«فاينانشال تايمز»: دعم «السيسي» يخاطر بتحويل مصر إلى دولة فاشلة

الأربعاء 29 مارس 2017 05:03 ص

في الأسبوع الماضي، كانت مصر على موعد مع خروج «حسني مبارك» الرجل الذي حكم البلاد لمدة 3 عقود حتى انتفاضة عام 2011 في ميدان التحرير من السجن. في الأسبوع المقبل، من المقرر أن يقوم «عبد الفتاح السيسي»، قائد الجيش السابق الذي أطاح بحكومة إسلامية منتخبة في انقلاب مدعوم شعبيا في منتصف عام 2013، بزيارة إلى البيت الأبيض بدعوة من «دونالد ترامب» الذي وصفه في العام الماضي بأنه رجل رائع.

وعمل فرعونا مصر الحديثة كحاجزين تسببا في إفشال محاولات البلاد للانتقال من الاستبداد. وفي الشهر الماضي قام البرلمان المصري بطرد النائب «محمد عصمت السادات» ابن شقيق الرئيس الراحل «أنور السادات» الذي اغتاله مسلحون إسلاميون في 1981، وهو أحد النواب المعارضين في البرلمان. في حين يقبع آلاف من شباب ميدان التحرير اليوم في سجون مصر.

ومن غير المرجح أن تكون مصر، في حالتها الحالية الصعبة، محورا لسياسة أي جهة في الشرق الأوسط. ومع ذلك تبقى الحقيقة أن التاريخ، والجغرافيا، والديموغرافيا (عدد سكان البلاد الذي يبلغ أكثر من مائة مليون نسمة) يجعلها بشكل افتراضي مركزا لأي حسابات تفاضل وتكامل إقليمية.

لا تزال الولايات المتحدة وأوروبا وحتى جيران مصر من العرب يستكشفون أي مصر تقف أمامهم اليوم، ونوعية السلطة التي تدار بها، وهي في كل الأحوال لا تبدو أمورا تسير بشكل جيد.

على مدى عقدين من الزمن، حتى طرد الرئيس «السادات» المستشارين الروس في عام 1972، كانت مصر مركزا للطبقات السوفيتية في الشرق الأوسط. بعد أن قام «السادات» بتوقيع معاهدة كامب ديفيد مع (إسرائيل) عام 1979 أصبحت مصر ركيزة إقليمية للسياسة الأمريكية. وفي أواخر التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ينظران إلى البلد على أنها مختبر إقليمي لسياسات الإصلاح الاقتصادي. في الواقع كانت جهود «مبارك» لتوسيع دائرة «رأسمالية المحسوبية» هي التي مهدت الطريق إلى ميدان التحرير.

جاء انقلاب «السيسي» في العام 2013 بعد احتجاجات جماهيرية ضد الرئيس السابق «محمد مرسي»، الذي فازت جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها بسلسلة من الانتخابات بعد فشل القوى اليسارية والقوى الليبرالية في تنظيم نفسها. وبعد عام واحد قضته في السلطة، بدا أن جماعة الإخوان أساءت استخدام التفويض الضعيف الذي منحته إياهم الثورة التي كانوا مترددين في الانضمام إليها. وبدلا من ممارسة الحكم، فإن فشلوا في السيطرة على المؤسسات في مصر.

من وجهة نظر «ترامب» فإن «السيسي نجح في السيطرة على مصر». ولكن هناك وجهة نظر أخرى هي أن «المنقذ المفترض» يقود بلاده من جديد نحو مواجهة قديمة. الجيش يتكتل في جبهة، والإسلاميون المتشددون يتكتلون على الجبهة الأخرى وليس هناك مساحة بينهما.

يقول مسؤول سابق مخضرم أن «السيسي» يأمل أن يأتي السيد «ترامب» يبشر بتغيير جذري في السياسة الغربية، التي رأى حكام مصر أنها استجابت بشكل ساذج ومدمر لموجات الربيع العربي. وقال: «إن أجهزتنا العسكرية والأمنية تعتقد حقا أنها مؤامرة كبيرة وأن الهدف هو تدمير الجيوش العربية». وتملك هذه الأجهزة الأمنية اليوم سيطرة مطلقة، وهذا لا يظهر فقط في القمع الشامل للحريات المدنية ولكن في عدم الكفاءة المزعزع للاستقرار في صنع السياسات أيضا.

وفي وقت متأخر من العام الماضي، أقر البرلمان قانونا يضع جميع المنظمات غير الحكومية في مصر تحت سيطرة الحكومة المركزية، عبر حرمانها من التمويل الأجنبي. كان هذا بمثابة إطلاق النار على أكثر من 25 ألف منظمة غير حكومية من أجل استهداف مائتي منظمة تعمل في مجال حقوق الإنسان. وإذا ما نفذ هذا القانون، فسوف يمحو ما تبقى من المجتمع المدني، فضلا عن تقليص خدمات الرعاية التي لا تستطيع الدولة تقديمها.

ولم يوقع الرئيس بعد على القانون الذي قال وزير سابق أنه تم إعداده من قبل الحكومة الحقيقية في مصر وهم المجموعة الأمنية في مجلس الوزراء، والتي تخطت الجميع وطلبت من البرلمان الإسراع في مناقشة القانون في جلسة مغلقة من أجل تفادي المضايقات. وتعبر هذه الدائرة عن طبيعة الحكم القائم حاليا: يتم تمرير التشريع أولا ثم مناقشة مع الذي يعنيه. وهو نمط لا يعمل بشكل جيد كما هو واضح.

كما تمكن «السيسي» من إحباط العلاقة الوحيدة الأكثر قيمة في مصر مع السعودية التي دفعت مليارات الدولارات كمساعدات للبلاد. وكانت أحد الأسباب هو هي قضية التنازل الجزر في البحر الأحمر القاحلة إلى السعودية، مما أثار رد فعل قومي وأكبر احتجاجات منذ الانقلاب. وبالتحدث إلى مجموعة من الوزراء السابقين قال أحدهم: «لم ير أي منا أي ملف حول الجزر. لم يكن الأمر مطروحا على الطاولة».

بعد أن خسرت الدعم السعودي، اضطرت مصر إلى تدشين برنامج إصلاح اقتصادي بهدف الحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار تحل محل البترو دولارات المفقودة. وشملت التدابير المتأخرة والمتسرعة تخفيض قيمة العملة وتخفيضات الدعم التي تسببت في احتجاجات الخبز التي لم تكن مفاجئة بالنسبة إلى أولئك الذين يتذكرون انتفاضة الخبز ضد صندوق النقد الدولي في عام 1977.

قد لا يكون هناك بديل للسيسي سوى رجل آخر من ذوي الزي الرسمي، على الأقل في الوقت الراهن. لكن فكرة السيد «ترامب» بأن الزعيم المصري نجح حقا في السيطرة لا تأخذ بالاعتبار تراكم الحطام السياسي. حتى إن دبلوماسي غربي متعاطف يقول «المشكلة هي أنهم يمارسون استراتيجية تفتقد إلى الكياسة، وتصنف على أنها فئوية، وتخريبية وتضر بمصلحة البلاد».

وإذا لم تتمكن مصر من رسم طريق للمضي قدما بين التطرف والاستبداد، فإن آفاقها، وكذلك آفاق المنطقة سوف تصبح أكثر قتامة ولكن تكون بأي حال أكثر إشراقا مع تراجع الغرب إلى سياسته التقليدية بدعم المستبدين. إن التشجيع على الحكم الاستبدادي يخاطر بدفع البلاد إلى مصاف الدول الفاشلة في المنطقة. باستثناء أن مصر ليست كأي دولة.

المصدر | دافيد جاردنر - فاينانشيال تايمز

  كلمات مفتاحية

السيسي مصر الاقتصاد المصري انقلاب مصر مبارك براءة مبارك

ناشطون يسخرون من السيسي: شايف مصر بقت فين؟