بالذكرى الـ21 لرحيله: الشيخ «الغزالي» فارس مجدد حمى دينه لآخر أنفاسه (2ـ2) (فيديو)

السبت 11 مارس 2017 10:03 ص

امتاز الداعية الراحل «محمد الغزالي» (22 من سبتمبر/أيار 1917ـ 9 من مارس/أذار 1997م) في محاولته تجديد الفكر الديني بداية من العشرينيات من عمره، رحمه الله، بالهجوم الشديد المزود بقوة الحجة النقلية من «القرآن الكريم» و«السنة النبوية»، بالإضافة إلى الحجة العقلية المستندة على المنطق العقلي الواضح، وهو ما فضل الوفاة وهو متمسك به (شاهد الفيديو).

 وقصد أن يهاجم يتصدى لعدوين، وإن تمايزا واختلفا إلا أنه يرى صلة واضحة جلية، بل إن عمليهما مترتب على الجهد المتبادل لهما، قصدا أو لم يفطنا إلى هذا، مع رغبته، رحمه الله في إخلاص عمله لله (شاهد الفيديو).

أما الطرف الأول فهو الاحتلال الأجنبي لبلاد المسلمين رغبة في نزح خيراتها والاستفادة من مقدراتها والبعد بها عن مرمى الحضارة والسيادة وعمارة الأرض، وكان الراحل الذي نحتفي به في ذكرى رحيلة الحادية والعشرين في قلب صمت مؤلم من الأمة العربية الإسلامية حيال رجل نذر نفسه لخدمة دينه ومات في المملكة العربية السعودية مدافعاً عنه حتى آخر أنفاسه على النحو الذي بيناه في الجزء الأول من هذا التقرير، وكان الغزالي الصغير، كما كان يحلو للمقربين منه أن يسمونه إذ إنه أباه أسماء باسم محمد الغزالي تيمناً بصاحب كتاب إحياء علوم الدين «أبوحامد الغزالي»، مع عدم تعمقه في التصوف، رحمه الله، وكان الشيخ «الغزالي» يرى أن الاحتلال، وإن ترك بلاد المسلمين إنما ترك فيها العملاء والخونة يتوغلون فيها ليعملون عمله فيها، بالإضافة إلى الجاهلين والفاهمين للدين الإسلامي على غير حقيقته.

من أجل ذلك عاش الراحل الشيخ «الغزالي» مُحارباً من الأنظمة الحاكمة المختلفة في مصر، ومظلوماً من دول أخرى عربية إسلامية، تُدبر له المكائد هنا وهناك، ويغترب لسنوات في الجزائر، وهو في نفس الوقت محارب من تيارات تنسب إلى الحراك الإسلامي، وكان رحمه الله، مصرّاً على رأيه ما اقتنع بأنه مشتق من «السنة النبوية»، ومن قبلها «القرآن الكريم».

عاب جهل المُنتسبين إلى الإسلام مثلما عاب مكر الأعداء، فهاجمه الأوائل كما عاداه الأخيرون، فلم يتزحزح عن موقفهما منهما قيد أنملة.

مراجعة شاملة

أحب الشيخ «محمد الغزالي أحمد السقا الجبيلي»، رحمه الله، أن يعود المسلمون إلى دينهم عود شامل، يخص التمسك بالمظاهر لكن مع الإيغال في فهم الدين بتعمق، ورأى الأخير أولى من مجرد ارتداء الجلباب القصير واللحية غير المهذبة، ومن اجل ذلك عارضه متيدينون بقسوة في الثمانينيات من القرن الماضي، مثلما عارضه العلمانيون لتصديه لإنتاجهم بداية من «نجيب محفوظ»، ومعركته مع «أولاد حارتنا»، وكتابة تقرير حوله كان سبب منعه من التداول في مصر لعقود، كما وقف بالمرصاد للراحل «فرج فودة»، ومجموعة المتغربين الراغبين في زعزعة أصول الإسلام من النفوس، وكانت المناظرة الأشهر في معرض القاهرة الدولي للكتاب في عام 1992م حول مصر بين الإسلام والعلمانية.

وبين هؤلاء الاعداء الذين برزوا للشيوخ في كل زاوية من زاويا حياته، وبين الذين لم يستطيعوا فهمه، ممن المفترض أنهم معه في خندق فكري ومواجهة واحدة قضى الشيخ عمره يحارب الاستبداد والفساد كما يحارب التدين الذي يراه منقوصاً في مصر كما في أنحاء العالم الإسلامي بخاصة السعودية، وما كتابه «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث» الذي صدر عام 1989م إلا دليل على ذلك، وقد عارضه قاصون ودانون بخاصة رغبة الشيخ في إثبات أنه لا مجال لحديث يُعارض نصاً قرآنياً، وأن أحاديث الآحاد (التي رواها راوية واحد ونُقلت عنه)، ظنية الثبوت لا قطعية، وأن دور الفقيه متمم لدور المُحدث، أو العالم بالأحاديث، مستدلاً على شواهد من «السنة النبوية» و«القرآن الكريم» أعمل فيهما قواعد موجودة في الفكر الإسلامي لكن مهجورة، وهو الموقف الذي أثار انتقادات سعودية واسعة، حتى خيف على الشيخ من تلبية الدعوة إلى مهرجان «الجنادرية» في مارس/أذار 1997م، ولكنه أصر على السفر، رغم عدم احتمال قلبه لمتاعبه، ولا النقاش مع مخالفيه، وقد كان أن لفظ أنفاسه لأنه مُنِع من الرد على علماني حاول التقليل من الشرع الحنيف.

نخسر ونكسب

عاش الراحل يرى أن فهم الدين أولى من حفظ النصوص وكان يقول لمن يخبره بأن هناك مَنْ حفظ «صحيح البخاري» بعد «القرآن الكريم»، زاد لدينا كتاب للبخاري وكان الاولى أن نجد فاهماً لنصوص القرآن الكريم!

كثيراً ما روى عشرات الأمثلة عن الفهم الملتوي للنصوص ولروح الشريعة وعدم تطويرها لتواكب العصر، وكيف يخسر المسلمون خسارة غير محدودة نتيجة لذلك، ومنه ما فعله بعضهم في إحدى البلدان الأوربية إذ إنهم لكي يدعوا الناس إلى الإسلام جلسوا في جانب من أكبر الميادين، في سبعينيات القرن الماضي، ليأكلوا الطعام بجلابيبهم القصيرة وذقونهم غير المهذبة، وأيديهم بطريقة فظة قال الشيخ أنها نفرت أهل البلد من الدين، وأسأت إليه من حيث أراد (قليلو العقل) برأي الشيخ الإحسان إليه.

وكان يحلو للشيخ «الغزالي» المُناداة بأن يقصر الملتزمون لحاهم ويشذبونها ويهذبونها لله مثل «نجوم السينما»، مع اختلاف التوجهات، تماماً مثلما نادى بأن النقاب فضيلة لا فريضة، وأن له جذوراً اجتماعية خليجية البرقع تجعل البعض يعلون به دينياً، مستشهداً بأحاديث شريفة وكون المرأة لا تنتقب في الحرمين (نال الراحل جائزة الملك فيصل العالميةفي خدمة الإسلام عام 1409/1989هـ).

أما فهم جوهر الدين ومحاربة المحتل وفق أصوله، لا الأوهام التي في أذهان البعض، فكانت معركة الشيخ الأولى طوال حياته، تناول في أحد كتبه الاحتلال الفرنسي للجزائر راوياً أحد القصص المؤثرة، وكانت تلخص برأيه آلاف القصص من إهدار الجهد لحركات إسلامية، وإضاعة فرص التفوق بفهم معوج لثابت النصوص الدينية، إذ إن الفرنسيين عند رغبتهم دخول إحدى القرى الجزائرية لم يجدوا خيراً من 12 شاباً من حفاظ القرآن الكريم للدفاع عنها، ظناً منهم أن بركة «القرآن الكريم يمكنها أن تتغلب على السلاح، وهو ما يتعارض مع قطعي وثابت «القرآن الكريم» والسنة النبوية المطهرة.

وكان أن فقدت الامة الإسلامية 12 من خيرة تربوييها الذي يخرجون المجاهدين القادرين على محاربة المحتل، وكسب الفرنسيون المعركة ببساطة، وألقيت جثث الشباب في المسجد!

كان، رحمه الله، يرى أن عدم فهم المسلمين لدينهم سبب احتلالهم، وعدم اخلاص الفاهمين سبب تراجع الأمة، وكثيراً ما عاب على مرتكبيّ الكبائر عدم الحياء من الله لا الخوف من المجتمع، كما أنه كثيراً ما نصح الملتزمين دينياً بعذر الناس وتألف قلوبهم، كما دعا دائماً إلى نظافة المخبر والمظهر معاً، فأشاد بسيدة تركية فقيرة كانت تقطن في القاهرة ويُدرس لابنها، في مطلع شبابه، أنها كانت فقيرة لكن منظمة نظيفة المظهر وكذلك بيتها، مع حرصها على تعليم ابنها، وفي حلقة «شاهد على العصر مع «عمر بطيشة» التي أذاعتها الإذاعة المصرية في أواخر حياته عاب اشيخ على أصحاب العمارات المجاورة له أنهم من الطبقة الراقية مادياً المهملة لأسطح عماراتهم من النظافة، فقد كان رحمه الله يحب أن يكون صاحب دور مجتمعي خاص وعام.

محطات في حياة الشيخ

ـ حفظ «القرآن الكريم» قبل أن يتم 10 سنوات، وانتقل أبوه بالأسرة إلى الإسكندرية ليحسن تعليمه، ويُقربه من معهدها الديني، واشترى له مكتبة دينية كبيرة، وأثرت الثقافة على الشيخ حتى ليقول: «وطفولتي كانت عادية ليس فيها شيء مثير وإن كان يميزها حب القِراءة، فقد كنت أقرأ كل شيء ولم يكن هناك علم معين يغلب عليّ.. بل كنت أقرأ وأنا أتحرك، وأقرأ وأنا أتناول الطعام”.، بحسب موقع «يقظة فكر».

ـ التقى الراحل الإمام «حسن البنا» في شبابه فتعلق به، ثم حدث أن كتبُ الشيخ «الغزالي مقالاً وأرسله إلى مجلة «الإخوان»، فيُهمل المقال في البداية حتى يكتشفه المحرر الراحل «صالح العشماوي، فينشره كافتتاحية العدد ولما قرأه الإمام «البنا» كتب لـ«الغزالي» رسالة جاء فيها: «هكذا يجب أن تكتبوا أيها الإخوان المسلمون، اكتب وروح القدس يؤيدك والله معك».

ـ نال الشيخ «الغزالي» الشهادة العالية من كليّة «أصول الدين»، والماجستير في الدعوة والإرشاد، وكان على صلة طيّبة بعلماء عصره من مثل الشيوخ: «عبد العظيم الزرقاني»، «إبراهيم الغرباوي»، و«عبد العزيز بلال »وغيرهم، وتأثّر بمؤسس جماعة الإخوان المسلمين «البنا» وبايعه.

ـ دخل في خلاف مع قيادات الإخوان بعد وفاة الإمام «البنا»، غير أن ذلك لم يمنع من وقوفه إلى جانبهم بعد حملات الاعتقال والسجن والتعذيب التي تعرضوا لها في عهد الرئيس الراحل «جمال عبد الناصر»، كما رفض في أكثر من مناسبة المشاركة في التهجم عليهم بوسائل الإعلام ما عرضه إلى السجن. وقد اعتذر الشيخ «الغزالي» في وقت لاحق عن خلافه مع مرشد جماعة الإخوان الثاني «حسن الهضيبي»، وبعض الاتهامات التي وجهها إليه.

ـ في أواخر الأربعينيات دخل في مواجهة مع القصر الملكي آنذاك لما نشر كتابه: «الإسلام والاستبداد السياسي»، واُعتقلَ لفترة ثم خرج دون اتهام.

 
 

ـ انتقد الشيخ «الغزالي» قانون الأحوال الشخصية المشهور «بقانون جيهان» (زوجة الرئيس الراحل أنور السادات) فمنع من الحديث وصودرت كتبه، فلمّا أتيحت له أبواب

 الهجرة توجّه إلى السعودية، واشتغل أستاذا للدعوة في كليّة «الشريعة» في جامعة «أم القرى» بمكّة المكّرمة عام 1997م، وساهم في تأسيس جامعة الإمام «عبد القادر» الإسلاميّة بقسنطينة في الجزائر عام 1980، وشغل عدّة  مناصب جامعيّة في مصر، بحسب «الجزيرة نت».

حذر الراحل من هدم المسجد الأقصى، وقال: «إن زوال المسجد ليس قضية فلسطينيّة بل قضيّة قرآنيّة، وإن اليهود يتحرّكون بعقيدة دينيّة، بينما نحن لا نتحرك بالعقيدة الدينيّة المطلوبة، وإنّ واجب المسلمين أن يجعلوا المعركة معركة عقيدة».

 

المصدر | الـخليــــج الجــديــد

  كلمات مفتاحية

الشيخ الغزالي فارس آخر أنفاسه