروب الدائرة في سوريا والعراق من الأهمية بمكان تفهم الدوافع التي تحرك هؤلاء الشبان. إذ يقدر المسؤولون أن أكثر من 500 مواطن بريطاني سافروا إلى سوريا. كما حذر رئيس الوزراء ديفيد كاميرون من تحول المتشددين إلى مهاجمة الغرب.

ويطلق إقبال لحيته ويرتدي الجلباب التقليدي. وهو من العاملين في مؤسسة هيومن ريليف الخيرية منذ شهر. وفي السنوات الثلاث التي سبقت ذلك شارك في أعمال خيرية منها افتتاح مركز للشباب في بدروم أحد المساجد المحلية.

لكن إقبال يقول إن حياته قبل ذلك كانت مختلفة تمام الاختلاف. فقد عمل حارسا لحفظ النظام في ملهى ليلي كما أدار استوديو للموسيقى وعمل في مجال الأمن.

وذات ليلة توقف كل ذلك.

ففي غضون أسابيع قليلة خلال عام 2010 مات ابن عم إقبال الأكبر سنا والذي كان إقبال يعتبره مثلا يقتدي به من جراء جرعة زائدة من المخدرات وتعرض أفضل أصدقائه للطعن بسلاح أبيض.

وقال إقبال "كنت أجلس هناك ذات ليلة أدخن سيجارة في شقتي المطلة على المدينة وبدأت أسأل نفسي ما هو الحد وأين يتوقف الأمر. وقضيت الليل كله أبكي وأدركت أن ما أفتقده هو الاسلام."

وأضاف "قطعت عهدا على نفسي أن أكون مسلما أفضل وأقلعت عن كل ما كنت أفعله فجأة."

أحياء المسلمين وثقافة العصابات

يموج شارع رئيسي بالحياة في هذه المدينة الواقعة في وسط انجلترا. فحركة المسافرين لا تهدأ في محطة القطارات ويتردد الناس أزواجا على المقاهي بينما يعزف شاب مقطوعة حرة من موسيقى الراب.

ويقف ثلاثة شبان بكشك يبعد عنه أقل من خمسة أمتار. تنطلق من جهاز ستيريو آيات قرآنية متبوعة بترجمة بالانجليزية. وتتحدث الآيات عن حياة السيد المسيح والسيدة مريم كما وردت في القران بينما يوزع الشبان منشورات.

ويعيش في برمنجهام أكثر من 213 ألف مسلم يمثلون أكثر من خمس السكان وفقا لاحصاء عام 2011. ويمثل المسلمون والطبقة العاملة العنصر المهيمن في أحياء مثل بالسول هيث الذي نشأ فيه إقبال. كما أن هذه الأحياء موطن لما يصفه إقبال بثقافة "العصابات".

ويقول إقبال إن هذا المناخ يمكن أن يدفع الشبان إما إلى الانضمام للعصابات وبيع المخدرات أو الانضمام للجماعات الجهادية في الشرق الاوسط.

ويضيف مفسرا "الأمر كله يتعلق بالقبول. فهو يريد أن يشعر بأنه جزء من شيء ما ويريد أن يشعر بأنه محترم أو مرهوب الجانب ويريد أن يشعر بأنه جزء من قضية ومطلوب."

ويقول جهان محمود الذي يتولى توجيه النصح للشبان إن الثقافة الجهادية وما يرتبط بها من مشاعر التظاهر بالشجاعة والتطهير الذي يقترن بالحرب والسحر الذي يضفيه حمل السلاح كلها عناصر تلعب دورا في تبرير توجهات الشبان أكبر مما تلعبه العقيدة الاسلامية.

وتؤيد دراسات أكاديمية هذا الرأي.

ويقول الباحثون بجامعة كوين ماري إن الفئات الأكثر عرضة للتطرف هي من يعانون من الاكتئاب والمعزولين ومن عاشت أسرهم في بريطانيا عدة أجيال. ولا يبدو أن العقيدة الدينية تمثل عاملا رئيسيا في التطرف.

ويروي إقبال قصة أحد الشابين اللذين اتهما بمقتضى قوانين مكافحة الارهاب. اعتاد هذا الشاب الاتجار بالمخدرات قبل أن يمر بتحول مماثل للتحول الذي عاشه إقبال. لكنه على النقيض من إقبال تبنى أفكارا متشددة بعد أن أعاد اكتشاف ايمانه وهو ما يعزوه إقبال إلى إحساس بالذنب ناتج عن أفعاله السابقة.

ويقول محمود إن الخوف من عقاب الله وعدم نيل غفرانه والاعتقاد بان السبيل الوحيد لنيل الغفران هو ساحة القتال والاستشهاد من الأسباب التي تدفع الشبان لاختيار الانضمام للجماعات الجهادية في الخارج.

وألقي القبض على تاجر المخدرات في القصة التي رواها إقبال في سيارة مليئة بالأسلحة في طريقها إلى مسيرة مناهضة للإسلام نظمتها رابطة الدفاع الانجليزي اليمينية المتطرفة.

الخوف من الاسلام والعداء الاعلامي والشعور بالغربة

وتعد المنظمات من أمثال رابطة الدفاع الانجليزي عاملا في دفع الشبان المسلمين للتطرف.

ويقول عبد الواحد زميل إقبال في الجمعية الخيرية إنه شهد بعينيه من نافذة منزله عندما كان طفلا في الثامنة عمره عمه وهو يتعرض لضرب مبرح في الشارع في الحي الذي كانت أسرته قد انتقلت إليه حديثا وتقطنه أغلبية من البيض.

وسرعان ما عادت الأسرة إلى سباركهيل الذي يمثل مع حي بالسول هيث وحي سباركبروك "مثلث بالتي" في برمنجهام الذي يمثل الاسيويون فيه أغلبية ويتكون من متاهة من شوارع ذات بيوت قديمة ترجع إلى العصر الفيكتوري وتنتشر فيها الورش والمطاعم الآسيوية.

وأضاف عبد الواحد (22 عاما) "لا تفهم وأنت طفل لماذا يحدث ذلك. لكن هذا الحدث يلازمك ويثير غضبك. والشيء المهم ألا تصبح الشخص الذي يصفونك به."

ولدى إقبال وعبد الواحد عشرات من الحكايات المماثلة. ويقول إقبال إن رؤوس خنازير ألقيت عليه وسكبت عليه البيرة في ملاعب لكرة القدم كما تعرض الاثنان للسب بشتائم عرقية في الشارع.

وقال محمود "لم يعد كثير من الشبان يشعرون بأنهم جزء من التيار السائد مع كل ما نراه في وسائل الاعلام من الخوف من الاسلام."

وأدت عزلة الطائفة المسلمة إلى اكتسابها عقلية الحصار وأصبح الشبان لا يرون أنفسهم جزءا من المجتمع أو من بريطانيا بل يرون أنفسهم جزءا من أمة إسلامية عالمية ويشعرون أن عليهم أن يساعدوا "أشقاءهم" في الخارج.

ويناقش إقبال وعبد الواحد خلال استراحة الغداء عدم جدوى القتال. غير أن الإثنين يخلصان إلى أن من تصفه وسائل الاعلام مرارا بأنه ارهابي مثلا سيتحول في نهاية الأمر إلى ارهابي.

وقال عبد الواحد "قوة الإيحاء شديدة".

 

المصدر | أحمد أبو العينين، رويترز

  كلمات مفتاحية

الشبان المسلمون بريطانيا العمل الخيري الجهاد