لا تفاهمات روسية سعودية

الأحد 30 نوفمبر 2014 05:11 ص

عندما وصل وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل، إلى موسكو في 21 تشرين الثاني الجاري، انطلقت التكهنات باحتمال حدوث تفاهمات ومقايضات بين موسكو والرياض بشأن الأزمة السورية والملف النووي الإيراني، والتعاون في رفع أسعار النفط العالمية. ومن المعروف أن روسيا، باعتبارها من أكبر منتجي ومصدري النفط، تضررت كثيرا من انخفاض الأسعار العالمية للنفط مؤخرا. بالطبع، السعودية تضررت أيضا من جراء ذلك. ولكن تكلفة إنتاج برميل النفط فيها أقل بكثير منها في روسيا. وهذا يجعلها قادرة على تحمل تخفيضات أخرى في الأسعار.

إن كواليس المباحثات بين الوزيرين الروسي والسعودي تؤشر إلى أن مثل هذه التفاهمات والمقايضات لم يتم التوصل إليها، ولم يتفق الطرفان أيضا بشأن التأثير على أسعار النفط ارتفاعا. فبعدما أُعلن في الخارجية الروسية أن لافروف والفيصل سيعقدان مؤتمراً صحافياً مشتركاً في ختام مباحثاتهما، خرج الوزير الروسي بمفرده للصحافيين وغاب الوزير السعودي. كما لم تتحقق التكهنات باحتمال إجراء لقاء بين بوتين والفيصل. وفي اليوم التالي للزيارة، جاءت تصريحات لافروف بأن «الهدف من العقوبات الغربية هو تغيير النظام في روسيا». ويمكن فهم هذا التصريح وكأنه محاولة من لافروف للربط بين العقوبات المفروضة على بلاده وتخفيض أسعار النفط. وبالمناسبة، هذه هي المرة الأولى التي يُصرح فيها مسؤول رسمي رفيع المستوى بمثل هذا الأمر، حيث كانت مثل تلك التصريحات متروكة للمسؤولين الأقل رتبه وللخبراء والمراقبين الروس. 

وبعد يوم واحد من تصريحات لافروف، أي الأحد 23 تشرين الثاني، جاءت تصريحات الرئيس فلاديمير بوتين، التي لم يستبعد فيها أن يكون تخفيض أسعار النفط العالمية يجري مُتعمداً من قبل شركاء روسيا في سوق الطاقة. وقال بوتين «إذا ما تراجع سعر الطاقة عمدًا، فإن ذلك سيؤثر أيضًا على من يقفون وراء ذلك». وأرجع انخفاض الأسعار إلى زيادة إنتاج الولايات المتحدة من النفط والغاز الصخري وارتفاع إنتاج السعودية وليبيا والعراق، بما في ذلك مبيعات تنظيم «الدولة الإسلامية».

ودخل ميخائيل بوغدانوف، الممثل الخاص للرئيس الروسي للشرق الأوسط وافريقيا ونائب وزير الخارجية، على خط التصريحات، في 24 تشرين الثاني، بالقول «إن بلاده تعتبر أن مطالبة واشنطن بتنحي الرئيس بشار الأسد غير شرعية ومضرة». وكأن بوغدانوف يقطع الطريق، بدرجة ما، على التكهنات التي التصقت بزيارة الفيصل لموسكو، ومنها احتمال «مقايضة الأسد بالعمل على رفع أسعار النفط في السوق العالمية».

إن الكثير من الهواجس كانت قد خيمت على موسكو منذ زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى المملكة العربية السعودية نهاية آذار 2014، وما تمخض عنها من تكهنات باحتمال عقد «صفقة» أميركية ـ سعودية لمعاقبة روسيا على موقفها من الأزمتين السورية والأوكرانية، عبر تخفيض الأسعار العالمية للنفط كثيراً لضرب الاقتصاد الروسي. لقد كانت هناك سابقة من هذا النوع في 1985، عندما اتفقت واشنطن والرياض على قيام الأخيرة بزيادة إنتاجها النفطي لمعاقبة السوفيات على احتلال أفغانستان. الأمر الذي هبط بأسعار النفط إلى 10 دولارات للبرميل، وهو ما لم يتحمله الاقتصاد السوفياتي.

ولا يخفى أن تصدير النفط، ثم الغاز الطبيعي، يلعب دوراً رئيسياً في الاقتصاد الروسي. فحصة النفط والغاز في إجمالي الصادرات الروسية تبلغ حاليا نحو 73 في المئة. وحالة التبعية هذه لتصدير النفط والغاز تتجلى أكثر في البيانات الروسية التي تشير إلى أن حصة المواد الخام والأولية عامة في الصادرات الروسية الإجمالية تقترب من 90 في المئة. إن عوائد روسيا من صادرات النفط ومشتقاته والغاز الطبيعي كانت في الفترة 1992 ــ 1999 نحو 200 مليار دولار فقط، بينما وصلت إلى 2,3 تريليون دولار في الفترة الممتدة بين الأعوام 2000 و2013. وهذا ساعد بوتين على تثبيت نظامه السياسي وإحلال الاستقرار النسبي عبر رفد ميزانية الدولة بقسم من تلك العوائد واستخدامها في رفع أجور ومرتبات العاملين بالقطاع الحكومي، وفي بعض الاستثمارات.

فحصة عوائد النفط والغاز في ميزانية الدولة الروسية تبلغ نحو 50 في المئة من إجمالي إيرادات هذه الميزانية. وتنبغي الإشارة هنا إلى أن العوائد الروسية من صادرات النفط تزيد عن عوائد تصدير الغاز الطبيعي بأكثر من أربع مرات، أي أن تصدير النفط هو المصدر الرئيس للعملة الصعبة في روسيا. ومن هنا تظهر تبعية الاقتصاد الروسي لتصدير النفط أولا، ثم تصدير الغاز الطبيعي ثانيا. ولذلك يؤثر أي تخفيض كبير في الأسعار العالمية للنفط على النمو الاقتصادي والناتج المحلي الإجمالي وميزانية الدولة وميزان المدفوعات والبرامج الاجتماعية للحكومة وسعر صرف العملة الوطنية الروسية. فوزير المالية الروسي انطون سيلوانوف قدر مؤخراً خسائر روسيا من جراء تراجع أسعار النفط بــ30 في المئة ما بين 90 و100 مليار دولار سنوياً، بالإضافة إلى 40 مليار دولار في السنة بسبب العقوبات الاقتصادية الغربية. 

وبرغم ما يتردد من أن السعودية تلعب حاليا في سوق النفط العالمية ضد النفط الصخري الأميركي، إلا أن وطأة تراجع الأسعار تجعل الروس يميلون أكثر نحو فرضية «المؤامرة ضدهم». فالنمو الاقتصادي في روسيا هذا العام سيتراوح بين 0,3 في المئة و0,5 في المئة، وفي العام المقبل ثمة توقعات بأن يكون هذا النمو بالسالب. وربما هذا كان أحد الأسباب التي جعلت الرئيس الروسي يؤكد مؤخراً ضرورة عدم السماح بوقوع ما أسماه بـ»ثورة ملونة» في روسيا. ويمكن القول إن زيارة وزير الخارجية السعودي الأخيرة لموسكو لم تُسفر، حتى اللحظة، عن تفاهمات أو مقايضات. ومن غير المستبعد أن يؤثر ذلك على المساعي الروسية الحالية لتسوية الأزمة السورية، التي يبدو أن موسكو تراهن عليها كثيراً. وقد تجلى هذا «الرهان» في استقبال الرئيس الروسي، لأول مرة منذ بداية الأزمة السورية، وفداً حكومياً سورياً برئاسة وليد المعلم. 

 

المصدر | هاني شادي، السفير

  كلمات مفتاحية

السعودية روسيا الاقتصاد النفط الغاز التصريحات البيانات وليد المعلم