أزمة أسعار الغذاء في مصر.. والمواطنون: كيف لنا أن نأكل؟

الجمعة 31 مارس 2017 08:03 ص

قال «علي السيد»، (60 عامًا): «زيت الطهي صار أكثر تكلفة، والسكر أيضًا، والآن الخبز .. كيف لنا أن نأكل؟» ويواجه المحاسب السابق صعوبة في الوفاء بالتزاماته المادّية.

وأضاف: «الشيء الأسوأ أن تكون غير قادر على إطعام عائلتك. لا أحد يشعر بالمعاناة التي نعيش فيها».

وقد قلّصت الحكومة الدعم عن المواد الغذائية عدّة مرّات في الأشهر القليلة الماضية، الأمر الذي تسبّب في غضب وإحباط 70 مليون مصري يستفيدون من نظام الحصص التموينية. وفى وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر، قام المصريون بمظاهرات فى الإسكندرية والجيزة ضدّ التخفيضات الأخيرة فى حصص الخبز، وهم يردّدون «عايزين عيش (نريد خبزًا)»، و«أي شيء إلّا رغيف الخبز».

وقد خفّضت وزارة التموين الحصّة اليومية من رغيف الخبز المدعوم الذي يُسمَح للمخابز بصرفه إلى حاملي البطاقات الورقية إلى 500 رغيف بدلًا من 1000 إلى 4000 رغيف يوميًا. على الرّغم من أنّ برنامج البطاقة الإلكترونية المنفصل لم يتأثّر.

وفي محاولة للحدّ من الاحتجاجات، وعدَ وزير التموين «علي مصيلحي» بحلّ مسألة الخبز في غضون 48 ساعة في 8 مارس/آذار، في الوقت الذي لا يزال فيه يدافع عن قرار خفض الدّعم. ومع ذلك، لا يزال العديد من المصريين يشكون من أنّ الوضع لم يتحسّن.

وقال «سعيد نبيل»، الموظف الحكومي البالغ من العمر 50 عامًا والمقيم حاليًا في الإسكندرية: «لقد نسينا كيف كانت تبدو اللّحوم وغيرها من المواد الغذائية المكلّفة، لكنّنا لا يمكن أن ننسى الخبز».

وأضاف: «الخبز ضروري في جميع وجبات الطعام لدينا، وكان جزءًا من نظامنا الغذائي لأجيال».

ويعتبر الخبز عنصرًا رئيسيًا في النّظام الغذائي المصري، وكان الخبز دائمًا قضية شائكة قابلة للانفجار. ومنذ تطبيق نظام دعم الغذاء في الخمسينات من القرن الماضي في ظلّ حكم الرئيس «جمال عبد الناصر»، أصبح المصريون يعتمدون على نظام الحصص التموينية. وفي الماضي، كانت العديد من الاحتجاجات العنيفة تتمحور حول السلع الأساسية، الأمر الذي دفع المصريين إلى قتل بعضهم البعض للحصول على رغيف مدعومٍ من الدولة.

وفي عهد الرئيس الراحل «أنور السادات»، تسبّبت محاولة رفع أسعار الخبز عام 1977 في أعمال شغب كبيرة، وفي عام 2008 واجه «مبارك» أيضًا عدّة مظاهرات ردًا على نقص الخبز.

ويحصل «سيد» على معاشٍ شهري قدره 947 جنيهًا مصريًا (50 دولارًا). وفي الأشهر الستة الماضية، كانت الجهود المبذولة لتجديد بطاقة التموين الذكية غير مجدية بسبب الإجراءات البيروقراطية التي تسبّبت في تأخيراتٍ لا نهاية لها.

ولكي يضمن «سيد» أنّ عائلته بأكملها تحصل على الغذاء، فإنّه يحتاج إلى شراء 10 أرغفة من الخبز يوميًا من الأفران المحلّية التي تكون أسعارها أعلى بكثير من الأفران التي تديرها الدولة. وتتراوح تكلفة الرغيف الواحد بين 30 إلى 75 قرشا، اعتمادًا على الحجم والنوعية. وفي برنامج الدعم الحكومي، يكلّف الرغيف 5 قروش فقط.

الحكومة تقلل من قدر الإحباطات

وقد قلّل بعض المسؤولين الحكوميين من قدر الشّعور بالإحباط لدى المواطنين وطلبوا من النّاس أن يكونوا أكثر تفهّمًا لوضع الاقتصاد المصري المتدهور.

وقال «العربي أبو طالب»، رئيس الاتّحاد العام لمفتّشي التموين والتجارة الداخلية: «مع ميزانية الدولة الضيّقة للغاية، هذا هو أقصى ما يمكن للدولة منحه. يجب على المواطنين فهم الوضع في البلاد».

وفي مقطع فيديو نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي في 11 مارس/آذار، ذهب «محمد منصور»، وهو أحد أفراد الأجهزة الأمنية المصرية، إلى تشجيع المصريين على «الجوع» و«التضحية بعشائهم» من أجل ازدهار مصر.

ولم يقنع هذا الكثير من المصريين الذين يكافحون لإطعام أطفالهم، مثل «حسن رشاد» (36 عامًا). وقال «حسن» إنّه من الصّعب التّعاطف مع الدولة في حين يضطّر لاقتراض المال شهريًا من أجل تغذية ولديه.

وأضاف: «تطلب منّا الدولة أن نفهم وضعها. حسنًا، ولكن كيف يمكن لأطفالي أن يفهموا عدم مقدرتي على إطعامهم؟».

ورشاد هو موظف في خدمة البوفيه لشركة خاصة ويكسب 1600 جنيها مصريا (100 دولار أمريكي) شهريًا. ويعاني من استمرار الدّيون بسبب اضطّراره لشراء الأغذية الأساسية من الأسواق بأعلى الأسعار، بدلًا من الاعتماد على أسعار الأغذية المدعومة.

وقد ارتفع التضخّم الأساسي بأكثر من 30% منذ أن خفّضت مصر قيمة عملتها في نوفمبر/تشرين الثاني، وذلك بعد الحصول على حزمة قروض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي لدعم برنامج التقشّف الحكومي.

وقال البائعون والزّبائن على السّواء أنّ هناك نقصا في العديد من المنتجات المدعومة. وحاليًا، لا يمكن لكل مستهلك يحمل بطاقة تموينية شراء أكثر من كيسٍ واحدٍ من السّكر بسبب الأزمة الشديدة في السكّر.

وقال موظفٌ تابعٌ لوزارة التموين، فضّل عدم الكشف عن هويته لأنّه غير مسموح له بالتحدّث إلى وسائل الإعلام، أنّ «معظم المنتجات (المدعومة) غير متوفّرة، لاسيّما السّكر». ووفقًا لما قاله، لا يوجد خيار أمام النّاس سوى اللجوء إلى شراء منتجاتٍ أكثر كلفة من الأسواق المحلية.

وبالعودة إلى شهر فبراير/شباط، رفعت الحكومة أسعار السّكر وزيت الطهي المدعومين للمرّة الثانية خلال ثلاثة أشهر، الأمر الذي أدّى إلى زيادة قدرها 14.3%، من سبعة إلى ثمانية جنيه مصري في سعر السّكر المدعوم (حوالي 40 سنتًا).

وكذلك ارتفع سعر زيت الطهي المدعوم من 10 جنيهات (0.55 سنت) إلى 12 جنيهًا مصريًا (0.66 سنتًا)، أي بزيادة قدرها 20٪.

بالنسبة إلى عامل السباكة البالغ من العمر 38 عامًا، «سلامة سيد»، فإنّ نظام الدّعم بأكمله «وهمي» ولا يساعده على توفير الطّعام لزوجته وابنته البالغة من العمر عامين.

وقال: «إنّهم (الحكومة) يخدعوننا. يقولون إنّهم يقدّمون لنا الدّعم ثم يلقون إلينا بفضلات ما عندهم».

وأشار «سيد» إلى إحدى الشّعارات الشعبية التي هتف بها المتظاهرون خلال ثورة 2011 التي أطاحت بـ«حسني مبارك»، وهو «عيش (خبز)، حرية، عدالة اجتماعية». وأضاف إنّه بعد ستّة أعوامٍ من الثورة، لم يتم الوفاء بمطالبها بعد.

لا أعرف كيف لنا أن نعيش

اشتكت صفيّة، وهي ربّة منزل تبلغ من العمر 62 عامًا، من أنّ المعاش الشهري لزوجها الراحل والبالغ 900 جنيها مصريا (50 دولارا) لم يعد كافيًا لإطعامها وأسرتها.

وأضافت: «لا أعرف كيف لنا أن نعيش. هذا صعب. صعب جدًا وغير عادل».

وبسبب وضعهم الاقتصادي الصّعب، يعيش كل من ابني صفية وأربعة أحفاد في نفس المنزل.

وفي الوقت نفسه، أمام مجمّع للسّلع الغذائية المدعومة من الدّولة، تنتظر النّساء المسنّات في الطّابور للحصول على نصيبهن من الطعام.

ووصفت «منى حسين»، الأمّ البالغة 60 عامًا، بأنّها «وزيرة مالية» في منزلها، واشتكت من الارتفاع المستمرّ في أسعار المواد الغذائية.

ويعمل زوج منى طبيبًا في مستشفى خاص بالقاهرة وتعتمد الأسرة على دخله الشهري البالغ 6000 جنيهًا (375 دولارا). وعلى الرغم من أنّهم كانوا يعتبرون أنفسهم في السّابق جزءًا من الطبقة الوسطى، مع استمرار ارتفاع الأسعار وبقاء الأجور في حالة ركود، فإنّ معظم الأسر المصرية تكافح الآن من أجل العيش.

وقالت «منى»: «أنا مستاءة جدًا وغاضبة، لم نعد من الطّبقة الوسطى». ووفقًا لتقريرٍ صدر في يناير/كانون الثاني، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 38.6٪ على أساسٍ سنوي.

وأضافت: «أعتقد أنّني لا أشتري نفس الشيء بنفس السعر مرتين، فهناك تغيير كلّ يوم». لا نستطيع تحمل هذا. ولا أعرف لكم من الوقت يمكننا أن نتحملّ.

المصدر | ميدل إيست آي

  كلمات مفتاحية

مصر تعويم الجنيه أسعار الغذاء الاقتصاد المصري

يكافحون من أجل البقاء.. صغار المزارعين يطعمون المصريين