استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

«تودوروف» الذي تنبأ بكل شـيء

الجمعة 10 فبراير 2017 06:02 ص

ورحل الفيلسوف البلغاري – الفرنسي تزفيتان تودوروف، في الوقت الذي رأى، قبيل وفاته، كل مخاوفه التي قضى عمره في التحذير منها، تتجسّد أمامه في أكبر الديمقراطيات الغربية، الولايات المتحدة. 

رُسمت توجهات تودوروف باكراً، عندما قضى سنواته الأربع والعشرين الأولى في ظل نظام شمولي، هو النظام الشيوعي البلغاري، قبل أن يغادر صوفيا، ليستقر في فرنسا، ويصبح أبرز مفكريها، أو أبرز "مؤرخ أفكار"، كما يصف تودوروف نفسه، وهو الذي انطلق من النقد والأدب، للدخول إلى تأريخ الأفكار والإيديولوجيات. 

يمثل تودوروف حالة بارزة عالمياً، بتمسكّه بـ "قيم التنوير"، في الوقت الذي بدا الكثير بتجاوزها، إما رفضاً لـ "المركزية الأوروبية"، باعتبار التنوير حالة غربيةً لا تحمل أبعاداً خارج القارة القديمة، أو لأن التنوير أصبح سلطة أخرى، أو وهماً آخر، و"سردية كبرى" يجب أن تذوي، في وقتٍ بدأ البشر فيه بالتحرّر من أوهام كثيرة بعد الحرب العالمية الثانية، كما في "سرديات" ما بعد الحداثة. 

إلا أن تودوروف نافح عن الأنوار، في مقابل تحريرها من سياقها الأوروبي، ومحاولة إعطائها بعداً عالمياً، فكانت رؤيته قائمة على "حضارةٍ" يمكن أن يشترك فيها جميع البشر، في الوقت الذي لا تنفي هذه الحضارة ثقافات البشر وهوياتهم وتعدّدها. يكتب تودوروف في "الخوف من البرابرة": لا توجد إنسانية شاملة. .. لو حرمنا البشر من أية ثقافة خاصة، فإنهم بكل بساطة لن يعودوا بشراً. 

رأى تودوروف مبكّراً مهدّدات الديمقراطية في عالم ما بعد انهيار جدار برلين. واعتبر في كتابه "أعداء الديمقراطية الحميمون" أن الديمقراطية مهدّدة من الداخل. صدرت الطبعة الفرنسية الأولى من الكتاب في 2012، والترجمة الإنجليزية في 2014، أما الطبعة العربية فكانت في 2016.

يظهر الكتاب وكأنه نبوءة "تفصيلية" للتحذير من انهيار الديمقراطية في أوروبا وأميركا تحت وطأة صعود اليمين المتطرف، والخطاب الشعبوي، إضافة إلى هيمنة "الرأسمالية المتوحشة"، باعتبارها أبرز مهدّدات الديمقراطية من وجهة نظر تودوروف الذي اعتبر أن "غطرسة" الديمقراطية العنوان العريض لنقاط ضعفها. فبعد انهيار جدار برلين، وسقوط الاتحاد السوفييتي، لم يعد هناك خطر خارجي كبير يهدّد الديمقراطية التي هزمت خلال قرابة نصف قرن أشد أعدائها قوةً وصلافةً: النازية والشيوعية. 

حارب تودوروف على الجبهة التي ترفض اعتبار الإسلام العدو البديل للديمقراطية بعد نهاية الحرب الباردة، وعارض بشدة أفكار صامويل هنتنغتون عن صراع الحضارات، وردّ ببساطة: الصراع بين دول، ومصالح سياسية، لا بين ثقافات وأديان. 

يرى تودوروف أعداء عدة للديمقراطية، يتحدّث عن بعضها، أو عن التي يصفها بالأقرب إلى تجربة حياته في ظل نظام شمولي. يتحدّث عن "الشعبوية"، والتي يراها مضادّة للعقلانية، وساحقة للحريات الفردية. وكما يرى الخطر في الليبرالية القصوى أو الليبرالية المتطرّفة (Ultra Liberalism)، والتي جعلت الاقتصاد والرأسمالية المتوحشة محور كل شيء، في هيمنةٍ على السياسة والإعلام والقضاء، بدل أن تصبح هذه المجالات مفصولةً عن بعضها، كما يشير إلى خطر الأيديولوجيات الخلاصية (Messianism). 

يأسف تودوروف على تغيّر مفهوم "الحرية" في أيامه، حتى أصبحت أحزابٌ أوروبيةٌ كثيرة تجعل الحرية شعاراً لها، تتبنّى سياساتٍ معاديةً للأجانب، أو ترسخ أجندة الإسلاموفوبيا، أو تتبنى أيديولوجية وطنية متطرّفة، بينما يرى الحرية مرحبةً بالتعدّدية وقائمة على القبول بالاختلاف.

لكن التحول الأهم الذي شهده تودوروف، عطفاً على موضوعه، سيكون صعود اليمين المتطرف في أوروبا الغربية من جهة، وتربع الخطاب الشعبوي على سدة الحكم في أكبر الديمقراطيات الغربية، الولايات المتحدة، بعد دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

* بدر الراشد كاتب صحفي سعودي.

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

الشمولية النظام الشيوعي التنوير ما بعد الحداثة اليمين المتطرف الخطاب الشعبوي الأيديولوجيات الخلاصية الرأسمالية المتوحشة الديمقراطيات الغربية