حرس الثورة الروسي!

الاثنين 27 فبراير 2017 06:02 ص

يبدو أن الجنرال الكسندر جوربليوف لم يحصل بعد على التقدير والاهتمام الذي يستحقه في وسائل الاعلام العبرية، أو وسائل الاعلام الدولية بشكل عام. في تموز من العام الماضي استبدل جوربليوف شخص آخر باسم دفورنيكوف كقائد اعلى للقوات الروسية في سوريا. الحديث يدور عن بضعة آلاف من الجنود المرافقين في ثلاثة اسراب تابعة لسلاح الجو الروسي، ومضادات ضد الطائرات وعدد من السفن، عملت على تغيير توجه الحرب في سوريا وأنقذت نظام الاسد.

الجنرال جوربليوف بصفته قائدا لهذه القوة هو عمليا قائد التحالف العسكري الذي يبقي على النظام السوري القمعي على قيد الحياة. وبالتدريج يساعده على اعادة السيطرة في مناطق قليلة من اراضي الدولة.

فيما يتعلق بدور روسيا كجهة غيرت كليا ميزان القوى في سوريا، كتب الكثير من الاشهر الاخيرة. وما لم يكتب تقريبا هو أن روسيا التفت على ايران، الراعية السابقة للرئيس بشار الاسد، كجهة ناجعة تفرض خطوات المعسكر الذي تبلور لانقاذه.

الجنرال قاسم سليماني، قائد “قوة القدس″ في حرس الثورة الايراني، الذي يركز النشاطات خارج حدود ايران هو شخصية معروفة. وقد حظي سليماني قبل بضع سنوات على مقال شخصي واسع في صحيفة “نيويوركر”. جوربليوف في المقابل هو شخص غير معروف بالنسبة للقراء في الغرب. ولكن ليس الجنرال الايراني، بل نظيره الروسي، مبعوث الرئيس بوتين، هو الذي يقرر الآن الى أين سيتجه الخط المحيط بالاسد.

وهذا يحدث بعد نجاحه الكبير: خضوع مدينة حلب في كانون الاول، في نهاية حملة قصف بلا رأفة قام بها سلاح الجو الروسي. وما يريد بوتين وجوربليوف هو الذي يكون. أول أمس، بمناسبة يوم الجيش الاحمر، منح رئيس روسيا لمبعوثه في سوريا رتبة جنرال بنجمتين.

قبل اسبوعين تحدثت صحيفة “هآرتس″ عن الخطوات الاخيرة للنظام في عمق هضبة الجولان. على مسافة قريبة من الحدود في الشمال، تستعيد قوات الاسد بالتدريج السيطرة على بعض المناطق. وبعد حملة من الحصار والتجويع والقصف، استسلم عدد من القرى وأعلنت ولاءها مجددا للرئيس. وهناك مفاوضات مشابهة تجري مع ثلاث قرى اخرى في مزرعة بيت جن.

في المنطقة بين القنيطرة والعاصمة دمشق يطرد النظام بالتدريج بقايا المتمردين. ولكن جبهة الجولان بقيت ثانوية. يركز الروس والاسد جهودهم في توسيع السيطرة في المدن الكبيرة في سوريا، في المركز والشمال. وقد تبينت في الاسابيع الاخيرة خطوة جديدة لاحتلال النصف المتبقي من درعا، معقل التمرد في جنوب الدولة وقريبا من الحدود مع الاردن.

جاء في صحيفة "وول ستريت جورنال" في بداية الشهر أن ادارة ترامب تريد دق اسفين في التحالف بين روسيا وايران. هذه الخطوة لم تنجح حتى الآن. هناك تقسيم عمل في سوريا يشمل غرف عمليات مشتركة وتقييمات من قبل روسيا وايران ونظام الاسد وحزب الله. في ايران نفسها هناك جدل داخلي شديد حول حجم التمويل لنشاطات حزب الله. الرئيس حسن روحاني يسعى الى تقييد ذلك، ومنح جزء من الاموال للاحتياجات الداخلية. المعسكر المحافظ وحرس الثورة يعارضان ذلك.

رئيس الاركان آيزنكوت قال أول أمس في لجنة الخارجية والامن التابعة للكنيست إن حزب الله يمر بأزمة في المعنويات بسبب خسائره الكثيرة – 1700 قتيل واكثر من 6 آلاف مصاب – في الحرب السورية. وحسب ما نشره معهد واشنطن لبحوث الشرق الاوسط فان مقاتلي حزب الله خاب أملهم من الجنرال سليماني الذي يعتبرهم لحم للقذائف من اجل تحقيق اهداف ايران في المنطقة.

الحراك في ايران يزيد من وزن روسيا في التحالف المحيط بالاسد. فهل هذا سيء لاسرائيل؟ في الاجهزة الامنية هناك جدل حول ذلك. هناك من يخشون من ازدياد قوة روسيا والتنسيق المتزايد مع الولايات المتحدة بسبب قرب الرئيس دونالد ترامب من موسكو. إنهم يخافون من أن القوى العظمى قد تتوصل الى اتفاق تقاسم القوى، الامر الذي سيخلد مكانة ايران وحزب الله في سوريا، ويُمكن ايران من الحصول على موقع استراتيجي في هضبة الجولان السورية بعد أن يعيد النظام سيطرته عليها بالكامل.

وهناك من يرون أن ذلك له افضلية. الخطر الحقيقي للحرب في الشمال، الذي سيجعل اسرائيل تتدخل، يترتبط بسيناريو عدم وجود الاتصال. عدد من النشاطات وسوء الفهم المتبادل بين الاطراف قد يؤدي الى تدهور الوضع ونشوب الحرب دون أن يقصدوا ذلك. هذا ما حدث تقريبا بين اسرائيل وحزب الله في كانون الثاني 2015 بعد التعرض لحياة جهاد مغنية وجنرال ايراني كان معه قرب القنيطرة (الامر الذي نسب لاسرائيل). الطرفان يوجدان بشكل دائم على بعد خطأين من الحرب. 

لكن الآن هناك عنوان للوساطة. روسيا لا ترغب بنشوب حرب بين اسرائيل وحزب الله. حزب الله هو مثابة ذخر لروسيا، بشكل مباشر على الأقل، وجزء من تحالف موسكو. ايضا نظام الاسد قد يتضرر اذا انجر لمساعدة حزب الله في حالة اندلاع الحرب مع اسرائيل.

التنسيق الكامل بين اسرائيل وروسيا والذي يسعى الى منع التصادم الجوي بين الطرفين، أكثر نجاعة في الوقت الحالي. يبدو أن روسيا تتصرف ببراغماتية ومرونة. وقبل بضعة اشهر كتب هنا عن نشر اجهزة الدفاع الروسية المتقدمة في موقع حميميم في شمال غرب سوريا. ورادارات هذه الاجهزة تغطي أي حركة جوية في اسرائيل، وحتى موقع سلاح الجو في شمال النقب. يبدو أنهم في اسرائيل كانوا قلقين من أن تعزيز تواجد روسيا سيقلص مجال عمل سلاح الجو في المنطقة الشمالية.

حسب ما نشر في وسائل الاعلام العربية، فان قصف اسرائيل لقوافل السلاح ومخازن السلاح لحزب الله في وسريا يستمر بدون ازعاج. وقد قيل في التقارير إن الطائرات تقوم بالقصف عن بعد وهو في سماء لبنان أو فوق البحر المتوسط. هذه المناطق ايضا توجد في مجال الرادارات الروسية، لكن يبدو أن موسكو لا تهتم كثيرا بهذا الامر. واذا كان جزء من السلاح الذي يتم تدميره من صنع روسيا، فهذا قد يعني عقد صفقات اقتصادية جديدة مع حزب الله وايران، اللتان تقدمان الشيكات.

 

وراء الاتفاق

نجاعة روسيا في المنطقة ترتبط بشكل مباشر بالضعف الدراماتيكي في مكانة الولايات المتحدة. ادارة اوباما قامت بالتخلي عن الملف السوري، وتراجعت عن معاقبته في اعقاب استخدامه للسلاح الكيميائي في صيف 2013. وبعد ذلك بذل الرئيس السابق ورجاله قصارى جهودهم من اجل عدم التدخل من اجل وقف الكارثة الانسانية التي تسبب بها الاسد. وتم التركيز على الحرب ضد داعش. وقد وصلت الامور الى درجة اعتراف الاستخبارات الامريكية بشكل علني أمام النظراء الاسرائيليين بأنهم لا يعرفون سياسة الرئيس في المنطقة، باستثناء أوامر الامتناع عن التورط الذي قد يسيء لصورة الادارة الامريكية.

في نظرة الى الوراء، يصعب تجاهل الصلة بين تقليص تدخل ادارة اوباما في سوريا ووقف الجهود لاستبدال الرئيس الاسد وبين التقدم في المحادثات مع ايران، الامر الذي أدى الى التوقيع على الاتفاق النووي في فيينا في تموز 2015. موقع ايراني للاخبار اقتبس في هذا الاسبوع اقوال رئيس مجلس الخارجية التابعة للبرلمان في طهران، الذي حذر الرئيس ترامب من الكشف عن جميع التفاهمات المتعلقة باتفاق فيينا. وقد جاءت هذه الاقوال في اعقاب تبادل الاتهامات والتهديدات بين واشنطن وطهران بعد اجراء التجربة الايرانية على الصاروخ البالستي في كانون الثاني. وقد اختارت ادارة اوباما تجاهل التجربة السابقة في أيار الماضي، أي بعد أقل من سنة على توقيع الاتفاق النووي.

في موقع الانترنت الاسرائيلي “نمري” جاء، بناء على تصريحات كثيرة لقادة حرس الثورة الايراني، أنه توجد لطهران اسباب تجعلها تعتقد أن الادارة الامريكية السابقة لن تقوم بالانتقام منها بسبب اجراء التجارب الصاروخية في المدى الذي لا يزيد عن 2000 كم، أي أن هذا يهدد اسرائيل نظريا، لكنه لا يهدد دول اوروبا الغربية. الاتفاق النووي لا يشمل الحديث عن صواريخ ايران، لكن قرارات مجلس الامن تمنع هذه التجارب.

الاستخبارات الاسرائيلية تجمع تقريبا على أن اتفاق فيينا مليء بالثقوب لكنه ايجابي وحيوي. هناك فرصة لأن يوقف الاتفاق تقدم ايران نحو القنبلة النووية مدة عقد. لقد كان براك اوباما صديقا حقيقيا لاسرائيل، اهتم بمنح المساعدات الامنية بمستوى غير مسبوق. هذا لا يجب أن يمنع النقاش حول اخطاء الادارة السابقة في سوريا وايران الى حد ما، وايضا تعاطيه العدائي مع القيادة المصرية.

 

بطل الادارة الامريكية

الجنرال هربارد ريموند مكماستر الذي اختاره ترامب لمنصب مستشار الامن القومي، بعد الجنرال مايكل فلين، كان طوال سنوات زائرا معروفا ومرغوبا فيه في الاجهزة الامنية الاسرائيلية. ولأن جزء من مهماته في الجيش الامريكي اختص في بلورة نظرية الحرب والارشاد، فقد عمق مكماستر علاقاته مع ضباط رفيعي المستوى في الجيش الاسرائيلي ومع اكاديميين اسرائيليين. الاسرائيليون الذين التقوا معه يتحدثون عن ضابط له ماض عسكري لامع وقدرة ذهنية لافتة، وعن أنه لم يقم باخفاء الاهمية التي يوليها للعلاقة الامنية بين الدولتين.

لقد كتب مكماستر مقدمة النسخة الانجليزية لكتاب د. ايتان شمير بعنوان “قيادة مهمة”، الذي يقارن بين تقاليد القيادة في الجيش، مع الجيش الامريكي والجيش البريطاني. شمير الذي هو عضو رفيع في مركز بيغن – السادات في جامعة بار ايلان كان ضيفا لبضعة ايام على الجنرال الامريكي عندما كان مسؤولا عن القاعدة الكبيرة “بورت بنينغ” في جورجيا. وهو يتحدث عن ضابط هام وشخصية مؤثرة مرؤوسيه يحترمونه جدا، وهذا لا ينبع فقط مع حكمته، بل لكونه بطلا للحرب. فقد رأى العدو عن قرب.

 حارب مكماستر كقائد للواء مدرعات في حرب الخليج في 1991. في المعركة الهامة الوحيدة في تلك الحرب امام الحرس الجمهوري العراقي. وفي الحرب العراقية الثانية في 2003 كان قائدا لكتيبة واعتبر فيما بعد أحد الضباط الاوائل الذين أدركوا ضرورة الصلة المباشرة مع السكان المدنيين وتجنيد المتعاونين من بينهم.

يقول شمير “من يتابع محاضراته الكثيرة يلاحظ أن مكماستر يشدد دائما على العنصر الانساني في الحرب بشكل يفوق التكنولوجيا. وفي المؤسسة الامنية الامريكية هذه نظرة نادرة نسبيا”. في السنوات التي تلت ذلك لم يتم ترفيع مكماستر بسبب الانتقادات التي وجهها لأداء الجيش الامريكي في العراق. وقد خصص مكماستر رسالة الدكتوراة للهجمة الشديدة من قبل قادة الجيش على البنتاغون في حرب فيتنام. حيث قال إن على المسؤولين وضع خط مستقيم وضعضعة الفرضيات التي تبناها الرئيس لندن جونسون عند اتخاذ القرار المصيري حول تعزيز القوات الامريكية في فيتنام.

المديح الاسرائيلي يتداخل جيدا مع الاجماع الاستثنائي في عهد ترامب، حول تعيين مكماستر. ومن بين منتقدي الرئيس هناك من هم اكثر تفاؤلا، حيث يعتبرون أن هناك قطبان داخل الادارة الامريكية، القطب الايديولوجي الراديكالي برئاسة المستشار الاستراتيجي ستيف بنون، وقطب الجنرالات المهنيين ومنهم وزير الدفاع جيمس ماتس ووزير الخارجية ريكس تلرسون والمستشار الجديد مكماستر. هذان المعسكران سيتحاربان من اجل التأثير على الرئيس. وقد ينجح أحدهما في اقناع ترامب للسير في سياسة خارجية صقورية احيانا، لكن تبقى مدروسة ومسؤولة.

لكن مثل امور كثيرة متعلقة بالرئيس الامريكي، يبدو أن هذا التقدير سابق لأوانه. ادارة ترامب أثبتت أنها مثلث برمودا، وهو المكان الذي تُدفن فيه التوقعات الواحد تلو الاخرى مثل السفن المفقودة والغارقة.

* عاموس هرئيل محلل عسكري إسرائيلي. 

  كلمات مفتاحية

سوريا ايران التأثير الاقليمي بشار الاسد روسيا أميركا حزب الله إسرائيل