تونس تواجه خطر التقسيم المناطقي وتأجيج الصراع بين الشمال والجنوب بسبب تصريحات "غير مسؤولة" بين مرشحي الرئاسة

الاثنين 1 ديسمبر 2014 04:12 ص

يعتقد الكثير من المراقبين ان تونس قدمت التجربة العربية الانصع في التغيير الديمقراطي، والنموذج المشرف في ثورات الربيع العربي، ويردون اسباب ذلك الى عدم وجود صراعات طائفية او مذهبية في البلاد، وزهد الجيش في التدخل في السياسة مثل نظرائه في دول الجوار المغاربي او في المشرق العربي، والوعي الشعبي المتمثل في التمسك في الحوار والبعد عن العنف وصلابة جذور المجتمع المدني وانغراسها في عمق التربة الاجتماعية التونسية.

لا نختلف في هذه التقديرات للخصوصة التونسية وتميزها عن نظيراتها في دول الوطن العربي، ونضيف اليها عنصرا هاما وهو ارتقاء المستوى الوطني للنخبة السياسية التونسية المتمثلة في معظم الاحزاب السياسية والجسم النقابي الذي يتزعمه الاتحاد التونسي للشغل.

بعد ان قلنا هذه المقدمة التي لا يمكن القفز فوقها، او تجاوزها، نجد لزاما علينا، التحذير من خطر حالة الاستقطاب السياسي والمناطقي التي تتفاقم حاليا في تونس منذ انتهاء المرحلة الاولى من الانتخابات الرئاسية على ارضية التصريحات غير المسؤولة التي ادلى بها طرفي السباق في المرحلة الثانية والنهائية.

السيد الباجي السبسي الذي فاز بالمرتبة الاولى في الدور الاول وحصل على 39 بالمئة من الاصوات مقابل منافسه السيد المنصف المرزوقي الرئيس المؤقت الذي حصل على 33 بالمئة خرج عن النص وهو الرجل المخضرم عندما اتهم الذين صوتوا لخصمه بأنهم من مؤيدي الارهاب والتطرف الاسلامي، بينما لم يتردد السيد المرزوقي في اتهام نداء تونس الذي يتزعمه السيد السبسي بانه يضم انصار النظام السابق ويريد اعادة تونس الى الوراء.

نعترف اننا اقتبسنا عبارات مخففة من اتهامات كل طرف للآخر، لعدم صب المزيد من الزيت على نار الخلاف المتأجج بينهما، وانحيازا الى الجهود التي تبذل من قبل "حكماء" تونس لتطويق الأزمة والحفاظ على الصورة المشرقة والناصعة للتجربة الديمقراطية التونسية.

أكبر خطر يرتكبه المتنافسان على مقعد الرئاسة اثارة النعرات المناطقية في تونس، وتقسيم البلاد الى شمال في مواجهة الجنوب او العكس، وتفتيت الوحدة الوطنية بالتالي، فالناخب التونسي الذي اظهر وعيا سياسيا مشرفا في الانتخابات البرلمانية، ثم كرسه في الجولة الاولى من الانتخابات الرئاسية، يجب ان ينتخب على اساس مسقط رأسه، فتونس اكثر وعيا، واغنى تجربة، واكثر تلاحما، واصغر حجما من ان تقسم الى شمال وجنوب.

نقف في خندق الرباعي التونسي الراعي للحوار (الاتحاد العام التونسي للشغل، واتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والرابطة التونسية لحقوق الانسان والهيئة الوطنية للمحامين)، ونضم صوتنا الى صوت الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة التونسية، والمكلف من هذا الرباعي، في جهوده لاقناع الرئيس المرزوقي بسحب الطعون، التي قدمها في نتائج الجولة الاولى من الانتخابات الرئاسية التي جرت الاسبوع الماضي، وبما يؤدي الى عدم تعكير او تأخير مسيرة الانتخابات الرئاسية واغلاق الباب كليا امام اي محاولة لشق الصفوف، وتكريس الاستقطاب المناطقي.

السيد أنور الغربي الرجل الثاني في حملة الرئيس المرزوقي الانتخابية أكد أمس أنه لا توجد اي نية لسحب الطعون وأن محامي الحملة أبلغهم ان المحكمة الادارية حددت يوم الإثنين موعدا للنظر في هذه الطعون.

لا نعرف ماذا كان رد السيد المرزوقي على لجنة الحوار ومبعوثها الشيخ الغنوشي، وما اذا اقتنع بطلب الاخير ومبرراته لسحب الطعون واللجوء الى التهدئة، ولكننا نعرف جيدا ان الشيخ راشد وحزب النهضة الذي يتزعمه لعب الدور الاكبر في ايصال السيد المرزوقي الى كرسي الرئاسة، مثلما لعبت اصوات حزب النهضة الدور نفسه في وصوله الى الدور الثاني في انتخابات الرئاسة، الامر الذي يحتم عليه، اي السيد المرزوقي، للاستماع الى الشيخ راشد الغنوشي ومطالب اللجنة الرباعية التي كلفته بهذه المهمة.

ختاما نقول ان وحدة تونس الوطنية، ونجاح تجربتها الديمقراطية التي وصلت الى محطتها الاخيرة، واستقرارها، امنيا وسياسيا اهم بكثير من كرسي الرئاسة، لان البديل، اذا ما استمر صب الزيت على نار الانقسامات المناطقية (شمال وجنوب) سيؤدي الى نسف هذه الوحدة واغراق البلاد في الفوضى وعدم الاستقرار، وربما الحروب الاهلية الدموية او السياسية، وما على الشعب التونسي الا النظر الى بعض دول الجوار المغاربي والمشرقي لادراك اهمية ما نقول، وخطورة مما نحذر.

الشعب التونسي كله، والمرشحان الرئاسيان على وجه الخصوص، مطالبان بالاستماع الى الحكماء واهل الثقة، مثلما فعلوا في السابق، فهذا هو الطريق الاقصر لايصال البلاد الى بر الامان.

 

المصدر | رأي اليوم

  كلمات مفتاحية

تونس التقسيم المناطقي الصراع بين الشمال والجنوب حرب التصريحات الشيخ الغنوشي تطويق الأزمة المرزوقي سحب الطعون