كيف يمكن لرئاسة «ترامب» أن تكون خطًا فاصلًا في الشرق الأوسط؟

الأربعاء 8 فبراير 2017 10:02 ص

ألغيت عشرات الآلاف من التأشيرات الأسبوع الماضي بسبب القرار التنفيذي للرئيس «دونالد ترامب» بحظر مواطني 7 دول ذات أغلبية مسلمة من دخول الولايات المتّحدة.

وتكشّفت حجم الفوضى التي نتجت عن القرار الذي وقعه «ترامب» في 27 يناير/كانون الثاني. وتمّ الكشف الأول في جلسة بمحكمة فيدرالية بولاية فرجينيا كانت تنظر طعنًا على إلغاء تأشيرات شقيقين يمنيين كانا قد وصلا إلى مطار دالاس بواشنطن في 28 يناير/كانون الثاني. وقالت وزارة العدل في البداية أنّ ما يقارب 100 ألف تأشيرة قد تمّ إلغاؤها، لكنّ وزارة الخارجية أكّدت في وقتٍ لاحق أن العدد كان قريبًا من 60 ألفًا.

وتوّج هذا الاعتراف أسبوعًا من الفوضى والاضطرابات السياسية والقانونية الناجمة عن فرض الحظر الذي قد يعيد تشكيل شبكة الولاءات والأحقاد التاريخية في الشرق الأوسط الحديث. وتنقسم الدول هناك إلى معسكرين، دول طالها الحظر ودول معفاة. وخرج الغضب من بين المعسكر الأول. فقد منعت إيران دخول مواطني الولايات المتّحدة، وطالب البرلمان العراقي بالمثل. واتّهم مسؤول من الحكومة الليبية التي تدعمها الولايات المتّحدة أمريكا بـ «التمييز العنصري». لكن في باقي الأماكن كان هناك صمتٌ تكتيكي. ومع عدم تأثّر مواطنيها بالحظر، امتنعت السعودية ومصر عن التعليق. ودافعت الإمارات عن قرار الحظر.

وفي أنحاء المنطقة، يبدو قرار «ترامب» التنفيذي منذرًا بموسم من الاضطرابات في العلاقة مع الولايات المتّحدة. وخلال حملته الانتخابية، دعا «ترامب» لإغلاق كامل وتام للولايات المتّحدة من دخول المسلمين. وفي الأسبوع الأول من إدارة «ترامب»، ظهرت السياسة التي تماشت مع خطابه الانتخابي، وعلى ما يبدو مع قليل من الاعتبار للتداعيات الجيوسياسية.

ويقول «روبرت فورد»، سفير سابق للولايات المتّحدة بسوريا، وصاحب المهام الدبلوماسية لسنوات في الشرق الأوسط: «لا يقدم الأمريكيون على أمرٍ في الفراغ، وعندما يقدمون على عملٍ فإنّهم غالبًا ما يتوقّعون ردود أفعال من قادة سياسيين آخرين لديهم قواعدهم. ولا أظنّ أنّهم قد فكّروا في ذلك على الإطلاق فيما يتعلّق بإيران والعراق. وتخميني أنّهم سيقولون: نحن لا نهتم».

ويواجه حلفاء الولايات المتّحدة في المنطقة الآن خيار القبول بسياسة تستهدف بشكل عشوائي مواطني دول عربية ومسلمة، أو اهتزاز العلاقات مع الإدارة الأمريكية الجديدة بالإعراب عن تحفّظات حول الحظر. ويبدو أنّ القليل من سيسلك المسار الأخير. ومن بين الدول التي لم يشملها الحظر، فقط قطر هي التي انتقدت السياسة الجديدة. وبسؤاله عن الحظر، قال السفير المصري السابق بالولايات المتّحدة، «عبد الرؤوف الريدي»: «هل من المفترض أن تتحدث مصر وتعلّق على كل أمر يحدث في الولايات المتّحدة؟».

وتحدّث «ترامب» يوم الأحد مع الملك «سلمان» ملك السعودية، إلّا أنّ ما خرج عن المكالمة لم يشر إلى ذكر الحظر. ويوم الأربعاء في أبوظبي، دعم وزير الخارجية الإماراتي، «عبد الله بن زايد آل نهيان»، سياسة «ترامب»، وقال أنّ القرار التنفيذي لا يستهدف دينًا محدّدًا. وحافظت حكومة (إسرائيل) اليمينية على صمتها. ونشر رئيس الوزراء «بنيامين نتنياهو» تغريدة على موقع تويتر يدعم فيها خطّة «ترامب» لبناء جدار على الحدود مع المكسيك، لكنّ الرئيس الإسرائيلي «روفين ريفلين» اعتذر في وقتٍ لاحق لنظيره المكسيكي عن البيان.

معارضة في الداخل

وكانت المعارضة داخل الولايات المتّحدة أكثر بكثير ممّا كانت عليه في الشرق الأوسط. وخلق القرار التنفيذي الذي دخل حيّز التنفيذ في 27 يناير/كانون الثاني، أيامًا من الفوضى داخل المطارات الدولية الأمريكية، حيث كافح ضباط الحدود والجمارك لتنفيذ الأمر. وأوضح البيت الأبيض في البداية أنّ القرار يطبق أيضًا على المقيمين الشرعيين بالولايات المتّحدة حاملي بطاقات الغرين كارد، قبل إلغاء هذا القرار بعدها بيومين. وكسياسة، عكس القرار الأسلوب الشخصي لـ«ترامب»، مفاجئ ولا يمكن التنبؤ به، وغامض في بعض الأحيان.

وإذا مثّلت السياسة الجديدة تحدّيًا لحلفاء الولايات المتّحدة في الشرق الأوسط، فقد أعطتها أيضًا انفتاحا على معارضيها. وفي العراق، يقوّض الحظر مكانة الحكومة العراقية المتحالفة مع الولايات المتّحدة، ويقدم فرصة سياسية للمنافسين الموالين لإيران. وقد دعا البرلمان العراقي الحكومة للرد بحظر الأمريكيين، الخطوة التي من شأنها أن تخلق معضلة لأكثر من 5000 جندي أمريكي يساعدون القوّات العراقية في قتال (داعش). وفي إيران، كان من شأن القرار أن يعزز من وضع المتشدّدين على حساب الذين يفضّلون التسوية والتفاوض مع الولايات المتّحدة. علاوة على ذلك، يقول الخبراء أيضًا أنّ الحظر قد وفّر الذخيرة الخطابية لدعاة الجهاد في «الدولة الإسلامية»، التي قد تستخدم سياسة «ترامب» في جذب الشباب للتجنيد.

نهج عدائي للبيت الأبيض

وهناك مخاوف من أنّ القرار يمهّد لنهج البيت الأبيض تجاه العالم الإسلامي خلال السنوات الأربعة المقبلة. وبالتأكيد، يوجد تاريخ من العداء للإسلام. فقد وصف «ستيف بانون»، صاحب النفوذ الأكبر وكبير استراتيجيي البيت الأبيض، الإسلام بالدين «المظلم». وقال «مايكل فلين»، مستشار الأمن القومي، في أحد المرّات أنّ خوفه من المسلمين أمرٌ «عقلاني».

ويقول «شادي حميد»، الزميل البارز بمعهد بروكينغز بواشنطن: «أعتقد أنّه يعكس الكراهية الراسخة للإسلام بين ترامب وكبار مستشاريه. وأعتقد أنّ الدليل على ذلك يتمثّل أمامنا الآن. فنحن نعرف ماذا قال أشخاصٌ أمثال ستيف بانون ومايكل فلين عن الإسلام قبل ذلك بصراحة، ليس الأمر أنّهم لا يحبّون التطرّف أو الأسلمة، لكن الإسلام كدين، ويرون الإسلام كتهديد حضاري وأيديولوجي».

ويقول «حميد» أنّ سياسات «ترامب» على الأرجح ستشوّه صورة أمريكا في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. «عندما تغلق أمريكا حدودها حرفيًا أمام هذا العدد الضخم من الناس واعدةً بالمزيد من هذه الإجراءات خلال السنوات الأربعة القادمة، كم سيدوم هذا التصوّر؟ هل يمكن معالجة الضرر الحادث إذا تمّ انتخاب شخصٌ آخر بعد أربع سنوات؟ لا أعرف. لكن أفترض أنّ 4 أعوام من هذا ستلحق ضررًا دائمًا على الصورة التي ينظر بها إلى أمريكا».

وبعد مرور الأسبوع، أعطت إدارة «ترامب» تلميحات إضافية حول نهجها، حيث أشارت إلى أنّها ستتخذ مواقفًا أكثر تشدّدًا تجاه إيران. وأعلن «فلين» يوم الأربعاء أنّ إيران كانت «تحت الملاحظة» بعد هجوم على فرقاطة سعودية، ألقي فيه باللوم على الحوثيين المدعومين من إيران. وتصاعدت مزيد من التوتّرات يوم الجمعة، حيث أعلنت وزارة الخزانة عن عقوبات جديدة بحقّ 25 من الشخصيات والشركات الإيرانية.

وقد يعطينا هذا الأسبوع المليء بالتداعيات إشارة لما سيكون عليه شكل سياسة «ترامب» في الشرق الأوسط، والتي سوف ترسخ لمزيد من الانقسام بين السعودية السنية وإيران الشيعية. وستجد باقي الأطراف في المنطقة صعوبة في تجنّب هذه الفجوة.

المصدر | التايم

  كلمات مفتاحية

ترامب البيت الأبيض السعودية مصر حظر المسلمين