استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

عن مفهوم السياسة الحيوية

الثلاثاء 25 نوفمبر 2014 04:11 ص

السلطة السياسية الحديثة تختلف عن السلطة السياسية القديمة، فما نجده في كتب التراث من مفاهيم تتعلق بالإمامة والحرب والدولة وما إلى ذلك، إنما هو مرتبط بمفهوم محدد للسلطة يختلف بشكل كبير عن الشكل الحديث، الذي اتخذته السلطة في عصرنا هذا، وعدم مراعاة مثل هذا التحوّل سيؤدي حتماً إلى خلل كبير في النظر والحكم على حوادث هذا الزمان. 

وأحد الطرق التي يمكن من خلالها فهم تغير شكل السلطة في العصر الحديث عن الشكل الذي اتخذته في العصر القديم، هو توسّل مفهوم «السياسة الحيوية». فقديماً عرّف أرسطو الإنسان بأنه «حيوان سياسي»، فهو يشبه بقيّة الحيوانات من ناحية كونه يتوفر على جانب حيوي يفرض عليه غرائز وحاجات وقيود، لكنه يتميز عنه بأنه سياسي. وفي موضع آخر كان تعريفه بأنه حيوان ناطق، أي أنه يتميز عن الحيوان باللغة، واللغة والسياسة مترابطات في هذا الفهم، انطلاقاً من أنه عبر اللغة يمكن للإنسان النقاش حول قضايا الشأن العام المنفصلة عن حاجاته الجسدية والحيوية الملحة.

في عام 1974، وفي مقدمة كتابه «تاريخ الجنوسة»، طرح المؤرخ والفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو فكرته عن السياسة الحيوية. يبدأ فوكو بعرض تصوره عن السلطة السياسية في العصر القديم، فيصفها بأنها سلطة قائمة على السلب والاستيلاء: فالحاكم السياسي القديم يكون سياسياً لأن لديه القدرة على سلب الناس أرواحهم عبر الحكم بالإعدام أو إرسالهم للحروب، وأملاكهم عبر فرض المكوس والضرائب عليهم. إلا أنه ابتداء من القرن السابع عشر - كما يرى فوكو - تعرضت هذه السلطة السياسية لتحوّل جوهري، تمثّل هذا التحوّل بنشود شكل جديد للسلطة، ينزع لإدارة وحماية وتنمية وتقوية الجانب الحيوي من البشر، وهذا التحوّل إنما جاء نتيجة لتطوّر عاملين، الأول منهما هو: نشوء الرأسمالية وتطورها، فالرأسمالي حتى يستطيع أن يزيد من إنتاجيته، فإن عليه أن يزيد من ترشيد وخبرة وكفاءة عماله، وأن يزيد من جودة الآلات التي يستخدمها، وحتى يقوم بالأولى فهو بحاجة إلى التدخل في تعليم العمال وصحتهم وحياتهم البيولوجية من أجل ضمان استخراج أكبر قدر ممكن من الكدح، والكدح في التحليل الأخير هو جهد حيوي. 

أما العامل الثاني فهو: تطور الأحياء والطب كعلوم زادت من معرفة البشر بالجسد البشري (أي الجانب الحيوي منه) وعملياته، وانطلاقاً من كون الأحياء أحد فروع العلوم الطبيعية، فهي تشاركها نزعتها السلطوية الكامنة، فالعلم هو ليس مجرد معرفة العالم الطبيعي، بل هو وسيلة للتحكم فيه، فمعرفة قوانين الحركة مكنت البشر من التحكم والسيطرة عليها، وبالمنطق نفسه أدت معرفة الجسد البشري العلمية إلى التمهيد للتحكم به والسيطرة عليه. 

كلا هذين العاملين أقحما الحياة الحيوية إلى عالم السياسية، يقول فوكو: «فلألف عام، كان الإنسان ما كانه لدى أرسطو: مجرد حيوان يتمتع بخاصية إضافية للوجود السياسي، أما الإنسان الحديث فهو حيوان قامت السياسة بوضع حياته الحيوية موضع تساؤل». 

هذه السلطة الجديدة تهتم بحياة مواطنيها، ولعل أكثر الأمثلة التي توضح هذه الجوانب هو «الإضراب عن الطعام»، فالإضراب عن الطعام الذي يقوم به السجناء ضد السلطات السياسية، لم يكتسب معناه كمعارضة سياسية إلا عندما أصبح إبقاء الناس على قيد الحياة ومنعهم من الموت أحد الأهداف الرئيسة للسلطة الحديثة، ففي غوانتنامو على سبيل المثال عندما يقوم السجناء هناك بالإضراب عن الطعام، فإنهم يقومون - عن طريق حياتهم البيولوجية - بالاعتراض سياسياً على إدارة المعتقل، ويكون رد هذه السلطات هو منعهم من الموت، وذلك عبر إطعامهم قسراً، والتأكد من أنهم باقون على قيد الحياة.

الهدف من هذا المثال المتطرف كشف معنى هذه السلطة الجديدة ومنطق عملها، الذي يختلف عن منطق السلطة القديمة، وإلا فإن وجودها وهيمنتها في العصر الحديث متفشية في جوانب الدولة الحديثة كافة، فهذه الدولة تعلّم الناس وتطببهم، وتصرّح لهم أماكن سكنهم وتنقلاتهم وزواجاتهم، وجوانب حياتهم كافة بشكل لم يكن له مثيل في العصور قبل الحديثة.

بعد فوكو، تم تناول دراسة السياسة الحيوية من فلاسفة آخرين، لعل أهمهم جيورجيو آجامبن، فبالنسبة لهذا الأخير، أن أفضل طريقة لفهم «الغرب» إنما من خلال نموذج معسكرات الاعتقال النازية. يخالف أجامبن فوكو في الفصل بين مفهومين للسياسة حديث وقديم، ويصر على نوع من الاتصال في شكل السلطة القديم والحديث، وأن التغيّر إنما في الدرجة والتطرف وليس في المضمون.

فبالنسبة له، كان اليونانيون أسسوا الفرق بين نوعين من الحياة: «الزوي» أو الحياة الحيوية المجردة، و«البيوس» وهي الوجود السياسي، أي التفريق بين الوجود الطبيعي الحيوي للإنسان وبين وجوده القانوني الشرعي، وأن ما يميز المجتمع السياسي عن المجتمع الطبيعي، أن الأول لا يتشكل ولا يتكون إلا بعد أن يقصي مجموعة من البشر خارجه، فحرمان الإنسان من العضوية القانونية والسياسية في المجتمع السياسي يرده إلى محض حياته الحيوية الجرداء، وهو بهذه الحالة يصبح بلا حصانة، ويستشهد آجامبن بالقانون الروماني الذي لا يضع أية عقوبة على قتل مثل هذا النوع من البشر، ويربطه بجرائم الإبادة النازية التي ابتدأت بنزع الجنسية من اليهود قبل قتلهم.

ليس الهدف هنا استقصاء هذا المفهوم، بل عرض جوانب منه، والإشارة إلى أهميته في فهم التحولات في شكل السلطة، وأهمية أخذه في الاعتبار عند النظر للسلطة والتفكير فيها واتخاذ المواقف منها.  

* سلطان العامر كاتب سعودي.

 

المصدر | الحياة

  كلمات مفتاحية

السياسة الحيوية فوكو السلطة السياسية

جورج قرم يناقش "عودة" الدين إلى السياسة الدولية

التمييز بين لعبة السياسة والقيم الإنسانية