استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

المسلمون وأوروبا... والحوار المثمر المطلوب

الثلاثاء 7 مارس 2017 06:03 ص

في هذا الزمن الذي تتصاعد فيه موجات الكراهية للعرب وللمسلمين وسط أطراف عدة، وتطرح الأسئلة عن صورة أوروبا في العالم العربي الإسلامي، وعن صورة العرب والمسلمين في الغرب بشكل عام، وانعكاسات كل صورة منهما على العلاقات بين الطرفين في الحاضر وفي المستقبل، وتداعيات تلك الانعكاسات على استتباب الأمن والسلم في العالم، شاركت في اجتماع لممثلي الدول الأعضاء في مجموعة «أرايولوس»، عقد في العاصمة المالطية، فاليتا يومي 23 و24 شباط (فبراير) الماضي، وذلك بدعوة من السيدة ماري لويس كوليرو بريكا، رئيسة جمهورية مالطا، وتحدثت عن «صورة أوروبا في العالم العربي الإسلامي». وهو موضوع يطرح في الوقت الحاضر بكثير من الإلحاح، لصلته بالماضي والحاضر والمستقبل.

وقد بينت في إطلالة سريعة، صورة أوروبا في العالم العربي الإسلامي، التي لها خلفياتها البعيدة والقريبة، والتي منها تتشكل ملامحها، فهي انعكاس للتاريخ المشترك الذي يمتدّ قروناً متطاولة كانت بدايتها الصدام الطويل المروع الذي وقع خلال القرنين الحادي عشر والثالث عشر الميلاديين (1096-1272)، في منطقة الشرق الأوسط، والذي دخل التاريخ الإنساني تحت عنوان الحروب الصليبية، بحسب العبارة التي استعملها الغرب، بينما أطلق عليها المسلمون آنذاك اسم «حروب الفرنجة».

لقد دخلت مناطق عدة في أوروبا تحت حكم المسلمين لآماد طويلة استغرقت ثمانية قرون في الأندلس، وفي جنوب فرنسا، وفي بعض جزر البحر الأبيض المتوسط. ومع ظهور الدولة العثمانية في الأناضول بآسيا الصغرى، امتدَّ الوجود الإسلامي إلى بلغراد وصوفيا وبودابيست وجزيرة رودوس، وإلى أغلب أراضي مملكة المجر، وفي أثينا وغيرها من المدن والجزر اليونانية.

وتوسّع الوجود الإسلامي في البلقان، خصوصاً في عهد السلطان سليمان القانوني، الذي عُرف عند الغرب باسم سليمان العظيم. وقد طال بقاء الوجود الإسلامي في منطقة البلقان إلى الفترة التي سبقت الحربَ العالمية الأولى بقليل، حيث انحسر النفوذ العثماني في تلك الأجزاء الشرقية من أوروبا حتى أصبح من آثار الماضي.

وبقي الحضور الإسلامي في بعضٍ من تلك المناطق الأوروبية، خصوصاً في ألبانيا، وفي ما كان يعرف في السابق بيوغوسلافيا التي انقسمت بعد سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي، إلى دول مستقلة، وبدأ هذا الحضور في التزايد تدريجياً مرحلة تاريخية بعد أخرى، خصوصاً مع مطالع القرن العشرين، لأسباب كثيرة منها الهجرة بحثاً عن سبل جديدة للعيش، أو طلباً للعلم، أو هروباً من ظلم وتعسف.

ولا يزال الوجود الإسلامي الأصيل في قسم من أوروبا قائماً، فجزء مهم من الجمهورية التركية يقع في القارة الأوروبية، وأكثرية مسلمة من أصول أوروبية تعيش في كل من ألبانيا، وكوسوفو، والبوسنة والهرسك، والمسلمون يقيمون في جميع الدول الأوروبية من دون استثناء، ويبلغ تعدادهم، وفقاً لإحصائيات حديثة، أكثر من عشرين مليون مسلم.

والهجرة من العالم العربي الإسلامي إلى أوروبا لم تنقطع في أية فترة، على رغم كل المشاكل التي تترتَّب على ذلك، وبغض النظر عن طبيعة هذه الهجرة. فهذا لا ينفي أن أوروبا صارت مقصداً للعرب والمسلمين منذ عقود.

إنّ صورة أوروبا في العالم العربي الإسلامي لم تتغير إلى حد بعيد، فمنذ منتصف القرن التاسع عشر، أصبحت هذه الصورة قاتمة لأنها ارتبطت في الذهنية العربية الإسلامية بالاستعمار الأوروبي، الذي غزا بلدان العالم العربي الإسلامي، فاحتلها وبسط نفوذه عليها، وفتك بشعوبها وسلبها حقوقها وانتهك سيادتها، وسعى إلى التفرقة بين طوائف مجتمعاتها.

ومع أن الحوار العربي-الأوروبي بدأ في السبعينات، فإنه تعثر لأسباب متداخلة وتحت ضغوط مارستها بعض الأطراف التي لا تنظر بارتياح إلى التعاون المثمر البنَّاء بين العالم العربي والاتحاد الأوروبي. وحان الوقت لانطلاقه من جديد، في أفق التهديدات التي تواجه العالم العربي الإسلامي وأوروبا بوجه عام، بل تواجه العالم بأسره، من جراء انتشار أخطار الإرهاب بكل أشكاله، ومن أجل معالجة المشكلات التي تَتَزَايَدُ حدةً وكثرةً.

ومن الضروري أن تعمل منظمة التعاون الإسلامي على إقامة شبكة من العلاقات الديبلوماسية القوية مع الاتحاد الأوروبي للانخراط في حوار أوروبي - إسلامي، الذي هو غير الحوار الإسلامي - المسيحي الذي يعرف هو الآخر تذبذباً في مساره، من أجل ضمان المصالح المشتركة، وهي كثيرة، وخدمة أهداف الأمن والسلم الدوليين.

إن هذا التاريخ الحافل بالكثير من المآسي والصراعات، أصبح في ذمة التاريخ، ولا ينبغي النظر اليوم إلى صورة أوروبا في العالم العربي الإسلامي من خلاله، حتى لا نبقى أسرى الماضي، ولكن يجب النظر إلى هذه الصورة من خلال الحاضر في أفق التطلع إلى المستقبل.

فالمستقبل الذي نستشرف آفاقه الممتدة، هو الذي ينبغي أن يجمعنا اليوم، بحيث نكون حريصين على إعادة بناء العلاقات بين العالم العربي الإسلامي وأوروبا على أسس عادلة وثابتة، في ظل الاحتكام إلى القوانين الدولية، واحترام مبادئ حقوق الإنسان.

ومن الضروري أن نبيّن هنا أن الشعوب في العالم العربي الإسلامي مستاءة من تصاعد موجات الكراهية والعنصرية والإسلاموفوبيا في أوروبا، ولا تتردد في التعبير عن استيائها من السياسات التي تنتهجها بعض الدول الأوروبية حيال المشكلة الفلسطينية، وإزاء الأزمات الناشبة في بعض البلدان العربية الإسلامية.

ومن أجل تصحيح الصورة وتعميق الثقة، يتعيَّن أن تُرَاعَى المصالح الحيوية للشعوب، وأن تُوضع في الاعتبار في جميع الأحوال. وفي المقابل، تتخوّف أوروبا من الإرهاب الذي يرفع شعارات إسلامية والإسلام منه براء، كما تتخوف من تدفق المهاجرين واللاجئين الذين يبحثون عن أماكن آمنة بعيداً عن مناطق الصراع والحروب. ومعالجة هذه المشاكل يجب أن تتم في إطار من الموضوعية والتعاون والعمل المشترك، ومواجهة توظيف المخاوف لدى الطرفين توظيفاً أيديولوجياً.

أما صورة العرب والمسلمين في الغرب على وجه الإجمال، فليست كما ينبغي أن تكون، فلا هي تعكس الواقع في العالم العربي الإسلامي بشكل صحيح وبصورة واضحة، ولا هي تعبر عن طبيعة العلاقات القائمة بين الشرق والغرب، ولا هي تنصف الحضارة العربية الإسلامية التي انبنت عليها الحضارة الغربية الحديثة.

* د. عبد العزيز التويجري أكاديمي سعودي الأمين العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسـسكو). 

المصدر | الحياة

  كلمات مفتاحية

المسلمون أوروبا الحوار الأوروبي الإسلامي حروب الفرنجة الإرث الاستعماري الحروب الصليبية مؤتمر مالطا