استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

ظاهرة التقدم والتراجع في بلاد العرب

الخميس 30 مارس 2017 11:03 ص

شعار التقدم الإنساني الذي طرحه عصر الأنوار الأوروبي منذ حوالي ثلاثة قرون، بل قدمه كحتمية من حتميات التطور البشري نحو الأفضل والأسمى، يخضع الآن للتساؤل والشك.

فالذين طرحوا الشعار في البداية اعتقدوا بأنه كلما زادت المعرفة وتقدمت شتى العلوم وتطورت وتحسنت التكنولوجيا، فإن الإنسان سيصبح أكثر عقلانية واتزانا في الأحكام والتصرفات وأكثر تحضراَ. وهذا، حسب رأيهم، سيقود إلى عالم أكثر رخاءَ وسلاماَ وسعادة، إذ أن العلم سيؤدي إلى أنسنة البشر.

دعنا مَما يقوله المفكرون الغربيون عن موضوع التقدم في بلادهم، إذ على الرغم من التطور الهائل في المعلومات والمعرفة والتكنولوجيا الذي تحقق في بلدانهم، فإنهم لم يحصدوا إلا الحروب الكونية والعبثية، واستعمار الآخرين، والأزمات الاقتصادية المتعاقبة، وصولا، في أيامنا الحالية، إلى صعود الفاشية اليمينية، وعودة الأصولية الدينية المتزمتة، ورجوع التعصبات العرقية ضد هذا الجنس أو ذاك، وانتشار أوبئة المخدرات والبغاء والجرائم. من هنا مراجعة الكثيرين لمفهوم التقدم برمته.

بدلا من ذلك دعنا نتفحص بإمعان موضوع التقدم في بلاد العرب، إذ ستصدمنا المفارقات وسنكتشف أنفسنا، على غرار ما اكتشفه الغرب، بأن التقدم في ساحات المعرفة والعلوم والتكنولوجيا لا يقود بالضرورة إلى استعمال العقل والمنطق، ولا إلى ارتفاع مستوى القيم والأخلاق أو الالتزام بمصالح الأوطان.

المفارقة الأولى تتمثل في الصورة التالية: المنتمون لـ«القاعدة»، أو لبناتها «داعش» و«النصرة» وغيرهما، يستعملون أحدث وسائل الاتصال الالكتروني وأكثر الأسلحة الحربية تطورا، وذلك بكفاءة مبهرة تفوق حتى كفاءة مخترعيها. كما أنهم يبرعون بصورة مذهلة في الاستفادة من كل ما توصل إليه علم النفس الجماهيري العصري، وفي الاستعمال المبدع لآخر صيحات العلاقات العامة المضللة، وفي استغلال كل ما هو غريب وشاذ في التراث الفقهي الإسلامي، بعبقرية انتهازية فريدة، وذلك كله من أجل الهيمنة التامة على عقول الشباب المسلمين عبر قارات العالم كله.

لكن ذلك التفاعل المدهش في ما بين أفراد ما يسمى بالحركات الجهادية التكفيرية ومنجزات العصر المعرفية والعلمية والتكنولوجية، لم يمنع أفرادها من تفجير الأحزمة الناسفة في التجمعات الجماهيرية الآمنة، سواء في المستشفيات أو الأسواق أو المدارس وحتى في بيوت الله، ومن سبي النساء وبيعهن كالسلع، ومن تهجير الملايين من مدنهم وقراهم ومزارعهم، ومن حرق وقطع رؤوس المكبلين المغلوبين على أمرهم. كل منجزات العصر العلمية والفنية لم تمنع أولئك المستوعبين لها والمستعملين لكل أدواتها عن التراجع إلى أدنى مستويات البدائية وأعلى توحشها.

المفارقة الثانية تتلخص في الآتي: لقد انتشر التعليم المدرسي والجامعي بين ملايين العرب والمسلمين. ولقد أطلعت الملايين على منجزات الدولة الحديثة في بنائها على أسس المواطنة والتساوي في الفرص والاحتكام إلى القانون، وبالتالي إعلاء الولاء للوطن فوق كل ولاء آخر، وشاهدت الملايين يوميا عن طريق التلفزيون أنواعا مبهرة من مظاهر التقدم الحضاري في مجتمعات الآخرين، ومع ذلك لم يمنع كل ذلك ارتداد أعداد هائلة من العرب والمسلمين إلى الولاءات الدينية والمذهبية المتحجَرة المتصارعة البدائية، وإلى ولاءات ما قبل قيام الدولة، من مثل القبلية والعشائرية والمناطقيه العرقية، وذلك كله على حساب الولاء الوطني المشترك.

مرة أخرى، لم يمنع الاحتكاك بمنجزات العصر الفكرية في السياسة والتنظيم الإداري، والتعرف على فوائد التطبيقات العقلانية من قبل الآخرين، تراجع كل ما وصل إليه العرب من تقدم، ولو كان محدودا، إلى الوراء، وفي شكل تقهقر سريع يهدد بأن تصبح الأمة العربية خارج التاريخ وعلى هوامش مسيرة الإنسانية.

اليوم، نرى حتى الممارسات الديمقراطية المحدودة تنتقل إلى عوالم الاستبداد، وحقوق الإنسان العربي المتواضعة إلى عوالم قبضة البطش الحديدية، والمشاركات المجتمعية السابقة، حتى لو كانت مقيدة وموسمية، تدخل في متاهات الشروط التعجيزية والمذلة.

يقول المفكر والفيلسوف البريطاني جون غراي بأن الذين لايزالون مؤمنين بفكرة وحتمية التقدم هم في عصرنا (عصر الغرب) ينشدون في التكنولوجيا ما كانوا ينشدونه من قبل في الإيديولوجيات، ومن قبل ذلك في الدين: إنهم ينشدون الخلاص والإنقاذ من أنفسهم. ياله من تصوير مروع لنهاية بائسة لإنسان الغرب. ذلك أن التكنولوجيا اثبتت دائما أنها بجانب ما تحمله من فوائد للإنسان، فإنها تحمل مخاطر وأهوالا تدميرية هائلة، وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليها لخلاص الإنسان من شياطين نفسه.

إذن، فماذا عن الإنسان العربي؟

ما هو الحقل الذي سينشد فيه خلاصه من نفسه المأزومة المحبطة التائهة في لحظته الراهنة؟ وهل سيستطيع، وهو في لحظات أتون الجحيم والفوضى والدمار التي يعيشها، أن يحل إشكالية التقدم والتقهقر تلك؟ لماذا تتقدم المجتمعات العربية خطوة، ثم تتقهقر خطوتين؟

مفكرو الغرب يفتشون عن حلول فلسفية جديدة لإشكاليتهم، فهل نأمل في أن ينبري المفكرون العرب لإيجاد حلول فلسفية وثقافية جديدة لحل إشكاليتنا؟

* د. علي محمد فخرو كاتب ومفكر بحريني

  كلمات مفتاحية

بلاد العرب ظاهرة التقدم والتراجع التنولوجيا الحديثة حتميات التطور البشري الأزمات صعود الفاشية الولاءات الطائفية والعشائرية