«حياة الغرباء»..فيلم ألماني يهدي شعاع أمل للمقهورين بالحكم الشمولي!

الخميس 2 مارس 2017 09:03 ص

قد نُضطر إلى أن نحيط شمعة الحياة بضوء أعيننا، فحسب لكي تظل مضاءة، وحينما تشرق الشمس قد لا يكون لحياتنا الوجود الذي نريده، أو قد لا نكون موجودين من الأساس.

فيلم «حياة الغرباء»، ميلودراما ألمانية تم إنتاجها عام 2006م، من إخراج شاب لم يكن عمره يزيد عن 31 عاماً حينها وهو: «فلوريان هينكل فون دونرسمارك» ليصبح العمل السينمائي واحداً من أهم محطات السينما الألمانية بل العالمية، وينال في نفس العام عشرات الجوائز، ومنها جائزة أوسكار أفضل فيلم مترجم.

منذ عام 1945 حتى عام 1961م استطاع أكثر من 3 ملايين ألماني شرقي الهرب من جحيم الحياة وتحكم «البوليس السري» عبر «وكالة الأمن القومي»، ليتمتعوا بالآدمية في ألمانيا الغربية، وهو ما استطاعت ألمانيا الشرقية التغلب عليه بدءاً من  أغسطس/أب 1961م، فقام العمّال في ألمانيا الشرقية ببناء 155 كيلومتر من جدار يصل ارتفاعه إلى 12 متراً مع الأسلاك الشائكة وأبراج المراقبة وأجهزة الإنذار، ليقضي السور على حياة ما لا يقل عن 137 شخصاً، لكنه سقط في 9 من نوفمبر/تشرين الثاني 1989م تحت قبضة التدافع الجماهيري من ألمانيا الشرقية إلى الغربية إلى الأبد، وكنّا في مصر نتبادل قطعاً من حجارة السور في شغف وإيمان بأن الدور على حدودنا العربية قادم!

عمر من الكبت

وحتى سقوط السور تم القضاء على الآلاف من الداعين إلى الحرية وتوحد الألمانيتين، ليبقى فيلم «حياة الغرباء»، أو «حياة الآخرين» عبارة عن 137 دقيقة، لولا مشاهد خارجة قليلة، من الدعوة إلى الحرية، وإضاءة شمعة أمل في حياة مقبلة لكل الشعوب التي تعاني من الحكم الشمولي الظالم، سواء تحت دعوى الاشتراكية أو غيرها.

يكتب «غورغ درايمان» (سيباستيان كاتش) النصوص المسرحية والمقال، ويبدو هادىء الطباع، له جمهوره بالإضافة إلى عشيقته الممثلة شبه المشهورة «كريستا ماريا سايلاند» (مارتينا جاديك)، ولكن وزير الثقافة في عام 1984، حيث تقع أحداث الفيلم في المانيا الشرقية، وهو المسؤول في الحزب الشيوعي، وعضو حزب «الستاسي» الشيوعي و«الأمن القومي» (أمن الدولة) يُضايقه مجرد وجود «درايمان»، كمثقف محبوب، وساعٍ بالفن نحو إنسانية أهل بلده، يتضايق الوزير «همبلاف» منه، ككل دعي مسؤول عن الثقافة في عالمنا، ولذلك يحاول التخلص منه للقضاء على أحد مُنافسيه في الحزب والانفراد بعشيقته.

يبدأ الفيلم بلقاء ضابط الشرطة «غروبيتز» (أولريك توكر) مع المُحقق «غيرد وايزلر» (أولريك موهه)، الضابط الفاشي الظالم، أثناء تدريسه محاضرة لطلابه حول كيفية استجواب المُعتقل(227) المُتهم بتسهيل هروب آخر إلى ألمانيا الغربية، وكان التعذيب السائد آنذاك أقله حرمان المعتقل من النوم عبر تحقيقات تدوم لـ40 ساعة متواصلة حتى ينهار(227)، فالمعتقلون مجرد رقم أو أعداء للنظام المستمد لتبعيته من الاتحاد السوفيتي، ولما يسأله طالب عن سبب العنف، يؤشر «إيزلر أمام اسمه بما يعني القبض عليه لاحقاً.

يتبنى «إيزلر» مهمة القضاء على «درايمان»، بداية من مراقبة منزله، حتى تركيب عدسات في مختلف أنحاء شقته، بما فيها دورة المياه وغرفة النوم.

وفي نفس الوقت يُطارد «همبلاف»، وزير الثقافة، عشيقة الكاتب حتى ينال منها، في مقابل استمرارها على المسرح، وعشيقها في الكتابة، ويُفاجىء «إيزلر» بالحقيقة وأنه إنسان فاشل، بخاصة لما يُشاهد حيرة «درايمان» تجاه واقع الثقافة ومستقبل بلده، وأيضاً نحو أستاذه المخرج «يراسكا»، الذي يرفض السفر إلى ألمانيا الغربية أملاً في إفاقة شعبه في الجانب الشرقي، وهوما لا تغفل السلطات المُدمنة للاستبداد عنه لتمنعه من التأليف، وظهور أعماله على خشبة المسرح لمدة 7 سنوات، ليبكي متسائلاً عن قيمة المخرج بلا إخراج، وقيمة الطاحونة بلا ذرة، ويُفيق الإنسان داخل «إيزلر»، وهو يرى نفسه باسم الاشتراكية بلا أسرة، ولا زوجة، ويمارس الجنس بالطلب مع عاهرة تأتيه مثل رفاقه في الحزب بلا مشاعر، فيما يرى «درايمان محبوباً من «كريستا»، حتى يضطر إلى الذهاب ولمس سريرهما في إشارة إلى افتقاد الحياة حتى في صورتها غير السوية بين العشيق والعشيقة.

إفاقة نادرة

ويرى «إيزلر» لوعة «درايمان» على أستاذه، ويتاثر بعزفه الموسيقي، وحواراته حول الأمل، فيقرر مساعدته بأن يدله على العلاقة بين عشيقته والوزير، بل وينهاها عن الذهاب إليه، ويتمادى بالتغاضي عن مقال للكاتب نشر في جريدة كبرى بألمانيا الغربية، حول الانتحار في ألمانيا الشرقية، مما يجعل رئيسه «غروبيتز» في موقف صعب، كلما هم بالتخلص من الكاتب ودفعه نحو السجن الانفرادي الأبدي المؤدي إلى الجنون تدخل «إيزلر» بتدمير الأدلة، رغم نجاح رئيسه في تجنيد العشيقة كمخبرة في الجهاز الأمني عبر الضغط عليها واستغلال حاجتها للدواء المهدىء نتيجة ما تحياه من أوضاع مأساوية تضطرها في النهاية إلى الانتحار.

ويُعاقب «إيزلر» بعد فشل العملية بالإبعاد عن منصبه، وتكليفه بمجرد فض الخطابات بدقة قبل قرائتها، فيما يتغير رئيس الحزب الشيوعي السوفيتي من «إريخ هونيغر» إلى «ميخائيل غوربتشوف» ليقل الضغط قليلاً على ألمانيا الشرقية.

وبعد انهيار السور يعمل «إيلز» موزعاً للبريد، ويعرف «درايمان» الحقيقة فيهديه كتابه عن حكايات الرجل الطيب المتضمن لأستاذه الذي مات منتحراً، وحينما يسأله موظف المكتبة: «هل أُغلف الكتاب لك كهدية إلى غيرك» يجيبه بثقة: «بل إنه لي!».

السينما المُعاشة

يعتبر الفيلم أحد العلامات غير الإنجليزية التي توزع وتعرف خارج الولايات المتحدة وبريطانيا، وهو أقرب إلى السينما المُعاشة التي تروي أدق التفاصيل عن فترة آخر 4 سنوات في حياة ألمانيا الشرقية، عبر رصد الدوران في الشارع (الصينية بلغة الخلجيين)، وانتشار أسلاك المراقبة في المنازل حتى إنها لتلف المانيا الشرقية كلها لولا «إيزلر» الذي يُصحح الوضع، ويمنح الكاتب قبلة الحياة بالتغاضي عن مقاله الذي نشر في ألمانيا الغربية وسبب فضيحة دولية حول الانتحار في الجانب الشرقي، كحدث مفترض أنه ساعد على انهيار السور، في دفعة أمل جيدة يدفع الفيلم بها كل المقهورين إلى محاولة التحرر.

ورغم أنها تجربة المخرج الأولى التي جاءت كالطفل الأول محملة بعبق وأخطاء البدايات، إلا ان الفيلم في مجمله جاء جيداً، تكاتفت الموسيقى في البداية المكثفة من الناي والوتريات في إشعار المُشاهد بقلق الأبطال، ثم موسيقى (سوناتا الرجل الطيب) لتكثيف مشاعر الكبت..وصولاً إلى صخب الموسيقى عند المواجهات، وهدوء النهاية.

كما جاء التصوير الناعم لتفاصيل الحياة وصمت الناس في الشوارع، وتعاقب فصول العام في سرعة تجسد اليأس من التغيير، بالإضافة إلى الخريف عقب انتحار العشيقة، مع مفردات أخذ الأثر من المتهمين والاحتفاظ بها، وأرشفة مئات الآلاف من السجلات لتذكير كل بلد ثوري تحت الظلم بأن الغد قادم.

جاءت البطولة الحقيقية في الفيلم لـ«إيزلر» أو الممثل (أولريك موهه)، وبدا وجهه طوال الفيلم كوجه الجراح الذي أدمن إجراء العمليات ونزيف الدماء أمامه، حتى إن المُشاهد ليعرف بالكاد أن يُريد الإيماء بالابتسام أو النفور أو حتى تغيير الموقف الحياتي تماماً، فلما سُئلَ كيف استطاع فعل ذلك أجاب:

ـ «لأنني عانيتُ من كتابة 3 من زملائي في المسرح لتقارير ضدي قبل انهيار سور برلين بالإضافة إلى زوجتي نفسها!».

 

المصدر | الـخليــــج الجــديــد

  كلمات مفتاحية

حياة الغرباء شعاع أمل المقهورون الحكم الشمولي