شبهات فساد تحاصر مرشحي الإليزيه وتوقعات بانحصار السباق بين «ماكرون» و«لوبان»

الخميس 23 مارس 2017 05:03 ص

قبل نحو شهر على الدورة الأولى لانتخابات الرئاسة الفرنسية المقررة في 23 أبريل/نيسان المقبل، تتباين نسب تأييد المرشحين الاستطلاعات، لكنها تجمع على أن الدورة الانتخابية الثانية ستنحصر بيـــن مرشح الوسط الشاب إيمانويل ماكرون ومرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان.

ومنح استطلاع أجراه معهد «أوبينوين ويي» الصدارة للوبان بنسبة تأييد ٢٦% من الناخبين، أمام ماكرون (24.5%)، في حين كان استطلاع أجراه معهد «إيلاب» بعد المناظرة التلفزيونية للمرشحين ليل الاثنين أفاد بأن ماكرون بات يحتل المرتبة الأولى بنسبة 26% من الأصوات، في مقابل 24% للوبان.

هذا التباين في الأرقام لا يلغي السابقة التي تتسم بها هذه الانتخابات الرئاسية، وتتمثل في غياب احتكار مرشحي اليمين واليسار منافسات الدورة الثانية.

وتمنح الاستطلاعات مرشح اليمين فرنسوا فيون المركز الثالث بنسبة تأييد 17%، فيما تراجع مرشح اليسار بونوا هامون إلى المركز الخامس بنسبة تأييد لا تتجاوز 12%، وهو ما استفاد منه مرشح اليسار المتطرف جان لوك ميلانشون الذي ارتفعت نسبة مؤيديه إلى 13.5%.

وتؤكد هذه الأرقام تغير مزاج الناخبين عبر ابتعادهم من مرشحي القوى التقليدية التي تناوبت على الحكم في العقود الماضية، ورغبتهم في اختبار أداء قوى لم يسبق أن حكمت فرنسا، مثل الوسط واليمين المتطرف.

ولا شك في أن هذا التحول مرده إلى الفشل المزري لليمين واليسار في معالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، والتي أضيف إليها التهديد الإرهابي، وقضايا الفساد التي تلوّث الجو السياسي، بحسب صحيفة الحياة.

وعززت قضية الوظائف الوهمية التي أطاحت الثلاثاء وزير الداخلية برونو لورو (اشتراكي) انطباعات الفرنسيين في شأن فساد أفراد طبقتهم السياسية.

وكانت النيابة العامة المالية فتحت تحقيقاً في قضية تشغيل لورو ابنتيه في مقابل مبلغ 55 ألف يورو، كما أضافت تهمة التزوير والاحتيال إلى فيون استناداً إلى معلومات جديدة عن تقديمه للعدالة وثائق مزورة في قضية الوظائف الوهمية التي تطاول زوجته وولديه.

وتثير هذه القضايا سخط الفرنسيين وغضبهم، خصوصاً المعدمين منهم والذين منحتهم وسائل إعلام فرصة التكلم في مناسبة الانتخابات الرئاسية.

وعرضت قناة تلفزيونية مقابلات قصيرة مع مواطنين بينهم سيدة متقاعدة يقتصر دخلها الشهري على نحو ٧٠٠ يورو، والتي قالت إنها لن تقترع «لأن هاجسها ليس من يحكم فرنسا بل ماذا تأكل»، ثم فتحت أمام الكاميرا برادها الفارغ تماماً من أي مأكولات.

وأيضاً، قال رجل في متوسط العمر إنه كان من ناخبي اليمين، لكنه أحجم عنه لأنه يكد ويجهد لقاء أجر مقداره ١٤٠٠ يورو لا يكفي لإعالة أسرته، في حين يرتدي فيون بذلة رسمية سعرها ٧ آلاف يورو.

تحقيقات 

وتواجه مارين لوبان تحقيقا في قضية توظيفها لمساعدين وهميين لفائدة 23 نائبا من حزبها في البرلمان الأوروبي.

ورفضت مرشّحة اليمين المتطرّف، في 10 مارس/ آذار الجاري، تلبية دعوة القضاء الفرنسي، في إطار التحقيق معها بقضية توظيفها لمساعدين وهميين لصالح 23 نائبا من حزبها في البرلمان الأوروبي.

وبدأ البرلمان الأوروبي، منذ 2014، بالاشتباه حول القضية، قبل أن يقدم الرئيس السابق للمؤسسة الأوروبية، مارتن شولتز، في 2015، شكوى رسمية إلى المكتب الأوروبي لمكافحة الفساد، عقب اكتشافه أن أسماء 20 من المساعدين البرلمانيين الـ 24 الموجودين بالبرلمان موجودة بالهيكل التنظيمي للحزب الفرنسي.

وإثر ذلك، فتح المدعي العام بالعاصمة باريس، تحقيقا أوّليا في الموضوع، عهد به إلى مكتب مكافحة الفساد، قبل تحويل الملف، في ديسمبر/ كانون أول الماضي، إلى قضاة التحقيق.

غير أن رفض المرشحة الرئاسية المثول أمام قضاء بلادها جعلها تبدو وكأنها تمضي عكس التيار، لأنه قبل ذلك بيوم واحد، نشر موقع ميديابارت وصحيفة ماريان الفرنسيين، اثنين من الرسائل الإلكترونية التي أظهرت أن لوبان كانت على علم بأن أعضاء من حزبها كانوا يتقاضون رواتب من البرلمان الأوروبي مقابل خدمات تهم الحزب بشكل حصري، ما يعني أنه من الصعب أن تعزف على وتر الجهل بالأمور.

القضية نفسها لم تلق بظلالها على ما يبدو على اليمينية المتطرفة، والتي حافظت على صدارة الترتيب في استطلاعات الرأي ببلادها، حتى أن بعض المراقبين يبدون قناعة بأنها قد تكون الساكن الجديد لقصر "الإليزيه" في باريس.

وماكرون نفسه، مؤسس حركة إلى الأمام، يجد نفسه قبل شهر من السباق الرئاسي، موضوع تحقيق أولي فتحته النيابة المالية، في 15 من هذا الشهر، حول شبهات بـ "المحاباة" بخصوص زيارة قام بها في 2016، حين كان وزيرا للاقتصاد، إلى لاس فيغاس الأمريكية.

وأفادت وسائل إعلام فرنسية، نقلا عن مصدر قضائي لم تسمّه، أن التحقيق فتح للنظر في شبهات بـ "المحسوبية والتستّر على المحسوبية".

وأضافت أنه يأتي عقب تقرير صدر، في 8 من الشهر، عن "التفقدية العامة للمالية"، وهي هيئة مراقبة حكومية، خلصت من خلاله إلى وجود شبهات حول جريمة "المحسوبية" أثناء تنظيم زيارة ماكرون حين كان وزيرا للاقتصاد، إلى الولايات المتحدة في يناير/ كانون ثان 2016.

وقدرت التفقدية أن تنظيم الزيارة التي التقى خلالها ماكرون برجال أعمال فرنسيين، عهد به دون مناقصة، إلى عملاق الاتصالات في فرنسا "هافاس"، من قبل الوكالة الترويجية التابعة لوزارة الإقتصاد الفرنسية، بيزنس فرانس.

من جانبها، كشفت لوكانار أنشينيه، وهي الصحيفة الفرنسية التي أثارت المسألة، أن كلفة الأمسية في لاس فيغاس بلغت 381 ألف و795 يورو، بينها 100 ألف نفقات فندقية.

ماكرون، المرشح المحبوب لدى الكثير من الفرنسيين بحسب استطلاعات الرأي، حتى أنه استطاع، لمرة، الإطاحة بـ «لوبان» ويتقدم عليها في نوايا التصويت للدور الأول للرئاسية المقرر في 23 أبريل/ نيسان المقبل.

غير أن فتح التحقيق أفقده الكثير من «كاريزمته» المعهودة وفق الإعلام الفرنسي، وهذا ما يخشاه المرشح نفسه، رغم إدراكه أنه في حال كان للتحقيق ارتدادات على قرار الناخبين بشأنه، فلن تكون أكثر سوءا مما ستكون عليه بالنسبة لمنافسته اليمينية المتطرفة، والتي تواجه ملفا قضائيا قد تتفاقم حيثياته في المستقبل القريب.

وفي الواقع، فإن تداعيات «أزمة» ماكرون لم تتجل بالشكل المتوقع - على الأقل من قبل خصومه- وذلك لما تلاها من أحداث منفصلة هزت البلاد، أبرزها حادثة إطلاق النار بثانوية «غراس» جنوب شرقي البلاد الخميس الماضي، ثم الهجوم الذي استهدف، السبت الماضي، مطار «أورلي» بباريس، وأسفر عن مقتل المهاجم.

فضيحة مدوية

أما الفضيحة المدوية، فكانت من نصيب مرشح اليمين الفرنسي، فرانسوا فيون، على خلفية "الوظائف الوهمية" لعائلته.

عاصفة إعلامية رجّت فيون واليمين الفرنسي عموما منذ أن كشفت صحيفة لو كانار أنشينيه، في 25 يناير/ كانون ثان الماضي، أن زوجة المرشح، بينيلوب كروز، تقاضت 500 ألف يورو كرواتب خلال 8 سنوات (1986- 1990 و1998- 2002)، بصفتها مستشارة برلمانية وهمية لزوجها في مجلس الشيوخ.

الفضيحة كما سمّتها الصحافة الفرنسية زلزلت الأرض تحت أقدام مرشح "الجمهوريين"، لتخصم سريعا من رصيده الانتخابي، لاسيما وأن تقارير إعلامية محلية سابقة سبق وأن ذكرت أن ابنته ماري وابنه تشارلز، تقاضيا، بين 2005 و2007، حوالي 84 ألف يورو، بصفتهما مستشارين لوالدهما إبان عمله كبرلماني، رغم أنهما كانا لا يزالان في مرحلة الدراسة حينها.

ومع أن فيون حاول البقاء صامدا، وجاهد من أجل طمأنة أنصاره عبر تصريحه الشهير إبان اندلاع أزمته: "سأنسحب في حال توجيه الاتهام لي"، إلا أن استدعاءه من قبل قضاة التحقيق في 14 من هذا الشهر وتوجيه الاتهام له رسميا، كان بمثابة الضربة التي وأدت جميع آماله باجتياز محنته السياسية، والإفلات من محاكمة مفتوحة على أسوأ السيناريوهات.

قبل ذلك بأسبوع، وتحديدا في 8 من الشهر الجاري، أي في الفترة التي كان فيها فيون يسعى لاستعادة ثقة ناخبيه، ورأب الصدع اللاحق بتياره جراء قضيته، والأهم الخروج بأقل الخسائر الانتخابية، كشفت أسبوعية لو كانار أنشينيه أن المرشح حصل في 2013، على قرض غير معلن بقيمة 50 ألف يورو من رجل الأعمال مارك لادريت دي لاشاريار.

ومع أن المطلعين على الشأن الفرنسي تنتابهم شكوك واسعة حول هوية الرئيس القادم للبلاد نظرا لكثرة السيناريوهات المطروحة، إلا أن الثابت هو أن شبهات الفساد كانت نقطة تقاطع واضحة في السِيَر الذاتية لمرشحين يتفننون في طرح برامج انتخابية تعج وعودا بالشفافية.

  كلمات مفتاحية

فرنسا الدعم التركي لقوات الوفاق