«جيوبوليتيكال فيوتشرز»: أنقرة تتحدى سياسة واشنطن تجاه الأكراد

الاثنين 6 مارس 2017 07:03 ص

لم تستطع واشنطن وأنقرة التوصل إلى قرار بشأن الصراع مع الأكراد السوريين منذ فترة طويلة.وقد وصل التوتر بينهما في وجهات النظر المتعارضة تجاه الأكراد إلى ذروته يوم 2 مارس/أذار عندما صرح وزير الخارجية التركي «مولود شاوش أوغلو» أن تركيا سوف تضرب قوات الدفاع السورية التي يقودها الأكراد إذا لم تغادر منبج، وهي مدينة بالقرب من الحدود الجنوبية لتركيا. كما أن الإجراءات تشير إلى أن تركيا مستعدة للتحرك ضد الأكراد. وهذا بدوره يجبر واشنطن على إعادة تقييم علاقاتها مع الأكراد. وتحاول الولايات المتحدة وتركيا حل خلافاتهما بشأن قوات سوريا الديمقراطية في منبج قبل أن الانتقال إلى الرقة.

وإذا لم تتفق الولايات المتحدة وتركيا حول تحديد دور الأكراد في المعركة، فإنه لن يكون بالإمكان شن هجوم فعال على موقع الدولة الإسلامية.

كان الجنود الأتراك في قيادة الجيش الأول على الحدود في حالة تأهب من خلال التدريبات في قاعدة كيليس العسكرية على الحدود التركية السورية في 2 مارس/أذار 2017. وقد جرت مناورات عسكرية عبر الجدار الحدودي الجديد، مع تطبيق تدابير أمنية جديدة مثل المسح الحراري والدوريات التي تقوم بها المركبات الجديدة التكتيكية المدرعة «كوبرا-2» التي يتم استخدامها لتشديد الإجراءات على الحدود التركية.

ومع اقتراب إرهاصات معركة الرقة في الأفق، بدأت الولايات المتحدة وتركيا في عملية مواءمة لمصالحهما. مع الأخذ في الاعتبار أن العاصمة الفعلية للدولة الإسلامية تتطلب التكامل على نطاق واسع من القوات الدولية، وبخاصة القوات التركية والولايات المتحدة. ولابد أن يكون التحالف ضد الدولة الإسلامية، قادرا على التنسيق من أجل حل الخلافات حول دور الأكراد السوريين في ساحة المعركة. فمنذ بدء النزاع السوري، كان للولايات المتحدة وتركيا وجهات نظر مختلفة جذريا حول السكان الأكراد في المنطقة. وبينما تنظر الولايات المتحدة إلى الأكراد كقوة قتالية فعالة ولكن محدودة، فإن الأتراك لديهم رؤية أن الأكراد إرهابيون يحاولون تعزيز موقفهم الاستراتيجي بالقرب من جنوب شرق الحدود التركية.

وبالنسبة لواشنطن، فإن قوات سوريا الديمقراطية تعد شريكا مناسبا في المعركة ضد الدولة الإسلامية. وهي في حاجة إلى مزيد من المقاتلين على الأرض، لكنها لم تكن على استعداد أو بحاجة لاستخدام قواتها الخاصة. لذا فقد قدم الأكراد القوة العاملة اللازمة.

وكانت منبج معقلا استراتيجيا للدولة الإسلامية في 2016 لأنها وفرت ممرا للإمدادات، وكذلك المقاتلين الأجانب. واستطاعت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة النجاح في معركتها للسيطرة على منبج. وقد أنشأ الفوز في منبج موطئ قدم دفاعي للأكراد في شمال سوريا، والأهم من ذلك، أنها تصب في قلب مصالح الولايات المتحدة، والتي يمكنها أن تحميهم من الأتراك.

لم يكن للأكراد الرغبة ولا القدرة على التوغل في عمق الأراضي وحدهم. ولكنهم كانوا يسعون كي يكونوا مفيدين للولايات المتحدة في وقت كان فيه الأتراك مترددون في خوض المعركة. وقد حقق لهم العمل مع الولايات المتحدة الكثير من الفوائد، حيث كسب الأكراد المزيد من الأراضي والأسلحة ومزيدا من الشرعية في أعين المجتمع الدولي. ولم يحقق الأكراد دولتهم من خلال التعاون مع الأميركيين، ولكنهم ظهروا وكأنهم يتحركون في الاتجاه الصحيح.

وترى واشنطن دعم أنقرة باعتباره المفتاح لهزيمة تنظيم الدولة، ولكن عمل الأتراك يتطلب وقتا وقوات محلية أكثر وباستخدام الأكراد كقوة مؤقتة في القتال تتحقق كل الأهداف ولكن تركيا لا يمكن أن تتسامح مع الوجود الكردي في شمال سوريا، و تتخذ أنقرة الآن إجراءات لحرمان الكرد من السيطرة على الأراضي في منبج.

لا تفرق تركيا بين الأكراد السوريين الذين يسيطرون على منبج، وحزب العمال الكردستاني، وهو جماعة متمردة ماركسية تقاتل من أجل إقامة دولة كردية مستقلة في تركيا منذ أواخر السبعينيات. وقد شن حزب العمال الكردستاني هجمات إرهابية داخل الحدود التركية.ويقاتل حزب العمال الكردستاني، جنبا إلى جنب مع الأكراد السوريون الذين يقاتلون من أجل نفس الهدف المتمثل في قيام دولة كردية موحدة. تشكل هذه الدولة يمثل تحديا للسلطة الإقليمية التركية. ولذلك، من وجهة نظر تركيا، فأنه لابد من سحق الطموحات الكردية وترك الأكراد حيث كانوا دائما، عديمي الجنسية.

حتى هذه اللحظة، حافظت الولايات المتحدة على التوازن الهش بين الأتراك والأكراد. في حين أن الولايات المتحدة قد قدمت للأكراد أسلحة خفيفة، ودعمتهم بالقوات الخاصة للقيام بدور استشاري ومساعد، ولكن الولايات المتحدة ليس لديها طموح بدعم قيام دولة كردية. وقد أشادت إدارة الرئيس «دونالد ترامب» بالأكراد، ولكنه لم يطرح استراتيجية دعم لأهداف كردية محددة. هنا مرة أخرى، نحن نرى الخطاب الأميركي معارض للواقع. في حين أنه من المفيد جني مكاسب على المدى القصير من خلال دعم الأكراد، فإن المصالح الأمريكية تكمن في نهاية المطاف مع تركيا.

والسؤال هنا ليس ما تريد الولايات المتحدة القيام به، ولكن ما يجب عليها أن تفعله. الأكراد ليسوا طرفا فاعلا في دولة مستقلة مع جهاز عسكري كبير. و تركيا هي قوة إقليمية صاعدة مع قواعد جوية عسكرية واستراتيجية تقوم من خلالها الولايات المتحدة بعمليات جوية وتقدم الدعم في مكافحة الدولة الإسلامية. لا تزال تركيا حليفا لا غنى عنه للولايات المتحدة في الحرب ليس فقط من خلال دورها الكبير في مكافحة تنظيم الدولة، ولكن من خلال موقعها الاستراتيجي في العالم. حيث تقوم واشنطن بالعمل بانتظام مع الجيش التركي، بما في ذلك إطلاق حملات جوية باستخدام القاعدة الجوية التركية في أنجرليك.

إن هدف الولايات المتحدة يكمن في هزيمة الدولة الإسلامية مع الحد من قوتها في الشرق الأوسط. ويكمن هدف تركيا في قمع الأكراد و مشروعهم في المنطقة. في المسافة ما بين الهدفين فإن الجماعات الكردية لا يمكن أن تحقق دولتها المنشودة.

بعد وقت قصير من إدلاء وزير الخارجية التركي بتصريح عن الأكراد السوريين في منبج، تم التوصل إلى اتفاق بين روسيا والجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطيو لتسليم السيطرة على بلدات في منطقة منبج الغربية إلى الجيش النظامي السوري. ويتوقع أن هذا سيخلق منطقة عازلة بين قوات سوريا الديمقراطية ومعارضين مدعومين من تركيا. هذه المنطقة العازلة تعمل فقط على شراء الوقت لتقييم الخطوات المقبلة في منطقة الشرق الأوسط، ولكن في النهاية فإن الطريق إلى الأمام هو مع الأتراك، وليس الأكراد.

تقترب الولايات المتحدة وتركيا من لحظة حاسمة. تجبر أنقرة واشنطن على الاختيار بين أمرين، إما دعم الأكراد المحرومين من الدولة، أو التحالف مع قوة صاعدة في الشرق الأوسط.

المصدر | جيوبوليتيكال فيوتشرز

  كلمات مفتاحية

تركيا الولايات المتحدة الأكراد قوات سوريا الديمقراطية منبج