«ستراتفور»: روسيا وإيران تعززان «الزواج المريح» بينهما

الجمعة 31 مارس 2017 07:03 ص

اجتمع الرئيس الإيراني «حسن روحاني» مع الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» في موسكو في زيارة رفيعة المستوى، يوم الثلاثاء، وكان من الواضح أنّها تهدف إلى إرسال رسالة إلى العالم، والولايات المتحدة على وجه الخصوص. ويعدّ التحالف الاستراتيجي بين إيران وروسيا الآن أقوى من أيّ وقتٍ مضى. فبعد كلّ شيء، كما أكد ذلك «بوتين»، تمتدّ جذور العلاقة إلى 500 عام. لكن لا «بوتين» ولا «روحاني» قد نسيا نوبات المنافسة الجيوسياسية الشديدة بين القوتين على مدى القرون الخمسة. ويمكن الشعور بعدم الثقة الكامن بينهما هذا الأسبوع، حتّى خلال عمل الزعيمين على تعميق علاقات البلدين.

وقد عانى التحالف الروسي الإيراني في الماضي القريب. وكان قائمًا على افتراضين رئيسيين، استمرار الأعمال العدائية بين الولايات المتحدة وإيران، وإجبار إيران على إيجاد حليفٍ استراتيجي لتحقيق التوازن ضدّ الغرب. وأنّ مواجهات روسيا مع الغرب سوف تستمر، الأمر الذي دفع موسكو إلى محاولة العثور على مناطق نفوذٍ إضافية في الشّرق الأوسط لاستخدامها في المساومة مع الولايات المتحدة.

وقد اختلّت هذه الافتراضات في الأعوام الأخيرة. ودفعت الولايات المتّحدة بقيادة الرئيس «باراك أوباما» باتّجاه إبرام اتّفاقٍ نووي مع طهران وتراجعت إلى حدٍّ كبير احتمالات نشوب نزاع عسكري، وعطّل ذلك استراتيجية روسيا للعب دور المفسد في هذا المسرح بالذات. فالتّهديدات الرّوسية ببيع أنظمة الدّفاع الجوّي لإيران، على سبيل المثال، قد تلقّت ضربةً قويّة حين بدأ الجيش الأمريكي بالتخطيط العاجل لاحتواء البرنامج النووي الإيراني.

وفي الوقت نفسه، عاشت إيران منذ فترة طويلة في قلق أن تضحي بها روسيا لتأمين صفقةٍ أوسع مع واشنطن. ولا ترغب موسكو بشكلٍ خاص بالتّعامل مع إيران النووية في محيطها، كما أنّها لا ترغب برؤية تعدّيات إيرانية كبيرة على حصة روسيا من أسواق الطّاقة الأوروبية والآسيوية. وتملك إيران ثاني أكبر احتياطيٍ للغاز الطبيعي في العالم، ومع وجود نظام أنابيب كبير يحمل الغاز الطبيعي الإيراني إلى أوروبا، سيهدّد ذلك بشكلٍ خطير نفوذ روسيا في مجال الطّاقة هناك.

لكن، في الوقت الراهن، على الأقل، لا تزال الشّراكة الروسية الإيرانية قائمة. ولم يؤدِّ تكثيف الحرب الأهلية السّورية إلّا إلى مزيد من اعتماد إيران على الدّعم الرّوسي. وفي الوقت نفسه، فإنّ انتقال الرئاسة الأمريكية من «أوباما» إلى «دونالد ترامب»، المدعوم من قبل الكونغرس الجمهوري، يحافظ على قدرٍ كافٍ من التوتّر في العلاقات الأمريكية الإيرانية، الأمر الذي يبقي على وجود روسيا في المحيط الإيراني.

تحالف يتعزز

وتتعزّز العوامل التي تقف وراء التحالف الروسي الإيراني فقط مع مرور الوقت. وكما توقّعنا عندما دخل «ترامب» البيت الأبيض لأول مرّة، سيبقى الاتّفاق النّووي الإيراني سليمًا على الرغم من أنه من احتمالات تعرضه للضّغوط بسبب التّجارب الصاروخية البالستية المستمرّة من قبل إيران. (من المفترض أن تمتنع إيران عن إجراء مثل هذه الاختبارات، وذلك بموجب قرار مجلس الأمن التّابع للأمم المتّحدة، لكنّها ليست مُلزَمة قانونيًا بذلك بموجب الاتّفاق النّووي). ويوجد احتمال لتحولٍ سياسي في إيران، حيث يواجه «روحاني» معركة في الانتخابات الرئاسية في مايو/أيار، وسيكون ذلك أيضًا عاملًا هامًا في الحفاظ على الاتّفاق النّووي.

وفي الواقع، أشارت بيانات متعدّدة من البيت الأبيض في الأسابيع الأخيرة إلى أنّ الولايات المتّحدة لا تنوي «تمزيق» الاتّفاق، كما هدّد «ترامب» خلال حملته الانتخابية، ولكن بدلًا من ذلك سيكون التركيز على إنفاذ قواعده وبنوده. ويبدو حتى أنّ قدرة (إسرائيل) على الضّغط على البيت الأبيض لإعادة النظر في بعض جوانب الاتفاق النووي قد خفتت الآن. وقد أتيحت للإدارة الأمريكية فرصة لتقييم التحدّيات المتعدّدة للسياسة الخارجية، وهي حذرة من إضافة تصعيدٍ خطيرٍ مع إيران إلى هذا المزيج.

وبدلًا من ذلك، ينخرط الجانبان في التحرّكات الرّمزية في الغالب لإرضاء المزيد من العناصر المتشدّدة في دوائرهما الانتخابية. فعلى سبيل المثال، استجابت إدارة «ترامب» لاختبار الصواريخ الباليستية الإيرانية في فبراير/شباط  بفرض عقوباتٍ على كياناتٍ متعدّدة وأشخاصٍ مرتبطين بالبرنامج الإيراني. وأقرّت وزارة الخارجية الأمريكية في 21 مارس/آذار عقوباتٍ إضافية على إيران وكوريا الشمالية وسوريا بموجب قانون حظر الانتشار النووي. ثمّ طرح الكونغرس الأمريكي هذا الأسبوع تشريعاتٍ تهدف إلى تشديد الرّقابة على العلاقات الثنائية مع إيران وتعزيز العقوبات ضدّ تجارب الصواريخ الباليستية وضدّ قوات الحرس الثوري الإيراني. وتقع مثل هذه التجارب الصاروخية الإيرانية خارج شروط الاتّفاق النّووي، الأمر الذي يمكّن الولايات المتّحدة من مواصلة الضّغط على إيران دون المساس بالاتّفاق، كما أنّ المؤسّسة الأمنية الإيرانية لا تزال مستمرّة في جهودها لتطوير القدرات العسكرية التقليدية في البلاد، بما في ذلك الصواريخ الباليستية. وأصدرت إيران هذا الأسبوع ما وصفته بـ «العقوبات المتبادلة» ضدّ 15 شركةٍ أمريكية، بسبب دعمها المزعوم لـ (إسرائيل) والتّحريضِ على الإرهاب في المنطقة. ولا تملك تلك الشركات التي تضمّ صانعة الشاحنات أوشكوش كوربوريشن وشركة ري ماكس القابضة العقارية وشركة الصّناعات الدّفاعية آي تي ​​تي كوربوريشن وشركة رايثيون، بصمةً تجاريةً كبيرةً في إيران على أيّ حال.

وحتّى في الوقت الذي تزداد فيه التوتّرات بين إيران والولايات المتّحدة على هامش الاتّفاق، مع الحرص على الحفاظ عليه بعدم تجاوز الكثير من الخطوط الحمراء لكلا الجانبين، هناك ساحاتٌ أخرى من شأنها أن تحدث مزيدًا من التّقارب بين روسيا وإيران. ففي اليمن، على سبيل المثال، تعرّضت الروابط العسكرية الإيرانية مع الحوثيين لتدقيقٍ أمريكي أشدّ في الأسابيع الأخيرة. وتفيد التقارير بأنّ البنتاغون يطلب من البيت الأبيض رفع الحظر الذي فرضه «أوباما» على تقديم الدّعم العسكري (على وجه التحديد، تقديم المساعدة في مجال اللوجستيات والاستخبارات والتخطيط) إلى التّحالف العسكري الذي تقوده السّعودية في اليمن، الأمر الذي يزيد من احتمال أن تتورّط واشنطن في معركة بين إيران ومجلس التعاون الخليجي على عتبة السّعودية. وكلّما ازدادت الاحتكاكات الأمريكية الإيرانية على حدود اليمن في باب المندب، سوف تتكئ إيران على الدّعم العسكري والسياسي الروسي بشكلٍ عام لتحقيق التوازن ضدّ الولايات المتّحدة.

وفي سوريا ولبنان، في الوقتِ نفسه، تتزايد التكهّنات حول احتمالية أن تزيد (إسرائيل) من العمل العسكري ضدّ حزب الله، في حين لا تزال المجموعة مستهلكة في الحرب الأهلية السورية. وقد تزايدت مخاوف (إسرائيل) من أنّ التنظيم الشيعي المسلح قدّ عزّز قدراته بشكلٍ كبيرٍ خلال تورّط مقاتليه في الحّرب الأهلية. وكذلك قام حزب الله والحرس الثوري الإيراني بتعزيز وجودهما في الأراضي الخاضعة لسيطرة الحكومة السّورية على طول خطّ وقف إطلاق النّار لعام 1967 في هضبة الجولان، الأمر الذي أدّى إلى خلق جبهةٍ عسكريةٍ أوسع أمام (إسرائيل) في مواجهة محتملة في سوريا ولبنان.

ولكي تدافع إيران بشكلٍ كافٍ عن مواقعها على طول الحدود الشّمالية لـ (إسرائيل)، يجب أن تحظى بتفاهمٍ مع روسيا، تمامًا كما يجب أن يكون لدى (إسرائيل) تفاهمٌ مع روسيا لتحقيق أهدافها العسكرية في سوريا دون تدخّل لا داعي له. وقبل أقلّ من ثلاثة أسابيع من وصول «روحاني» إلى موسكو، قام رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» بزيارة لـ«بوتين» (هي الثالثة خلال الأشهر الـ 11 الماضية) في محاولة لتأمين مثل هذا التفاهم بشأن تبادل المعلومات الاستخباراتية وعدم التدخّل الرّوسي في المسرح السوري حين تزيد (إسرائيل) من عملياتها العسكرية في المّنطقة.

وستظل مشاركة روسيا في سوريا محدودة تكتيكيًا مع مجموعات ومناطق عمليات محدّدة، مع التركيز الاستراتيجي على قيادة المفاوضات مع الولايات المتّحدة. وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها إيران لاستقطاب تعاونٍ أكبر من موسكو، فإنّها لن تكون قادرة على الاعتماد على الدّعم الرّوسي الكامل للتدّخل ضد (إسرائيل) في ظلّ نشوب نزاعٍ أكبر على الحدود الشّمالية لـ (إسرائيل).

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

روسيا روحاني أمريكا إيران الاتفاق النووي