استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

كيف أفشلت روسيا استراتيجيتها المنفردة في سـورية؟

الخميس 2 مارس 2017 05:03 ص

أين الولايات المتحدة؟... هكذا تساءل المبعوث الأممي الخاص بالأزمة السورية أمام مؤتمر ميونيخ للأمن في سياق حديثه عن التحضير للمفاوضات بين المعارضة والنظام، وبعد شروعه في إدارة «جنيف 4» قد يكون ستيفان دي ميستورا تساءل أيضا: أين روسيا؟

فغياب الدولتين الكبريين مؤشر، لديه ولدى كثيرين، لمراوحة التفاوض في انتظار تدخلهما، الذي ينتظر بدوره توافقهما، كما يتطلب استعادتهما الاتصال والتواصل لإنتاج تفاهمات جديدة، اذ لم يبق من السابقة سوى القليل الذي يمكن الإبقاء عليه.

ثم أن روسيا غيرت الكثير من معطيات الأزمة ووقائعها، بعدم ممانعة أو بشبه تفويض أمريكيين، لكن من دون أن يعني ذلك أن واشنطن باصمة مسبقا على كل ما تفعله موسكو أو مستعدة للقبول بكل أمر واقع تقيمه. على العكس، قد تكون أمريكا، بدورها، في صدد إحداث تغييرات لجعل المناطق الآمنة أمرا واقعا آخر، ولذا تجب مراقبة الحراك في جبهة درعا والمراجعة الأمريكية لقواعد التنسيق مع تركيا في شأني الشمال السوري و«الحرب على داعش».

شعرت دول «مجموعة أصدقاء سورية» ببعض من الارتياح، خلال اجتماعها في برلين، عندما أكد وزير الخارجية الأمريكي دعم واشنطن مفاوضات جنيف، إذ كان نظراؤه يتخوفون من موقف مفاجئ وصادم على الطريقة الترامبية، خصوصا أنهم تلقوا إشارات عدة تفيد بأن الإدارة الجديدة لم تعد مقتنعة بأن مسار جنيف يمكن أن يفضي الى حل سياسي. لكن وحدة الموقف ومظهر التماسك اللذين خرج بهما اجتماع «أصدقاء سورية» ليسا الكلمة الأخيرة لإدارة ترامب، كونها لا تزال تدرس خياراتها وليس معروفا من توجهاتها المقبلة سوى تركيزها على ضرب «داعش»، وكونها في كل الأحوال تريد تعاونا مع روسيا.

لذلك فإن «الدعم» الذي أعلنه ريكس تيليرسون لـ«جنيف 4» لا يحمل ملامح الرعاية السابقة للمفاوضات وأهدافها، ولا يوضح من تدعم إدارة ترامب حاليا في سورية، فهي جمدت تسليحها لفصائل مقاتلة وحضتها على توحيد صفوفها لمقاتلة «داعش»، وليست لها اتصالات معروفة مع أي فريق معارض، فيما تتداول على نطاق ضيق معلومات عن اتصالات لها مع أجهزة تابعة للنظام في إطار التخطيط للحرب على الإرهاب وربما تتناول ايضا مسألة «المناطق الآمنة».

كما ينتظر الحلفاء والأصدقاء، كذلك ينتظر «قيصر» الكرملين، فالتسرع في اتخاذ قرارات والتعثر في اختيار الأشخاص والتقلب في تحديد الأهداف تؤخر إقلاع إدارة ترامب بسياسة خارجية جديدة على رغم وجود ملفات ساخنة. كما أن التأرجح بين الاندفاع والتراجع أكد صعوبة أن تحسم واشنطن موقفها من روسيا، فأجواء المغازلات بين ترامب وفلاديمير بوتين تبددت ولم يبق سوى منها تكرار بروتوكولي للرغبة في تقارب وتعاون ليس واضحا متى يبدآن، ولا في أفق استراتيجي يمكن تطبيقهما.

ولا شك أن قضية التدخل الروسي في الحملة الانتخابية وتداعياتها وصولا الى استقالة مايكل فلين المستشار السابق للأمن القومي أبطأت التقارب وأجلته. وإذا أضيف الجدل على تصنيف روسيا صديقا أو عدوا، وتأكيد استمرار العقوبات على خلفية الضم الروسي لشبه جزيرة القرم، كذلك تجديد نائب الرئيس ووزير الدفاع الالتزام الأمريكي بحلف «الناتو»، كعوامل مفرملة للتعاون، فإن هذه تمس مباشرة عصب سياسات بوتين وثوابتها والتنازلات التي يتوقعها من إدارة ترامب.

غير أن الملف السوري يبقى محكا مهما بين روسيا وأمريكا، وقد استغل بوتين الغياب الأمريكي لإعادة هندسة معالم الأزمة، بدءا بحسم عسكري لمعركة حلب ثم بمحاولة انهاء الصراع المسلح واقامة تفاهم وضمان ثلاثيين (مع تركيا وإيران) لرعاية وقف شامل لإطلاق النار والتمهيد لمفاوضات على الحل السياسي.

وبمواكبة ذلك أعلنت موسكو توسيع قاعدتها في طرطوس للمكوث فيها 49 سنة مقبلة وأبرمت مع حكومة نظام بشار الأسد اتفاقات تمنحها تحكما لاحقا بالاقتصاد وإعادة الإعمار، فيما كانت أنجزت خطوات متقدمة في إعادة تنظيم الجيش الحكومي وتهيئته لاستيعاب الميليشيات التي انبثقت من صفوفه أو فرختها إيران الى جانبه بقصد تهميشه، فضلا عن استعادة العسكريين المنشقين أو دمج عناصر الفصائل المسلحة المعارضة.

كل ذلك أعطى انطباعا عاما بأن روسيا امتلكت الكلمة العليا والأخيرة في الشأن السوري، سواء بوجودها على الأرض وعملها المباشر مع النظام، أو بتفاهم مع تركيا مكنها من ضبط ايقاع الفصائل وبت تصنيفها معتدلة أو متطرفة.

أوحت الوتيرة السريعة لتحرك موسكو بأن روسيا تسعى من جهة الى التطهر من وصمة جرائم حلب وتدميرها، أي أنها - أخيرا! - تغيرت وتريد أن تقنن «النصر» الذي أهدته الى حليفيها نظامي دمشق وطهران في مسار «سلمي» - سياسي. وكان يمكن أن يولد ذلك دينامية لإنهاء الصراع، لو أن هذه هي الارادة الحقيقية لموسكو، ولو أن ادارتها لهذا المسار لم تكن على هذا القدر من اللامهنية التعيسة، كما أن «التغير» الروسي المفترض لم ينعكس على نظام الأسد وإيران.

من ذلك مثلا، أن موسكو استبقت إعلان وقف النار باجتماع ثلاثي لوزراء الخارجية وآخر لوزراء الدفاع لتأكيد «ضمان» الدول الثلاث لتنفيذه، لكن تبين أن الضمان الوحيد سرى على الفصائل المعارضة وقد التزمته تركيا، فيما لا يزال ضمان روسيا للنظام، وإيران لميليشياتها، بلا أي تأثير حتى الآن.

وكان يفترض أن تكسب روسيا في مؤتمر «أستانة 1» صدقية مفتقدة، إلا أن كل ما فعلته قبله وخلاله وبعده كان عبارة عن خطوات مبتسرة ومنقوصة، وقد تأكد الآن أنها إما فشلت في إلزام النظام وإيران باحترام الهدنة، أو أنها لم ترد ذلك اصلا، بدليل أنها شاركت في انتهاكات لوقف النار في مناطق لا وجود فيها للمجموعات المصنفة إرهابية. بل استعادت أخيرا نهج التوحش عندما استخدمت قنابل النابالم في قصف حمص وإدلب.

ثم كان ذلك الأداء البائس الذي تمثل بتمرير نسخة دستور جديد لسورية أعدها «خبراء» روس. فعدا أن فكرة الدستور المعلب مستهجنة كليا، كانت طريقة تقديمه مسخرة موصوفة. وإذ قيل إن هذه المساهمة الدستورية استهدفت تفعيل المفاوضات وتسريع الخطى نحو الحل السياسي، فإنها كشفت أمرين: الأول أن موسكو تعمل على مسار مواز لـ«جنيف» أو بديل منه، والآخر أنها أرادت اقحام الفصائل المسلحة في ما لم تعد نفسها له.

وحينما حاولت موسكو، قبيل «أستانة 2»، الدفع أكثر في اتجاه «تسييس» جدول الاعمال العسكري، جازفت بزعزعة تفاهماتها مع تركيا، ووجهت من جانب الفصائل بأنها لم تلتزم تعهداتها في شأن الهدنة. ثمة مفارقة غريبة في «أستانة 1»، فهو كان فرصة صنعتها موسكو ثم فوتتها مع سابق تعمد وتصميم، وكان بإمكانها أن تقصره على وفدين عسكريين للتداول في تثبيت وقف النار إلا أن طبيعة وفد النظام كشفت أن المقاصد الروسية من المؤتمر كانت سياسية وهو ما شاءت ترسيخه في «أستانة 2» لكنها أخفقت، ما أدى أيضا الى اجهاض جدية الآلية الثلاثية لوقف النار.

كانت موسكو تخلت عن تصنيف جميع الفصائل بأنها «ارهابية» أرادت من جهة استمالة الفصائل «المعتدلة» واحتواءها فجاءت بممثليها الى أستانة باعتبارهم «متمردين» مهزومين في حلب لمواجهة «وفد الحكومة» الذي واصل اعتبارهم «ارهابيين».

بل أرادت من جهة اخرى فرض مسار أستانة لنسف مسار جنيف أو افراغه من أي مضمون، فالأزمة في نظرها هي بين النظام ومتمردين مسلحين وليست بينه وبين معارضة سياسية، أما معارضو المنصات (موسكو والقاهرة وأستانة وحميميم و...) غير المرتبطين بأي فصائل ولا بأي حراك شعبي، فيمكن استخدامهم لتسليط الضوء على تشتت المعارضة في مقابل تماسك النظام، وبالتالي للتحكم بوجهة أي حل وضمان أنه لا يعني انتقالا بل استمرارا سياسيا.

هكذا أفشلت روسيا مسار جنيف كما أفشلت مسار أستانة، مفضلة العودة الى الضغط العسكري لاستدعاء إدارة ترامب الى مساومة لم تفلح في فرضها على إدارة أوباما.

* عبدالوهاب بدرخان - كاتب صحفي لبناني

المصدر | الحياة

  كلمات مفتاحية

سوريا روسيا إيران مفاوضات أستانة النظام المعارضة الإرهاب