السياسة الخارجية التقليدية لـ«دونالد ترامب»

الأربعاء 15 فبراير 2017 10:02 ص

لم تنقصنا الإثارة منذ تولي الرئيس «دونالد ترامب» لمنصبه، لكن ما لم يلاحظ جيدا هو التقليدية التي تمثلت في جزء كبير من سياسته الخارجية. وبالتأكيد، كان قراره بتعليق تأشيرات مواطني 7 دول ذات أغلبية مسلمة مدويا، لكن في واقع الأمر، فإن حقيقة إذا ما كان يمكن للأشخاص من اليمن القدوم للولايات المتحدة، ليست قضية جوهرية في السياسة الخارجية الأمريكية.

والجوهري هو مستقبل علاقات الولايات المتحدة بحلف شمال الأطلسي (الناتو). قبل الانتخابات، أظهر «ترامب» إشارات واضحة عن عدم رضاه عن هيكل حلف الناتو وأدائه وأهميته بالنسبة للاحتياجات الاستراتيجية الأمريكية. وفي 7 فبراير/شباط، أعلن «ترامب» التزامه تجاه حلف الناتو دون ذكر أي بدائل.

وبالمثل، خلال الانتخابات، اقترح «ترامب» مراجعة واسعة للعلاقات مع روسيا، مؤكدا على ترحيبه بعلاقات أدفأ معها. لكن موقفه الآن أن العقوبات على روسيا ينبغي أن تبقى كما هي، ولم يعط إشارة على أن المصالحة، التي تحدث عنها في الحملة الانتخابية، في طريقها للحدوث. وتحدث إلى الرئيس الأوكراني وعبر عن دعمه له، الأمر الذي لن يعجب الروس بالطبع.

وكان من المفترض أن تكون الصين هي الهدف الأول لـ«ترامب». وحتى الآن، لم يحدث الكثير من الفعل عدا الكلام، وحتى هذا هدأ الآن. لقد كان هناك بعض التغيرات في بحار الصين الجنوبية والشرقية. لكن مثل هذا الخطاب كان شائعا خلال إدارة الرئيس السابق «أوباما» أيضا، ويمثل استمرارا أكثر منه تحولا جذريا.

وجب أن نعترف أنها فقط ثلاثة أسابيع، لكن ثلاثة أسابيع تحت إدارة «ترامب»، لا تشبه تلك الأسابيع مع الإدارات الأخرى. يتحرك «ترامب» بساعة مختلفة عن الآخرين. لكن تحركه يحافظ على الوضع الراهن، حتى الآن على الأقل. وحتى في شأن إيران، التي أطلقت صاروخا باليستيا لاختباره، كان رد فعله معتدلا، مكتفيا ببعض العقوبات والحديث عن مراجعة العلاقات الأمريكية الإيرانية. وفي معظم الإدارات، كانت مراجعة العلاقات تعني التفكير في اتخاذ إجراءات، دون القيام بها على أرض الواقع.

وبالتالي، يبرز تساؤل عميق حول سياسة «ترامب» الخارجية، إذا كان هناك ما يقال بعد ثلاثة أسابيع فقط. والسؤال عما إذا كان ينوي حقا خفض التزامه تجاه حلف الناتو، وتحويل العلاقات مع روسيا، ومواجهة الصين، واتخاذ إجراءات كبيرة ضد إيران. بالتأكيد، اختار الرئيس أن يكون عدوانيا مع أستراليا خلال محادثة مع رئيس الوزراء الأسترالي، لكن بالكاد شهدنا تحولا في السياسة. ولا تصنع المكالمات الهاتفية العدائية والتهديدات عبر تويتر السياسة الخارجية، لذا فالمكالمة الغريبة مع رئيس الوزراء الأسترالي من المحتمل ألا تعني تغيرا في السياسة.

ثلاثة تفسيرات

وقد يكون هناك ثلاث تفسيرات لما يحدث. الأول، أن معظم الحديث عن السياسة الخارجية كان مجرد خطاب انتخابي. وكثيرا مما قاله «أوباما» أو «جورج دبليو بوش» خلال حملتهما الانتخابية، لم يحدث حقا. وربما «ترامب» كذلك. لقد أصدر وعودا انتخابية قد يفي بها أو لا، لكن الواقع والأحداث السياسية تجعلها مستحيلة.

والتفسير الثاني أن كبار موظفي الأمن القومي لديه، وزير الخارجية «ريكس تيلرسون» ووزير الدفاع «جيمس ماتيس» ومستشار الأمن القومي «مايكل فلين»، هم من يشكلون السياسة الخارجية. ولنقولها بصراحة، يعرف الرئيس، مثل باقي الرؤساء، أن إعادة انتخابه وشعبيته تعتمد على السياسات الداخلية (والهجرة تعتبر سياسة داخلية في هذا السياق). لذلك، سيركز وقته ورأس ماله السياسي على القضايا الهامة سياسيا، ويترك السياسة الخارجية ليتعامل معها بشكل ثانوي. وإذا كان الحال كذلك، سيتعامل «تيلرسون» و«ماتيس» مع هذه القضايا بوتيرة تقليدية أكثر من «ترامب». ولا يعني هذا أنهما لن يحولا السياسة الخارجية الأمريكية. لكن يعني أن الأمر سيستغرق وقتا أطول. (الصورة: ريكس تليرسون وزير الخارجية الأمريكي)

والتفسير الثالث قد يكون أن «ترامب» قد أدرك تعقيد هذه القضايا والتداعيات المحتملة لسوء التقدير. بنفس الطريقة التي جعلت «أوباما» لا يهدر رأسماله السياسي في محاولة الوفاء بوعوده كإغلاق غوانتانامو أو سحب القوات الأمريكية بشكل كامل من العراق وأفغانستان. وقد يكون «ترامب» أيضا قد أدرك أن بعض مما وعد به لا يمكن تحقيقه.

أنا لا أعرف الرئيس أو الديناميكية التي تربط أعضاء فريقه للسياسة الخارجية، وبالتالي، لا أستطيع أن أحدد إذا كان هذا اختلافا بين الخطاب الانتخابي وصنع القرار، أو هو مجرد تأجيل لبضعة أسابيع. ما يمكن أن أقوله هو أن هذه كانت ضمن أكثر القضايا التي ركز عليها خلال حملته الانتخابية، وحتى الآن، لم يجعلها أولوية. وأشياء مثل طلب استراتيجية جديدة لقتال «الدولة الإسلامية» ليست تغيرا في السياسة. لقد كان «أوباما» ملتزما بذلك. قد تكون تغيرا في الاستراتيجية، وإذا كانت كذلك، فقد يحتاج «ماتيس» لإنجاز برنامجه لإعادة بناء الجيش قبل أن تبدأ الاستراتيجية الجديدة في أن تؤتي ثمارها.

نبحث جميعا عن تلميحات قد توضح لنا نية «ترامب» تجاه أمور كثيرة. ولا أعرف بما ينبئ هذا في المستقبل، لكن إلى هذه اللحظة، كان نهجه تقليديا بشكل يثير الاهتمام. فلم ينتج عن كل هذه الضجة تغيرا كبيرا في أسس السياسة الخارجية.

 

  كلمات مفتاحية

أمريكا ترامب الناتو روسيا الصين

«نيويورك تايمز»: حملة «ترامب» اتصلت مرارا بالمخابرات الروسية

لماذا لن تساعد روسيا «ترامب» مع إيران؟