«ستراتفور»: روسيا وجهت ضربة لتركيا بتسهيل سيطرة نظام «الأسد» على منبج

الأربعاء 8 مارس 2017 09:03 ص

يقول المثل، كلّ شيء مباح في الحبّ والحرب. وقد تعلّمت تركيا هذا الدرس بشكلٍ مباشر الخميس الماضي عندما أعلن المجلس العسكري لمنبج عقده اتّفاقًا مع روسيا ليسلّم قرى غرب منبج للقوّات الموالية. وقبل هذا بأسابيع، كان المسؤولون في الحكومة التركية يدرسون خطط الاستيلاء على منبج، حتّى أنّهم قد بدؤوا تحرّيك القوّات باتّجاه المدينة بعد الحصول على مدينة الباب.

وقبل ساعاتٍ فقط من تأكيد روسيا على الاتّفاق يوم الجمعة، كان الرئيس التركي لا يزال مصرًّا على أنّ تركيا ستستولي على منبج وتطرد منها وحدات حماية الشعب الكردية (واي بي جي). مع ذلك، فإنّ الاتّفاق الذي عقدته روسيا مع المجلس العسكري لمنبج سيعقّد الخطّة تمامًا.

ومثل الإعلان وما تلاه من تأكيد صدمةً لأنقرة. ومنذ عام 2016، قامت تركيا بالعمل على إصلاح العلاقات مع روسيا باطّرادٍ في أعقاب الهبوط في العلاقات الذي حدث نتيجة إسقاط القوّات التركية لطائرة عسكرية روسية في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2015. وقد مهّدت التسوية مع روسيا الطريق لتركيا للتوغّل في سوريا، الأمر الذي مكّن أنقرة من حرمان وحدات الحماية الكردية من الربط بين إقليمي عفرين وكوباني. لكنّ هذه الشراكة لم تسر في مسارها بعد، على الأقل من منظور تركيا. ولا تزال أنقرة تعوّل على روسيا في عزل القوّات التركية عن المواجهة المباشرة مع القوّات الموالية أثناء الاستمرار في جهود مكافحة القوّات الكردية.

واستفادت روسيا أيضًا من تحسين العلاقات مع تركيا. فمن خلال استهداف تركيا للقوّات الكردية على سبيل المثال، قوّضت تركيا من تماسك المتمرّدين، الأمر الذي ساعد القوّات الموالية المدعومة من روسيا في السيطرة على حلب. علاوة على ذلك، كانت تركيا حيوية في تسهيل خروج روسيا في النهاية من الصراع، ليس فقط بالضّغط على قوّات المعارضة لتبنّي وقف إطلاق النّار، لكن أيضًا بإقناع جماعات المعارضة للانضمام إلى محادثات السلام في الأستانة بكازاخستان. إضافةً إلى ذلك، تسبّب قتال أنقرة للأكراد في انشغال قوّاتها عن قتال إدارة الرئيس السوري «بشار الأسد»، ونتج عنه توتّر في العلاقات مع الولايات المتّحدة، الداعم الرئيسي الآخر للمتمرّدين.

فلمَاذا إذًا أدارت روسيا وجهها عن تركيا بشكلٍ مفاجئ في اتّفاق منبج؟ فقد تعيق تلك الخطوة، بعد كل شيء، أجندة موسكو في سوريا بتحويل تركيز تركيا باتّجاه قوّات «الأسد»، والآن مع الدافع الإضافي بالرّغبة في ردّ الصّاع لروسيا. ومن ناحيةٍ أخرى، بعد أن أعاقت هجوم تركيا على منبج، فقد ضمنت روسيا أنّ الولايات المتّحدة قد تنفّذ هجومها على الرقّة كما خطّط له بدون الكثير من التدخّل من قبل تركيا. وخسارة أنقرة قد تكون مكسبًا لموسكو.

وبالنّسبة لروسيا، فتحسين علاقتها مع الولايات المتّحدة أولوية أهم من تحسين علاقتها بتركيا. وقد بدّدت الضجّة في واشنطن حول العلاقات المزعومة بين إدارة الرئيس «دونالد ترامب» وموسكو آمال الكرملين في نهاية سريعة للعقوبات المفروضة من الولايات المتّحدة. ويعني هذا أنّ موسكو في حاجة للعثور على فرصة سانحة للتعاون مع الولايات المتّحدة لإنقاذ علاقتها مع واشنطن. والهجوم على الرقّة مناسب تمامًا. وقد دعا «ترامب» طويلًا إلى إطلاق مبادرة عسكرية مشتركة مع روسيا ضدّ «الدولة الإسلامية». والآن مع تهميش تركيا في اتّفاق منبج، فإن روسيا في وضعٍ أفضل للدفع باتّجاه مزيد من التعاون مع الولايات المتّحدة في سوريا.

وعلى الرغم من ذلك، فالتّقارب بين الولايات المتّحدة وروسيا ليس مضمونًا. فالجيش الأمريكي، على وجه الخصوص، لا يزال مرتابًا من الدوافع الروسية. ومع ذلك، بالتدخّل في منبج، أظهرت روسيا أنّها قادرة على أن تكون مفيدة للولايات المتّحدة، وأنّها بذلك في الواقع تثبت إمكانية مخاطرتها بالشراكات الأخرى لأجل مساعدة واشنطن. وإلى جانب ذلك، فالعلاقة مع تركيا لم تتلف إلى درجةٍ غير قابلة للإصلاح. ويمكن للرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» أن ينقّي الأجواء في لقائه يوم الخميس مع «أردوغان» في موسكو.

لقد خاطرت موسكو بخطوة منبج لكنّ العائد من ورائها يستحقّ بالتأكيد. فالعمل في سوريا إلى جانب الولايات المتّحدة قد يساعد روسيا في إنهاء حقبة من العلاقات الحادّة مع الغرب والتي أفسدت كثيرًا مصالحها الأمنية والاقتصادية. علاوة على ذلك، لن تفقد روسيا كلّ الخيارات إذا ما فشلت مناورة منبج. يمكنها الانسحاب في أيّ وقت من الاتّفاق وتسهيل هجوم تركيا على المدينة، الأمر الذي يحفّز واشنطن أكثر للحفاظ على التفاهم مع موسكو حول النزاع السوري.

  كلمات مفتاحية

روسيا تركيا الدولة الإسلامية الباب منبج معركة الرقة

تركيا: سنقدم الدعم اللازم لـ«الجيش السوري الحر» لاستعادة منبج

«جاويش أوغلو»: «درع الفرات» قد تمتد جنوبا للوصول إلى «منبج» شمالي سوريا