كيف أثّرت خدمة «ستيف بانون» في البحرية وقت أزمة الرهائن في إيران في تشكيل آرائه؟

الأحد 12 فبراير 2017 08:02 ص

كان الوقت بعد منتصف الليل مباشرةً، في 1 مارس/آذار عام 1980، عندما التقت مدمّرة بحرية يقودها «ستيفن كي بانون»، ضابط الصف، مع الحاملة يو إس إس نيميتز في خليج عمان. اقتربت الرحلة من السواحل الإيرانية، حيث ستنطلق مهمّة سرّية بعد ذلك بشهر لإنقاذ 52 رهينة في السفارة الأمريكية بطهران.

وجرّت سفينة بانون يو إس إس باول إف فوستر حاملة نيميتز، والتي حملت طائرات مروحية كانت ستستخدم في استعادة الرهائن. لكن قبل أن تنطلق المهمة، جاءت الأوامر لسفينة «بانون» بالإبحار إلى بيرل هاربر، وعلم خلال وجوده في البحر أنّ مهمة الإنقاذ قد فشلت بعد اصطدام مروحيتين أمريكيتين في الصحراء الإيرانية، ومقتل 8 جنود في تلك الحادثة، الأمر الذي تسبّب في انهيار عملية تحرير الرهائن.

وقال «أندرو غرين»، أحد زملاء بانون على السفينة: «لدي كلمة مثالية» لوصف ما شعر به الطاقم بعدما علمنا فشل المهمّة. وأوضح: «الهزيمة. شعرنا بالهزيمة».

وكما قال «بانون»، كان فشل مهمّة الإنقاذ واحدة من اللحظات الحاسمة في حياته، حيث مثّلت صورة من القهر العسكري وفشل الإدارة الرئاسية، تلك الصورة التي يحملها في ذهنه أثناء قيامه بدوره ككبير للاستراتيجيين في إدارة الرئيس «ترامب». وقد قال أنّه لم يكن مهتمًّا بالسياسة حتّى قوّض الرئيس «جيمي كارتر» من البحرية وجعل مهمّة الإنقاذ في مهبّ الريح.

وأصبح «بانون»، المصرفي السابق بغولدمان ساكس والمعروف بالمدّة التي قضاها كرئيس للموقع الإلكتروني المحافظ «بريتبارت»، واحدًا من أهم الشخصيات القوية في واشنطن حيث يشغل دور كبير الاستراتيجيين في إدارة «ترامب». علاوة على ذلك، في خطوة غير عادية لناشطٍ سياسي، حصل «بانون» على مقعد دائم في مجلس الأمن القومي، الأمر الذي يعطيه صوتًا في القرارات الحاسمة في مجال الدفاع والسياسة الخارجية.

وقد خدم «بانون» 7 أعوام في البحرية، اثنين منها في البحر، ثمّ 3 أعوام تابعًا في مكتب بالبنتاغون يتعامل مع الميزانية والتخطيط. وقد أكّد السكرتير الصحفي للبيت الأبيض «شون سبيسر» أنّ تلك الأعوام تبرر منحه مقعدًا في مجلس الأمن القومي.

وفي مراجعة لـ«واشنطن بوست» للوظيفة البحرية لـ«بانون»، بناءً على مقابلات شخصية مع أكثر من 25 من زملائه البحريين وفحص سجلات السفينة المخزنة في سجلّات الأرشيف الوطني، وجدت أنّ خدمته كانت ثابتة لكن غير ملحوظة. وخدمة «بانون» البحرية هي الجزء الأقل شهرة في مسيرته، والعديد من التفاصيل عنها لم تذكر قبل ذلك. وتظهر السجلّات أنّه خدمته في البحر لم تشارك في حرب، وأنّ أقرب ما وصل إليه من الصراع كانت تجربته الموجزة على حافّة الفشل الذريع لمهمّة إنقاذ الرهائن.

لكن مع ذلك، شكّلت هذه التجربة أفكاره. ورأى التعزيزات العسكرية تحت حكم الرئيس «رونالد ريغان»، واستمر احتجاز الرهائن في إيران في يشكّل وجهة نظره عن هذه المنطقة من العالم، وكذلك دور القوّة العسكرية الأمريكية وقائدها الأعلى.

وفي الأعوام الأخيرة، تحدّث «بانون» حديثًا مروّعًا عن الإسلام. وفي عام 2007، أنتج فيلمًا استولى فيه المسلمون المتشدّدون على الولايات المتّحدة وحوّلوها إلى «الولايات الإسلامية الأمريكية». وفي عام 2014، ألقى محاضرة قال فيها: «نحن الآن، كما أؤمن، في البدايات الأولى لحرب عالمية على الفاشية الإسلامية».

وكمسؤول بالبيت الأبيض، لعب «بانون» دورًا في صياغة القرار التنفيذي الذي يستهدف الهجرة القادمة من 7 دول، من بينها إيران. وحثّ على التخلّي عن الاتّفاق النووي الإيراني الذي أبرمته إدارة «أوباما». وسيستمر مقعد «بانون» الدائم في مجلس الأمن القومي في إعطائه قوّةً غير عاديّة للتأثير على سياسات الإدارة.

واجبٌ مرهق دون قتال

ووقّع «بانون»، الذي نشأ في عائلةٍ ديمقراطية في ريتشموند، من أجل الخدمة الاحتياطية البحرية عام 1976، بعد التخرّج من فرجينيا للتكنولوجيا، ثمّ وصل بعد ذلك في عمر 24 عامًا إلى مركز تدريب القوّات البحرية في ولاية رود آيلاند عام 1977. وفي العام التالي، أبحر على متن فوستر، والتي قضى عليها معظم ترحاله في المحيط الهادئ والمحيط الهندي منذ 1978 وحتّى 1980، ووقف في موانئ بلاد مثل الفلبين وسنغافورة. وكانت فوستر عبارة عن مدمّرة مضادّة للغوّاصات، وكانت مهمّتها جرّ حاملات الطائرات وتأمينها.

كان حاملًا للراية ثمّ ملازمًا أول، وكان يستقرّ في حجرة بلا نوافذ مع سريرين ومكاتب ومساحة تخزين، وهي منطقة مريحة بالطبع، مقارنةً بعنابر الأسرّة التي ينام بها معظم البحّارة.

وأخذ في أول مهامه المسؤولية عن الهندسة، بما في ذلك التكييف، والهيدروليات والإلكترونيات. وقد كان: «عملًا صعبًا على السفينة. ولا ينجح فيه الجميع»، وفق ما قاله «إدوارد ماسو»، وهو أدميرال متقاعد خدم مع «بانون».

أصبح «بانون» فيما بعد ملّاحًا، وكان يقود السفينة، أحيانًا بآلة السدس حين يتفقد النظام الإلكتروني للتواصل مع الأقمار الصناعية، ويكتب التقارير.

ولم يشارك «بانون» بفوستر في أي معركة، لكنّ عمله كان مرهقًا للغاية حيث كانت تلعب فوستر لعبة القط والفأر مع السفن السوفييتية، تختبر كلّ منها الآخر، بحسب ما قاله زملاؤه على السفينة.

وذكر الكثير من البحارّة «بانون»، كضابط هادئ ومتقن ومواظب على العمل.

ووصفه «ويليام كيتينج» الذي كان صديقه في الغرفة بأنّه «رجل جيّد يؤدي وظيفته» وأنّه لم يكن يدخل في نقاشات سياسية. وأضاف «كيتينج» أنّ «بانون» اليوم كزعيم قومي يميني متطرّف «لم يعد هو الشخص الذي كان يعرفه».

ويذكر «كيتينج» أنّه في إحدى المناسبات، جلب «بانون» والده إلى السفينة وأدخله إلى حجرته ليستطيع النوم على سريره. ويضيف: «أتذكّرهم الاثنين معًا. لقد كان بينهما علاقة أب وابن جيّدة».

لكن كان لبعض زملائه بعض الانتقادات.

وقال «روبين مايكل»، نقيب بحري متقاعد: «لم يكن أفضل مهندس لدينا، لكنّه لم يكن سيئًا. وكان أساسًا ضابطًا من المستوى فوق المتوسّط».

وأضاف «مايكل» أنّه لم يكن لديه توافق شخصي مع «بانون»، ووجده «بغيضًا» في بعض الأحيان.

وقال «مايكل»: «كانت مشكلته الوحيدة أنّه لم يكن راغبًا بهذا دائمًا. لم يرغب أبدًا في البقاء. كان يقول أنّها ستمثّل جزءًا جيّدًا من سيرته الذاتية عندما يدخل السياسة. ولم تكن السياسة تستهوي أحدًا منّا».

وقد أخبر «بانون» بلومبيرغ عام 2015: «لم أكن سياسيًا حتّى دخلت إلى الخدمة ورأيت كم كان جيمي كارتر سيئًا، وكم أساء الأمور. لقد أصبحت معجبًا بريغان».

وما يتذكّره «جريج جاريسون»، وهو مهندس خدم على متن فوستر، أنّ بانون "كان مغرورًا نوعًا ما، ولم يكن يخالط الجنود. وكان يرفع أنفه علينا."

ولا يذكر «بانون» بمهارته في عمله فقط، بل في الرياضة أيضًا، حيث كان يستغل توقف السفينة بالموانئ المختلفة، ويدخل بفريق السفينة لكرة السلة في بعض المنافسات المحلية، وكان يعرف بـ «كوست» لأنّه لم يكن يمرر الكرة أبدًا أثناء اللعب.

وفي الوقت نفسه، استثمر «بانون» أمواله في سلع كالفضّة والذهب، وكان ينصح الملّاحين بذلك، الأمر الذي كان يبشّر بحياته المهنية كمصرفي استثماري.

القليل من الإثارة

أصبحت دوريات «بانون» أكثر توتّرًا بعدما سيطر الإيرانيون على السفارة الأمريكية عام 1979 واحتجزوا رهائن، وامتلأت الشوارع بالمتظاهرين الذين يهتفون هتافات مثل «الموت لأمريكا».

وتركّزت الحملة الانتخابية على حادث احتجاز الرهائن، وتمّ لوم «كارتر»، الديمقراطي، وامتلأت نشرات الأخبار بعنوان «أمريكا رهينة»، وتعهّد «ريغان»، الجمهوري، بتعزيز الجيش في البلاد.

وبالرجوع إلى فوستر، قال أعضاء الطاقم أنّهم كانوا مدركين لكل التوتّرات المتنامية، وأنّهم كانوا حريصين أن يكونوا جزءًا من أي إجراء قد يحدث.

وفي أواخر نوفمبر/تشرين الثاني، مع ذلك، تضرّرت قبّة السونار في فوستر، وهي قطعة حاسمة من المعدّات المستخدمة في الملاحة والكشف، وكتب «بانون»، كقائد للقطعة البحرية، في السجلّات: «الإبطاء إلى 5 عقدة للحدّ من الضرر الذي حصل لقبّة السونار»، ولم تشر السجلّات للسبب، ولم يلقَ اللوم على أحد.

وبعد ما يقارب الشهرين من الإصلاحات وأسابيع بعدها من السفر، انضمّت فوستر لحاملة الطائرات العملاقة نيميتز في 21 مارس/آذار عام 1980، والتي كانت تتجهّز بالفعل للمشاركة في عملية إنقاذ الرهائن. ولاحظ «زيمبا»، زميل «بانون» في الغرفة، أنّ هناك مروحيات هبطت على ظهر نيميتز، والذي عرف فيما بعد أنّها من أجل مهمّة الإنقاذ.

وسحبت سفينة «بانون» حاملة نيميتز حول خليج عمان، بالقرب من الحدود الجنوبية لإيران. ثمّ جاء الأمر لفوستر بالإبحار إلى ميناء بيرل هاربر.

ما حدث بعد ذلك غير واضح، لأنّ سجلّات شهر أبريل/نيسان كانت مفقودة من سجلّات الأرشيف الوطني، وأكّد المسؤولون هناك أنّه لم تكن هناك سجلّات لهذا الشهر تسلّمها الأرشيف. وفي هذا الشهر، في 21 أبريل/نيسان، انطلقت مهمّة الإنقاذ، التي راح ضحيتها 8 جنود في الصحراء.

وقال «لاري بنسون»، أحد البحاّرة المجنّدين أنّه قد أخبر أنّ فوستر كانت لتأخذ دورًا أكبر في عملية الإنقاذ إن استمرت. لكنّ بحارة آخرون، قالوا أنّهم لم يكن لديهم علم بذلك.

تشير سجلّات 1 مايو/أيار، إلى أنّ «بانون» قاد فوستر من بيرل هاربر إلى سان دييجو.

وقال بعض زملاء بانون أنّهم أعطوا أشرطة لمشاركتهم المتواضعة. لكنّ «بانون» والعديد من أعضاء الطاقم كانوا غاضبين من «كارتر» بسبب المهمّة الفاشلة.

وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 1980، بينما كانت فوستر في ميناء لونغ بيتش، ذهب «بانون» إلى منزل ماسو لمشاهدة مناظرة انتخابية بين «كارتر» و«ريغان».

وبعد 3 أشهر، بعدما فاز «ريغان» بالانتخابات، كان «بانون» يعمل لصالح الرئيس الجديد، حيث تولّى منصب مساعد في مكتب رئيس العمليات البحرية في وزارة الدفاع. وكان يشاهد بارتياح زيادة «ريغان» للميزانية العسكرية وتعزيز البحرية، مع تركيز أكبر على مكافحة الاتّحاد السوفييتي. خدم في ذلك المنصب لثلاث أعوام، واستطاع خلالها دراسة الأمن القومي وحصل على شهادة الماجستير من جامعة جورج تاون.

وذكر «بيتر هاريس»، الذي خدم مع «بانون» في وزارة الدفاع وشارك أيضًا في برنامج جورج تاون، أنّ «بانون» قد نصحه بالانضمام لبرنامج توستماسترز، الذي يعلّم مهارات التحدّث. وأضاف «هاريس»: «لقد قمنا بالكثير من اللقاءات، وأردنا أن نصقل مهاراتنا في الخطابة».

وقال «هاريس» أنّ «بانون» كان ضابطًا ممتازًا. ووصف واجباتهم في البنتاغون بأنّها «كانت في أسفل السلسلة، لكن كان يتوقّع منّا الكثير. لقد كنّا مشاركين تمامًا في ميزانية القوّات البحرية وكنّا نعمل مع كبار الأدميرالات. لقد كان وقتًا جيّدًا لنفهم كيف تصاغ سياسات البحرية ولننظر إلى هيكل القوّة لـ 20 عامًا».

وقال «باتريك مكيم»، الذي خدم مع «بانون» أيضًا في وزارة الدفاع وظلّ صديقًا له، وكان يكتب في بعض الأحيان لبريتبارت، أنّ هذه الفترة حاسمة لفهم تطوّر «بانون». عندما وصل «بانون» في فجر عصر «ريغان»، كان الجيش لا يزال يحاول الخروج من مرحلة ما بعد فيتنام ومهمّة الإنقاذ الفاشلة.

وقال «مكيم»: «كان الناس يجعلونك تشعر بالعار كونك ضابطًا». لكنّ وصول «ريغان» وإعادة بناء الجيش غيّر تلك النظرة، وحظي الرئيس الجديد بإعجابٍ كبير من «بانون». وقبل عامين من ترك «بانون» للجيش عام 1983 والتوجّه إلى مدرسة هارفارد للأعمال، أخبر «مكيم» أنّ لديه رؤية لمستقبله.

وقال «مكيم»: «لقد ذكر أنّه سيذهب إلى هارفارد ثمّ يعود ليكون وزيرًا للدفاع».

لم يحصل «بانون» على أكبر منصب في وزارة الدفاع. لكنّه يكشف عن طموحه بعد 34 عامًا، ويمكن أن ينظر إلى وظيفته في البحرية بمنظورٍ مختلف، فقد مهّدت له الطريق ليصبح إلى جانب «ترامب»، وقد يكون الآن حتّى في منصبٍ أقوى.

المصدر | واشنطن بوست

  كلمات مفتاحية

ستيف بانون ترامب البحرية الأمريكية أزمة الرهائن