استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

سوريا والعراق.. الحلول تتطلب تحجيم دور إيران

الخميس 9 فبراير 2017 05:02 ص

قبل أن يبدأ التصعيد الأمريكي ضد إيران، كانت عوامل التباعد بين روسيا وإيران تعددت وتعمقت. لم يكن قد مضى اسبوعان من عمر الادارة الأمريكية الجديدة حتى دقت طهران الباب فسمعت الجواب: تحذير رسمي، ليس فقط بالرد على التجربة الصاروخية الإيرانية، بل بفتح ملفات العراق وتهديد الملاحة الدولية بعد الهجوم الحوثي على الفرقاطة السعودية، وكذلك رعاية الإرهاب. 

في المقابل يتواصل الصراع الصامت بين الروس والإيرانيين داخل سورية، بين تنازع النفوذ على المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية وعلى تثبيت وقف اطلاق النار، وبالأخص من له الكلمة العليا والأخيرة على نظام بشار الأسد. بديهي أن النفوذ الروسي يتقدم بخطى ثابتة، فيما لا يزال النفوذ الإيراني قادرا على تعطيل الهدنات وتخريبها، إلا أن يقينه في شأن مستقبله السوري بات مشوبا بالشكوك والتساؤلات.

القاسم المشترك بين روسيا وأمريكا، ولو شكليا، اسمه: الحرب على الإرهاب، أو ضرب «داعش». كانت طهران سبقت موسكو وواشنطن في إعلان حربها على هذا العدو، حين وضعت «هزيمة التكفيريين» هدفا لتدخلها في سورية. وبعدما انتشر «داعش» بين العراق وسورية أوعزت إيران لبغداد نوري المالكي بطلب المساعدة الأمريكية لصد المد الإرهابي، وما لبثت هذه العودة الأمريكية أن استحثت تدخل روسيا «لإنقاذ» حليفها نظام الأسد سواء من الإرهابيين أو أيضا - كما روج الإيرانيون - من ضربة أمريكية محتملة. 

وبين الدورين الأمريكي والروسي حاولت إيران طرح نفسها شريكة في محاربة الإرهاب، بغية إضفاء مشروعية على سياستها التدخلية وأنشطة ميليشياتها، وحققت نجاحا كليا هنا وجزئيا هناك، إما لحاجة الروس اليها في سورية أو لرغبة ادارة باراك اوباما في مجاملتها في العراق. غير أن ترتيبات «ما بعد حلب» في سورية و «ما بعد داعش» في العراق كشفت للروس والأمريكيين بالتزامن أن لديهم مشكلة تقتضي تحديد دور إيران (وميليشياتها) أو الحد منه.

انتهت اذا مرحلة صعود الخط البياني بالنسبة الى إيران لتبدأ مرحلة الهبوط، أما وقف الهبوط للشروع بمرحلة ثبات فيرتبط أولا بجعل طموحاتها واقعية وثانيا بحسن سلوكها، فقد لا ينفع دهاؤها أو دفع أتباعها الى مزيد من التطرف. إذ إن تهديدات «الحرس الثوري» بالصواريخ وغيرها، مهما كانت جدية، تبقى محدودة باستراتيجية دفاعية تتجنب فيها إيران تعريض أراضيها ومنشآتها وبالأخص نظامها لأي أخطار مباشرة.

أصبح عليها من الآن فصاعدا أن تغير كل حساباتها لردود الأفعال الأمريكية عما كانت عليه في عهد باراك أوباما. ولا بد لها من مراجعة تكتيك التحرش بالقطعات البحرية الأمريكية، ومن نسيان حادث احتجاز الزورقين الأمريكيين (يناير/كانون الثاني 2016) وسكوت واشنطن على إذلال بحارتهما.

ومع أن ادارة دونالد ترامب استخدمت لهجة مرتفعة في مخاطبة طهران، إلا أنها ليست متعجلة لمواجهة حربية معها، بل مصممة على كبح الجموح الإيراني أينما استطاعت ذلك، لأن إيران تصعد خارج أرضها وبواسطة أتباعها، وبالتالي فإن المواجهة المحتملة مرشحة لأن تحصل حيث هناك تماس بين الطرفين، أي في العراق، وكان في الإمكان تصورها في اليمن إلا أن السيطرة على باب المندب حسمت. 

لكن الإيرانيين قد يدفعون الحوثيين الى تصعيد «انتحاري» أوسع ضد السعودية للتغطية على تراجعهم في ميدي والمخا. ويجب عدم استبعاد احتمال أن يعاود الإيرانيون إشعال جبهة الجنوب اللبناني سعيا الى اجتذاب الرأي العام العربي والاستفادة معنويا بتأكيد أن ما تتعرض له إيران، وكل الأدوار التي قامت بها على مر الأعوام السابقة، انما كانت بسبب تحديها ومواجهتها لإسرائيل.

كل من هذه السيناريوات لا يفترض أن إيران نفسها ستتعرض لضربة مباشرة من شأنها أن تشد العصب الوطني، بل يعني أنها لن تتمكن من الحفاظ على منطقة النفوذ، أو «العواصم الأربع» التي تدعي السيطرة عليها. ذاك أن لعبها بورقة الإرهاب قد يكون جلب لها مكاسب لكنه صار مكشوفا، بل يقترب من الارتداد عليها. 

فحتى لو كانت روسيا وأمريكا شاركتاها العبث بتلك الورقة ومكاسبها إلا أنهما تتطلعان الآن الى تعاون عنوانه الرئيسي إنهاء مرحلة «داعش»، وتجدان أن إيران (وميليشياتها) عقبة يجب كسرها للانتقال الى المرحلة التالية. 

باتت الدولتان الكبريان، حتى قبل بلورة أي تفاهم أو تنسيق جديدين بينهما، مقتنعتين بأن ثمة ترتيبات سياسية يجب أن تسبق أو تواكب القضاء على «داعش» وإلا فإنه سينهض سريعا بصيغة وشعار جديدين. 

وقد تأكدت روسيا بأن مشاريعها لإنهاء الصراع المسلح أو تجميده في سورية تصطدم بالأجندة الإيرانية، فيما تيقنت أمريكا أن الحسم النهائي في الموصل لا يشكل نهاية للإرهاب في العراق طالما أن إيران تجهض، عبر ميليشيات «الحشد الشعبي»، أي سعي الى اتفاق أو مصالحة سياسيين.

في كل التقديرات، ومهما بلغت قوة الأمر الواقع واعتباراته، لا يمكن أن تستقيم حلول سياسية وفقا للصيغ والمعادلات التي بنتها إيران، سواء باستراتيجية «تصدير الثورة» أو بأساليب الشحن والعسكرة المذهبيين. 

ففي حال سورية، مثلا، ومع افتراض أن أمريكا والدول العربية والغربية المعنية قبلت ضمنا ببقاء الأسد في منصبه تسهيلا لانطلاق مرحلة انتقالية، فإن هذه الأطراف لا يمكن أن تقبل معادلة «الأسد + إيران (وميليشياتها)»، والأكيد أن موسكو لن تتبرع بأي ضمان لمثل هذه المعادلة. 

أما في العراق فإن مجرد الاعتقاد بأن الدور الإيراني دعامة للاستقرار والسلم الأهلي خطأ وخطيئة فادحان، فلا ميليشيات قاسم سليماني تشكل صمام أمان ضد عودة «داعش»، ولا تهميش إيران للجيش الوطني وهيمنتها على الأحزاب الشيعية الحاكمة يوفران ضمانا للمصالحة والوئام ومشاركة الجميع في إعادة بناء الدولة. 

أبعد من ذلك، ومع افتراض أن روسيا وأمريكا تبحثان عن توافق بينهما لتقسيم سورية والعراق، أو لفدرلتهما وتقاسم النفوذ بينهما ونقل بعض منه الى قوى إقليمية متحفزة (أسرائيل وإيران وتركيا)، فإن تقاسم النفوذ وتوزيعه لا يمكن أن يتما وفقا للمعادلات أو للمساومات التي تخيلتها طهران.

يبقى العراق بالنسبة الى إيران الركيزة الأساسية لأي نفوذ خارجي لها، أما سورية فيتيح موقعها اللعب بأوراق إقليمية شتى. لكن طموحات إيران، شاءت أم أبت، صارت في مواجهة مصالح الدولتين الكبريين.

وقد ذكرها ترامب بأن أمريكا تريد حصة متناسبة مع التريليونات الثلاثة التي أنفقتها أمريكا في العراق، أما فلاديمير بوتين فألزم حكومة الأسد بتعاقدات من شأنها أن تمنح روسيا تحكما بكل مشاريع إعادة الإعمار في سورية، ما أثار طهران، فمارست أشد الضغوط على الأسد للإسراع بإرسال وفد حكومي لتوقيع الاتفاقات التي منحت إيران إمكان إنشاء ميناء نفطي ومناجم فوسفات وترخيصا لشركة هاتف نقال. 

وفي الوقت نفسه، ما أن طرح مشروع الوقف الشامل لإطلاق النار حتى صار مصير الميليشيات الموالية لإيران في سورية قيد التداول، ومع الدفع الإيراني باتجاه خرق وقف النار شعرت موسكو بأن سلطتها في سورية تتعرض لتحد غير مسبوق، وإذا كانت تسعى فعلا الى حل سياسي جدي مع إصرارها على وجود الأسد فإنها تواجه ضرورة الاختيار بين سورية مع الأسد من دون إيران وبين سورية من دون الأسد وإيران.

الأكيد أن إيران لن تسلم بسهولة بأنها في صدد خسائر متوقعة في مجمل مشروعها، ولديها أوراق لا تزال قادرة على تحريكها. 

فالولايات المتحدة لم تتخل عن حاجتها الاستراتيجية اليها كعامل توازن اقليمي، لكن الهوس الإيراني بالهيمنة «الامبراطورية» أخل بكل التوازنات والمقاييس وبات يتطلب منها أن تعيد تعريف مفهومها للنفوذ وأهداف وجودها في الدول التي شاركت في تدمير مدنها وخربت نسيجها الاجتماعي، فضلا عن أهداف تدخلاتها في دول الجوار الخليجي. 

فالميليشيات التي زرعتها لا ينظر اليها كعناصر مرجحة للاستقرار بل كألغام داخلية، كما أن التداخل الذي نسجته بين ظواهر الإرهاب والأزمات الداخلية أصبح لعبة مكشوفة. لكن الأسوأ أن إيران أفسدت الطائفة التي تعول عليها حتى غدا شيعتها رمزا للتغول والترهيب.

* عبدالوهاب بدرخان - كاتب صحفي لبناني 

المصدر | الحياة

  كلمات مفتاحية

أمريكا إيران روسيا سوريا الإرهاب داعش ترامب الحوثيين