في عالمٍ جديد ثلاثي الأقطاب.. هل تنشئ الولايات المتّحدة تحالفًا مع إيران؟

الثلاثاء 28 مارس 2017 10:03 ص

يخطّط وزير الخارجية «ريكس تيلرسون» لتجاوز أول لقاء مع حلفاء الناتو الـ 28، والذي يجري في 5 و6 أبريل/نيسان في بروكسل، من أجل حضور لقاء الرئيس «ترامب» مع «تشي» في منتجع مار-آ-لاغو المملوك لـ«ترامب» في 6 و7 أبريل/نيسان، بالولايات المتّحدة. وسيحضر «تيلرسون» أيضًا قمّة الدول السبع الصناعية الكبرى في إيطاليا قبل السفر إلى موسكو.

وتظهر علامات التحوّل التدريجي في التحالفات العالمية الناشئة من الشرق الأوسط والناتو وحتّى شرق آسيا. وقال النائب «إليوت إنجل» في تصريحٍ له أنّ إدارة «ترامب» ستقدم على «خطأٍ جسيم» بتخطّيها اجتماع بروكسل. وقال: «تفعل إدارة ترامب خطأً جسيمًا سيهزّ الثقة في أهم تحالف لأمريكا ويغذّي التكهّنات حول تقارب إدارة ترامب مع فلاديمير بوتين».

لكن على «إينجل» أن يفهم أنّ الاستراتيجية العالمية لإدارة «ترامب» هي امتداد طبيعي لاستراتيجية «أوباما». وإذا خفّضت من دورك العالمي بينما لا تزال هناك حاجة موضوعية لهذا الدور، فيجب عليك تقبّل أن يشغل لاعبون آخرون جزءًا من هذا الدور، ثمنًا لذلك. وبكل صراحة، نعتقد أنّ هذا الاتّجاه هو ضرورة هيكلية في الدور العالمي للولايات المتّحدة. ومع ذلك، تمّ تنفيذ خطّة التحوّلات بشكلٍ سيّء في أعوام إدارة «أوباما». والآن، فالزمن كفيل بإظهار ما إذا كانت إدارة «ترامب» قادرة على التنفيذ بشكلٍ أفضل.

ويمكن اختبار الطريقة التي ستنفّذ بها الإدارة هذا التحوّل الاستراتيجي عن طريق موقفها من النقاط الإقليمية الساخنة. وبوضوح، فإنّ إيران وكوريا الشمالية على رأس القائمة. وممّا نراه في حالة إيران، توجد أسباب وجيهة للقلق.

على هؤلاء الذين يروّجون لفكرة أنّ إرسال إيران لقوّاتها إلى العراق وسوريا هو من قبيل دفاع طهران عن أمنها القومي، أن يخبرونا عن حدود هذا الأمن القومي. هل يشمل تدمير (إسرائيل)؟ الهجوم على تركيا؟ إعلان الحرب على باكستان؟ غزو دول مجلس التعاون الخليجي؟ في كل هذه الحالات، يمكن لإيران وجوقتها أن تطرح حججًا مطوّلة ومقنعة وتكون الحجّة البارزة هي «حماية أمنها القومي».

ويتمّ اختبار أيّ نظام عالمي من خلال قدرته على حلّ الصراعات وتجنّب الحروب وبسط الاستقرار. واستند نظام أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية على توازن القوى الذي يمنع التعدّي والعدوان، والجهود الاقتصادية الضّخمة التي بذلتها الولايات المتّحدة لإعادة بناء القارّة التي دمّرتها الحروب، والتطوّر التدريجي لقوانين السّلوك في شكل اتّفاقات ثنائية ومتعدّدة الأطراف.

ولابدّ من تطبيق نفس المنطق في الشّرق الأوسط. ومع ذلك، لدينا نوع من الظواهر الغريبة هناك. ويعدّ النّظام الإيراني مزيجا معقّدا من الكفاءة السياسية من جهة والأساطير التاريخية والدينية من جهة أخرى. فإلى أيّ مدى سيتصرّف النظّام الإيراني كدولة، وإلى أيّ مدى سيتصرّف ككيان ديني، هو السؤال الذي لم يحصل على إجابة كاملة حتّى الآن. وفي كلتا الحالتين، تعمل الولايات المتّحدة مع الإيرانيين في شمال غرب العراق، وتستعدّ للعمل معهم في شمال شرق سوريا.

تغيير التوازن السياسي

لكن إذا كانت الفكرة هي تغيير التوازن السياسي في طهران لصالح القوى السياسية الأقل تطرّفًا، فالطريقة الممكنة الوحيدة لفعل ذلك هو الإثبات لكل الإيرانيين، وخاصةً هؤلاء داخل النّظام، أنّ مغامرات الحرس الثوري الإيراني تمثّل تهديدًا وجوديًا للنّظام. وأنّ الطريقة الوحيدة للقيام بذلك، هي تحويل تلك المغامرات، أو بعضها على الأقل، إلى بئر للموارد والمقاتلين. فهل روسيا والصين قادرتان على ذلك؟

وخلال فترة العقوبات، عبّر الكثير من الإيرانيين عن استيائهم من النّظام. وقد شعر الإيرانيون بوطأة العقوبات وكانت المقاومة تتراكم. وجاء إنهاء العقوبات سابقًا لأوانه. هدّدت إيران العالم بالحصول على أسلحة نووية واستخدمت ذلك التهديد في التفاوض على رفع العقوبات. وفي نهاية المناورة، خرجت بكليهما، رفع العقوبات، والحفاظ على برنامجها النووي الأساسي.

ومنذ أيّامٍ قلائل فقط، أرسلت إيران خطابًا لوكالة الطاقة الدولية ترفض فيه نقل المياه الثقيلة التي تمتلكها الزائدة عن الحدّ إلى الخارج. وجاء في الخطاب: «لا شيء في الاتّفاق النووي يطلب من إيران أن تخرج المياه الثقيلة التي صنّعتها إلى السوق العالمي، لكنّها لم تجد حتّى الآن المشتري الفعلي للمياه الثقيلة التي تحتاج أن تسلّمها». وكجزء من اتّفاقية العمل المشتركة الشاملة، على إيران إبقاء مخزونها من المياه الثقيلة أقل من 130 طن متري.

وفي يناير/كانون الثاني الماضي، تقدّمت عدد من الدول الأوروبية بعروضٍ لشراء المياه الثقيلة. وقال «علي أصغر زارعان»، المساعد الخاص بوكالة الطاقة الذريّة، في 18 فبراير/شباط: «بعد بيع 70 طنًا من المياه الثقيلة لروسيا والولايات المتّحدة، طلبت بعض الدول الأوروبية شراء المياه الثقيلة وننظر في طلباتها". لكن منذ ذلك الوقت، لم يأتِ الردّ».

وقالت الولايات المتّحدة في بيانٍ لاجتماع وكالة الطاقة الذريّة: «أيّ زيادة من المياه الثقيلة فوق حدود 130 طن متري لا يمكن أن تبقى في إيران». لكن ماذا بعد ذلك؟

ستستمرّ إيران في المماطلة لكسب الوقت. وهي تشعر أنّ الوقت في صالحها. ولسنا أكيدين من اعتقاد روسيا نفس الشيء. لكن الواضح هو أنّ كليهما مستعد لإعطاء بعض القادة والسياسيين الساذجين أكثر ما يرغبون به في الوقت الحالي، رأس «داعش»، وفي المقابل، جمع المكاسب المستمرّة في كلّ اللحظات التي تلي ذلك. وقد أقنع الرئيس «بوتين» الرئيس «أوباما» بنفس الطريقة للتخلّي عن الخطّ الأحمر بخصوص استعمال الأسد للأسلحة الكيميائية. وفي حين أفقد «أوباما» نفسه مصداقيته، نجد أنّ «الأسد» لم يتخلّ حتّى عن أسلحته الكيميائية

إذا اصطفّت الولايات المتّحدة إلى جانب إيران، ستخسر الشرق الأوسط الآن وإلى الأبد. علاوةً على ذلك، ستكون بذلك قد فتحت الطريق أمام عقود طويلة من الصّراعات والحروب في المنطقة. وإيران ليست دولة عربية أو سنّية. والعالم العربي هو عربي وسنّي في الغالبية العظمى منه. ووجود تحالف أمريكي إيراني سيدفعنا إلى الخلف عدّة عقود. وحتّى تقدير أنّ العراق يمكنه الحصول على العراق وسوريا ولبنان «لاستيطانها» هو إعادة لفكرة إعطاء «هتلر» لهذه البلد أو تلك «لاستيطانها». الأنظمة الدينية لا تستوطن أبدًا. فإعطائهم شيئًا هو فقط دافعٍ لهم للمطالبة بالمزيد. ويعطيهم تأكيدًا على صحّة الأيديولوجية وإثباتٍ بالنّجاح.

خطوة بناءة

ومع ذلك، إذا كانت النوايا صادقة، وهناك في رغبة صادقة في الولايات المتّحدة وروسيا والصين لجلب الاستقرار للشرق الأوسط والقضاء على الإرهاب، قد يكون التحالف الثلاثي (الولايات المتّحدة وروسيا والصّين) خطوة بنّاءة، إذا فرضت قواعد محدّدة وتمّ احترامها.

وينبغي أن يستند نهج الشرق الأوسط في الصورة ثلاثية الأقطاب الجديدة إلى شروطٍ محدّدة سلفًا:

أولا: لابدّ من مشروعٍ شامل للتنمية الاقتصادية في المنطقة لوقف التهديد المتزايد للإرهاب، والحدّ من التوتّر، والوصول إلى أثر الاعتدال المطلوب في العواصم الإقليمية ذات الصلة.

ثانيا: لابدّ من وجود قواعد واضحة للسّلوك توافق عليها الولايات المتّحدة وروسيا والصّين من ناحية، والعواصم الإقليمية من الناحية الأخرى، لوضع آليات مناسبة للمراقبة والفصل ووضعها موضع التنفيذ.

ثالثا: مظهر واضح للعواقب المحتملة لكسر القواعد من قبل أي قوة إقليمية (التدخل - التحريض الطائفي - مساعدة الإرهابيين - رعاية الوكلاء - الاستفزاز العسكري التقليدي، وما إلى ذلك).

رابعا: تقسيم مجالات النّفوذ الذي لا يحظر الوصول العادي من قبل جميع الأطراف.

لكنّ العنصر الأهم في كلّ ذلك هو الوصول إلى مفهوم استراتيجي بين الولايات المتّحدة وروسيا والصين لا يتعلّق بالشّرق الأوسط فقط، لكن يتعلّق بالوضع العالمي ككلّ. وبدون هذا المفهوم، فإنّ النّظام ثلاثي الأقطاب في منطقة واحدة لن يبقى طويلًا.

علاوة على ذلك، إذا شعر العرب أو الإيرانيون أو أيًّا كان بأنّ النهج الجديد منحاز، لا تتوقّع منهم التقيّد بقواعده بشكلٍ حقيقي حتّى وإن كانوا يومئون برؤوسهم موافقةً في الاجتماعات الدبلوماسية. لن تسمح أيّ بلد بتعرّض أمنها للخطر لأجل رغباتٍ خارجية. ولابدّ من استناد توازن القوى المضمون على الخصائص القائمة للوضع في العالم الواقعي. يمكنك وضع الخطّة الأكثر تعقيدًا وأن تضيف لها ما تريد. لكنّها لن تنجح أبدًا إذا بنيت نقطة انطلاقتها على خلاف ما يدور على أرض الواقع.

المصدر | ميدل إيست بريفينغ

  كلمات مفتاحية

ترامب إيران الولايات المتحدة الاتفاق النووي